31 مارس، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

محمد صالح صدقيان

في الأسبوع الماضي، مرّت الذكری السنوية الأولی للمصالحة السعودية الإيرانية التي تمت برعاية الصين وضمانتها، وذلك تتويجاً لمسار ديبلوماسي، سري وعلني، شارك في أجزاء منه العراقيون والعُمانيون، الأمر الذي أوصل الجانبين في 10 آذار/مارس 2023 إلى اتفاقية تُهيئ الأرضية السياسية لعودة العلاقات الطبيعية بينهما وطي صفحة قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات.

نصّت الاتفاقية التي تم توقيعها بين الرياض وطهران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح السفارات والقنصليات خلال مدة أقصاها شهران والتأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة في 17 نيسان/أبريل 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في 27 أيار/مايو 1998 إضافة إلى تشديدهما على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

هذه الذكری مرّت قبل ثلاثة أسابيع ولم تأخذ حقها في الإعلام لأسباب عدة أبرزها الحرب التي يشنّها الكيان الإسرائيلي ضد قطاع غزة للشهر السادس على التوالي؛ لكن الأكيد أن ما أُنجز في آذار/مارس 2023 شكّل تطوراً مهماً علی صعيد العلاقة بين بلدين يَنسُجُ كل واحد منهما شبكة علاقات اقليمية ودولية متعددة إضافة إلی امتلاكهما امكانات سياسية وأمنية واقتصادية مهمة تؤسس لتعاون وتنسيق مشترك في مجالات متعددة، فضلاً عن تأثير هذا الإنجاز على منظومة العلاقات الإقليمية والدولية.

وعلی الرغم من إعادة فتح المقار الدبلوماسية والقنصليات وعودة السفراء إلى كل من طهران والرياض، إلا أن العلاقات الثنائية لم تتطور كما كان مُنتظراً لأسباب شتى أبرزها يتصل بحدث “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما أعقبه من تداعيات وتطورات ما تزال تُخيّم على بلدان الإقليم منذ ستة أشهر، ومنها ما نشهده في مياه البحر الاحمر وجنوب لبنان وسوريا والعراق، ناهيك بالمجزرة المفتوحة على أرض غزة.

وفي جردة سريعة للمنسوب الذي بلغته العلاقات السعودية الإيرانية منذ سنة حتى يومنا هذا، من الواضح أن حجم الثقة المتبادلة بين البلدين، سياسياً وأمنياً وإعلامياً، ما تزال دون المستوی المطلوب، وبالتالي، تستوجب من المسؤولين في كلا الجانبين، توافر الإرادة الصادقة ومن ثم ترجمتها بالعمل الجاد من أجل تعزيز هذه الثقة خصوصاً ما يتصل بملف الأمن الإقليمي (بعد إيجاد تعريف شبه موحد لهذا الأمن)، وهذه نقطة مفصلية تكتسب أهمية إستثنائية ومن شأن مقاربتها رفع مستوی التعاون بين الجانبين.

وليس خافياً أن انخفاض مستوی الثقة لا يتحمل مسؤوليته طرف دون الآخر، لأن كل بلد يشعر بضرورة توفر عوامل لدى الآخر قبل تطوير التعاون والتنسيق في المجالات المتعددة، وهذا الأمر مرده إلی اختلاف وجهات النظر في مقاربة العديد من القضايا والملفات في الإقليم وفي مقدمتها دور فصائل “محور المقاومة” الإقليمي برعاية طهران.

أنا لا أعتقد أن إيران مستعدة حاضراً للتفريط بدور هذا المحور لمصلحة ترتيب علاقاتها الإقليمية والدولية، وذلك إستناداً إلى مجموعة عوامل أبرزها خطر التهديد الإسرائيلي (والأمريكي) لها ولحلفائها في هذا “المحور”؛ وفي المقابل، تستشعر السعودية بالكثير مما يُمكن أن يُهدّد أمنها القومي جراء نفوذ فصائل “المحور” في عدد من البلدان العربية ولا سيما اليمن.

أمام هكذا واقع معقد ومتشابك من المصالح والتهديدات المتبادلة، على البلدين اتخاذ قرارات صعبة ومهمة وشجاعة من أجل وضع العلاقات الثنائية علی سكة تتوفر فيها عناصر الثقة إضافة إلی ايجاد آليات يتوصل من خلالها الجانبان إلى تعزيز هذه الثقة وتنميتها بما يحقق مصالحهما المشتركة، وهذا الأمر ممره الإلزامي إجراء مكاشفة واضحة سعياً للتوصل إلى حلول للمواضيع التي تقلق الجانب الآخر وعدم السماح بتناولها إعلامياً لحساسيتها وحاجتها إلى بحث مستفيض وجدي وواقعي. ربما هذا الأمر يقتضي أيضاً إشراك دول مجلس التعاون الخليجي التي تشاطر السعودية هواجسها وتفسيراتها ومفاهيمها للأمن الاقليمي وكونها صاحبة مصلحة في الوقت نفسه في تنمية علاقاتها مع إيران.

ومن العوامل المهمة أيضاً لتعزيز الثقة، إبرام اتفاقيات عدم اعتداء بين إيران ودول مجلس التعاون وعدم السماح باستخدام أراضي أيٍ من هذه الدول للاعتداء علی الجانب الآخر. مثل هذه الاتفاقيات تُعزّز الثقة التي أشار إليها بيان عودة العلاقات في آذار/مارس من العام الماضي حيث أكد علی تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين طهران والرياض في العام 2001 لكنني أعتقد أن هذه العلاقات تحتاج إلى تفاهمات أكبر من أجل إزالة القلق وتعزيز الثقة وصولاً إلی حالة من التنسيق المشترك في المجالات المختلفة.

في هذا السياق، ثمة فرضية متداولة في عدد من عواصم المنطقة أنه فور انتهاء حرب غزة، لا بد من تسريع آلية انهاء الأزمة اليمنية من خلال مصالحة يمنية شاملة وتشكيل حكومة يمنية تستند إلی تفاهمات راسخة بين الأطراف المختلفة بمساعدة من كل الاطراف ذات العلاقة إقليمياً ودولياً.

ومن المفيد التذكير بأن إيران طرحت في أيلول/سبتمبر 1998 مبادرة “هرمز للسلام” ، لإحلال السلام بين الدول المطلة على المياه الخليجية، وهذه المنطقة مؤهلة لبحث مبادرات مماثلة لتعزيز السلام وزيادة الثقة.

إن الرغبة المتوفرة لدی قيادة بلدان المنطقة تُشكل قاعدة لإعادة صياغة العلاقات الإيرانية العربية، والإيرانية الخليجية علی وجه التحديد، والانطلاق من خلالها لحل جميع المشاكل العالقة بين الجانبين بما يُحقّق مصالح دول وشعوب هذه المنطقة التي تعبت من أكلاف التوترات والأزمات المستمرة منذ عقود من الزمن.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

من غزّة إلى عمّان.. الطفل مصعب يخوض رحلة علاج من جراح حرب نفسية وجسدية

عمّان، الأردن (CNN)-- يواظب الطفل الفلسطيني، مصعب فتحي عوض 15 عاما، على الالتزام بتعليمات علاجه الوظيفي والطبيعي الذي يخضع له منذ وصوله إلى الأردن قادما من غزة في الرابع من شهر مارس/ آذار الماضي، حيث كان من بين مجموعة من الأطفال التقتهم CNN بالعربية ساعة وصولهم مع مرافقيهم، إلى معبر جسر الملك حسين الحدودي، لتلقي العلاج في مستشفيات المملكة بقرار من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.

خلال رحلة قرابة شهر من العلاج وإعادة التأهيل في مستشفى الإسراء الذي استقبل عددا من هؤلاء الأطفال في العاصمة عمّان، بدأ الأمل يتسلل تدريجيا لروح مصعب، التي أنهكتها الحرب وسرقت من جسده جزءا من ساقه اليسرى جراء القصف الإسرائيلي للمبنى السكني الذي قطنه مع عائلته في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، دون أن تتوفر له فرصة علاج أو تركيب طرف صناعي هناك منذ ذلك الوقت.

رافقت CNN بالعربية مصعب لساعات من أحد أيامه، بصحبة زوجة عمه، سحر عوض، التي سمحت لها سلطات المعابر بمرافقته بعد تعذر خروج أحد والديه معه، مجددة القول بأملها أن يعود لأسرته في القطاع بعد استكمال رحلة العلاج "مجبور الخاطر"، إذ كتبت له الحياة مجددا بعد مقتل قرابة 80 فردا من سكان موقع القصف، بحسبها.

ويقول مصعب والابتسامة تعلو شفتيه، إنه شعر بالخوف مع بداية رحلة إعادة التأهيل، وهي المرة الأولى التي يخرج فيها من القطاع، وأوضح بأن ساقه المبتورة كانت مصابة بالتهابات عدة وأنه لم يتوقع أن تركيب الطرف الصناعي سيحفزه للحياة من جديد.

وأضاف" كنت خائفا كثيرا.. ولكن كان الشعور بجنن عدنا جربت الطرف للمرة الأولى"، وعما يحلم به مع رحلة العلاج، أكد رغبته بممارسة رياضته المفضلة وهي "لعب الكرة".

ويشارك مصعب في نشاطات اجتماعية يوميا، ويخضع لإعادة تأهيل نفسي بالتوازي مع العلاج الوظيفي، كما أن مشاركته لحصة رسم مخصصة له ولأطفال غزة، دفعته لرسم شكل "نصف قلب والنصف الآخر كتب فيه كلمة ماما".

وتقول مسؤولة ملف مصابي غزة في مستشفى الإسراء، الدكتورة أمينة المصالحة، إن المستشفى أعد برنامج علاج وإعادة تأهيل شامل، بما في ذلك التأهيل النفسي للأطفال ومرافقيهم.

وتقول المصالحة: "استقبلنا 6 حالات من الأطفال بتاريخ 4 آذار، جميعها حالات بتر في الأطراف العلوية وبعضها في السفلية، وأجرينا تقييما كاملا لهم وأخذنا بعين الاعتبار العامل النفسي مع الطبي والجسدي".

وبينت المصالحة في حديثها، أن عددا من الأطفال ومرافقيهم، يعانون من أرق مزمن أو اكتئاب وقلق مزمن، وبالنسبة للأوضاع النفسية للأطفال تحديدا، مضيفة: "رغم أن الأطفال لا يعبّرون لكن ذلك كان واضحا".

وأشارت المصالحة في حديثها إلى أن حالات البتر للأطراف العلوية لاتزال في بداية إعادة التأهيل، إذ يلزم طلب أطراف خاصة من الخارج لتناسب هذه الحالات، كما في حالة الطفلة "جوري" 6 سنوات، التي التقتها شبكتنا أيضا عند جسر الملك حسين مع والدتها وشقيقها الأصغر.

كما أكدت المصالحة، بأن رحلة متابعة العلاج للأطفال لابد أن تستمر حتى بعد الانتهاء من تركيب الأطراف وإعادة التأهيل في فترات لاحقة من أعمارهم، مبينة أن هناك متابعة مستمرة للاختصاصيين مع الأطفال والأهالي.

وخلال جولة CNN بالعربية أيضا خلال إحدى جلسات إعادة التأهيل النفسي عبر الرسم للأطفال ومرافقيهم، لم تنجح محاولة الحديث مع الطفلة "جوري" أو والدتها، حيث انشغلت بالرسم الذي لم تمارسه منذ مدة طويلة، وهي التي أخبرتنا والدتها عنها سابقا أنها مصابة بحالة نفسية صعبة بسبب يدها.

وبين الأطباء في المستشفى، أن جوري بحاجة إلى جلسات تأهيل مكثفة بسبب تعرضها للتنمر والعنف النفسي في أوقات سابقة، كما أن نبأ مقتل والدها في غارات إسرائيلية مؤخرا، يتطلب متابعتها باستمرار.

وكان العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، قد أعلن استعداد بلاده في فبراير/ شباط الماضي،  استقبال قرابة ألفي طفل مصاب من قطاع غزة للعلاج خلال لقائه بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

مقالات مشابهة

  • اعترافات لصوص هواتف المحمول بمدينة نصر تقودهما للمحاكمة
  • فيلم فار ب 7 ترواح يتجاوز الـ 4 مليون جنيه بالسينمات السعودية
  • بعد وقائع النصب.. ضبط القائمين على 16 شركة إلحاق عمالة بالخارج
  • من غزّة إلى عمّان.. الطفل مصعب يخوض رحلة علاج من جراح حرب نفسية وجسدية
  • علي ربيع يتجاوز الـ 50 مليون جنيه بـالصفا الثانوية بنات بالسينمات السعودية
  • وزير الخارجية يثمن الطفرة التي تشهدها العلاقات المصرية الإيرلندية
  • تعرفوا على الاجراءات التي اتخذتها السعودية استعدادا لموسم الحج
  • من بينها مصر والأردن .. ما هي الدول التي قررت السعودية وقف التأشيرات لها استعداداً لموسم الحج؟
  • السعودية والصين بمجموعة واحدة بكأس آسيا للسلة 2025 في جدة
  • لوموند: مجلس مصالحة يحاول حل النزاعات الموروثة من الحرب بسوريا