كتب المطران كيرللس بسترس في "الشرق الاوسط": كان عيد الفصح عند اليهود ذكرى عبورهم (وكلمة "الفصح" بالعبرانية تعني "العبور") على يد موسى النبيّ من عبوديتهم لفرعون مصر إلى حرية شعب الله. وكانوا (ولا يزالون إلى اليوم) يحتفلون بهذا العيد كلَّ سنةٍ في ليلة أوَّلِ بدرٍ من فصل الربيع. ففي مثل هذه الليلة تمَّ عبورهم من مصر، بعد أن أكلوا الحملَ الفصحيَّ رمزَ تحريرهم من العبوديّة وخلاصهم من الموت.
إنّ قيامةَ المسيح ليست عودةً إلى هذه الحياة على مثال قيامة لعازر، الذي عاد فمات من جديدٍ بعد بضع سنوات. قيامة المسيح هي قيامةٌ إلى حياةٍ جديدةٍ ندعوها "الحياة الأبديّة"، أي الحياة إلى الأبد مع الله. وهذه الحياة الجديدة تبدأ الآن في هذا الدهر، وهي عينها التي يحصل عليها المسيحيّون عندما ينالون سرَّ المعموديّة: يدخل المعتمد جرنَ المعمودية، فيغطَّس فيه ثلاث مرّات، رمزًا لمشاركته موتَ المسيح الذي بقي في القبر ثلاثة أيام، ثمّ يقوم من الماء إنسانًا جديدًا مع المسيح القائم من بين الأموات. هكذا اتّخذ عيد الفصح في المسيحيّة معنى جديدًا: فلم يعد عبورًا من عبودية الجسد إلى الحريّة، بل صار عبورًا من عبودية النفس أي من الخطيئة إلى النعمة، ومن الإنسان القديم إلى الإنسان الجديد، ومن الموت إلى الحياة. هذا ما ترمز إليه إيقونة القيامة في الطقس البيزنطيّ: فتُصوِّر يسوعَ وقد نزل إلى الجحيم مقرِّ الأموات، وأمسك بيد آدم ويد حواء، ممثّلَيْ كلِّ البشر، وأقامهما من الموت إلى الحياة الجديدة.
إنّ قيامةَ المسيح هي فجر الحياة الجديدة، وقد غيَّرتْ معنى حياة الإنسان. فلم تعدْ حياة الإنسان منكمشةً على ذاتها ومقتصرةً على بضع سنواتٍ يقضيها الإنسان في هموم هذا الدهر ومشاكله، ثم تنطفئ شعلتها دون أن يعرفَ شيئًا عن مصيرها. فالمسيحيُّ المؤمن بقيامة المسيح والمشارك بمعانيها يصبح إنسانًا قياميًّا في ثلاثة أبعاد: أولاً لا تعود حياتُه حياةَ فراغٍ من المعنى، بل تصير حياةً مفعمةً بملء حضور المسيح الذي قام من الموت وغيَّر بقيامته معنى الحياة؛ ثانيًا لا تعود حياةً منكمشةً على نفسها بل تُصبح حياةَ بذلٍ للذات مع المسيح لأجل فداء العالم؛ ثالثًا لا تعود حياةَ يأسٍ من جهل المصير، بل تصير حياةَ رجاءٍ بأنّ الأوقاتَ الزائلة التي يحياها الآن ليست سوى تهيئةٍ لحياةٍ لا تفنى سوف يحياها إلى الأبد مع الله خالق الحياة.
يعيش اللبنانيّون اليوم في ظروفٍ سياسيّةٍ واقتصاديةٍ وماليّةٍ صعبة قد أوصلهم إليها مسؤولون لم يكونوا على قدر المسؤوليّة الوطنيّة الملقاة على عاتقهم. فبدل أن يهتمّوا بشؤون المواطنين وبما يعود إلى خير الوطن وازدهاره، كان جلُّ اهتمامهم تأمين مصالهم الخاصّة ومنافعهم الشخصيّة. فكأنّ لبنان اليوم في الجحيم قبل نزول السيّد المسيح إليها. لكن كما أنّ المسيحَ نزل إلى الجحيم وأنهض منها المائتين، نحن اليوم بحاجةٍ إلى أناسٍ ينزلون مع المسيح إلى جحيم بؤس الناس ليقيموهم من الموت إلى الحياة. هؤلاء الناس موجودون ويعملون بصمتٍ في مختلف الميادين، سواءٌ أكان بصلاتهم في الكنائس أم في الأديرة الرهبانية أم في عملهم في العالم. فيضحّون بذواتهم من أـجل الآخرين في المحبة والخدمة على مثال المسيح وبقدرة نعمته. على تضحية هؤلاء الناس سيقوم لبنان من الجحيم الذي أُنزِل إليها. فلا يعود عيد القيامة مجرَّدَ ذكرى لقيامة يسوع التي حدثتْ منذ ألفَيْ سنة، بل يُضحي تحقيقًا يوميًّا لقيامة أموات اليوم إلى حياة الكرامة، كرامة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: من الموت إلى الحیاة الحیاة الجدیدة عید الفصح
إقرأ أيضاً: