مشروع اتفاق “المنامة” وخطر الافلات من العقاب
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
بقلم: تاج السر عثمان
اشرنا سابقا الي وثيقة اتفاق "المنامة"غير المعلن المطروح على طاولة الأطراف العسكرية السودانية الذي يمنح قائدي الجيش والدعم السريع الحصانة أو الافلات من العقاب، وكانت صحيفة "القدس العربي" قد نشرت ملخصا للاتفاق، كما نشرت صحيفة " المجلة- لندن" بتاريخ: ١٩ مارس ٢٠٢٤ نص الاتفاق أو الوثيقة بعنوان" مقترح الحل السياسي لانهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية".
المشروع جاء بتدخل خارجي وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات ودول أخرى، وهو عبارة عن تسوية تتضمن شراكة جديدة في الحكم لمدة عشر سنوات بين الجيش والدعم السريع، وتكوين جيش من القوات المسلحة والدعم السريع والحركات المسلحة، بدلا من شعار الثورة "العسكر للثكنات والجنجويد ينحل" بانجازالترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
وهي تسوية في جوهرها تعيد إنتاج الأزمة والحرب من جديد، مما يهدد بتمزيق وحدة البلاد.
ركما أن المشروع لايشير للمحاسبة وتقديم مجرمي الحرب والجرائم ضد الانسانية للمحاكمات، بل يمنح المشروع الحصانة لقائدي الجيش والدعم السريع، اضافة للسماح لهما بالعمل السياسي في الانتخابات.
كما يمنح المشروع الحصانة للقادة الأربعة المختارين من الجيش والدعم السريع بعد إكمال مهمتهم واحالتهم للمعاش.
٢
اوضحنا سابقا الدمار الكبير الذي احدثته الحرب التي تقترب من عامها الأول، والانتهاكات التي حدثت من طرفي الحرب من جرائم ضد الانسانية وإبادة جماعية وتطهير عرقي وعنف جنسي واغتصاب، ونزوح الملايين داخل وخارج البلاد، ومقتل واصابة وفقدان الالاف من الأشخاص، اضافة لتدمير البنيات التحتية ومرافق الدولة الحيوية والمصانع والأسواق والبنوك ومواقع الإنتاج الصناعي والزراعي، مما يهدد حياة ٢٥ مليون سوداني بنقص الغذاء حسب بيانات الأمم المتحدة، اضافة لتوقف التعليم ونقص الخدمات الصحية وانتشار الأمراض، وحالات الاعتقالات والقتل والتعذيب في سجون طرفي الحرب.
جاءت الحرب مواصلة للانتهاكات ومجازر ما بعد انقلاب 25 أكتوبر التي هي امتداد لمجازر اللجنة الأمنية بعد انقلابها في 11 أبريل 2019 ،مثل: مجزرة فض اعتصام القيادة العامة والولايات التي مازالت تنتظر القصاص العادل للشهداء، اضافة للمجازر الأخري في اطلاق الرصاص علي المظاهرات السلمية كما حدث في الأبيض وغيرها.
فضلا عن مجازر النظام البائد ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية في دارفور التي تتطلب تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، التي استمرت بعد الحرب كما حدث في جرائم الابادة الجماعية في الجنينة ، وزالنجي، نيالا، والابيض، جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق .الخ ، في محاولة لتحويل الحرب الي عرقية واثنية ، وما تبعها من سلب ونهب واغتصاب للنساء.
بالتالي لا يمكن تكرار التسوية مع طرفي الحرب بحيث يتم الافلات من العقاب الذي يشجع على المزيد من ارتكاب الجرائم والانتهاكات كما حدث بعد تجربة ثورة ديسمبر، وتجارب ما بعد الاستقلال.
٣
أشرنا سابقا الي أن الحرب هي نتاج للآزمة العامة التي نتجت بعد الاستقلال، ودخول البلاد في الحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية التي أخذت أكثر من 57 عاما من عمر الاستقلال البالغ أكثرمن 67 عاما، فلم تنعم البلاد بالاستقرار السياسي والاقتصادي والسلام ، اضافة للقمع الوحشي من تلك الأنظمة الديكتاتورية والمدنية ، وما نتج عنها من انتهاكات ومجازر لم يتم فيها المحاسبة مما أدي لتكرارها، مما يتطلب :
- خروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، ووضع حد للانقلابات العسكرية التي دمرت البلاد.
- مواصلة وتوسيع المقاومة لوقف الحرب واسترداد الثورة ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي.
- عدم الافلات من العقاب والقصاص للشهداء، وتقديم مجرمي الحرب والجرائم ضد الانسانية للمحاكمات، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية
- الترتيبات الأمنية لحل مليشيات الدعم السريع، وجيوش الحركات ومليشيات الإسلامويين، وقيام الجيش القومي المهني.
- ضم شركات الأمن والجيش والدعم السريع والشرطة لولاية وزارة المالية.
- تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واستعادة أموال الشعب المنهوبة.
- تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
- تعزيز السيادة الوطنية وحماية ثروات البلاد من النهب، وقيام علاقات خارجية متوازنة بعيدا عن المحاور، وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجیش والدعم السریع الافلات من العقاب ضد الانسانیة
إقرأ أيضاً:
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب
أجمع صحفيون وصحفيات على عدد من الأولويات العاجلة لضمان قيام الإعلام بدور فاعل في تحقيق العدالة الانتقالية، المساءلة، ومحاربة الإفلات من العقاب. وشددوا على ضرورة كبح خطاب الكراهية والعنصرية الذي تروّج له بعض المؤسسات الإعلامية، وعدم ترك المجال لإعلام الحرب للهيمنة على الفضاء الإعلامي.
كما دعوا إلى استعادة ثقة المواطن السوداني في وسائل الإعلام بجميع أشكالها—المقروءة والمسموعة والمرئية—إلى جانب العمل على تحقيق السلام والاستقرار، ترسيخ سيادة القانون، ووضع ميثاق شرف مهني يلتزم به العاملون في المجال الإعلامي.
وأشار الصحفيون إلى أن الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في السودان، سواء خلال النزاع في دارفور، الحرب في جنوب السودان، منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، أو حرب 15 أبريل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، لم تحظَ بإنصاف حقيقي للضحايا وأسرهم. وأكدوا أن التهاون مع مرتكبي الجرائم وتبرير العنف ضد المدنيين شجع على مزيد من الانتهاكات، ما عمّق الانقسامات المجتمعية وأعاق تحقيق العدالة الانتقالية.
وأكدوا أن الإعلام، حين يكون مسلحًا بالمهنية والاحترافية وأخلاقيات المهنة، يلعب دورًا أساسيًا في صون كرامة الضحايا، والمساهمة في تحقيق العدالة الانتقالية من خلال آليات محددة تشمل:
• المحاسبة والكشف عن الحقيقة
• جبر الضرر
• الإصلاح المؤسسي لضمان عدم تكرار الفظائع
وأوضحوا أن الإعلام يشكل ركيزة أساسية في مرحلتي النزاع وما بعد النزاع، حيث يتجاوز دوره التغطية الإخبارية ليصبح أداة فعالة في تهدئة الرأي العام، تقليل التوترات المجتمعية، فضح انتهاكات حقوق الإنسان، وملاحقة الجناة المتورطين في الجرائم ضد المدنيين.
مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة
اعتبرت رئيسة تحرير صحيفة الميدان، الأستاذة إيمان عثمان، أن الإعلام في ظل الوضع الراهن سلاح ذو حدين؛ فقد يسهم في تأجيج الحروب، كما حدث في 15 أبريل 2023، حيث تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية عبر المقالات والأخبار. وأشارت إلى أنه منذ اندلاع الحرب، انبرت الأقلام المحسوبة على طرفي النزاع في إذكاء نيران الصراع، عبر التهديد والوعيد.
وأضافت عثمان أنه في ظل انتشار خطاب الكراهية والعنصرية، يبدو دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة الانتقالية بعيد المنال، خاصة مع وجود صحف وصحفيين كرّسوا لنشر التضليل والمعلومات الكاذبة، وكانوا لسنوات "كتّاب سلاطين"، مما يجعلهم جزءًا من المشكلة في غياب إعلام يعزز ثقافة السلام.
وأكدت على ضرورة سد الفجوة بين الصحفيين والقانونيين الذين يتبنون مفهوم العدالة الانتقالية، مشددة على أن المرحلة الحالية تتطلب من الإعلام كبح خطاب الكراهية، وإعادة بناء الثقة والاحترام للإعلام السوداني، خاصة في ظل فقدان المواطن ثقته في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
وترى عثمان أن الإعلام، في وضعه الحالي، غير مؤهل للعب دور فاعل في تحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة، لأن هذه المهمة تحتاج إلى وقت طويل وإصلاحات جوهرية، تشمل:
• وقف خطاب الكراهية والعنصرية
• بناء الثقة بين الجماهير والإعلام
• وضع ميثاق شرف مهني يتوافق عليه الإعلاميون
• ترسيخ سيادة القانون وعدم الإفلات من العقاب
وأشارت إلى أن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل دولة مدنية ديمقراطية تنبذ القبلية والعنصرية وخطاب الكراهية.
.
صحافة السلام
من جانبه، قال الصحفي فيصل الباقر، المنسق العام لـ (صحفيون لحقوق الإنسان - جهر)، إن الدراسات الحديثة في مجال "الميديا" تؤكد أن الإعلام قوة "ناعمة" فائقة التأثير، نظرًا لقدراته الهائلة في تشكيل الرأي العام. وهذا يستدعي الانتباه إلى خطورته وأهمية العناية بالعمل الإعلامي، خاصة فيما يتعلق بإنتاج المحتوى.
وأشار إلى أن التجربة أثبتت أن الدول والجماعات المختلفة تستخدم الإعلام للسيطرة ليس فقط على العقول، بل أيضًا على المشاعر. وكما يمكن للإعلام أن يكون أداة لنشر الوعي والمعرفة والمعلومات الحقيقية، فإنه قد يُساء استخدامه لنشر التضليل، والأكاذيب، والبروباغاندا، مما يجعل الاهتمام بالإعلام أمرًا ضروريًا.
وأضاف الباقر أن الإعلام يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في مكافحة الإفلات من العقاب، وهو أحد أهم أدوار (صحافة حقوق الإنسان) و*(صحافة السلام)*، التي تُعرف بـ "صحافة المناصرة"—أي الصحافة التي تدافع عن قضايا حقوق الإنسان. وهي صحافة تمتلك حساسية تجاه حقوق الإنسان، وتلتزم بمعايير البحث عن الحقيقة ونشرها للجمهور.
مسؤولية أخلاقية
أضاف الباقر أن الفضاء الإعلامي السوداني يهيمن عليه إعلام يدعو للحرب، ويكرّس خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية، بل يتجاوز ذلك، إذ أصبح - في تقديره - إعلامًا يُنتج خطابًا يحرض على الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وكما نرى ونقرأ، فهو إعلام ممول من أطراف النزاع لخدمة أهدافهم الحربية.
وفي المقابل، يستدعي هذا الوضع جهودًا كبيرة من الصحافة المهنية المؤمنة بقيم السلام والتعايش السلمي والمجتمعي، لمنع إعلام الحرب من السيطرة على الساحة الإعلامية بمفرده. وأكد فيصل أن (صحفيون لحقوق الإنسان - جهر) ظلوا يعملون بكل ما لديهم من معرفة نظرية وعملية لتحمل مسؤوليتهم المهنية والأخلاقية، عبر إنتاج محتوى صحفي يحترم كرامة الضحايا، إيمانًا بأن الإعلام يشكّل ركيزة أساسية خلال مرحلتي النزاع وما بعده.
وأوضح أن دور الإعلام والصحافة لا يقتصر على التغطية الإخبارية فحسب، بل يجب أن يركز على قضايا الإنصاف، وجبر الضرر، والمساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، بأبعادها التشريعية والقانونية والأخلاقية والاجتماعية. كما شدد على ضرورة وضع هذه القضايا في مقدمة الأجندة الصحفية، مع كتابة القصص الصحفية وسرديات الأخبار بمنظور يحترم حقوق الإنسان ويسعى إلى أنسنة المحتوى الإعلامي.
جسور الثقة
قال فيصل إن الإعلام يلعب دورًا محوريًا في تأجيج النزاعات عبر "صب الزيت على النار" أو تهدئتها عبر "صب الماء عليها"، وهذا هو دور الإعلام المسؤول. ما نشهده في تغطية الحرب في السودان هو إعلام حرب، أو بالأحرى، حرب إعلامية موازية للقتال على الأرض.
تركّز هذه الحرب الإعلامية على أخبار القادة المتحاربين وتصريحاتهم، وتنقل خطاباتهم إلى جنودهم في ساحات المعارك. إنه إعلام موجَّه يضخّم الانتصارات أو الهزائم، بينما يتجاهل معاناة المدنيين وحاجتهم إلى الدواء والغذاء، بل وحقهم في الحياة وصون كرامتهم الإنسانية. باختصار، هو إعلام يحوّل ضحايا الحرب إلى مجرد "أرقام" تُذكر، دون أي اهتمام بمشاعرهم أو حتى إظهار التضامن معهم.
وكما ذكرتُ، فالإعلام سلاح ذو حدين؛ يمكن أن يكون أداة "ضارة" تُشعل الحرب، وتثير الكراهية والانقسامات العرقية والجندرية، أو يكون أداة "نافعة" تساهم في بناء جسور الثقة والمحبة بين المجتمعات.
وختم الباقر حديثه بالتأكيد على ضرورة امتلاك الصحفيين والصحفيات والإعلاميين والإعلاميات للمعرفة القانونية الكافية عند تغطية قضايا العدالة والعدالة الانتقالية، بما يشمل الإلمام بالإجراءات والمفاهيم القانونية. وهذا ما تسعى إليه (جهر) من خلال التعليم وبناء القدرات المعرفية، بهدف تمكين الحقيقة وتعزيز صحافة تراعي حقوق الإنسان في تغطياتها ومعالجتها الإعلامية للقضايا.
تقرير: حسين سعد
ishaghassan13@gmail.com