لجريدة عمان:
2025-01-03@05:47:44 GMT

هل فعلا يمكن عزل إسرائيل دوليا؟

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

يبدو أن سيناريوهات بايدن لإنهاء حرب غزة بطريقة تحقق انتصارا تاما لأمريكا وإسرائيل وهزيمة كاملة للفلسطينيين والعرب قد لا تمر مرور الكرام، وإنها ستواجه عقبات وعراقيل ربما تعيد صياغتها وتقلل تجبرها.

فقد أدى صمود المقاومة الأسطوري لمدة 6 أشهر إلى إطالة أمد الحرب وبالتالي لسقوط أمل أمريكا وإسرائيل في حرب خاطفة قاضية تنتهي قبل أن تنتبه الشعوب ويندلع الغضب العالمي في كل مكان ضد جرائم هذه الحرب.

طال الصمود فطالت الحرب فشهد العالم مجازر لأكبر عدد من القتلى والجرحى والمفقودين في حرب معاصرة ٦٥% منهم أطفال ونساء، وشهد أكبر حملة تجويع للشعب الفلسطيني بمنع المساعدات الغذائية والدوائية عنه، تجويع قال تصنيف أممي صدر مؤخرا إنه قد يودي بحياة مليون فلسطيني بشكل وشيك. ومع تهديد نتانياهو الأحمق باجتياح رفح التي يحشر فيها ما يزيد عن مليون ونصف مليون فلسطيني فإن مجزرة بشرية، قد تكون الأكبر في هذا القرن، ليست بعيدة عن الحدوث. كل جرائم الحرب هذه وضعت إسرائيل في عزلة دولية متزايدة وفقدت الدعم التقليدي الذي كانت تحصل عليه وخسرت صورة الضحية التي كانت تنتحلها وتحوّلت في دعوى أمام محكمة العدل الدولية إلى دولة تمارس جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

هذه العزلة المتزايدة دوليا تضع انحياز أمريكا الأعمى لإسرائيل في حرج كبير أمام العالم، وتهدد جزئيا فرص فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية هذا العام. كما أنها تجعل الحملة الهمجية العسكرية التي تشنها على غزة الآن دون أي غطاء أو شرعية ويحوّلها تدريجيا لدولة مارقة تنتهك القانون الدولي وتستخف بالعالم.

السؤال هنا، هل هناك فرصة حقيقية لأول مرة بعد ٧٥ عاما من جرائم القتل والتطهير العرقي وسرقة واحتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة نظام تمييز عنصري «أبارتهيد» ضد الفلسطينيين أن يتم عزل إسرائيل دوليا وأن تنضم أخيرا لنادي الدول التي يتم فرض عقوبات اقتصادية ومالية وحظر سلاح وتواجه مقاطعة رياضية وأكاديمية وثقافية.. إلخ؟

الجواب نعم ولكن تحت سقوف معينة يصعب تجاوزها في ظل النظام الدولي الراهن الذي تقوده وتسيّره حاميتها الأمريكية.

نعم تبلورت مؤشرات حقيقية على إمكانية أن يتطور وضع إسرائيل إلى وضع الدولة المعزولة من المجتمع الدولي في الأسبوعين الماضيين.

المؤشر الأول هو صدور قرار مجلس الأمن الدولي لأول مرة منذ بداية الأزمة بوقف إطلاق نار مؤقت خلال شهر رمضان. القرار الذي امتنعت أمريكا عن التصويت ضده ولم تستعمل ضده سلاح الفيتو كان إشارة إلى أن التوجه العام للمجتمع الدولي حيال الأزمة هو ضرورة إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت وأن الطرف المسؤول عن استمرارها واستمرار فاتورتها البشرية الفادحة هو إسرائيل. عدم تنفيذ إسرائيل للقرار -وهو أمر أعلنته بوضوح عندما تعهدت باستمرار الحرب والتجويع في غزة- سيجعل دولا عدة تفكر جديا في فرض عقوبات عليها لعدم امتثالها للقرار. الأمر لا يتعلق بحكومات تقدمية مثل كولومبيا ولكن حتى بدول أوروبية؛ فحظر السلاح الذي فرضته كندا وإيطاليا قد يمتد لألمانيا وفرنسا وبريطانيا تحت الضغوط الشعبية والبرلمانية المتزايدة.

وفكرة قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيض مستواها ستكون مطروحة بقوة إذا استمرت إسرائيل شهورا وربما حتى فقط أسابيع أخرى في شن حربها على غزة وخصوصا في رفح. الاعتراف بدولة فلسطين وهو نوع من العزلة لها أيضا بات كذلك توجها معلنا لنحو نصف دستة من الدول الأوروبية.

المؤشر الثاني هو أمر محكمة العدل الدولية الذي صدر الأسبوع الماضي الذي يأمر إسرائيل بفتح كل المعابر البرية لوصول المساعدات، ووقف أي أعمال ضد الفلسطينيين كمجموعة عرقية وهي هنا لا تشمل فقط المطالبة بوقف حرب إسرائيل ومجازرها اليومية في غزة ولكن أيضا يأمر ضمنا بوقف خطة تهجير الفلسطينيين من غزة.

المؤشر الثالث هو حدوث طفرة نسبية في التحركات الشعبية العربية الداعمة لغزة والضاغطة على الحكومات العربية خاصة التي شهدتها الأردن ومصر والمغرب سواء في ارتفاع أعداد المنضمين إليها من تيارات ورموز سياسية متنوعة ومتباينة أو في ارتفاع وتيرة الغضب من أداء النظام الرسمي العربي.

هذا التطور قد يضع عددا من الحكومات العربية تحت ضغط قاس لاتخاذ مواقف سياسية من إسرائيل ناورت حتى تتجنبها طيلة أشهر الأزمة.. وقد يدفع هذه الحكومات للتحوّل نسبيا من حالة الانصياع لأوامر واشنطن في الأزمة إلى حالة التحذير من أن استمرار الحرب والتجويع على غزة سيهز استقرارها السياسي كنظم معتدلة حليفة للولايات المتحدة.

لكن المؤشرات الحاسمة التي تسرّع أو تبطّئ من إمكانية رؤية المزيد إسرائيل معزولة ومعرّضة لعقوبات دولية هي مؤشرات أمريكية وإسرائيلية. والمعنى هنا أن طريقة قراءة واشنطن في الفترة القليلة المقبلة لاتجاه سير هذه المؤشرات سيحدد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستوقف الاتجاه لعزل إسرائيل بكامل قوتها أم ستسمح بحدوث قدر من هذه العزلة حتى تتأكد من إسرائيل بنتانياهو أو من غيره ستقبل هديتها بإعادة هيكلة الإقليم وصياغة وضع غزة بعد الحرب حسب استراتيجيتها للتطبيع الشامل وبالتوافق مع دول عربية حليفة اختارت هذا التطبيع نهجا ولكنها تريد غطاء سياسيا لا يضعها في مواجهة مع شعوبها.

سيتوقف الأمر على حسم الحزب الديمقراطي بشكل جازم لشكوكه الحالية بأن نتانياهو سيحرم بايدن من صفقة استكمال «المؤسسة الإبراهيمية» المعادية لإيران والمكونة من حلف إسرائيلي- عربي. فهذه الصفقة هي صفقة الأحلام التي وصفت بأنها ستكون أهم إنجاز استراتيجي أمريكي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ويراها أنصار بايدن أيضا كتذكرة الفوز التي ستقوده للفوز في الانتخابات القادمة.

إذا تم الحسم فإن الثأر القديم بين الديمقراطيين ونتانياهو خاصة فريق الرئيس الأسبق أوباما ومنهم بايدن نفسه يتم إحياؤه من جديد عندما تحدى نتانياهو أوباما وذهب للكونجرس ٢٠١٦ مدعوا من معارضي الرئيس من الجمهوريين في سابقة لم تحدث من قبل. وقد يصبح الوضع أكثر استقطابا إذا تأكد الديمقراطيون من شكوك أن نتانياهو ربما يكون قد طلب من الإيباك مؤخرا دعم سياساته في حرب غزة عن طريق مخاطبة القاعدة المسيحية الإنجليكانية الصهيونية المؤيدة لإسرائيل وهي قاعدة تقليدية للحزب الجمهوري ومن شأن ذلك أن نتانياهو سيبدو هنا وكأنه يريد التدخل والتأثير في الانتخابات الأمريكية منحازا للجمهوريين.

سيسرع من إمكانية حدوث العزلة الدولية لإسرائيل أن تفقد واشنطن الأمل في قدرة الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية والأمنية على تحويل اختلافها مع نتانياهو واتفاقها مع استراتيجية بايدن إلى موقف عملي يضغط على نتانياهو تعديل مواقفه أو يؤدي لفتح باب تغيير الحكومة الحالية عبر انتخابات مبكرة. فغانتس يبدو حتى الآن سياسيا مترددا وخاضعا لابتزاز الشارع الإسرائيلي المتطرف الداعم لاستمرار الحرب. لكن إذا تراجع نتانياهو وسمح لبايدن أن يحقق له كل أهدافه وبيد عربية وفلسطينية ودون استنزاف إسرائيل في وحل غزة مستقبلا.. أو إذا تمكن غانتس وآيزنكوت وغيرهما من المختلفين مع نتانياهو مع دعم من الدولة العميقة الإسرائيلية من إزاحته سياسيا من الطريق فإن أمريكا ستمكن إسرائيل من الإفلات من العقاب للمرة الألف وتحول دون تنامي عزلتها الدولية وتضغط بنفوذها على محكمة العدل الدولية لعدم إدانتها بالإبادة الجماعية. وستبقي على قرارات الفصل السابع الملزمة بغزو دول عسكريا مقصورا على العرب والمسلمين كما حدث في العراق وأفغانستان. وتبقي على العقوبات العسكرية والاقتصادية والمالية المخيفة على خصومها مثل إيران وسوريا وروسيا وكوريا الشمالية.

حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إسرائیل فی

إقرأ أيضاً:

حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين

باريس- لأن "حياة واحدة لا تكفي" كما قال العقاد، نلتجئ للكتب والقراءة لكي تهبنا حيوات جديدة كل مرة. ولأن القراءة سفر وترحال أبدي لا ينتهي عبر سفينة الخيال، يأخذنا كل كتاب جديد نفتحه إلى بحار من حبر وكلم وقصص ليس لها مرافئ ولا تعترف بالوصول.

ونحن نودّع سنة ونستقبل أخرى، يُطرح سؤال عن أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة الكتاب والمبدعين، بعد عام من القراءة والبحث والتنقيب والكتابة، وتظل أبواب المعرفة والسؤال مشرعة بحثا عن إجابات طريفة، وحصاد أدبي وثقافي متميز، عن أجمل الكتب والقراءات التي بقيت عالقة في ذهن نخبة من الكتاب والمبدعين العرب خلال هذا العام الذي أوشكت شمسه على الغروب، فضلا عن فعل القراءة وأثرها السحري في المبدع والإنسان عموما. فإلى الاستطلاع:

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ريفوبليكا" ثلاثية يوسف فاضل عن الريف والمقاومة والحلم بالتغييرlist 2 of 2صلاح جرار: الفلسطينيون شاركوا بفتح الأندلس وحنين قصائدي لغرناطة وجنين وعمّانend of list القراءة ضرورة والكتاب دواء ووقاية

في رحلةٍ أدبية ثرية، يأخذنا الكاتب الليبي الدكتور "محمد قصيبات" عبر آفاق القراءة التي شكلت عامه 2024. فقد قرأ الكثير من الكتب التي أثرت فيه وهزته، وبعين الناقد والمتذوق عرض تجاربه مع نصوص أدبية خالدة. فمن بين صفحات "تيريز دوكيرو" للكاتب الفرنسي فرنسوا مورياك، الحائز على نوبل للآداب عام 1952، إلى عوالم "المركب المفتوح" للكاتب الأميركي ستيفان كران، يرسم قصيبات خريطة أدبية غنية بالاكتشافات والتأثيرات.

إعلان

ويستحضر قصيبات ذكريات دراسته في كامبردج، حيث تعرف على أعمال جوزيف كونراد الشهيرة، ليفاجئنا باكتشافه المتأخر لرواية "آمي فوستر" تلك الجوهرة الأدبية المخبأة التي تحمل العنوان الأنثوي الوحيد في أعمال كونراد:

حدثنا الدكتور ترنر عن جوزيف كونراد ورواياته المشهورة مثل "من قلب الظلمات" و"لورد جيم" ولكني لم اكتشف روايته المجهولة التي تحمل عنوان "آمي فوستر" إلا عام 2024

وبحس الروائي المرهف، يسبر قصيبات أغوار هذه الرواية القصيرة، مستعرضاً شخصياتها الثلاث بدقة وعمق، والمتمثلون في شخصيات الدكتور الكندي "طبيب القرية" وهو الراوي، و"يانكو" المهاجر الذي ألقى به البحر، و"آمي فوستر" المرأة غير الجميلة التي يتزوج بها "يانكو".

"آمي فوستر" لجوزيف كونراد الرواية الوحيدة التي تحمل عنوان أنثوي في أعماله (الجزيرة)

في سرده للقصة، يلفت قصيبات إلى أن الرواية تمثل صورة إنسانية مؤثرة لمأساة الهجرة والاغتراب والصراع اللغوي، إذ تتناول حكاية "يانكو" الذي يبيع والداه بقرتين وقطعة من الأرض لكي يتمكن من الحصول على أجرة المهربين لتهجيره من بولندا إلى أميركا، من أجل عمل يستطيع من خلاله مساعدة عائلته، لكن المهربين يغرقون السفينة ويلقون بركابها إلى شواطئ كينت في بريطانيا، ليصبح يانكو لاجئا ينظر إليه أهل القرية باحتقار.

ورغم قدم الرواية التي صدرت عام 1901، فإنها ما زالت تنبض بالحياة والراهنية في عالمنا المعاصر. لذا ينوه الكاتب فيقول "قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن أحداث الرواية تدور في زمننا هذا حول المهاجرين غير الشرعيين القادمين من البحر".

وفي غمرة تأثره بالرواية، يصف كيف سكنته حتى ظن أنه كاتبها، وألهمته لمحاولات ترجمة متعددة، يتعاطف من خلالها كل مرة مع إحدى الشخصيات الرئيسية الثلاث، متمنيا أن يستطيع إنهاء هذه الترجمة عام 2025.

وينتقل قصيبات بسلاسة من عالم الأدب إلى مجال تخصصه الطبي، مسلطاً الضوء على العلاقة الوثيقة بين القراءة والصحة العقلية، وتأثير القراءة على الإنسان من أكثر من زاوية. ويستعرض بعين العالِم والأديب معاً أهمية القراءة في الوقاية من مرض ألزهايمر، فقد صار هناك تخصص يتعلق بالعلاج بالقراءة، والتي تعد ضرورةً ملحة وحاجةً هامة للإنسان.

إعلان

وخلص إلى أن أهم الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع تلك التي تم نشرها بمجلة علم الأعصاب، وهي تتعلق بحوالي ألف من المصابين بألزهايمر تم توزيعهم إلى مجموعتين: الذين يقرؤون والذين لا يقرؤون، حيث كانت النتائج تقول إن نسبة الإصابات بالمرض هي 18% و35% على التوالي.

ويختتم قصيبات حديثه مؤكداً أن الكتاب قد أصبح في عصرنا هذا دواءً ووقاية، في مزيج فريد يجمع بين متعة الروح وصحة العقل.

القراءة مقدمة لأي مشروع ابداعي

يرى الروائي والشاعر المغربي عبد النور مزين أن القراءة تشكل جزءًا لا يتجزأ من مشروع الكتابة لأي كاتب يعتز بقضايا الكتابة ومسؤولياتها، فهي العنصر الأساسي في تكوين أي تجربة إبداعية. ويصف القراءة كفعل يومي ملازم لمشروع الكتابة لديه ولصيق بها، فهي تتيح له التجدد والتعمق في روح الأشياء، كونها مقدمة ضرورية لأي فعل إبداعي.

وفي حديثه للجزيرة نت، عبّر مزين عن تأثير بعض الكتب في حياة الإنسان ونظرته للأمور بشكل لا رجعة فيه. وهو ما حدث معه أثناء قراءته رواية الكاتبة الأميركية توني موريسون بعنوان (Home) والتي ترجمها بكلمة "وطن" وأعاد قراءتها هذا العام.

عبد النور مزين: بعض الكتب لها تأثير في حياة الإنسان مثل رواية توني موريسون بعنوان (Home) (الجزيرة)

سأترجمها بكلمة "وطن" مع العلم أنه يصعب إيجاد كلمة أقرب إلى عمق المعنى الذي يجسد عمق الانتماء كالبيت. هذا لأن السؤال الرئيسي الذي دار في رأس بطل الرواية "فرانك ماني"، الشاب الأسود الذي حارب من أجل أميركا في الحرب الكورية، وظل يتساءل بعد عودته إلى بلده التي استقبلته بواقع التمييز العنصري المنظم، كان بالذات عن معنى هذا الانتماء

ومع تطور الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي، يرى صاحب رائعة "رسائل زمن العاصفة" أن سؤالي الهوية والانتماء يزدادان أهمية بشكل مخيف.

وشدد مزين إلى أن الوعي بهذه الأبعاد التي طرحتها موريسون -في روايتها عن معاني الانتماء المتعددة- غيّره وأثر فيه لدرجة تركيزه بوعي على هذا البعد الهوياتي في روايته الأخيرة "جسر النعمانية" بالغوص عميقا في كل الأبعاد التي تميز الهوية المغربية.

وخلص إلى أن هذه الومضات -التي تحدثها بعض النصوص في المبدع- تجعله أكثر نضجًا وأقرب إلى فطرته وطفولته التي تأثرت بتغيرات الحياة المتلاحقة والسريعة.

إعلان عناق إنساني لا يمكن وصفه

تنسج الكاتبة الروائية الجزائرية حياة قاصدي، المقيمة في مرسيليا، رؤية بديعة للكتاب، فتصوره بالنافذة الجميلة التي نطل من خلالها على أنوار الثقافة والإبداع. وعبر حروفه وصفحاته، ننطلق نحو المدن الفاضلة والقيم الإنسانية الراقية، لنستكشف جوهر الإنسان وربيعه الداخلي المتجدد. فالقراءة، في عيني حياة، ليست مجرد نشاط، بل هي غاية سامية تسعى إليها على مدار العام، بحثًا عن عوالم الدهشة المتجددة.

وبالنسبة لقاصدي، تمثل القراءة لها ككاتبة ما تمثله التربة الخصبة للبذرة، فهي المادة الحيوية التي تنمي بذور الإبداع وتغذي النهم الثقافي الذي يحتاجه المبدع لتجديد طاقاته الفكرية وبناء جسور التواصل الإنساني. فالكتاب -في رؤيتها- هو مهد الحضارات والطاقة الإيجابية التي تدفع عجلة التطور البشري، بغض النظر عن الأفكار والتوجهات التي يحملها. وبقدر اطلاع الكاتب يستمر بداخله ذلك الامتداد الروحي بينه وبين عوالم الإبداع والمعرفة، فالقراءة في جوهرها عناق إنساني منساب لا يمكن وصفه.

قاصدي: هذه الرواية رحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا (الجزيرة)

وعن رحلتها القرائية بالأدب الإنساني العربي والعالمي لعام 2024، استوقفت قاصدي رواية "أنا والمستحيل" للمبدع الجزائري خليفة عبد السلام. إذ تصف هذا العمل كرحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا. ولكن ما أثار دهشتها أثناء قراءتها للرواية هو البنية الجديدة التي قدمها الكاتب في صياغة النص الروائي:

اعتدنا على كون الإنسان هو من يمثل شخوص الرواية، ولكن أن نعثر على إبداع يخرج الإنسان كعنصر أساسي في بنية العمل الروائي، ويعوض وجوده بأيقونات فلسفية نكون قد اطلعنا على بنية جديدة في طريقة كتابة النص الروائي العربي

وتستعرض قاصدي بعين الناقد الحصيف شخصيات الرواية، فتقول "شخوص هذه الرواية أيقونات تتصارع في حوار فلسفي وهي الذات والتاريخ والماضي والحاضر والمستحيل والانكسارات والأمل. ولهذه الشخصيات وجودها الملموس ومثلت الجانب السّيكولوجي لـ(الأنا) والتي نجح الكاتب في جعلها تلعب دورا أساسيًا داخل عباءة فلسفية قوية عندما أخضع (الأنا) لسلطة الفلسفة".

إعلان الكاتب الذي لا يقرأ لا يجدّد أدواته ومضامينه

أما الكاتب والمترجم التونسي "أبو بكر العيادي" المقيم في باريس، فقد أشاد بقوة برواية "الطوفان" للأميركي ستيفن ماركلي والتي صدرت ترجمتها الفرنسية الصّيف الماضي، ويصف العمل بأنه آسر للقارئ، فبالرغم من حجمها الضّخم (1039 صفحة) فإنّ قارئها لا يمكن أن يتركها لحظة، ولا يستطيع أن يمنع نفسه من المرور إلى الصفحة الموالية، تباعًا، حتى النهاية، بفضل لغتها الواضحة، ومضمونها الذي يرجّ القارئ، ويجعله يعيد النّظر في كثير من ممارساته اليوميّة تجنّبا لخطر حقيقي.

ويصنف العيادي الرواية -في معرض حديثه للجزيرة نت- فيقول:

الرواية من النّوع الديستوبي، الاستباقي، ولكنّها ليست من الخيال العلمي، بل تستند إلى واقعنا الحالي، وهو واقع كرة أرضية صارت مهدّدة بالزّوال

ويسرد القصة التي تمتد أحداثها من عهد أوباما حتى نهاية ثلاثينيات القرن الحالي. فعلى الرغم من تحذيرات المتخصصين المتكررة، ودعوات المنظّمات العالمية إلى توخّي تدابير لا محيد عنها لإنقاذ الأرض وما فيها ومن عليها، يستهين زعماء البلدان المصنّعة بالتحذيرات ويعتبرونها من قبيل "نظريّات المؤامرة".

كينغ وصف رواية "الطوفان" للأميركي ماركلي بأنها "تنبؤيّة ومرعبة" (الجزيرة)

أما عن شخصية البطل بالرواية "توني بيتروس" فيسلط العيادي الضوء عليه، فهو يصدر كتابًا عن اختلال المناخ، وبعدها يتلقّى تهديداتٍ ممّن لا يفكّرون إلّا في مصالحهم الخاصّة.

ويرسم الكاتب من خلال كل هذا صورة للعالم وهو يشهد تصاعدًا في الكوارث الطبيعية كارتفاع درجات الحرارة واستشراء القيظ والفيضانات والحرائق والأعاصير التي باتت تهدّد البشريّة قاطبة وتضعها على شفير الهاوية. ويطرح سؤالًا جوهريًا: بِمَ تقبل أن تضحّي لأجل إنقاذ الإنسانيّة؟

ويذكر العيادي قول "ستيفن كينغ" عن الرواية أنها "تنبّؤيّة ومرعبة" فالقارئ لا يمكن أن يتخلّص منها بعد طيّها، لأنّها تطرح أسئلة آنية حارقة وتتحدّث عن البشر وعن مصيرهم ومصير الأجيال المقبلة على وجه أرض يهدّدها سكّانها، فيهدّدون بذلك وجودهم وبقاء جنسهم.

قراءة الكتب تنير البصائر، وتفتح العيون على تقاليد أمم أخرى وتجارب إنسانيّة متنوّعة، وتزيد الانسان معرفة بموقعه من العالم

وبوصفه كاتبّا، يشدد على أهمية القراءة للكاتب في حلّه وترحاله، لأن الكاتب الذي لا يقرأ باستمرار نصيبًا من نتاج البشريّة، قديمه وحديثه، لا يجدّد أدواته، ولا مضامينه.

إعلان اقرأ حتى أراك

تمتلك الشاعرة والروائية اللبنانية شادن دياب شهية قرائية ثرية، ففي عام 2024، قرأت حوالي 40 كتابًا بين الروايات الأجنبية والعربية، وكتب الفلسفة والعلوم السياسية. لكن من بين كل هذا، برزت رواية "غداء في بيت الطباخة" للكاتب المصري محمد الفخراني كجوهرة فريدة استحوذت على اهتمامها، متميزة بسياقها الاستثنائي وأسلوبها الفني المبتكر.

الرواية استعرضت أبعاد الحرب الإنسانية حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان (الجزيرة)

وتكشف شادن عن شغفها الخاص بموضوع الرواية قائلة:

لدي اهتمام خاص بموضوع الحرب والسلام، وهذه الرواية كُتبت في سياق استثنائي بعيد عن النمطية، مما جعلها تجربة أدبية مميزة بالنسبة لي. فهي تقدم رؤية أدبية جديدة للحرب تتجاوز الصور النمطية المألوفة. بعيدًا عن مشاهد الأشلاء والدماء المعتادة، وتعيد الرواية تعريف الحرب كحالة إنسانية عميقة، وتكشف عن روح الإنسان وهشاشته في مواجهة الصراعات، وقد فازت بجائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024

وعن براعة الفخراني في توظيف الرموز والألوان، تقول شادن إنه استخدم أسماء مجردة تضفي على العمل طابعًا فلسفيًا وتأمليًا عميقًا. وعبر هذه الشخصيات، يستعرض الكاتب أبعاد الحرب الإنسانية، حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان، ومن خلال حوارات ومواقف تجمع شخصين من طرفين متعارضين وسط الحرب، تظهر إنسانيتهما رغم عدائية الظروف التي تحيط بهما.

وتستشهد الشاعرة اللبنانية بمقطع من الرواية يجسد عمقها الفلسفي "لا أحد يعرف. في الحرب لا يمكنك أن تعرف حتى ترى بعينيك. وعندما ترى بعينيك تتأكد أكثر أنك لا تعرف". وهذا المقطع يلخص الأسئلة الجوهرية التي تثيرها الرواية حول طبيعة المعرفة والحقيقة في زمن الحرب.

وبنظرة عميقة، تخلص الروائية إلى جوهر القراءة، والتي تمثل وجهة نظر تعكس وعينا الواعي وغير الواعي في اختياراتنا للكتب التي نقرأها، أو هي في عبارة موجزة "اقرأ حتى أراك".

كالميت بين يدي غاسله

يعيش الكاتب التونسي "شكري الباصومي" منذ أشهر تحت سلطان كتاب "الموازي في أخبار المسرح النشازي.. ومهملات أخرى" للمبدع المسرحي توفيق الجبالي الذي ضل طريق الكتابة.

ويتساءل حائرا كيف بإمكانه في سطور أن يعبر عن محتوى هذا الكتاب الملغوم؟ فهو يرى أنه حين يكتب الجبالي فهو قادر على امتاع القارئ، فقد اعتنق الكتابة الشاملة المنفلتة التي تتميز بأن المعرفة عمادُها، والجبالي يمتلك جرأة في القول، ويقدر على تسمية الأمور بأسمائها، قدر المستطاع، ويتميز بسخرية تغيظ بعض الفاعلين، وتشفي صدور القراء.

مقالات مشابهة

  • الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة
  • أهم أنواع الأسلحة الروسية التي لا يمكن التصدي لها في عام 2024
  • كاتب أمريكي: الولايات المتحدة شريكة في إبادة الفلسطينيين.. ويجب إصدار أمر باعتقال بايدن
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • البرهان: لا يمكن العودة لأوضاع ما قبل الحرب مع الدعم السريع
  • شاهد بالصورة.. زوجة الحرس الشخصي لقائد الدعم السريع تظهر بإطلالة مثيرة وتتغزل في نفسها: (أنا الحرب التي لا يمكن الفوز بها)
  • هل يمكن وقف تقسيم السودان الى دويلات؟ بل، هل يمكن لحركة مدنية أن تنهى حرب أهلية؟
  • الكونغرس يطالب بايدن بإجراءات سريعة لحماية السودانيين
  • مذكرة من الكونغرس الأمريكي لإدارة بايدن بشأن السودان
  • مصادر: لا يمكن إبرام صفقة دون تعهد إسرائيلي بوقف الحرب