"على شفا جُرُف هارٍ"
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
محمد رامس الرواس
التصوير الرباني البديع في الآية "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (التوبة: 109)، يُشيرُ إلى أن كل بناء تم تأسيسه على باطل سيُبطله الله عندما يصاحب هذا البناء نية فساد في الأرض، وهذا البنيان؛ سواءً كان تعميرَ بناءٍ أو إقامة كيان دولة أو غيره، هو على شفا طرف حَفِيرة سينهار بمن فيه إلى هاوية سحيقة، وهذا أمر حتمي ووعد رباني مقرون بدلالات وبراهين وشواهد يسوقها المولى عز وجل في القرآن الكريم، ونتصفحها بكتب التاريخ قديمًا وحديثاً.
والكيان الإسرائيلي جرّاء ممارسته أبشع الجرائم الإنسانية بغزة، يتعرض حاليًا لما يُشبه الانهيار والعزلة الدولية والمقت من المجتمع الدولي، ولم يعد يقف مع إسرائيل اليوم سوى الولايات المتحدة حليفتها التي تحاول أن تنقذها من الانهيار والانجراف نحو جرف يتناثر تحت أقدامهما معًا من خلال تبني إسرائيل سياسة متهورة، وما يصاحب ذلك من اختلاف وشتات قلوب أعضاء مجلس الحرب و الشارع الإسرائيلي.
إنَّ الولايات المتحدة التي تساند دولة الاحتلال أصبحت اليوم خائفة ومترددة؛ فتقارير الساسة والعقلاء والخبراء الدوليين تقول إنَّ هناك أزمات عميقة في الجيش وتفكك في المجتمع الإسرائيلي، وبرغم إرسالها الأسلحة إلى إسرائيل تشعر أمريكا أنها قد تنجرف مع إسرائيل إلى نفس المصير. وما نشاهده الآن في المظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح العالم شرقًا وغربًا، وطالت إسرائيل نفسها، وتطالب دولة الاحتلال بالتوقف عما تفعله، بينما مجلس الحرب الإسرائيلي يصر على الاستمرار متحديًا الجميع إنما هو مقدمة لانهيار قادم لإسرائيل ومن ثم زوالها.
إنَّ المقاطعة الشعبية لمنتجات الدول الداعمة لإسرائيل، وصدور التقارير الأممية والقرارات الدولية التي تدين الكيان الإسرائيلي وتفضح نواياه المُبيَّتة لتدمير حياة الفلسطينيين من خلال هذه الحرب الوحشية، يُقابلها بداية انهيار بدولة الكيان وإن كان ببطء، فليست البنية التحتية لغزة هي التي انهارت جراء القصف؛ فالشعب الفلسطيني والمقاومة متماسكون ومتحدون وموكلون ومفوضون أمرهم لله، إنما كيان دولة إسرائيل هو الذي سينهار؛ فالطوفان قد بدأ بالفعل وبرغم كل الخسائر الفلسطينية، إلّا أن هناك جرفًا سيتناثر تحت أقدام دولة الكيان الإسرائيلي ويدفع بها نحو الهاوية قريبًا بإذن الله تعالى.
قد يسأل سائل: ما جدوى مثل هذه التقارير الأممية مثل تقرير فرانشيسكا ألبانيز بعنوان: "تفصيل الإبادة الجماعية" والتي اختتمته قائلة "ربما يكون أفضل وصف يمكنني تقديمه هو أن ما ينكشف تحت أعيننا هو كارثة سياسية وإنسانية ذات أبعاد أسطورية، وأعتقد أن هذا هو الوصف الوحيد الذي يصور إلى حدٍ ما الأحداث على الأرض"، وغير ذلك من مشاريع أممية لوقف إطلاق النار بغزة، وقرارات محكمة الجنايات الدولية التي تدين إسرائيل، والتصويت لوقف الحرب، والمظاهرات التي تجتاح مدن دول العالم شرقًا وغربًا، إضافة إلى استقالات المعارضين التي تحصل بالحكومة الأمريكية وآخرها استقالة أنيل شيلاين اعتراضًا على سياسة بلادها تجاه الفلسطينيين، وغيرها من الأمور، وإن كانت بسيطة مثل المعاملة السلبية غير المسبوقة التي يتلقاها حاملو الجوازات الإسرائيلية بالمطارات الدولية.
ما فائدة كل ذلك إن لم تحصل هناك نتيجة آنية؟!
لا شك أن كل ذلك وغيره يُشكل مُسببات ومواقف إنسانية وتبعات قانونية دولية تودي إلى عزلة دولية للكيان الإسرائيلي البغيض، ومن ثم نبذها وانهيارها وزوالها مع الوقت، وهذا ما يحصل الآن بالفعل، وإن كان ببطء، فقد تخلت العديد من الدول الغربية عن دعمها لإسرائيل، مقارنة بما كانت تقوم به في بداية الحرب على غزة، ولم يعد كيان الاحتلال الإسرائيلي يتمتع بالمواقف الدولية المساندة له من دول الغرب، أما دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها البرازيل؛ فموقفها واضح منذ البداية من خلال إدانتها لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بينما الشرق الأقصى الصين واليابان وروسيا وغيرهم أصبحوا مقتنعين تمامًا بأن ما يجري في غزة يتجاوز المعقول ويجب وقف إسرائيل والتصدي لها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لابيد: لا يجب أن يبقى الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة
قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024، إن على الجيش الإسرائيلي أن لا يبقى في قطاع غزة ولكن عليه أن يحتفظ بحرية تنفيذ عمل عسكري في القطاع بعد انتهاء الحرب.
وقال لابيد في منشور على منصة "إكس": "قلت قبل عشرة أشهر إن هدف إسرائيل في غزة يجب أن يكون وضعا مثل المنطقة (أ) في الضفة الغربية، حيث يدخل الجيش الإسرائيلي كلما اكتشف نشاطا معاديا ويعمل دون قيود".
والمنطقة "أ" هي المدن بالضفة الغربية التي يفترض بموجب اتفاقية أوسلو (1995) بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أن تخضع للسيطرة المدنية والأمنية الفلسطينية الكاملة ولكن الجيش الإسرائيلي بات يجتاحها بشكل متكرر في السنوات الماضية.
وصنفت اتفاقية أوسلو أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و "ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و "ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.
وأضاف لابيد: "هذا الصباح قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس نفس الشيء بالضبط. وأن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا".
والثلاثاء قال وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في منشور على منصة "إكس" إن تل أبيب تعتزم السيطرة أمنيا على قطاع غزة والاحتفاظ بحق العمل فيه بعد الحرب، كما هو الحال في الضفة الغربية.
وتابع لابيد: "يتعين على إسرائيل أن تبدي عدم التسامح مطلقاً مع أي محاولة من جانب حماس لإعادة بناء قوتها العسكرية، ولكن لا ينبغي لها (إسرائيل) أن تستقر في غزة، ولا ينبغي لقوات الدفاع الإسرائيلية أن تستمر في خسارة جنودها في جباليا (شمال قطاع غزة) إلى الأبد بسبب أوهام أوريت ستروك" وزيرة الاستيطان الإسرائيلية التي تدعو لإعادة احتلال قطاع غزة وإقامة مستوطنات فيه".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دعت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك من حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، إلى استمرار احتلال قطاع غزة لـ"فترة طويلة جدا"، إضافة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة.
وقال لابيد "نحن بحاجة إلى عقد صفقة رهائن، وإنهاء الحرب، والمساعدة في إنشاء حكومة بديلة في غزة تضم السعوديين، ودول اتفاقيات إبراهام، وذراعًا رمزيًا للسلطة الفلسطينية، وفي كل مرة ترفع فيها حماس رأسها، يأتي الجيش الإسرائيلي ويضربها بكل قوته".
وتحتجز تل أبيب في سجونها أكثر من 10 آلاف و300 فلسطيني، وتقدر وجود 100 أسير إسرائيلي بقطاع غزة، فيما أعلنت حماس مقتل عشرات منهم في غارات عشوائية إسرائيلية.
وتجري مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل و"حماس" للتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل أسرى.
وأكدت حماس مرارا جاهزيتها لإبرام اتفاق لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار، ووافقت بالفعل في مايو/ أيار الماضي على مقترح قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن نتنياهو تراجع عنه وطرح شروطا تعجيزية جديدة، بينها استمرار الحرب وعدم سحب الجيش الإسرائيلي من غزة.
وتتهم المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق، للحفاظ على منصبه وحكومته، إذ يهدد وزراء متطرفون بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال القبول بإنهاء الحرب.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة أسفرت عن نحو 152 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
المصدر : وكالة سوا - الأناضول