ما بات وأصبح واضحاً وجلياً، أن العدوان الصهيوني على غزة لم يكن ردة فعل للطوفان الذي عصف بالكيان في السابع من أكتوبر الماضي وحسب، وإنما تنفيذاً لمخطط تم وضع تفاصيله قبل الطوفان، فقبل ذلك كثُر الحديث في الوسط المتطرف على ضرورة التحرك لتصفية الساحة الفلسطينية من أي تحرك مقاوم، ولتطبيع واقع الفلسطينيين مع حقيقة الاحتلال بشكل نهائي، لذلك جاء العدوان بهذه الصورة الشرسة التي لم تراع أي محاذير، أو سقوف.
كشفت جولة العدوان هذه المرة عن نوايا خطيرة تتجاوز كل الاتفاقات والقرارات، إلى تصفية المقاومة، وإثر ذلك تصفية القضية الفلسطينية نهائياً ليصير الفلسطينيون بعدها إلى أقلية يعيشون في كنف الدولة العبرية.
الصهاينة بما فيهم أمريكا، وجدوا خلال العقد الأخير أن اتفاق أوسلو لم يعد يتناسب مع مطامعهم القديمة الجديدة، لذلك عملوا على إرباك الوضع في المنطقة عموما لإعادة صياغته وفق المخطط الجديد لما يسمّونه بالشرق الأوسط، يكون الكيان بعده المسيطر والموجّه لمسارات الأحداث في المنطقة كيفما تماشى مع مصالح المستعمر الأمريكي الصهيوني، ثم عمد إلى هذا العدوان السافر.
فغزة في وضعيتها الحالية لا تتوافق مع هذه الأهداف، خصوصاً وأن الثروة الغازية الهائلة في بحر غزة باتت حقيقة مكشوفة ومعروفة لكل العالم، إضافة إلى تمكين الكيان بان يكون مطلاً بكل أريحية على البحرين “الأحمر والمتوسط” بلا عوائق، وهي أمور لم تعد مجهولة، لذلك يُطرح في سياق هذا العدوان، إمكانية إعادة احتلال غزة وإن لم يكن بصورة مباشرة، كنشر قوة حفظ سلام من جنسيات مختلفة (أمريكية الهوى) وهو ما يجري تداوله حالياً.
وبطبيعة الحال، وجد العدو أن الواقع الذي تعاني منه الأمة العربية والإسلامية من وهن كبير، هو الوقت المناسب لتوجيه الضربة القاتلة وتحقيق هذه المآرب، وهو الواقع الذي عملوا هُم على صناعته طوال العقود الماضية من أجل هذه اللحظة، إلا أنه في ذروة الشعور بنشوة الثقة للسير قدماً، غاب عن من خطّط للعملية العدوانية الأخيرة الكثير من الاحتماليات الواردة، وبمعنى أدق، رتبوا الأمر على أساس تصورهم بان ما اشتغلوا عليه طويلاً قد أمات القضية الفلسطينية في الذهنية العربية ولم يعد لها أثر، مستندين في ذلك، إلى سلبية مواقف العرب والمسلمين تجاه جولات العدوان الصهيوني المتكررة التي ظل يمارسها ضد الشعب الفلسطيني ولا يجد لها صدى على صعيد التحرك، على الأقل سياسياً، وهو أضعف الإيمان.
إنما الحقائق الماثلة تنسف كل هذه الأصوات وذهبت جهود التخطيط والتآمر سدى، فالهجمة العدوانية أعادت من جهة حضور القضية في نفوس العرب، وأوجدت وعياً بشأنها لدى الجيل الناشئ الذي تم تغييبه تماماً عن هذه القضية، كما أن هذه الهجمة الحيوانية من جهة أخرى وهو الأهم ولّدت تحركاً عربياً جريئاً صارماً داس كرامة أمريكا وإسرائيل والغرب عموماً، وهو التحرك اليمني الذي يستهل – كما يبدو – التحام القوى الحرة لإعادة الغرب إلى جغرافيته وتحرير الأرض والثروات- العربية نهائياً من هيمنة أمريكا وأتباعها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هل تنجح قمة القاهرة في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية؟
القاهرة- تختلف توقعات الخبراء بشأن نتائج القمة العربية الطارئة بالقاهرة المقررة، غدا الثلاثاء، والمخصصة لقطاع غزة، حيث يرى بعضهم أنها قد تتبنى خطة واضحة لرفض مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة، وتأكيد إعمارها وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية.
في المقابل، يشكك آخرون في قدرتها على اتخاذ موقف حاسم، نظرا للخلافات العربية التي برزت في القمة التشاورية بالرياض، مما قد يؤدي إلى بيان نظري دون خطوات عملية لإفشال المخطط.
وتعرض الخطة التي طرحها ترامب، وقوبلت بانتقادات واسعة النطاق، أن تتولى بلاده زمام السيطرة على القطاع المدمر بسبب الحرب، وتعيد تطويره ليصبح "ريفييرا الشرق الأوسط".
موقف قويمن جهته، أعرب وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق، اللواء محمد رشاد، عن ثقته في قدرة هذه القمة على تبني موقف قوي تجاه خطط الرئيس الأميركي، "خاصة في ظل وجود إجماع عربي ضد هذا المخطط الذي يشكل ضررا بالغا بالأمن القومي العربي، ويسهم في إنجاح المخطط الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية".
وبرأيه، فإن الأمر تجاوز المخاطر على القضية الفلسطينية وأهلها الصامدين، وأصبحت التهديدات تمس أغلب الدول العربية بما يفرض عليها تبني خطوات واضحة ترفض خطة التصفية.
إعلانوأكد اللواء رشاد -للجزيرة نت- أن دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه والعمل على فك الحصار عن قطاع غزة في ظل تعنت الاحتلال تجاه دخول المساعدات، يتطلب تبني خطوات قوية تجاه إعمار القطاع تتجاوز الفيتو الإسرائيلي تجاه هذا الملف المهم.
وشدد على ضرورة اتخاذ القمة مواقف قوية تجاه كفاح الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ورفض أي مقترحات "صهيونية" بنزع سلاح المقاومة أو تقليص دورها، باعتبار أن دعم الشعب الفلسطيني يخدم الأمن القومي في الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والأردن.
وحسب وكيل المخابرات العامة السابق، ستدرس القمة أيضا موقفا عربيا من خرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومحاولاته استئناف الحرب.
ووفقا له، تمتلك الدول العربية أوراقا قوية، مثل الطاقة والممرات المائية الإستراتيجية، وورقة التطبيع والتعاون الاقتصادي، ويرى أنها قادرة على ردع العدوان ومنع استئنافه، وأن القمة ستتبنى "سقفا عاليا جدا باعتبارها مفصلية وحاسمة تدرس قرارات لا تحتاج إلى أنصاف الحلول".
قمة مختلفةمن ناحيته، قال الأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، إن هذه القمة الطارئة ستكون مختلفة عن سابقاتها، حيث ستتجاوز الشجب التقليدي وتعتمد خطة عربية قوية تدعم صمود الفلسطينيين، وتحقق حقوقهم المشروعة في بناء دولتهم المستقلة، متجاوزة مخطط ترامب لتهجيرهم.
وأشار إلى أنها حظيت بإعداد جيد، إذ سبقتها قمة تشاورية في الرياض تأجلت لضمان قرارات قوية تحظى بالإجماع، نظرا لخطورة التحديات الراهنة. وأوضح أن التهديدات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على دول الطوق، "بل امتدت إلى السعودية، حيث طالبها نتنياهو بتوطين الفلسطينيين".
وأكد الأكاديمي أنور، أن هناك وعيا عربيا متزايدا بالمخاطر المحدقة بالأمن القومي العربي، ما يستوجب موقفا قويا ضد "الأطماع الصهيونية ورفض مخطط تصفية القضية".
إعلانورجح -في حديثه للجزيرة نت- أن تُصدر القمة قرارات عملية ترفض التهجير، وتدعم إعادة إعمار غزة عبر "مشروع مارشال عربي"، كما ستتبنى تصورا لما بعد الحرب يحافظ على ثوابت القضية الفلسطينية ويعالج قضية سلاح المقاومة. وأكد "قدرة القمة -بسقف مطالبها العالي- على إفشال مخطط ترامب كما انحرفت سياساته السابقة في غزة".
بيان فضفاضفي المقابل، رأى مساعد وزير الخارجية المصري السابق عبد الله الأشعل أن قمة القاهرة لن تتبنى مواقف جادة تجاه مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين، وأن البيان الختامي سيكون فضفاضا وغير قادر على تقديم رؤية عربية واضحة لإفشال المخطط.
وأوضح أن الخلافات بين الدول العربية وضبابية مواقفها من التصفية بدت واضحة في قمة الرياض، حيث لم يصدر بيان يعكس رفض التهجير ودعم الفلسطينيين. وقال إن "بعض الدول العربية تعادي المقاومة وتسعى إلى نزع سلاحها، بينما يرى بعضها الآخر في بقاء الكيان الصهيوني دعما لوجوده".
وحسب الأشعل، ستكتفي القمة برفض نظري لمخطط التهجير دون خطوات عملية تدعم صمود الفلسطينيين أو تسهم في إقامة دولتهم، مؤكدا للجزيرة نت "أن الأنظمة العربية لا تبدو مستعدة لمعارضة ترامب أو ردع نتنياهو، رغم امتلاكها أوراقا قوية قادرة على إفشال المخطط، لكنها تفضل مصالحها الخاصة على مصالح شعوبها".
من جانبه، أكد الأكاديمي المصري والخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي، محمد سيف الدولة، أن القمة لن تكون مختلفة عن كل القمم السابقة، حيث ستكرر عبارات شجب وإدانة مخطط ترامب، خاصة أن كل الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت الحاضر الغائب في جميعها، و"كانت هي ضابط إيقاعها بشكل يغلق يدها عن تبني مواقف جادة تجاه مخطط التهجير والتصفية".
وتساءل سيف الدولة "كيف نتحدث عن سقف عالٍ للقمة ورفض لمخطط التصفية وهو قائم فعلا في الضفة الغربية، حيث تم تهجير أكثر من 45 ألف فلسطيني من مخيمات اللاجئين دون أن تحرك الدول العربية ساكنا، رغم أن السيطرة على منزلين في حي الشيخ جراح قرب القدس أقامت الدنيا، ولم تقعدها منذ عامين؟".
إعلانوبرأيه، فإن مخطط التهجير في قطاع غزة يجري على قدم وساق مع دق نتنياهو طبول الحرب في غزة مجددا، ومساعيه لتحويلها إلى "جحيم يستحيل معه العيش فيها بشكل يجبر الفلسطينيين على الخروج منها".
وأردف "حين تتخذ قمة القاهرة مواقف جادة حول قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ووقف التطبيع، والتوقف عن تقديم تسهيلات وقواعد عسكرية لواشنطن في المنطقة، وامتيازات لوجستية في الممرات المائية العربية، ووقف تقديم البترول والغاز للدول الداعمة للإجرام الصهيوني، عندها نستطيع أن نتحدث عن قدرة القمة والدول العربية على إفشال مخطط ترامب ومساعي نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية".
وخلص إلى أن القمة لن تأتي بجديد ولن تستطيع تحدي مخطط ترامب ولا ردع تطلعات نتنياهو للعودة إلى حرب الإبادة ضد غزة والتهجير في الضفة، "بشكل يدعونا إلى اليقين بأنها ستكون فارغة من أي مضمون وستكرر عبارات الشجب رغم ضخامة التحديات".