حلْبُ الطحالب يُنتج عطرا أغلى من الذهب
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
يعمل التعقيد الكيميائي لمركبات "السيسكيتربينويدات" العطرية التي توجد في شجرة العود على الحيلولة دون إنتاجها بشكل صناعي، وهو الأمر الذي تسبب بالضغط على تلك الأشجار المهددة بالانقراض وتعد المصدر الرئيسي لهذه المركبات.
ويعتمد الحصول على هذه المركبات في ظل غياب الشكل الصناعي للإنتاج، على مادة الراتنغ الصمغية التي توجد في خشب "شجرة العود"، إذ يُقطّر الراتنغ لتحضير "زيت العود" الذي يمثل مكونا رئيسيا من مكونات عطور راقية وباهظة الثمن، ويُقدر سعر الكيلوغرام الواحد من هذا الراتنغ بنحو 300 ألف من دولارات هونغ كونغ، مما يجعله أغلى من الذهب.
وفي سبيل إيجاد طريقة صديقة للبيئة تحد من الاعتماد على هذا الراتنغ، وبالتالي تقلل من إزالة الأشجار، أعلن الباحثون من فريق استدامة التصنيع بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية "كاوست" في دراسة نشرتها دورية "غرين كمستري"، عن نجاحهم في التوصل إلى طريقة تتيح حلبَ أحد أنواع الطحالب لاستخراج مركبات "السيسكيتربينويدات" العطرية منها، وذلك بعد استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لدفع الطحالب لإنتاج تلك المركبات، وهو ما يمثل بديلا مبتكرا لصناعة العطور.
كانت البداية التي انطلق منها الباحثون محاولة فك التعقيد الكيميائي لمركبات" السيسكيتربينويدات"، وفي هذا الإطار حللوا 58 عينة من خشب العود باستخدام تقنيات متطورة، على النحو التالي:
الكروماتوغرافيا ثنائية الأبعاد أو الفصل اللوني ثنائي الأبعاد؛ حيث تُمرر العينة على عمودين كروماتوغرافيين (العمود الكروماتوغرافي هو عمود أسطواني معبأ أو مطلي بمادة تمر من خلالها العينة)، ويسمح هذا الفصل ثنائي الأبعاد بتحليل أفضل للمركبات، ويُستخدم بديلا أكثر تطورا من الفصل اللوني التقليدي عندما تكون المركبات معقدة كما هو الحال في مركبات "السيسكيتربينويدات". قياس الطيف الكتلي؛ وتوفر تلك الأداة المقترنة بالكروماتوغرافيا ثنائية الأبعاد، معلومات إضافية عن التركيب الجزيئي للمركبات المنفصلة، فعند خروج كل مركب من العمود الأسطواني للفصل اللوني، فإنه يدخل إلى مطياف الكتلة حيث يتأيّن ويتجزأ، وتوفر أطياف الكتلة الناتجة "بصمات" فريدة تساعد في تحديد المركب، ويوفر ذلك دقة عالية، مما يتيح التحديد الدقيق للأوزان الجزيئية للمركبات.وخلص الباحثون من هذه المرحلة إلى تحديد تسعة هياكل أساسية لـ"السيسكيتربينويدات" العطرية، وهي المركبات الأساسية المسؤولة عن الرائحة، وهي "أغاروفوران" و"أغاروسبيران/فيتيسبيران" و"كادينين" و"إريموفيلان/فالنسيني" و"يوديسمان/سيلينين" و"غوايانيس" و"بريزيزانيس" و"جوايني" و"زيزاين".
التحديد غير المسبوق للهياكل العطرية الأساسية في مركبات "السيسكيتربينويدات"، قاد الفريق البحثي إلى توظيف تقنيات الهندسة الأيضية لإجراء تعديلات وراثية في الطحالب وحيدة الخلية "كلاميدوموناس رينهاردتي"، لجعلها تعمل كمصانع بيولوجية قادرة على إنتاج هذه الهياكل.
وأدخل الباحثون باستخدام تقنية "التحرير الجيني"؛ الجينات التي تشفّر الإنزيمات المسؤولة عن التخليق الحيوي للمركبات العطرية في جينوم الطحالب. ومن خلال التعبير عن هذه الجينات تمكنت طحالب " كلاميدوموناس رينهاردتي" من إنتاج الهياكل العطرية المطلوبة.
واختيرت هذه الطحالب كمصنع طبيعي لإنتاج الهياكل العطرية لعدة أسباب أوردها الباحثون في دراستهم، هي:
أولا: تتميز الطحالب وحيدة الخلية "كلاميدوموناس رينهاردتي" بالقابلية للتلاعب الجيني، مما يجعلها مرشحا مثاليا لتجارب الهندسة الأيضية. ثانيا: قدرتها على التمثيل الضوئي، مما يعني أنه يمكنها تسخير الطاقة الضوئية لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات عضوية، وتوفر هذه القدرة على التمثيل الضوئي مصدرا مستداما ومتجددا للكربون من أجل التخليق الحيوي للمركبات العطرية. ثالثا: تعتبر الطحالب عموما كائنات آمنة للأبحاث المعملية، كما أن طحالب "كلاميدوموناس رينهاردتي" على وجه التحديد غير مسببة للأمراض وغير سامة، واستخدامها في الهندسة الأيضية يقلل من المخاوف الأخلاقية ومخاطر السلامة المرتبطة بالعمل مع الكائنات المعدلة وراثيا.بعد أن نجحت تقنيات الهندسة الوراثية في دفع طحالب "كلاميدوموناس رينهاردتي" لإنتاج الهياكل العطرية، تأتي مرحلة استخلاص تلك الهياكل من الطحالب، وذلك عبر تقنية مبتكرة ومنخفضة الطاقة لحلب الطحالب طورها الفريق البحثي.
ومثل جمع العسل من خلايا النحل دون الإضرار بالنحل، فإن التقنية المطورة تستعيد المركبات المستهدفة مع الحفاظ على خلايا الطحالب سليمة، ويتحقق ذلك من خلال طرق تسمح للمركبات بالانتشار خارج الخلايا دون التسبب بتمزقها.
واستخدم الباحثون بعد ذلك تقنية "الترشيح النانوي للمذيبات"، وذلك لتركيز وتنقية الهياكل العطرية التي تنتجها الطحالب المهندسة وراثيا، وسمحت لهم هذه التقنية بالاحتفاظ بتلك الهياكل المرغوبة وتركيزها بشكل انتقائي مع إزالة الشوائب والمذيبات غير المرغوب فيها، وبالتالي تسهيل المعالجة النهائية، فهذه العملية الموفرة للطاقة أشبه بمن يقوم بفصل الذهب عن الرمال، فهي تعمل على تركيز الهياكل العطرية المستخرجة، مما يجعلها أكثر سهولة لمزيد من المعالجة.
وخضعت الهياكل الكيميائية المستخرجة من الطحالب لمرحلة المعالجة -والتي تشبه الطهي باستخدام مكونات عضوية في مطبخ مستدام- استخدم الباحثون خلالها مبادئ الكيمياء الخضراء لتعديل وتعزيز تلك الهياكل، مما أدى إلى توليد ١٠٣ أنواع من مركبات "السيسكويتيربين" العطرية تشبه تلك الموجودة في خشب العود.
الإنتاج الوفير ومزايا أخرىيقول قائد فريق استدامة التصنيع في "كاوست" والباحث الرئيسي في هذه الدراسة البروفيسور المساعد كايل لورسن، في بيان أصدرته "كاوست": إن "طريقتهم لهندسة طحالب كلاميدوموناس رينهاردتي وفرت إنتاجا مرتفعا من السيسكويتيربينويدات العطرية يفوق ما يصل إلى 25 مرة ما أُبلغ عنه في جهود بحثية سابقة".
ويوضح أن هذا الإنتاج الكبير ضروري للجدوى التجارية، ويضمن إمكانية إنتاج كميات كافية من المركبات العطرية لتلبية المتطلبات الصناعية. وبالإضافة إلى ميزة الوفرة المهمة، هناك عدة مزايا بيئية وصناعية مهمة يشير إليها لورسن، ومنها:
إنتاج العطور المستدام؛ وذلك من خلال تسخير الهندسة الأيضية وتقنيات المعالجة الحيوية الخضراء، إذ طور الباحثون بديلا مستداما لإنتاج العطور يقلل من الاعتماد على الطرق الضارة بالبيئة مثل تجريف الأشجار للحصول على خشب العود. إنتاج مركب متنوع؛ فقد تمكن الباحثون من إنتاج مجموعة متنوعة من 103 أنواع من "سيسكيتربينويدات" عطرية، ويمثل هذا توسعا كبيرا في المساحة الكيميائية المتاحة لإنتاج العطور، مما يوفر مجموعة واسعة من المركبات لتطبيقات صناعة العطور. التشغيل في درجة حرارة الغرفة؛ فيمكن أن تتم العملية الحيوية بأكملها -بما في ذلك الهندسة الأيضية للطحالب والتحولات الكيميائية الخضراء- في درجة حرارة الغرفة، وهذا يلغي الحاجة إلى عمليات التدفئة أو التبريد كثيفة الاستخدام للطاقة، مما يقلل من استهلاك الطاقة وتكاليف التشغيل. الحد الأدنى من توليد النفايات؛ تُنتج العملية الحيوية الخضراء التي طورها الباحثون الحد الأدنى من النفايات، مما يجعلها بديلا صديقا للبيئة ومستداما لإنتاج مركبات العطور. التكنولوجيا التي يمكن الوصول إليها؛ فتتيح بساطة العملية الحيوية سهولة التنفيذ في المختبرات المجهزة بالبنية التحتية الكيميائية الأساسية، وتعمل هذه الإمكانية للوصول إلى تمكين الباحثين في بيئات متنوعة من المشاركة في تركيب العطور المستدام. تحديات الإنتاج الصناعيويعتبر النجاح المذهل على المستوى المختبري بمثابة إشارة إيجابية إلى إمكانية تحقيق النجاح على المستوى الصناعي والتطبيقي لطريقة إنتاج العطور عبر التصنيع الحيوي في الطحالب، كما يقول أستاذ الكيمياء بجامعة إلمنيا (جنوب مصر) عمرو عبد المحسن.
ولكن حتى تتحول تلك الإشارات إلى واقع عملي، يؤكد عبد المحسن حاجة الباحثين إلى توضيح العديد من النقاط المتعلقة بالإنتاج الصناعي في دراسات لاحقة، ويقول إن من أبرز ما يتعين على الباحثين توضيحه في تلك الدراسات اللاحقة ما يلي:
مقارنة المركبات العطرية المنتَجة باستخدام العملية الحيوية المطورة؛ بالمركبات المستخرجة تقليديا من ناحية شكل العطر وكثافته وطول عمره وتفضيل المستهلك، كما يجب إعداد ملف كامل عن الخصائص الحسية والملامح الشمية لهذه المركبات. توضيح التحديات والاعتبارات المتعلقة بالإنتاج على المستوى الصناعي، وكيف يمكن معالجتها لتسهيل تسويق التكنولوجيا، وهل هناك طرق لزيادة تحسين الهندسة الأيضية للطحالب والتحولات الكيميائية الخضراء لتعزيز الإنتاجية والانتقائية والكفاءة. توضيح الآثار الاقتصادية المترتبة على اعتماد العملية الحيوية المطورة لإنتاج مركبات العطور، وكيف يمكن مقارنة كلفة الإنتاج بالطرق التقليدية، وما هي العوامل التي تؤثر على فعالية التكلفة الإجمالية، وجدوى التكنولوجيا في السوق.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
الزواج أم العزوبية؟ دراسة تكشف أيهما يحميك من الخرف!
شمسان بوست / متابعات:
كشف فريق بحثي أن كبار السن المطلقين أو الذين لم يسبق لهم الزواج كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف على مدى 18 عاما مقارنة بأقرانهم المتزوجين.
وتشير النتائج إلى أن عدم الزواج قد لا يزيد من القابلية للتدهور المعرفي، خلافا للمعتقدات السائدة في أبحاث الصحة العامة والشيخوخة.
وعادة ما يرتبط الزواج بنتائج صحية أفضل وحياة أطول، لكن الأدلة حول علاقة الحالة الاجتماعية بخطر الخرف ما تزال غير متسقة. فقد أشارت بعض الدراسات إلى ارتفاع خطر الخرف بين غير المتزوجين، بينما لم تجد دراسات أخرى أي ارتباط أو أظهرت نتائج متضاربة فيما يخص الطلاق والترمل.
ومع تزايد أعداد كبار السن المطلقين أو الأرامل أو الذين لم يسبق لهم الزواج، برزت مخاوف بشأن تعرض هذه الفئات لخطر متزايد للإصابة بالخرف. ولم تتناول الأبحاث السابقة بشكل منهجي كيف ترتبط الحالة الاجتماعية بأسباب محددة للخرف، أو كيف يمكن لعوامل مثل الجنس أو الاكتئاب أو الاستعداد الوراثي أن تؤثر على هذه العلاقات.
وفي الدراسة المنشورة في مجلة Alzheimer’s & Dementia، أجرى الباحثون من كلية الطب بجامعة ولاية فلوريدا وجامعة مونبلييه، دراسة طولية لمدة 18 عاما لفهم ما إذا كانت الحالة الاجتماعية مرتبطة بخطر الخرف لدى كبار السن.
وشملت الدراسة أكثر من 24 ألف مشارك غير مصاب بالخرف في بداية الدراسة، مسجلين من أكثر من 42 مركزا لأبحاث مرض ألزهايمر في الولايات المتحدة عبر المركز الوطني للتنسيق.
وخضع المشاركون لتقييمات سريرية سنوية أجراها أطباء مدربون باستخدام بروتوكولات موحدة لتقييم الوظيفة الإدراكية وتشخيص الخرف أو الضعف الإدراكي الخفيف.
ولتحليل الخطر طويل الأمد، تابع الباحثون المشاركين لمدة تصل إلى 18.44 عاما. وصنفت الحالة الاجتماعية في البداية إلى: متزوج، أرمل، مطلق، أو لم يسبق له الزواج.
وحلل الفريق خطر الخرف باستخدام نموذج Cox للخطر النسبي، مع اعتبار المتزوجين كمجموعة مرجعية. وضمت النماذج عوامل ديموغرافية، وصحة جسدية وعقلية، وتاريخ سلوكي، وعوامل خطر وراثية، ومتغيرات تشخيصية وتسجيلية.
وبالمقارنة مع المتزوجين، أظهر المطلقون ومن لم يسبق لهم الزواج انخفاضا واضحا في خطر الإصابة بالخرف خلال فترة الدراسة.
وقد تم تشخيص الخرف في 20.1% من العينة الكلية، مع أعلى نسبة بين المتزوجين (21.9%)، والأرامل (21.9%)، بينما كانت النسبة أقل بكثير لدى المطلقين (12.8%) ومن لم يسبق لهم الزواج (12.4%).
وبعد ضبط العوامل الديموغرافية والسلوكية والوراثية، وجد الباحثون أن المطلقين وغير المتزوجين كان لديهم خطر أقل للإصابة بالخرف، حيث انخفض الخطر بنسبة 34% بين المطلقين و40% بين غير المتزوجين.
ولوحظ نفس النمط في حالات ألزهايمر وخرف أجسام ليوي، لكن لم توجد علاقة واضحة مع الخرف الوعائي أو التدهور الجبهي الصدغي.
وكان المطلقون وغير المتزوجين أيضا أقل عرضة للانتقال من الضعف الإدراكي الخفيف إلى الخرف الكامل.
ولم تختلف النتائج بشكل كبير بين الجنسين أو الفئات العمرية أو مستويات التعليم. واقترح الباحثون أن الضغوط المزمنة المرتبطة بالزواج (مثل المسؤوليات العائلية أو التوتر الزوجي) قد تلعب دورا في زيادة خطر الخرف لدى المتزوجين.
وقد يكون لدى غير المتزوجين شبكات دعم اجتماعي متنوعة (أصدقاء، عائلة ممتدة) توفر حماية معرفية دون ضغوط العلاقة الزوجية.
وتحدت هذه النتائج الافتراضات التقليدية بأن الزواج دائما مفيد للصحة الإدراكية، مشيرة إلى أن العزوبية أو الطلاق قد تكون عوامل وقائية ضد الخرف في بعض الحالات.
ومع ذلك، شدد الباحثون على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لفهم الآليات الكامنة وراء هذه العلاقة المعقدة.
المصدر: ميديكال إكسبريس