وهْم الاضطهاد الزيدي... الجلاد في دور الضحية (تقرير)
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
يحفل تاريخ اليمن المعاصر بسلسلة طويلة من التهميش والاضطهاد والإقصاء للحلفاء والخصوم وفئات اجتماعية وقطاعات واسعة من الشعب: الجنوب سياسياً، الإسماعيلية والبهائية واليهود دينياً، المهمشون من ذوي البشرة السوداء اجتماعياً وثقافياً، والحوثيون سياسياً. ولكن لماذا تحولت قضية صعدة من مظلومية سياسية إلى مظلومية دينية؟
في أعقاب حروب نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الستة في صعدة (2004-2010)، تبنّى الحوثيون خطاب المظلومية بشكل نهائي.
المتتبع لرموز جماعة الحوثي، يجد خطاب المظلومية في ملازم ومحاضرات حسين الحوثي، قائماً من دون تلك الحروب الستة، فهو يقوم على محنة الحسين في كربلاء، بمعنى أن محنتها الدينية لا تحتاج إلى فاعل سياسي؛ فقد وقعت قبل قرون عديدة في معركة غريبة وأرض بعيدة عن اليمن. أما حروب النظام وتهميشه السياسي لصعدة، فلا تقل سوءاً عن بقية المظلوميات في اليمن (تكفير الحزب الاشتراكي واجتياح الجنوب عام 1994 مثلاً)، وذلك ليس تبريراً لممارسات نظام صالح، بل لأن الحديث اليوم عن مزاعم اضطهاد الزيدية والهاشميين، إن لم يكن اضطهاداً سياسياً، فهو ليس سوى نوع من التضليل السياسي والأخلاقي والإعلامي في واقع انقلاب جماعة الحوثي على الدولة.
حركة الشباب المؤمن
بعد عودة النفوذ القبلي في أواخر سبعينيات القرن الماضي في اليمن، وجدت الثورة الإسلامية الإيرانية في ما لحقها من اضطرابات إقليمية، أرضيةً ملائمةً لرعاية الزيدية السياسية (مثل الكثير من الحركات الشيعية السياسية في المنطقة العربية)، بعد الإطاحة بدولتهم، الإمامة الدينية، في عام 1962. وظهرت في بداية الثمانينيات حركة فكرية سياسية منشقة على غرار الأيديولوجيا الإيرانية، هي حركة "الشباب المؤمن"، التي تنادي بإعادة تشكيل الهوية الثقافية والروحية في الوسط الزيدي. وترافق ذلك مع تحركات خارجية لقادة الحركة الحوثية بين إيران ولبنان.
غير أن صعود هذه الحركة الدينية في مدينة صعدة التاريخية، بالقرب من مركز السلفيين في دماج، أذن بخلافات جديدة في ظل تغيُّر تحالفات الرئيس صالح بعد تحقيق الوحدة بين الشطرين (1990-1994). وبعد تأييد قادة الحركة الحوثية إقليمياً، تبنت الحركة الزيدية موقفاً أكثر ميليشياويةً من صالح، وأكثر انتقاماً من الغرب وحلفائه كما توضح صياغة الشعار: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
منذ التسعينيات على الأقل، روّج الحوثيون في الوسط الغربي ومراكز الأبحاث تحديداً مصطلح marginalized group، أي الفئات المهمّشة، ومدلول هذا المصطلح يجعل هذه الجماعة مظلومةً مجتمعياً بناءً على عرقيتها، وهو ما يجعل التعاطف معها أولويةً لدى موجّهي الرأي العام وصانعي السياسات. فإن كان التهميش يحدث عندما يُستبَعد الناس على أساس العرق ونوع الجنس والطبقة الاجتماعية، فضلاً عن التوزيع غير العادل اجتماعياً واقتصادياً والموارد الجسدية والنفسية، فمن المهم التذكير هنا، أن "المظلوم" سياسياً في ما مضى، أي الحوثي، قد انتقل من مركز الضحية إلى مركز الجلاد، وأصبح اليوم في مركز السلطة يكرّس المظلوميات القديمة على أسس عرقية ودينية واجتماعية ويصنع مظلوميات جديدةً تكاد لا تُحصى.
من التمييز العقائدي إلى التمييز العنصري
في واقع الأمر، يكشف تصدُّر الخطاب الديني عن أزمة في الهوية الوطنية وغياب للبرنامج السياسي واستعلاء عقائدي مُبطّن، ففي مشاركة جماعة الحوثي (أنصار الله) في الحوار الوطني، وتحريض قائد الجماعة عبد الملك الحوثي على إسقاط الحكومة بعد ارتفاع جرعة النفط، لم تلجأ جماعته إلى العمل السياسي، لممارسة حقها المدني في المعارضة والاحتجاج والمطالبة بتعويضات عادلة وجبر الضرر، شأنها شأن بقية المظلوميات، بل كانت تقدّم نفسها كجماعة دينية لا كحزب سياسي، ولذا تعاملت مع الدولة بذهنية إمامية، فانقلبت على الحوار الوطني وجميع الأطراف اليمنية، بمساعدة من نظام صالح الذي شنّ حروباً ضدها، واضطهدها، ومن ثم أقامت حكمها على التمييز العقائدي الذي يخوّلها الحكم، لتنقلب على شريكها الرئيس السابق علي صالح لاحقاً، وتقتله في آخر المطاف. أما الخطاب الذي دشّنته الجماعة في بداية حكمها، فبات اليوم يستند إلى أجهزة القمع أكثر بكثير من استناده إلى الجماهير، فلا شرعية دستورية ولا شرعية سياسية، وإنما شرعية دينية تكتسبها لشروط بيولوجية كما تعتقد.
ليس الاستبداد والطغيان والنظُم الديكتاتورية أشياء عارضةً على سلطة الحق الإلهي، إذ تمنح الجماعة الحوثية نفسها تمييزاً عقائدياً أسوأ من التمييز العنصري الذي تمارسه تجاه المواطنين، كونه نتاجاً طبيعياً وحتمياً لخطاب التأسيس التمييزي باعتبار أن حكمها تفويض إلهي، يشبه في جانب منه القدر الغامض الذي استنجد به موسوليني في شعاراته الأولى "الفاشستية هي قدر الأمة الإيطالية". وعليه، فإن ممارسات السلطة ليست ممارسات شخصيةً مثل أيّ دكتاتور آخر طالما أنّها تعبّر عن "المسيرة القرآنية". وفي مقابل هذه المسيرة القرآنية، تم تصدير حسين الحوثي بوصفه الـ"قرآن الناطق" كما تعلن الجماعة في شعاراتها، حيث تهيمن تعاليم حسين بدر الدين بصرياً على شوارع صنعاء بشعارات تعكس التمييز العقائدي الذي تمارسه على جميع اليمنيين من مختلف الطوائف.
بعد تأييد قادة الحركة الحوثية إقليمياً، تبنت الحركة الزيدية موقفاً أكثر ميليشياويةً من صالح، وأكثر انتقاماً من الغرب وحلفائه كما توضح صياغة الشعار: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"
ثنائية الضحية والجلاد
منذ إعلان البهائيين عن وجودهم لأول مرة في مؤتمر في صنعاء، روّج الحوثيون لهامش متخيل من المشاركة الاجتماعية والحرية الدينية في أثناء فترة بقاء المبعوث الأممي في صنعاء، وسرعان ما قامت سلطة الحوثي في آب/ أغسطس 2016، باعتقال 67 شخصاً بينهم بعض النساء والأطفال، واعتقلت عدداً منهم بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وفي أيلول/ سبتمبر 2018، اعتقلت عدداً من البهائيين بتهمة الردة، كما قام مسلّحون من جماعة الحوثي في أيار/ مايو 2023، باقتحام الاجتماع السنوي السلمي للبهائيين واعتقلوا 17 شخصاً على الأقل بينهم خمس نساء. كما داهم المسلحون منازل أخرى.
ومنذ ذلك الحين، أُفرِج عن 11 شخصاً في أعقاب ضغوط دولية، بينما لا يزال جهاز الأمن والمخابرات الحوثي يحتجز ستة أشخاص تعسفاً، ويحرمهم من الحق في الحصول على المشورة القانونية. وكذلك نكلت وطردت جماعة الحوثي بقايا اليهود في اليمن إلى إسرائيل، بعد أن كانت قد صادرت ممتلكاتهم وهجرتهم قسراً من مدينة صعدة، ولا يزال البعض يقبع في أجهزة الأمن والمخابرات منذ العام 2015، مثل ليبي سالم موسى مرحبي، والذي اتهمته الجماعة بتهريب مخطوطة أثرية وتمت محاكمته في محكمة الأموال العامة على إثر تلك القضية، وبالطبع فإن المحكمة غير مختصة بتلك القضايا، وبرغم ذلك فقد أصدرت حكماً قضائياً نهائياً، وتوجيهات صريحةً بالإفراج عنه نهاية العام 2019، لكنه لم يُنفَّذ حتى الآن. بجانب ذلك، منعت المكارمة (الإسماعيليين) من الظهور على طريقة جدّهم الإمام يحيى حميد الدين، الذي سبق أن أجبرهم بالإكراه على اعتناق الإسلام كما يروي أشدّ المؤرخين تزلفاً للإمام "نزيه العظم" في عشرينيات القرن الماضي.
وبرغم انتهاكات جماعة الحوثي المستمرة، وتصدير مظلومية متخيلة عن نفسها، فإن الأفظع من ذلك، هو أن سلطة الحوثيين تدفع أنصارها إلى سلوك مماثل لفكر الجماعة، وهو ما عبّر عنه الممثل الرسمي للبهائيين في اليمن في تغريدة له إذ قال: "أنا في غاية الاستغراب ونحن نرى الحوثيين في ظل عمليات السلام، يستخدمون خطاباً مناقضاً وذلك بتوجيه مباشر لمناصريهم بالكراهية والقتل للبهائيين"، ففي ظل غياب قانون يحمي هذه الأقليات وإعلام يغطي مظلوميتهم، تستمر سلطة الحوثي بخلق المزيد من المظلوميات ودفع الناس إلى جحيم الكراهية والأحقاد.
المصدر: رصيف22
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: جماعة الحوثی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن على شفا حرب جديدة.. تحركات لـدعم جهود العودة للصراع؟
عقب هدوء ميداني ساد اليمن لنحو 3 أعوام تجددت معارك دموية في اليمن وتصاعدت مخاوف محلية وخارجية من تصاعد أكبر للصراع، بينما تُجري القوى المحلية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي اتصالات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من أجل إيجاد أرضية سياسية وميدانية لدعم جهود عودة النزاع.
وقالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية أن السعودية تحاذر استفزاز جماعة أنصار الله "الحوثي" حتى الآن، وغير المعلوم ما إذا كانت تلك الاتصالات تجري بغير علم كل من الرياض وأبو ظبي.
وأضافت الصحيفة "أن "أطراف المجلس الرئاسي، ولا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، ينخرطوا في صراع جذري وإلغائي ضد صنعاء، ويقدّم فيه كل منهما نفسه كرأس حربة في أي مشروع غربي أو إقليمي استراتيجي للهجوم على الأخيرة، مستغلّين التغيّرات الإقليمية".
وقالت "يبدو التنظيمان مختلفين ومتصارعين في كل شيء، سوى مناصبة العداء لصنعاء، وهما يحرّكان ماكيناتهما السياسية والإعلامية والعسكرية كأنهما في سباق مع الزمن لإقناع الدول الكبرى باستغلال الفرصة المتاحة، بحسب زعمهما، لضرب أنصار الله، وخصوصا بعدما أعادت إدارة دونالد ترامب تصنيف الحركة منظمة إرهابية عالمية".
وأوضحت "على أن الأطراف المحلية المستعجلة لعودة الحرب، تدرك التحديات والمخاطر التي تواجهها، وهي لم تنجح حتى اللحظة في تطبيق مقترحاتها التي يعدّ أبرزها توحيد مركز القيادة السياسي والعسكري، وتعزيز قوات حكومة عدن بالقدرات الأساسية القتالية والتدريبية، وتأطيرها ضمن مراكز عمليات مشتركة متعددة الجنسيات، بحيث يسهل تنسيق العمليات في الداخل مع التحالف السعودي - الإماراتي في حال اتخاذ القرار بذلك".
وناحية أخرى نقلت قناة "العربية" السعودية عن مصادر مطّلعة في واشنطن على ما يتم الإعداد له في شأن اليمن، أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، تبحث مقترحات للتوصّل إلى حلّ جذري، ليس فقط لمشكلة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، بل أيضاً لما تعدّها مشكلة يمثّلها وجود جماعة أنصار الله وقوتها.
واعتبرت الصحيفة اللبنانية أن التصنيف الأخير "يندرج ضمن خطة أوسع تهدف الخطوة الأولى منها إلى معاقبة الأشخاص والمؤسسات الخارجية الذين يساعدون الحركة، وفرض طوق ضيّق على اليمن، أما الخطوة الثانية، فترمي إلى وضع الأسس القانونية المطلوبة للبدء في تشكيل تحالف عسكري يكون قادراً على ضرب قدرات الحركة بغطاء قانوني وعسكري كبير، ويكون لديه العتاد الجوّي والعديد الميداني، كما كانت حال التحالف ضد داعش".
وفي هذا الإطار، في سياق تحريضه على الاقتتال الداخلي في اليمن، طالب السيناتور الجمهوري الأميركي، جو ويلسون، بلاده بالعمل مع السعودية والإمارات لدعم توحيد جيش حكومة عدن لهزم جماعة الحوثي، قائلا: إن "السعودية شريك وثيق وبنّاء ضد النظام الإيراني".
وفي وقت سابق، سرّبت وسائل إعلام خليجية ويمنية معلومات عن توجّه لدى إدارة ترامب لإنهاء مهمة تحالف "حارس الأزدهار" البحري في الأسابيع المقبلة، في ما يرجعه الخبراء إلى الرغبة في التخلّص من النفقات المالية للتحالف المذكور، بإعادة صياغته على أسس مختلفة وتحميل دول الخليج نفقاته.
ويأتي هذا مع تعزز الانطباع بأن المهمة البحرية – الجوية التي أطلقتها الإدارة السابقة فشلت في منع تهريب أسلحة إلى صنعاء، وأن إيران تمكّنت من خلال الكثير من الثغرات البحرية والبرّية من تهريب المئات، وربما الآلاف، من القطع التكنولوجية التي تحتاج إليها جماعة الحوثي لتطوير أداء المسيّرات والصواريخ التي تملكها، أو تعمل على تصنيعها محلياً.
وبحسب تقييم المسؤولين الأميركيين، والمستمر حالياً، يعود هذا الفشل إلى أن الدول المشاركة في التحالف بفاعلية لم تتخطّ العشر، وأن الولايات المتحدة وحدها من نشرت قوات بحرية وجوية في المنطقة، وقامت بعمليات استطلاع فوق الأراضي اليمنية، وعملت على التصدي للمسيّرات البحرية والجوية والصواريخ التي كان يطلقها اليمن على السفن العسكرية والمدنية التي تحاول خرق الحصار المفروض على "إسرائيل".
وتتصاعد مخاوف محلية وخارجية من تصاعد أكبر للصراع في البلد العربي، الذي يعاني بالفعل إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
ومنذ نيسان/ أبريل 2022، شهد اليمن هدنة من حرب اندلعت قبل أكثر من 10 سنوات بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي التي تسيطر على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
وفي سياق المعارك المتجددة، أعلن محور تعز العسكري الحكومي، عبر أن "اشتباكات عنيفة دارت بين قوات الجيش ومليشيا الحوثي في جبهة الأقروض بمديرية المسراخ جنوب شرقي محافظة تعز (جنوب غرب)".
وأضاف أن "قوات الجيش نجحت في إحباط محاولة تسلل عناصر الحوثي، ما أسفر عن قتلى وجرحى في صفوفهم"، دون ذكر عدد محدد.