سودانايل:
2025-01-31@04:44:07 GMT

قطر.. الدور المفقود في حرب السودان

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
ولكأنما لملمت عزالها وانتبذت مكانا قصيا ترقب تمزق الدولة السودانية بفعل الحرب. أو لكأنما نواياها انطوت على ما لا يمكن البوح به في عوالم السياسة حتى تتكشف الأحداث عما تأمل أن تنتهي إليه الأمور. هكذا قد تبدو الصورة لمن ينظر إليها مِن بعيد لموقف قطر مِن الحرب التي تدور في السودان.


لم تكن الدبلوماسية القطرية في العقدين الأخيرين بهذا البُعد والابتعاد عن مجريات الأوضاع في السودان، فقد كان لدى دولة قطر حضور طاغٍ على مسرح الأحداث بما يشمل ثقلها الإقليمي والدولي في مجال بناء و صناعة السلام في السودان، فقد اكتسبت الدولة الخليجية احترام معظم قطاعات الشعب السوداني بعد الجهود الحثيثية والمعقدة التي بذلتها في استضافتها لعملية سلام دارفور ، حيث لم تكتف بتسجيل ذلك الحضور بتقديم الوساطة وحث الأطراف على توقيع سلام الدوحة فحسب، وإنما بذلت مجهودات كبيرة وسخية في عمليات إعادة الإعمار في الإقليم المنكوب، وربما كانت تجربة الدوحة مع سلام دارفور أحد أهم المعالم التي وجدت ترحيباً وارتياحاً وأكسبتها سمعة حسنة في المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة، هذا فضلا عن الخبرة العملية بواقع وديناميّات الصراع في السودان.
ربما يلتمس المتابع شيئاً من جفوة بين سودان ما بعد الثورة ودولة قطر نتيجة لإنهيار نظام الاسلاميين في السودان. وقد يكون من الاجحاف ربط فاعلية وديناميكية الدبلوماسية القطرية بمحاولة إنقاذ نظام الاسلاميين في السودان، رغم العلاقة الحميمة والراسخة معهم، غير أن ذلك لم يكن هو الدافع الأوحد لإبتعاد قطر المدروس عن مجريات الأحداث في السودان إبان الحرب التي إندلعت في أبريل 3023. فالفاعلية القطرية وما يمكن أن تلعبه من أدوار في محاصرة وإنهاء الحرب قد أحست به قوى الحرية والتغيير فخفّت لزيارة الدوحة بوفد على مستوى قيادتها في أواخر شهر أغسطس من العام 2023م. كما أن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان قد شد الرحال هو الآخر بُعيد خروجه من القيادة العامة لزيارة أمير قطر ضمن اول ثلاث زيارات خارجية له.. كل ذلك يؤكد أن الدوحة يمكن أن تعلب دوراً محورياً لحل مشكلة الحرب في السودان.. غير أن مُعطى حرب إسرائيل على قطاع غزة التي اندلعت منذ أكتوبر 2023م جعل قطر تركز جل مجهوداتها الدبلوماسية والسياسية في ذلك الصراع وذلك نسبة لما راكمته الدوحة أيضا من خبرات في ذلك الصراع الأخطر بالنسبة للمنطقة. فحرب غزة والاهتمام القطري بها لم يكن هو الدافع الأوحد لجعل الدوحة تشيح بوجهها عن أخطر أزمة تواجه السودان، فربما كان للدوحة تقدير آخر للموقف السوداني، فهي تنظر للفاعلين في الصراع داخليا وخارجيا بنظرة هي خليط من (التأني والتأمل) ... ففي التقييم العام فالدوحة بما تكنه من إحترام وتقدير للشعب السوداني ليست في مقام تجاهل هذه المحنة والتي هي أول مَن يدرك أن معالجتها لا تقتصر فقط على مجرد إرسال المعونات الإنسانية عبر الطرود الطائرة Flying parcels للمتضررين من الحرب، وإنما بتفعيل تلك الخبرات المتراكمة التي اكتسبتها من مجمل وساطاتها في أزمة دارفور ومعرفتها العميقة بديناميات الصراع في السودان، وإداركها الواعي لمستوى الإحترام والتوقير اللذين تُحظى بهما وسط جميع الفاعلين السياسيين في السودان.. غير أنها فيما يبدو تتشبث بحالة (التأني والتأمل) بصورة مدروسة بغية منح الوساطة السعودية- الأمريكية الوقت الكافي للوصول لأى إتفاق يمكن أن ينهي الحرب. كما أن ضرورات التحليل قد تجبر المرء على السير باتجاه آخر لسبر أغوار "النوايا السياسية" فالأهم فيما يبدو بالنسبة للدوحة أنها تدرك أن هنالك دولة أخرى في جوارها المباشر متورطة في الحرب لصالح احد الطرفين المتحاربين، وقد يستنزفها ذلك التورط الكثير من سمعتها و مقدراتها ومواردها المادية والمالية، وقد يكون في ذلك فرصة مواتية للدوحة لكي تشاهد غريمتها الخليجية وهي تغوص في مستنقع لم تُحسب حساباته بصورة دقيقة. وقد يكون تفسير الدوحة لذلك مرتكز على افساح المجال لجارتها لتعيد ترتيب أفكارها ومواقفها السياسية وفقا لمطنق تسوده عقلانية أكثر بدلاً عن التورط الطفولي في عداءات بدون مبررات كافية لن تورث أصحابها إلا خسارا في لعبة الأمم... فقد خاضت الدوحة نفسها تجربة مريرة مع ذات التوجه "الطفولي"إبان الحصار الذي ضُرب عليها دبلوماسياً واقتصادياً وإجتماعياً أفلحت في تخطي محنته بجلد وأناة، بعد أن تقبلته بروح (توينبية) نسبة للفيلسوف والمؤرخ توينبي Toynbee صاحب نظرية التحدي والاستجابة، فقد خرجت من تلك المحنة كأمة أكثر قدرة على الصمود More resilient nation لذلك فقد تشعر الدوحة بنوع من الارتياح كلما غاصت غيريمتها الخليجية في مستنقع حرب السودان. فالدوحة تدرك بأن الفاعلية في المحيط الإقليمي والدولي لا تُبنى على استعداء الآخرين، وإنما بالتوجه نحو بناء علاقات يتم فيها تبادل المصالح كما يتبادل فيها الإحترام.
على عموم الأمر، فقد ظهر جلياً أن الوساطة السعودية - الأمريكية قد تحتاج لدفع أقوى من مجرد استضافة غريمين متناحرين بتوفير المكاتب الجيدة Good offices وهذا أمر تدركه حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. فما لم تكن هنالك ضغوط سياسية حقيقية من ناحية وحوافز مشجعة من ناحية أخرى، لن تجدي الوساطة نفعاً. كما أنه ومن جهة ثانية فإن الدوحة ترقب مبادرة دول جوار السودان التي لم تتعدَ مجهوداتها في أحسن الأحوال إعلان الوجود بما يتناسب وجهد المُقِل، لذلك فإن استنفار الدوحة لمكنون خبراتها وقدراتها وإمكاناتها الدبلوماسية سوف تدفع حتماً لإيجاد صيغة توقف الحرب في السودان بأقصى سرعة وأيسر سبيل، دون أن يكون ذلك خصم على مجهوداتها السياسية والإنسانية في غزة.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

“هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎

الثورة نت

أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” عاموس هرئيل إلى أن صور الحشود الفلسطينية التي تعبر سيرًا على الأقدام من ممر “نِتساريم” في طريقها إلى ما تبقى من بيوتها في شمال غزة، تعكس بأرجحية عالية أيضًا نهاية الحرب بين “إسرائيل” وحماس، مؤكدًا أن الصور التي تم التقاطها، يوم أمس الاثنين، تحطم أيضًا الأوهام حول النصر المطلق التي نشرها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ومؤيدوه على مدى أشهر طويلة، وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.

ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “إسرائيلي” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى “إسرائيليين” في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.

تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على “إسرائيل” استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.

وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.

وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – “إسرائيلية” وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.

وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء “إسرائيلي”.

مقالات مشابهة

  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • آفة هذا الصراع
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • الرئيس السيسي: بحثنا مع الرئيس الكيني الأوضاع في السودان الشقيق وتبادلنا الرأي حول سبل إنهاء الصراع
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذا توقف دعم الغرب
  • بوتين يؤكد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية إذ توقف دعم الغرب
  • لوموند: لا بد من تحديد هوية الأطراف الرئيسية في الحرب بين الكونغو الديمقراطية ورواندا
  • السودان؛ الحرب المشهودة
  • السودان.. حرب بلا معنى