المفتي: المواقف النبوية التي وقعت في فتح مكة عززت مبدأ الرحمة والسماحة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن فتح مكة نصرٌ عظيمٌ وانتصارٌ مبينٌ للإسلام والمسلمين، يجب أن تُستخلص منه الدروس المستفادة التي تؤسِّس لكيفية مجاهدة النفس، والنظر للمآلات، مع الخبرة والحكمة في إدارة الأزمات، وبكل ذلك يكون التقدم والرقيُّ والدعوة إلى الله تعالى والوقوف على مقاصد الشرع من الخلق.
جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن رحمته صلى الله عليه وسلم، شملت أهله وأصحابه والأمة قاطبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأمته وخيرهم لأهله، فلم يسبق غضبُه يومًا رحمتَه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وقد أثنى وبشدَّة على صُلح الحديبية قائلًا: صُلح الحديبية في غاية البراعة؛ لأنه أرسى مبدأً أصيلًا هو أنَّ لوليِّ الأمر أو الدولة أن تتصرَّف بما تُمليه المصلحة، وقد تكون المصلحةُ غائبةً عن البعض؛ إذ ليس عندهم المعلومات الكافية، وهو ما أُتيح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، فعَلِم ما ستئول إليه الأمور في المستقبل. والناظر لحال الصحابة عند خروجهم لهذا الصلح يرى أنهم لم يكونوا مجيَّشين أو مسلحين، بل ذهبوا لأداء العمرة، وبرغم أنهم عاهدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندما بايعوه تحت الشجرة على بذل النفس في الدفاع عن الدين، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم ينتقم، بل كان أول المتشوفين إلى تجنُّب إراقة الدماء وعصمتها وهو ما حدث.
واستعرض المفتي بعض النماذج التي وقعت أثناء فتح مكة وعززت مبدأ الرحمة والسماحة والعفو، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْيوم يوم المرحمة» ردًّا على قول أحد الصحابة: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ".
كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع من آذَوه وأخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائهوأوضح كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع من آذَوه وأخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه، فلم ينكِّل بأهل مكة عندما فتحها، فقط سألهم: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم"، فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء»، فهذا هو قمة العفو مع المقدرة، لم يعتب ولم يمنَّ عليهم بالعفو، بل عفا وسامح ودعا بالرحمة والمغفرة، ليكون مثالًا لمن يأتي بعده؛ لأن أفعاله وأقواله أصبحت تشريعًا ودستورًا للمسلمين وغيرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأضاف مفتي الجمهورية أن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت في كل أمور حياته، ولعلَّ من أبرزها ما قاله عن أهل مكة الذين آذَوه وعذبوا أصحابه، ومع ذلك لم يدع عليهم، بل كان قارئًا للمستقبل ومستبصرًا النور القادم، فقال لسيدنا جبريل: "بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
وعن اللغط الدائر حول حكم أخذ المرأة مقابلًا ماديًّا من زوجها مقابل خدمته وخدمة أولادهما قال فضيلته: من يطالب بذلك لم يقرأ الواقع المصري جيدًا؛ فالزوجة المصرية في أغلب الحالات داعمة لزوجها وأسرتها في كل شئون الحياة، ومحافظة على كيان الأسرة، وهو أمر تتميَّز به المرأة المصرية.
واختتم حواره بالرد على سؤال يقول: هل مسامحة الأم للابن العاق يعفيه من العقاب والذنب في الدنيا والآخرة؟ قائلًا: نرجو من الله أن يسامح الجميع ولكننا بالفعل نحتاج إلى وقفة صادقة في شهر رمضان لنعيد حساباتنا في مسألة صلة الأرحام، ونحتاج وقفة شجاعة لترتيب الأوراق لإنهاء الخصام والقطيعة، وعلينا الاستفادة من نفحات هذا الشهر الكريم لنعالج أي جفاء أو قطيعة موجودة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية هيئات الإفتاء ادارة الازمات فضائية صدى البلد صلى الله عليه وسلم فتح مكة صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
المفتي قبلان: أي محاولة لفرض واقع سياسي مخالف للشراكة الوطنية لن يمر
وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة، قال فيها: "لأن القضية عند الله الإنسان بكل ما يعنيه من قيمة فردية وعامة ووظيفة وجودية وأخلاقية، ولأن القيمة الإنسانية تتوقف على نوع من الشراكة والخدمات والمبادئ والمنافع التي تكفل العدالة العامة بعيدا عن الظلم والفساد والطغيان والإنحراف بأشكاله المحلية والعالمية فقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، والعنوان هنا الإنسان ووحدته وقيمته الحقوقية وشراكته النظامية بخلفية القيمة الفكرية والتشريعية والسياسات الضامنة لخير الإنسان وقيمته الأخلاقية والوجودية في سياق تأكيد الحقوق العامة كملاذ مركزي للإنسان وكافة كياناته وقطاعاته المتعددة".
أضاف: "والمحسوم أن الله ضد الظلم والقمع والسطو والفساد والإضطهاد والدكتاتوريات المختلفة، ولأن قضية الحق العام مطلوبة بحد ذاتها لذا لم يكتف الله بإدانة الظلم والإضطهاد بل ألزم الخليقة أن تتجند بساحات الحق والعدل المنظم لقمع الظلم والفساد والعدوان لتأكيد الحقوق الوجودية والأخلاقية للناس، وعليه فقد حسم الله قضية "العدل العملي" ومنع الظلم والعدوان الفعلي كسياسات ضامنة بدنيا الإنسان وكياناته المختلفة، وهذا يفترض وحدة بشرية أو أخلاقية أو كيانية أو عالمية تعيد تنظيم وجودها فكريا واجتماعيا ومورديا بكل ما أوتيت من قوة وفعالية لتأكيد عدالتها الوجودية وقيمتها الإنسانية بكل مجالات الحياة، ومعه فقد أدان الله تعالى العدوان والإحتلال والطغيان بكافة أشكاله العسكرية والإقتصادية والدعائية والتقنية والمالية والثقافية وغير ذلك". وتابع: "من هنا، قلنا بأن التماهي مع المواقف الإسرائيلية جزء من الشراكة مع الصهيونية الظالمة، والربح والخسارة هنا يحدده الحق وليس القوة، ومستوى التضحية يتوقف على القيمة الرئيسية لحق الإنسان بمنع الظلم والعدوان عن نفسه ومجتمعه ومشروع إدارته السياسية والأخلاقية، وفي هذا المجال فإن التعاون والتضامن الوطني ضرورة أخلاقية وواجب إنساني وسياسي، وهو أكبر الأولويات الوطنية بالبلد، لذا قلنا بأن قيمة لبنان من قيمة عائلته الوطنية وتضامنه الكامل بعيدا عن لعبة الثأر والتفصيل الطائفي".
ورأى المفتي قبلان "ان الخطر يكمن باللغة الطائفية والإرتزاق السياسي والإصرار على ركب الموجة الدولية التي تتربص بالبلد وتدفع نحو الخراب".
وقال: ولأهمية اللحظة التاريخية، أقول للسيد سمير جعجع: قطع المجرة الشمسية كلها أسهل من النيل من سلاح المقاومة، ولا قيمة للبنان بلا المقاومة، وأنصح البعض ألا يتطوع لمهمة لا تستطيع إسرائيل القيام بها، وما يجري حرب بحجم المنطقة، وسلاح المقاومة ضمانة بحجم هذه الحرب، ولا مصلحة لأحد بلعب دور إسرائيل في لبنان".
وقال: "وفي هذا السياق، أشدد على قيمة الجيش الوطنية ووظيفته العليا بالشراكة الميثاقية وتوظيفاتها الفعلية، ولبنان قوي بطائفته اللبنانية ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي وتضامنه الجامع للطوائف، ولا محل في هذا البلد للثأر الطائفي أو السياسي، والحكومة مطالبة بحماية الشراكة الوطنية وخدمة مواطنيها النازحين من دون تلكؤ والهيئة العليا للإغاثة مطالبة بكشوفات واضحة وشفافية كاملة، وما يقدم للنازحين مخيب للآمال، وهناك شيء غامض جدا ويجب توضيحه، ولبنان بتركيبته السياسية لن يتغير ولا يحلمن أحد بالتغيير أو اللعب بالموازين الوطنية".
وجدد قبلان التأكيد "أن الثنائي الوطني شريك كامل بالحياة السياسية وقوته من قوة لبنان وسيادته الوطنية، ووفاءه لهذا البلد دليله الدماء والأشلاء والتضحيات السيادية، وأي محاولة لفرض واقع سياسي مخالف للشراكة الوطنية لن يمر والثمن سيكون أمر، ولعبة جس النبض واختبار التوازنات الداخلية مقامرة خطيرة وفخ قاتل، واللحظة للبنان ووحدته الوطنية وقدرته السيادية، والطائفة الشيعية دفعت الكثير في سبيل هذا البلد ولها الكثير، والحكومة مطالبة بالكثير الكثير، وترك الطائفة الشيعية أو معاقبتها بقطارة الإغاثة أمر كارثي، وإطفاء النار بالبنزين يحرق البلد، وواقع البلد مفتوح على غرف وأحلام خطيرة، واللعب بالنار مدمر للسلم الأهلي، وتطبيق أجندات أو الترويج لأفكار تخدم إسرائيل يضع البلد بالمجهول".
وأكد "لن نقبل بهدنة موقتة أو وقف نار متقطع، والحل فقط بوقف الحرب نهائيا ودفعة واحدة، ولا مكان لأي اتفاق على مراحل، ولن يخرج لبنان من هذه الحرب إلا عزيزا(إن شاء الله)، ولا شيء أهم من تحصين الميدان والوضع الداخلي، ولا لشيطنة أحد، ولا غالب ولا مغلوب والمسيحية تؤام الإسلام، والكنيسة والمسجد قطبا لبنان، وقيمة لبنان من قيمة شعبه، وقيمة شعبه من قيمة سيادته، وأثمان الحماية الوطنية مهما غلت ليست أغلى من السيادة الوطنية، والمقاومة والشعب والمشروع الوطني والجيش أكبر ضمانات لبنان، وما يجري على الأرض دليل مطلق على التضحيات السيادية التي تقدمها المقاومة ومشروعها الوطني الضامن للبنان".