«لماذا نكتب؟».. بين صراحة الإجابة والمجاملة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
لماذا نكتب؟ هل للكتابة جدوى في هذا الزمن المليء بحداثة الصورة بكل تمفصلاتها وتجلياتها والتي تطارد الإنسان حيثما حلّ؟ وهل على الكتّاب أن يرفعوا أقلامهم إلى الأبد ويفسحوا المجال للذكاء الاصطناعي كي يقوم بصياغة النص الإبداعي اللامحدود وتلبية احتياجات القراء الأدبية والفكرية والفنية إلى آخره؟
هذا الكتاب «لماذا نكتب» للكاتبة ميريديث ماران، هو عبارة عن حوارات أجرتها الكاتبة مع مجموعة من الكتّاب الذين يحاولون الإجابة على هذا السؤال الصعب والمصيري «لماذا نكتب؟».
في البدء أتذكر رأي الكاتب جورج أورويل عن مقالته المنشورة سنة 1946 «لماذا أكتب؟» التي وضع فيها قائمة بأربعة دوافع عظيمة للكتابة: أولًا «الأنانية المطلقة» وهي أن تكتب ليتم التحدث عنك وأن يتم ذكرك بعد الوفاة، أما ثانيًا فـ«الحماسة الجمالية» وهي مسرّة تأثير وقع صوت على آخر، في انضباط النثر الجيد، وأما ثالثًا فـ«الدافع التاريخيّ» وهي الرغبة برؤية الأشياء كما هي وحفظها من أجل الأجيال القادمة، وأخيرًا «الغرض السياسي» وهو الرأي والموقف من الأشياء.
تستهل ميريديث حوارها الأول مع الروائية التشيلية الجميلة «إيزابيل الليندي» التي تعد هرمًا في الأدب اللاتيني، إذ تجيب الليندي على سؤال لماذا نكتب؟ بجواب غير عادي، فتقول: «الكتابة أشبه بممارسة الحب، فهي مهمة جدا بالنسبة إليّ حين أجد الكلمة المحددة التي ستخلق الشعور أو تصف الحالة». حيث تشرح الليندي حالتها النفسية قبل الشروع في أي عمل كتابي الذي يبدأ بتاريخ الثامن من يناير في كل سنة جديدة، إذ تهيئ مساحتها الملموسة وتفتح المعاجم وتنظم المسودات الأولى والمواد التي تحتوي على بحوث العمل الجديد، وتظل منكبة على مكتبها لمدة أربع عشرة ساعة، فتقول: «إن لغة الكتابة هي ما يهم ولا شيء آخر».
كما حاورت ميريديث أيضا الكاتب «ديفيد بالداتشي» الذي رشحته مجلة «people» ضمن أجمل 50 شخصا في العالم، إذ يجيب على سؤال لماذا نكتب؟ بأن لو كانت الكتابة جريمة، لكان هو في السجن، فلا يمكن ألا يكتب، فالكتابة كما يراها هي فعل قهري، لا تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك وحسب، بل تشعرك بالرضا عن كل شيء.
وفي الفصل الرابع من الكتاب، حاورت ميريديث الكاتب «جيمس فري» الذي حقق كتابه «مليون قطعة صغيرة» أعلى المبيعات في أمريكا، فكان مبتدأ الحوار حول لقائه في عام 2006 مع أوبرا وينفري حين اتهمته بأنه شوّه نفسه في الوقت الذي خدع فيه ملايين القراء، حين قام بفبركة الكثير من تفاصيل حياته التي تتعلق بسيرته الإجرامية وأحكام السجن التي صدرت بحقه، لكن رد جيمس فري كان قويا ودون تبريرات حين قال: «بصراحة لدي عائلة وأحتاج إلى النقود، ولا يوجد قواعد في الفن الحقيقي. ليس عليك الكتابة تحت شكل أدبي معين، ولا يهم إن كنت درست في جامعة متخصصة أو حصلت على شهادة في الكتابة الإبداعية، إما أن تستطيع الكتابة أو لا».
بعدها تنتقل ميريديث لحوار الكاتبة «سارة جروين» وكيف كتبت رواية «ماء للفيلة» التي بيع منها أكثر من خمسة ملايين نسخة، وترجمت إلى سبع وخمسين لغة، وصنع منها في عام 2011 فيلم من بطولة ريز وثيرسبون، فتجيب سارة: «قرأت كل شيء منذ ألكساندر بوب وحتى ألكساندر سولجينيتسين، وما عرفته هو أن الكتابة مرتبطة بالقراءة، وإذا أردت أن تكتب فعليك أن تقرأ».
وأما الكاتبة «كاثرين هاريسون» التي اشتهرت بسيرتها الذاتية «القبلة»، التي وضعتها في القائمة القصيرة للكتاب الأمريكيين المعاصرين اللامعين الذين لا يعرفون الخوف، ترد على سؤال لماذا نكتب؟ فتقول: الكتابة هي أداة تفسير العالم، أي بما معناه أن الكتابة هي من يشرح العالم من حولنا، وهو الوصف نفسه تقريبا الذي أدلى به الكاتب «سباستيان جنجر» في الكتاب حين قال: إنني أكتب لنفسي، فأنا أسعى لمعرفة العالم والكتابة هي سبيلي في هذا الأمر.
والعجيب عند الكاتبة «ماري كار» التي كان كتابها «نادي الكذبة» متصدرًا على قائمة النيويورك تايمز لأكثر من سنة، محققا لها مكانة بارزة في الساحة الأدبية الأمريكية، فتقول ماري إنها عادة ما تمرض بعد أن تنهي عملًا كتابيًّا، والصلاة هي التي تجعلها تجتاز هذا الشيء، وإن الكتابة هي الطريق للحلم والاتصال بالآخرين وزيارة الموتى، إذ تردف ماري وتقول: تمر بي أحيان أسأل الرب فيها أن يمنحني الشجاعة لأكتب الحقيقة ولا يهم ما هي. ذكرتني ماري بمقولة همنجواي: «أريد أن أكتب جملة صادقة واحدة» وهذا يفسّر أن أغلب الكتّاب العظماء يعانون.
ومن غرائب الكاتب «مايكل لويس» يقول عن تجليات الكتابة: أمرُّ بتغيرات فسيولوجية غريبة أثناء الكتابة، تتعرق يداي حتى تبتل لوحة المفاتيح، وتخبرني زوجتي بأنني أثرثر بصوت مرتفع، وكما يبدو أني أضحك بصورة هستيرية، وذات مرة كنت أراجع أحد السيناريوهات، وزوجتي -في الغرفة المجاورة- أخبرتني بأنني كنت أمثّل الأدوار والحوارات المكتوبة دون انتباه مني.
وعن الكاتب «آرمستد ماوبين» يجيب عن «لماذا نكتب؟»: إنها طريقتي لفهم كوارثي، ولترتيب بعثرة الحياة، وأيضا سبب آخر لكتابتي: ما زلت أدفع دين المنزل الذي أعيش فيه، وهذا باختصار.
وأخيرا نقف مع الكاتبة «تيري ماكميلان» حيث ترد على هذا السؤال فتقول: أكتب لأتخلص من جلدي الميت، ولأكتشف لماذا يفعل الناس الأشياء التي نفعلها لبعضنا البعض، والكتابة تشعرني كما لو كنت في حالة حب.
وفي الختام حاولت أن اختار بعض ما قيل في هذا الكتاب، ورأي البعض من الكتّاب النخبة، ولا ضير أن أضع رأيي هنا، فبعض الكتّاب كان مجاملا والبعض الآخر كان صريحا جدا في إجابته عن هذا السؤال المهم، ولا شك أن هذا السؤال ملحميّ لكل كاتب حقيقي، وسيظل يمجد فيه إلى آخر حياته، وكما قيل بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكانًا له ليعيش فيه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا السؤال
إقرأ أيضاً:
عاصفة إلكترونية تضامنا مع الكاتب الزعبي مساء غد الاثنين
#سواليف
أعلن متضامنون مع الكاتب #احمد_حسن_الزعبي ، عن #عاصفة_إلكترونية تضامنا معه، ستنطلق يوم غد الاثنين في تمام الساعة الثامنة مساء .
وتمت الدعوة للعاصفة تزامنا مع بدء الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين.
وبعث ناشطون منذ يومين رسالة إلى نواب المجلس ناشدوهم من خلالها التحرك لدى الحكومة من أجل الإفراج عن الكاتب الزعبي وجميع معتقلي الرأي ، حيث أن هذه الخطوة الحكومية ستجد صدى إيجابيا لدى المواطنين الذين يتوقون إلى حياة برلمانية وديمقراطية أردنية ، تجسد حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور.
مقالات ذات صلة 111 شهيدا بغزة في غارات للاحتلال منذ فجر اليوم 2024/11/17وستنطلق العاصفة تحت شعار الهاشتاغان الآتيان :
#مجلس_النواب_العشرين
#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي