كثير من الناس يظن أنه جاء الحياة ليأكل فيها ويتمتع دون أن يدقق النظر ويضبط إيقاع حياته وفق منهج الله الذى جاءت به رسل الله لتحقيق سعادة الفرد وطمانينة حياته حتى لا يضل ولا يشقى وإنما يحيا حياة طيبة؛ وذلك لا يتحقق ولن يكون دون أن يتحرى كل فرد من أفراد الأمة الحلال والطيب من المطعم والمشرب لا سيما ونحن فى هذه الحالة الراهنة التى يعيشها العالم وهو فى ذروة الهلع والرعب مما سيحدث له فى أى وقت.
يتكالب الناس على أكل الحرام دون مراعاة لما جاءت به شرائع السماء من الحرص والمحافظة على النفس والبدن والدين والعرض والمال وذلك بعدم استغلال حاجة الناس وظروفهم وما هم عليه اليوم فتجد تاجرا يحتكر الطعام حتى إذا غلا ثمنه وعلا سعره أخرجوه للناس بسعر مضاعف محققين مكسبا وربحا كبيرا وقد فرح هذا المحتكر بما حقق من ربح وفير وما درى وعلم هذا المسكين أنه بفعلته هذه قد لعنه الله إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المحتكر ملعون.
ناهيك عن أنه جلب لأهله مالا حراما وصار من أكلة الحرام الذين لا يقبل الله منهم طاعة ولا صرفا والنار أولى بهم؛ لأن أجسامهم نبتت من حرام وكل جسد نبت من حرام فالنار أولى به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
المال والكليات الست
المال عماد الحياة وقوامها، وهو أحد الكليات الست التى أوجب الشارع الحفاظ عليها ، وهى: الدين ، والوطن، والنفس، والمال، والعقل ، والعرض.
وقد أحاط الإسلام المال بسياجات متعددة من الحفظ والصيانة، فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهيًا قاطعًا لا لبس فيه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا” .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضى الله عنهما) أن سيدنا سَعْد بْن أَبِى وَقَّاصٍ قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «يا سعد، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة ، والذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به».
وقد كان بعض الصالحين يتورعون عن بعض الحلال ويتركونه مخافة أن تكون فيه شبهة حرام ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقـع فى الحرام كـالراعى يـرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن فى الجـسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهى الـقـلب»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به».
فأكل الحرام قتل للنفس وإهلاك وتدمير لها فى الدنيا والآخرة، فهو فى الدنيا وبال على صاحبه فى صحته ، وفى أولاده ، وفى أمواله، «وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى».
ولم يقف حفظ الإسلام للمال عند العقوبات الأخروية أو التحذير من عذاب الله وعقابه يوم القيامة ، إنما شرع لحفظه حدودًا منها حد السرقة حيث يقول الحق سبحانه: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، وحد الحرابة للمفسدين والعصابات المجرمة التى تتعرض للناس فتنهب أموالهم تحت تهديد السلاح ، حيث يقول الحق سبحانه : “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وشرع الإسلام الضمان عقوبة لإتلاف المال ، وحثنا على الوفاء بالعقود والحقوق فقال سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله».
وذلك كله فضلا عن أن المال الحرام إذا دخل على المال الحلال أضاع بركته وذهب به إلى طريق البوار، وقد قالوا:
جمع الحرام إلى الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
الأستاذ بجامعة الأزهر