موائد الرحمن.. آخر ضحايا الغلاء
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
ارتفاع الأسعار الجنونى وراء تراجع أعدادها.. والفقراء فى كابوس طوال الشهر الكريم
كثير ممن أقاموا موائد فى العام الماضى يقفون هذا العام فى طابور الفقراء للحصول على كرتونة رمضان
رمضان هذا العام «حاجة تانية» والسر فى موائد الرحمن.. فعلى مدى عقود طويلة، كانت موائد الرحمن علامة مميزة لأغلب شوارع القاهرة طوال الشهر الكريم، ولكن هذا العام تراجعت أعداد موائد الرحمن حتى كادت أن تختفى تماماً.
لماذا حدث ذلك؟.. بحثنا عن إجابة لهذا السؤال عند عدد كبير ممن كانوا يقيمون موائد رمضانية فى السنوات الماضية، فقالوا كلاماً مدهشاً فيما يتعلق بأسرار تراجع أعداد الموائد، وفيما يتعلق ببدائل تلك الموائد هذا العام وقالوا أيضاً كلاماً مدهشاً عن أنواع الأطعمة التى تقدمها موائد هذا العام، كما قالوا كلاماً مثيراً عن فاعلى خير كانوا فى العام الماضى يقيمون موائد للصائمين وهذا العام يقفون فى طوابير الفقراء للفوز بكرتونة رمضان وآخرين لا يقيمون موائدهم لوجه الله!
على مدى عقود طويلة كانت موائد الرحمن تملأ الشوارع فى جميع أنحاء الجمهورية وخاصة فى القاهرة التى كانت تضم أكبر عدد من موائد إفطار للصائمين وتستقبل ضيوف الرحمن طوال شهر رمضان المبارك، مقدمة وجبات رمضانية لإفطار الصائمين.
لكن هذا العام انقلبت أحوال موائد الرحمن رأساً على عقب، فبعد ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية تراجع العديد من أهل الخير لإقامة موائد رمضانية لإفطار الصائمين، وانخفضت أعداد موائد الإفطار حتى كادت أن تختفى، وبعد أن كانت بعض شوارع القاهرة تشهد أكثر من خمس موائد، أصبحت أحياء بالكامل تخلو من أى مائدة!
واكتفى كثير من أهل الخير باستبدال الموائد بـ«كرتونة رمضان» والتى يتم توزيعها على الفقراء مرة واحدة بسبب انخفاض تكلفتها المالية مقارنة بالوجبات الرمضانية التى يتم توزيعها طوال شهر رمضان المبارك.
أكد الخبير الاقتصادى الدكتور عادل عامر- رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية أن أهل الخير كانوا ينفقون حوالى 2 مليار جنيه سنوياً خلال شهر رمضان لإقامة موائد للرحمن، ولكن أعداد موائد هذا العام تراجعت بشكل كبير، وهو ما يدل على أن المصريين تأثروا بشكل كبير بالظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار وزيادة معدل التضخم، ومن ثم قلت عملية الإنفاق بشكل كبير على «موائد الرحمن».
وقال محمد محمود- أحد مقيمى موائد الرحمن بالقاهرة - إن الارتفاع الكبير فى أسعار السلع انعكس بشكل واضح على أبرز معالم شهر رمضان المبارك وهو موائد الرحمن.. وقال «كثير من العمال والفقراء كانوا ينتظرون شهر رمضان لتناول طعام مجانى يضم أصنافاً عديدة من الأطعمة إضافة للبروتين من اللحوم الحيوانية والدواجن، ولكن ارتفاع الأسعار الجنونى لجميع السلع الغذائية، منع الكثيرين من إقامة موائد هذا العام خاصة أن كيلو اللحوم تجاوز سعره 450 جنيهاً».
وأضاف «قلة أعداد موائد الرحمن هذا العام تحولت إلى كابوس للفقراء، الذين كانوا يمنون أنفسهم بتناول وجبات مجانية طوال الشهر الكبير، ولكن حلمهم هذا تبخر بعد التراجع الكبير فى أعداد موائد الرحمن».
وقال سمير إبراهيم من سكان القاهرة- شيف مأكولات ساخنة، إنه كان يتفرغ فى شهر رمضان المبارك كل عام للمشاركة فى تحضير وجبات إفطار الصائمين، ولكن هذا العام تراجعت أعداد الموائد بشكل كبير بسبب ارتفاع الأسعار، حتى الفراشة المخصصة لموائد الرحمن اختفت من الشوارع بسبب الأسعار الجنونية فى كل شيء والتى يعانى منها جموع الشعب المصري.
وتابع «منذ 5 سنوات كان سعر التوابل المستخدمة فى طهى وجبات المائدة الواحدة حوالى 500 جنيه، ولكن سعرها تخطى حاليا الـ10 آلاف جنيه، وقليلون من أهل الخير هم القادرون على تحمل هذه الزيادة الكبيرة فى الأسعار».
وأكدت هاجر إبراهيم- أحد مقيمى موائد الرحمن بحى إمبابة بالجيزة، إنها لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات لا تقيم مائدة للرحمن فى رمضان.. وقالت «الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها جميع طبقات المجتمع المصرى، أثرت سلباً على أعمال الخير التى كان يتميز بها شهر رمضان المبارك، فانخفض عدد موائد الرحمن بشكل ملحوظ، واختفت تمامًا من الشوارع المصرية، وتناقصت أعداد المتبرعين للأعمال الخيرية بسنة تتخطى الـ80% بسبب جنون الأسعار الذى حدث فى الشهور الأخيرة بعد حرب فلسطين».
وأضافت «فى السنوات السابقة كنت أشارك طوال شهر رمضان فى إطعام 300 صائم كل يوم، لكن بعد الأزمات الاقتصادية التى ضربت جميع البيوت المصرية، من الصعب توفير 10 وجبات يوميًا بسبب متطلبات الحياة القاسية، ومن كان يساعد بالتبرعات المالية أو السلع الغذائية، فى السابق لا يستطيع الآن الإنفاق على وجبة واحدة».
وتابعت: كان بعض أهل الخير يساعدونى فى إقامة مائدة الرحمن، والمفاجأة الكبيرة لى أن من كانوا يتبرعون لإقامة المائدة، يقفون هذا العام فى طوابير الفقراء للحصول على كرتونة رمضان!
وجبات ديلفرى
وفى ظل اختفاء موائد الرحمن من الشوارع المصرية، ظهرت مجموعات شبابية يقومون بتوزيع كرتونة رمضان ومساعدات إنسانية وتجهيز وجبات إفطار للصائمين وتوزيعها على المحتاجين فى منازلهم، وبدأوا فى ترويج منشورات على مواقع التواصل الاجتماعى طالبين من أهل الخير التبرع ولو بثمن وجبة واحدة لتوفير سلع غذائية ووجبات إفطار صائمين من الفقراء.
وأكد عدد من هؤلاء الشباب، أن اختفاء موائد الرحمن من الشوارع شىء يحزن ملايين من المواطنين خاصة الفقراء الذين كانوا ينتظرون شهر رمضان كل عام للحصول على وجبات مجانية، طوال الشهر الكريم.
أطعمة مختلفة
محروس إبراهيم أحد مقيمى مائدة الرحمن فى شبرا الخيمة، أصر على إقامة مائدته هذا العام رغم ارتفاع جميع أسعار السلع الغذائية، وقال «وجبات الإفطار تختلف تمامًا عن السنوات السابقة بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ففى السابق كانت وجبات الإفطار توضع فى أطباق ويدور الطباخ على طاولات المائدة بمساعدة العاملين وتقديم المأكولات بـ«الكبشة» وكانت الوجبة مكونة ثلاث قطع لحوم كبيرة قد تتخطى الـ 250 جراماً، أو قطعة من الفراخ، حسب رغبة الصائم، إضافة إلى طبق أزر كبير وثلاثة أنواع من «الطبيخ» حسب طلب زائر المائدة، وكان أغلبها بطاطس أو فاصوليا أو شوربة خضار مكونة من بسلة وجزر وكوسة، مع طبق سلطة خضراء ومخلل وعصير تمر أو عرق سوس وبلح».
وتابع «كان العديد من الطبقات البسيطة يحضرون معهم «حلل» للحصول على وجبات من الأطعمة لأفراد العائلة، ولكن مع الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد أصبح لا مجال لاختيار الزائر نوع الوجبة المقدمة أو الكميات مثلما سبق».
وأضاف «نظام الوجبات وتوزيعها وأشكالها، تم تغييره تمامًا هذا العام، فصارت نوعاً واحداً فقط من الخضار وقطعة صغيرة من اللحوم الحمراء لا تتخطى الـ90 جراماً، وعلبة مخلل صغيرة وتم إلغاء العديد من المكونات الأساسية للوجبات الصائمين، ويتم توزيعها على المحتاجين والحاضرين فقط، كما أن أعداد الوجبات انخفض بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، خاصة أسعار اللحوم والدواجن، وبعد توزيع الوجبات لو حضر أى صائم للحصول على وجبة إفطار فلن يجداه، عكس السنوات السابقة، حبث كنا نستقبل أهالى المنطقة حتى صلاة العشاء وكان البعض يأخذ معه أطعمة تكفى أسرته بالكامل».
ليست لوجه الله!
وكشف أسامة محمد - صاحب مائدة بشبرا الخيمة، عن أن وجبات الإفطار فى السنوات السابقة كانت ملؤها البركة وتقدم بنفس راضية وكلها تقدم لوجه الله دون انتظار جزاء أو شكور، لكن الآن البعض لا يقدمها لوجه الله حيث يتم تجميع الغلابة ويصطفون على الأرصفة ويتم تصويرهم أثناء توزيع الوجبات عليهم للمتاجرة بالأعمال الخيرية، والتباهى بإنفاقه على الوجبات الصائمين، والأكثر استغراباً من ذلك تجميع اسماء الذين ينتظرون وجبة الإفطار، لليوم الثانى حيث يتم المناداة عليهم بالاسم لإعطائه الوجبة جهرًا دون مراعاة لجبر الخواطر، ولا يستطيع أحد أن يحصل على وجبة دون تسجيل اسمه فى اليوم السابق، فما يحدث الآن من متاجرة بالأعمال الخيرية هو تحطيم لخواطر المساكين.
أضاف محمد، أن أهالى المنطقة وفاعلى الخير لم ينسوا أهالينا من تقديم وجبات جاهزة لمن لا يستطيعون الانتظار حتى موعد الإفطار، أو من يشعرون بنوع من الحرج، ونستمر فى تقديم وجبات زمان وبتشكيلات من الأطعمة ولكن بكميات أقل بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتتشكل الأطباق بلحوم الدواجن وأنواع متعددة من الخضراوات والبقوليات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأعوام السابقة موائد الرحمن رمضان موائد إفطار للصائمين أسعار السلع الغذائیة شهر رمضان المبارک السنوات السابقة ارتفاع الأسعار ارتفاع أسعار موائد الرحمن کرتونة رمضان من أهل الخیر بسبب ارتفاع من الشوارع للحصول على طوال الشهر لوجه الله بشکل کبیر
إقرأ أيضاً:
رمضان في غزة: موائد الإفطار حاضرة والأحبة غائبون
قبل أن تحول الحرب الدامية التي خاضتها إسرائيل لأشهر، قطاع غزة إلى بقعة منكوبة، كان رمضان بالنسبة لفاطمة العبسي يعني الألفة العائلية، والعبادة، والتجمعات التي تملأ القلوب فرحا. لكنه اليوم لم يعد سوى امتداد لأشهر من الألم والخسارة.
تتذكر العبسي بحزن أجواء رمضان الماضية، حين كانت تتسوق مع زوجها، تزور الأقارب، وتتوجه إلى المسجد للصلاة. لكن الحرب محت كل شيء: منزلها احترق، المسجد الذي اعتادت الصلاة فيه دمر، وزوجها لم يعد بجانبها. تقول بأسى: "في رمضان هذا العام، فقدت منزلي، وفقدت أهم شيء... زوجي وزوج ابنتي".
اليوم، تعيش الجدة البالغة من العمر 57 عاما وسط الركام، وتحاول تدبير لقمة العيش في واقع يزداد قسوة يوما بعد يوم. وتقول بحسرة: "الحياة لم تعد سهلة.. لقد عانينا كثيرا".
حل شهر رمضان هذا العام على الفلسطينيين في غزة وسط هدنة هشة، قد تنهار في أي لحظة. ورغم أنها وفرت بعض الهدوء، إلا أن الخوف والقلق مما هو قادم لا يزالان يخيمان على حياتهم.
هذا الاتفاق أوقف حربا مدمرة استمرت أكثر من 15 شهرا، وحصدت أرواح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وخلفت دمارا واسعا في القطاع، حيث باتت معالم الحياة غارقة تحت الركام.
ورغم استمرار المحادثات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، إلا أنها لم تحرز أي تقدم يذكر، وفق ما أكده باسم نعيم، عضو المكتب السياسي للحركة.
وبموجب شروط الاتفاق، لا ينبغي استئناف القتال أثناء المفاوضات، لكن سكان غزة يدركون أن شبح الحرب لا يزال يلوح في الأفق.
أما بالنسبة لفاطمة العبسي، فإن الترقب والخوف أصبحا جزءا من حياتها اليومية. وتعبر الجدة عن خشيتها من اندلاع جولة جديدة من القتال قائلة: "نحن لا نريد الحرب، نريد السلام والأمن.. نريد أن تقف جميع الدول إلى جانبنا".
وبصوت منهك، تضيف أنها تصلي يوميا من أجل انتهاء الحرب، بعدما فقدت القدرة على تحمل المزيد من الخسائر.
ومع دخول الهدنة حيز التنفيذ قبل أسابيع، عاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم، رغم الدمار الهائل الذي كان بانتظارهم. لم يكن هناك ما يعيد إليهم إحساس الاستقرار، سوى أنقاض المنازل والشوارع المدمرة، لكنهم قرروا العودة مهما كان الثمن.
وفي الأسواق القليلة التي ما زالت تعمل، حاول البعض شراء الاحتياجات الأساسية لشهر رمضان، رغم الظروف الاقتصادية الخانقة.
وبينما عبر كثيرون عن أسفهم لما آلت إليه حياتهم، تمسك آخرون بإيمانهم بأن الله لن يتركهم وحدهم في مواجهة هذا الواقع المأساوي.
Relatedانتقادات واسعة لـ "بي بي سي" بعد سحب فيلم "غزة: كيف تنجو من الحرب"تعيين قادة جدد وإصلاح الأنفاق.. "وول ستريت جورنال": حماس تستعدّ لاحتمال استئناف الحرب في غزةغزة التي في خاطره": ترامب يحول القطاع لمنتجع فاخر ويظهر مع نتنياهو وماسك في "ريفييرا الشرق الأوسط"غياب الأحبة وحضور الذكرياتوفي مختلف أنحاء العالم، يعد شهر رمضان مناسبة للعبادة والصيام والتأمل، كما يجمع العائلات والأصدقاء في أجواء احتفالية على موائد الإفطار. لكن في غزة، بات هذا الشهر محملا بذكريات الفقد والحنين إلى من رحلوا.
بالنسبة لفاطمة العبسي، لم يعد الإفطار كما كان. تفتقد زوجها بشدة، وتستعيد ذكرياتها معه عند كل صلاة. وبينما تجلس اليوم أمام مائدة الإفطار، تنظر إلى المكان الفارغ الذي كان يشغله، لتجد فيه اختصارا لمعاناة مدينة بأكملها.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إسرائيل توقف المساعدات إلى غزة وحماس ترفض مقترح ويتكوف لهدنة في رمضان حماس: "لا تقدم يُذكر" في مفاوضات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة خسائر جسيمة في قطاع التعليم بغزة بعد الحرب: تدمير 137 مدرسة وجامعة وآلاف الطلبة حُرموا من الدراسة صوم شهر رمضانغزةإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني