لجريدة عمان:
2024-07-01@17:40:14 GMT

وهم السلام ونفقه المظلم

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

أستحضرُ مشهدا لم يغادرْ ذاكرتي حدث معي في صيف 2017م بمدينة جلاسكو الأسكتلندية؛ إذ كنت أمشي في أحد شوارع جلاسكو التي تنبض بالحياة وتدب بحركة البشر، وشدّ انتباهي حيّز (ركن) على جنبات الشارع -يعجّ بالمارة- عليه طاولة يقف عندها رجل تحيط به لافتات تحمل عبارات تروّج للسلام العربي الإسرائيلي والدعوة إلى التعايش الفلسطيني الإسرائيلي برفقة أعلام لفلسطين والكيان الصهيوني ومنشورات تضجّ بمثل هذه الدعوات.

لم أستطع كبح جماح فضولي في محاولة اكتشاف هذا الركن والحديث مع الرجل علّه يكون من جملة المتعاطفين مع القضية الفلسطينية؛ فبادرته بالسؤال عن هدفه ومعنى السلام المنشود، فانطلق في حديث يمتزج بألفاظ السلام وسبل تحقيقه وأهميته، وسألته عن معنى السلام في ظل وجود احتلال غير شرعي لأراضي شعب آخر سُلبت منه بقوة السلاح؛ فبدأت فرائصه تتغير؛ فنحا إلى أسلوب حوارٍ مغاير عن سابقه كالحرباء التي تغيّر لون جلدها حسب ظروف بيئتها المحيطة؛ فأطلق قبيح كلامه عن المقاومة الفلسطينية؛ ليحمّلها مسؤولية فقدان تحقق السلام المزعوم، وأكد بشكل لا يقبل التفاوض أن الأرض من الناحية التاريخية ملك لليهود مع تمسكه المتناقض بأهمية التعايش والسلام، وبالتالي لا شرعية للمقاومة المسلحة التي تنتهجها فصائل فلسطينية مثل حماس؛ فألقى كل أثقال الحقد بصوره اللغوية والتعابير الجسدية على حماس؛ فجعلته يكمل لأسأله بعدها عن شرعية الأرض قبل وعد بلفور المشؤوم، ومنطق أحقية الأرض لمجرد أن شعبا سكن فيها في حقبة غابرة من الزمن في حين أن الأرض الفلسطينية باتت -بشكل لا يقبل النقاش- جزءا من التاريخ والجغرافيا العربية التي تثبتها معالم المنطقة وآثارها، وسألته عن إدراكه للهمجية الصهيونية التي تمارس القتل والظلم والاستيطان منذ قبل عام 1948م -أيْ من قِبَل العصابات الصهيونية قبل تأسيس الكيان المحتل-، وعرضت عليه مشاهد من تاريخ هذا الظلم ومشروعات الإبادة والسرقة التي تمارسها عصابات الصهاينة وحكومتهم العنصرية قبل تأسيس حركات المقاومة الفلسطينية. فطن الرجل بعدها إلى إخفاقه في تبرير موقفه الهجومي المدعوم بادعاءات تخالف الواقع والتاريخ؛ فعاد إلى فلسفته في السلام وضرورة تحققها؛ فأخبرته أن السلام مطلب إنساني عادل لا ننكره إلا أنه لا يتحقق في ظل وجود ظلم واحتلال، وأن القضية برمتها سياسية أججتها أيديولوجيات فاقدة للمعنى الإنساني والديني -إشارة للصهيونية-.

احتدم جدل السلام العربي الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، فكانت جمهورية مصر العربية أول الدول العربية التي أبرمت اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني في عام 1979م ما دعا دولا عربية كثيرة لمقاطعة مصر وطردها من جامعة الدول العربية عدا سلطنة عُمان -ومعها الصومال والسودان- التي رأت للحدث أبعادا دبلوماسية لا ينبغي أن تتداخل مع خلافات فرعية أخرى، وجاءت السنوات بعد هذه الاتفاقية لتأتي دول عربية أخرى -سبق أن خاضت خصومة مع مصر نتيجة اتفاقية السلام- توقّع اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني لأسباب سياسية واقتصادية، ومع تصاعد موجة صناعة السلام العربي الإسرائيلي ثمّة من أعلن التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل علنّي، وهناك من كان يمهّد لعملية السلام دون الإفصاح الرسمي، وثمّة من تمسك بمبدأ السلام مقابل الأرض بعودة الكيان إلى حدود ما قبل 1967م وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. جاءت أحداث 7 أكتوبر 2023م لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فقلبت معادلة السلام المنشودة، وأظهرت بشاعة الكيان الصهيوني وعرّته أمام المجتمع الإنساني في العالم أكثر من أي سابقة مضت؛ لتؤكد أن أيّ مشروع للتطبيع والسلام مجرد وهم لا يستقيم مع أي معايير سواء كانت دبلوماسية أو سياسية أو اقتصادية، وأن الدخول في مشروع سلام مع كيان لا يعترف بحقوق الإنسان وكرامته سيكون بمثابة الدخول إلى نفق مظلم تعقيده يتجاوز تعقيد أنفاق غزة التي ضعضعت عمليات جيش الاحتلال. أكدت حرب غزة الحالية التي أثبتت بشاعة المحتل أنّ مشروع التطبيع مع هذا الكيان المحتل مغامرة لا تجلب إلا الوبال بجانب فقدانها للعنصر الأخلاقي، وما جاءت به وثيقة «صفقة القرن» تأكيد لفشل مشروع السلام المزعوم الذي يصطف قلبا وقالبا مع المصالح الصهيونية، ولمعرفة تفاصيل هذا المشروع الخادع أنصح بقراءة كتاب «خدعة القرن: أبعادها واستراتيجية مواجهتها» لمصطفى البرغوثي.

يفقد الكيان الصهيوني بشكل متسارع مؤيديه في العالم وشعبيته التي كان يستند إليها عبر مؤسسات تجارية وسياسية داعمة له؛ فباتت كثير من الشركات التجارية تعيد مغزى علاقتها بهذا الكيان ودعمها له الذي لم يسفر إلا إلى مضاعفة خسائرها المالية بسبب المقاطعة، وهنا يتبادر سؤال عن مستقبل هذا الكيان المحتل واستقراره السياسي والاقتصادي الذي أظهر تخبطا واهتزازا وتفاقمت أزمته المجتمعية والسياسية الداخلية، فأيّ مستقبل وفائدة يمكن أن تُجنى من تطبيع مع كيان مجرم فاقد لشرعيته وإنسانيته؟ إذا جئنا من الناحية الاقتصادية، فالوضع السياسي والمالي لهذا الكيان غير مستقر، ويدخل مراحل هشّة لم يسبق أن جربها من قبل، ومن الناحية التقنية لم يعد هذا الكيان الأقوى في تطوير التقنيات المتقدمة؛ فنمو السباق العالمي بين الدول في مجال ثورة التقنيات الرقمية ألغى معضلة الاحتكار التقني؛ فصار الجميع قادرين على بلوغ هذه التقنيات وتصنيعها بوجود الإرادة والكوادر البشرية القادرة.

لم تعدْ إسرائيل تحظى بقبول المجتمعات الإنسانية في العالم أجمع، ولم يعد أمام كثير من حكومات الدول الغربية المساندة لها خيارات مع ثورة شعوبها المناهضة لطغيان الاحتلال إلا حفظ ماء الوجه والبحث عن حلول تحفظ لها مكانتها السياسية مثلما فعلت كندا بقرار أغلبية برلمانها حظر إرسال السلاح إلى إسرائيل، وتبعتها في هذا القرار دول أوروبية أخرى، وأعلنت أيرلندا أنها ستنضم مع جنوب أفريقيا في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل، ونلحظ تغيّر نبرة لغة الخطاب الأمريكي وإن كانت لا تعكس أفعالها الداعمة. وبدأت الصحف الغربية والإسرائيلية كذلك في التحذير من السقوط الأخلاقي لإسرائيل والخوف من تفاقم عزلتها -منها مجلة إيكونوميست «The Economist» الذي جاء عنوان «إسرائيل وحيدة» على غلاف مجلتها في عددها الصادر بتاريخ 23 مارس 2024 الذي تناولت فيه أزمة إسرائيل الحاضرة والقادمة بسبب جرائمها في حرب غزة- الذي سيتبعه سقوط سياسي واقتصادي نتيجة فقدان إسرائيل للدعم الدولي؛ فتتضح عبر كل هذه الأحداث وتبعاتها أن فرضية السلام وهم محض لا يقود إلا إلى نفق مظلم.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکیان الصهیونی هذا الکیان

إقرأ أيضاً:

الهيمنة الأمريكية تتداعى!

 

 

رغم استفراد الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق (1991)، ظهرت على القوة الأمريكية أعراض الترهل والانحدار في كثير من المناحي، لكنَّها ما زالت تمسك بعناصر تلك الهيمنة التي أتاحتها أوضاع ما بعد انتقالها من موقع أحد قطبي نظام الثنائية القطبية إلى موقع الهيمنة في النظام أحادي القطبية الذي تفضّله على الالتزام بنظام دولي (ليبرالي افتراضي) يقوم على قواعد القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، واحترام حق الشعوب في تقرير المصير.
والحقيقة أن الكيان الصهيوني يبدو، بدوره، مدركاً تماماً متغيرات أخرى واضحة، أهمها انحدار الغرب عموماً. وقد أكدت ممارسات الغرب وخلافاته ذلك، فقد عادت فرنسا، بعد حديث إيمانويل ماكرون عن سكتة الناتو الدماغية وعن نهاية الهيمنة الغربية في العالم، تجدّد دعوتها لأوروبا إلى الاستقلال وبناء دفاعها الذاتي.
وأصبح النهوض الآسيوي، والصيني بخاصة، يشغل مجالاً متسعاً في خريطة الاقتصاد والتقانة والتجارة والنفوذ في العالم، بل فاجأتنا دول أوروبية عديدة بمواقف داعمة لقرارات محكمة العدل الدولية حول الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ودعم قرار الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية استصدار أوامر باعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غلانت، في سياق التحقيق في ارتكابهما جرائم حرب في قطاع غزة، وما يمثله ذلك من خروج عن الإجماع الغربي المفروض أمريكياً، إذ بدأت دول غربية عديدة تعيد تقييم مواقفها وسياساتها الخارجية بمعزل عن التوجهات الأمريكية.
وقد ظهر للعالم، وخصوصاً دول آسيا وأفريقيا، أن الغرب بقيادة أمريكا أخطأ كثيراً في تقديره قوة روسيا واحتمالات زيادة الدعم الصيني لها واتساع نفوذهما في أفريقيا والشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، أظهرت أحداث الأعوام القليلة الماضية أن أفريقيا قارة حبلى بالثورات والاضطرابات، فانهارت مكانة فرنسا، كقوة استعمارية في أفريقيا، وحاولت أمريكا ملء فراغ الغياب الفرنسي المفاجئ من دون جدوى، وكانت المفاجأة الكبرى قرار جنوب أفريقيا رفع دعوى في محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية ضد شعب فلسطين في قطاع غزة، وانضم إلى هذه الدعوة عدد من دول العالم.

المرجعية الاستيطانية
بعد اندلاع حرب طوفان الأقصى، ورغم الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل، واجهت إدارة بايدن استعصاء من طرف بنيامين نتنياهو في إدارة الحرب ومفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى على نحو يُقوّض أسس علاقة تبعية الكيان الصهيوني لمعسكر الاستيطان العالمي بقيادة الولايات المتحدة، وكأن نتنياهو وائتلافه اليميني المشيحاني الحاكم لم يعد يقبل بالمرجعية الاستيطانية الأمريكية المهيمنة وفرضيات قيادتها الضمنية والصريحة، ويوظف المنظومة الاستيطانية العالمية ومواردها ودعمها لخدمة أهداف بقائه الشخصي خارج تلك المرجعية، وما يستتبع ذلك من تناقض واضطراب وفشل في تحقيق أي هدف من أهداف حرب الإبادة على غزة، ما يعرّض الكيان الصهيوني لمخاطر انحطاط واضطراب بالغة، ألقت بظلال القلق الوجودي على المشهدية الإسرائيلية.
ولم تتوقف عند اليأس الوجودي من مستقبل هذا الكيان الصهيوني، كما يعبر عنه يومياً خبراء الكيان وسياسيوه وجنرالاته السابقون والحاليون، ناهيك باتخاذ نتنياهو وحكومته سياسات وخيارات تحرج بايدن أمام ناخبيه الذين صوّتوا له ورجحوه في انتخابات 2020، وتهدد فرصة إعادة انتخابه رئيساً، في مقابل تفوق الرئيس السابق دونالد ترامب، كما تُظهر بوضوح استطلاعات الرأي العام الأمريكي مؤخراً، وناهيك بعبث نتنياهو بالأوضاع الأمريكية الداخلية، وسعيه لترجيح المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب وحزبه على حساب بايدن والحزب الديمقراطي، وسعيه طيلة عقدين إلى نقل ثقل أصوات اليهود الأمريكيين الذين يصوتون تقليدياً للحزب الديمقراطي إلى اليمين والحزب الجمهوري!
كتب المعلق الإسرائيلي ناحوم برنيع مؤخراً: “لقد درجنا على أن نفكّر في أنه في المواجهة بين القوة العظمى ودولة تابعة صغيرة، فإنَّ الحجم يقرر دوماً شكل العلاقة، لكن تبين أنه في العلاقات بين حكومات إسرائيل والإدارات الديمقراطية ليس الحجم هو ما يقرر بل الوقاحة”! وكأنه يشير من طرف خفي إلى أنَّ غطرسة وغرور الكيان الصهيوني بلغت حد توهم إمكانية قيادة المنظومة الاستيطانية العالمية بدلاً من أمريكا.
في ضوء ذلك، يتبدّى للعالم مدى تآكل قدرة أمريكا، ليس على قيادة العالم فحسب، بل حتى على قيادة معسكرها وإدارة تحالفاتها وأصولها الاستراتيجية وعلاقاتها الدولية أيضاً. ويأتي تمرد نتنياهو على القيادة الأمريكية، ليؤكد مرة بعد أخرى هذا الترهل والتآكل والتراجع، ما يضعف قبضة أمريكا على حلفائها المقربين، ناهيك بقدرتها على ردع خصومها الألداء.
وإزاء ذلك، تُميز تحركات إدارة بايدن وردود فعلها بين نتنياهو والكيان الصهيوني، فتمارس على نتنياهو ضغوطاً، داخلية غالباً لا تمس بأمن الكيان، وتدعم بغير جدوى أحزاباً تعارضه، من دون تهديد أو إضرار بمصالح الكيان وأسس وجوده، واحتلاله وتفوقه عسكرياً، وتنمره إقليمياً ودولياً والأهم من دون أي فاعلية أو قدرة على مواجهة تمرد نتنياهو وإعادة الأمور إلى نصابها ضمن الهيمنة الأمريكية.

الأشياء تتداعى!
وفي الوقت نفسه، لا تبدي واشنطن أي رغبة حقيقية في وقف الإبادة الجارية على مدار الساعة في قطاع غزة، وجرائم الاحتلال ومستوطنيه المتواصلة في الضفة الغربية، بل رأت في استمرار الإبادة فرصة لمكافأة الكيان الصهيوني بتطبيع كامل مع السعودية وإدماجه على رأس منظومة أمنية إقليمية، بل وسيطرته عليها، وتصفية قضية فلسطين وإنكار وجود وحقوق شعبها، شأن كل المشروعات الاستيطانية التي أنكرت وجود أهل البلاد الأصليين وأبادتهم.
لكن لا بأس بإرسال شاحنات دقيق ينتظرها ضحايا التجويع بفارغ الصبر، فيستهدفهم جيش الاحتلال بقنابل وصواريخ أمريكية الصنع والتمويل، أي بالموت والدمار والإبادة، والتي تمثل أهم القيم المشتركة بين الكيانات الاستيطانية، وخصوصاً أمريكا و”إسرائيل”.
ولم تتساءل أمريكا يوماً عن مبرر أو فائدة أو توصيف استهداف المدنيين بنحو 3000 مجزرة، ونحو 140 ألف شهيد ومفقود وجريح، وتدمير كل المستشفيات، وقتل طواقمها واعتقال الآلاف وتعذيبهم حتى الموت وتدمير المنازل والمدارس والمرافق وآبار المياه، وقصف مراكز وخيام النزوح وإحراقها بقاطنيها خلال 9 أشهر، ثم إنها تنفي أمريكا نفياً قاطعاً أن هذه الممارسات تمثل أعمال إبادة جماعية.
في ضوء الغزو والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، تدخّلت الولايات المتحدة عسكرياً في سوريا واعتدت على العراق واليمن، ربما لا يزال العالم يكرر الخطأ نفسه عند قراءة وضع الاتحاد السوفياتي خلال السبعينيات الماضية (مع توسع تدخله عسكرياً في فيتنام والشرق الأوسط وأفريقيا وأفغانستان)، أي إساءة تفسير توسع النشاط العسكري الأمريكي كمؤشر على قوة أمريكا المتزايدة، في حين أن التدخل والحروب وتصاعد النفَس الصراعي ووتيرة استخدام العنف وتراجع القدرة الدبلوماسية على حل النزاعات، واستمرار قيام الولايات المتحدة بدور مشعل الحرائق ودور الإطفائي أيضاً، هو في الواقع قناع التراجع والأفول.
إنه الاستيطان ومنظومة الاستيطان العالمية التي تطحن العالم وتذيق الإنسانية ويلات لم تتوقف منذ القرن السادس عشر، ولن يعرف العالم سلاماً أو عدلاً أو استقراراً ما لم تتفكك هذه المنظومة ومقوماتها وفرضياتها وآليات عملها وتختفي من وجه هذه الأرض. وقد ثبت استحالة التعايش معها، أو تحقيق أي تحرر ونهوض إنساني في ظل هيمتنها.
عام 1958، صدر للشاعر والروائي والناقد النيجيري تشينوا أتشيبي (1930 – 2013) روايته الأشهر “الأشياء تتداعى “Things Fall Apart، والتي تصف تفكك المنظومة الاستعمارية البريطانية في غرب أفريقيا وأسس بقائها، ما أفضى في نهاية المطاف إلى استقلال نيجيريا وأقطار غرب أفريقيا.
والناظر في أحوال هيمنة منظومة الاستيطان العالمية، وخصوصاً مشروعها الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، يدرك أن التاريخ لا يعود إلى الوراء، وأن هذه المنظومة في سبيلها إلى “التداعي” والتفكك، كما تداعت وتفككت منظومات استعمارية واستيطانية سابقة فشلت في القضاء على الشعوب الأصلية، كما وقع لاستيطان الحروب الصليبية والاستعمار الفرنسي في الجزائر والنظام العنصري في روديسيا وجنوب أفريقيا. قاعدة لا استثناء لها.

مقالات مشابهة

  • الحرب على غزة وصمود المقاومة
  • ورطة الكيان الصهيوني بغزة
  • وقفات في ذمار تضامنا مع الشعب الفلسطيني
  • ألا موت يُباع فأشتريه.. لسان حال جامعة الدول العربية
  • «شارة نصر»
  • الهيمنة الأمريكية تتداعى!
  • شركة تمور مصرية تنفي تعاونها مع إسرائيل وتؤكد دعمها لفلسطين
  • أكسيوس: واشنطن تدفع بصياغة جديدة وتعديل لمقترح صهيوني حول اتفاق وقف النار في غزة
  • التوسع الاستيطاني الصهيوني في الضفة ينسف اتفاق أوسلو ويقضي على ما يسمى “حل الدولتين”
  • التعاون الإسلامي تدين بشدة مصادقة حكومة الكيان الصهيوني على شرعنة بؤر استيطانية