إلياس خوري... معنى النكبة المستمرة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
بدأت كتابة التراجيديا الفلسطينية بكلمة عثر عليها قسطنطين زريق في لسان العرب؛ وهي «النكبة» التي ستصبح أول مفردة فلسطينية تدخل المعجم العربي المعاصر. تحولت هذه الكلمة على يدي المؤرخ السوري إلى تعبير عصي على الترجمة بعد أن سكَّه عام 1948 في كتابه «معنى النكبة»، ولأن زريق أعلن عن كتابه في أغسطس من ذلك العام، أي بعد نحو ثلاثة أشهر تقريبا على قيام «دولة إسرائيل»، وهي فترة قصيرة جدًا على استيعاب صدمة مروعة بحجم النكبة، فضلا عن استشراف آثارها وكتابتها تاريخيا، فقد كانت رؤيته لملامح النكبة مشوبة بغبار حرب لم تكن قد هدأت بعد، ولمّا كان زريق أحد أبرز دعاة القومية العربية في الأربعينات، فإنه لم ينشغل بالنظر إلى النكبة كشتات لأكثر من أربعة آلاف فلسطيني بقدر ما تناولها انطلاقا من مفهوم الأمة وإيمانه المتجذر بمشروع الوحدة العربية كمخرج وحيد من هذا النكوص التاريخي.
بفضل قسطنطين زريق، إذن، احتل هذا التعبير المصطلح موقعه المهم في الثقافة العربية المعاصرة، لكن الكلمة ظلت تشير إلى حدث ماض مؤسِّس لحكاية لم تنتهِ، قبل أن تتحول الكلمة تدريجيا إلى ذاكرة نخشى عليها من وحش النسيان في ظل نكبات الحاضر العربي.
ظلت الكلمة تتقادم بمرور الزمن دون مراجعة حقيقية تواكب مسلسل تداعياتها على الواقع الفلسطيني والعربي طيلة سبعة عقود ونصف، فباتت اليوم بحاجة إلى ترميم سياسي وثقافي يعيد تجديدها في الوعي، ولا يمكن لذلك أن يكون إلا من خلال تصويب تاريخي يبدأ من سؤال أساسي عن معنى النكبة: هل هي حدث أم مسار تاريخي؟ هذا هو السؤال الذي ينشغل إلياس خوري بحفر إجابته في فصول من كتابه الأخير «النكبة المستمرة»، الذي صدرت طبعته الأولى هذا العام عن دار الآداب في بيروت.
في هذا الكتاب يرى الكاتب والروائي اللبناني أن المؤرخ السوري الراحل لم يفهم النكبة إلا كحدث تاريخي وقع مرةً واحدة عام 1948، وهنا بالضبط يكمن الخلل الأساسي في قراءته التي أصبحت هي القراءة السائدة للنكبة، فخلافا لقسطنطين زريق، لا يكتب مؤلف «باب الشمس» النكبةَ بوصفها ماضيا؛ بل بوصفها حدثا مستمرا قيد التطور في الحاضر، متسائلًا: «كيف نفهم قصةً لا تزال طور الكتابة؟!» فما حدث للفلسطينيين عشية النكبة لم يكن سوى البداية، بداية لحكاية استعمارية تواصل سردها المضارع في يوميات الفلسطينيين حتى هذه اللحظة.
الجدل حول معنى النكبة بين إلياس خوري وقسطنطين زريق لا بدَّ أن يذكرنا بالجدل الذي دار طويلا حول معنى «النكسة»، الجدير بالذكر هنا أن قسطنطين زريق عاد بعد عقدين فكتب كتابه «معنى النكبة مجددًا» وذلك بعد هزيمة يونيو 1967 التي سماها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في خطاب استقالته الشهير الذي عقب الهزيمة «نكسةً». وفي هذا السياق يتبنى إلياس خوري الرواية التي تقول بأن كلمة «النكسة» كانت من اختراعات محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام» بل إنه هو من كتب نص خطاب «الرّيس» كما يُظن. وهنا يكتشف إلياس خوري ملاحظة لغوية قد تبدو واضحةً لكنها ذات دلالة سياسية ملفتة؛ فحين نقارن ما بين كلمتي «نكبة» و«نكسة» نجد أن ما فعله هيكل «لا يعدو أن يكون تصحيفا لكلمة نكبة عبر استبدال حرف السين بالباء، وفي عملية الاستبدال البسيطة هذه يكمن الفرق بين سلطة المثقف ومثقف السلطة».
وفيما يتعلق بكتابة التاريخ في إسرائيل يشير مؤلف «النكبة المستمرة» إلى موجة جديدة يقودها مؤرخون إسرائيليون بهدف تبرير مأساة 1948، التي يصفها إيلان بابيه بالتطهير العرقي، وذلك عبر وضعها «في إطار ذاكرة تاريخية مضت» وكأن الحل الوحيد للتخلص من العبء الأخلاقي للجريمة هو رميها في «ذمة التاريخ» أو في متحف للتوبة والفرجة للسيَّاح الباحثين عن العبرة. ويضيف: «لكن من يستطيعُ محاكمة التاريخ؟ يستطيع البعض أن يحاجج بأننا نستطيع استخلاص دروس من التاريخ، غير أن محاكمته أخلاقيًا لا تحمل أي معانٍ سياسية»! كيف إذن نبحث عن كلمة جديدة لوصف الكارثة في غزة، متفادين هذه الكلمة (أكرر: العصية الترجمة) التي اشتقها الفلسطينيون جيلًا فجيلًا من لحمهم المستباح؟ كيف نبحث عن كلمة بديلة وكأن النكبة مرحلة قد انتهت، في حين أن الإبادة الجماعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة ما هي إلا التتويج الصهيوني الأمثل لـ«حرب الاستقلال»؟!
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
على وقع المجازر المستمرة.. الأمم المتحدة: مستويات غير مسبوقة لقتل المدنيين بغزة
قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إيلزي براندز كيريس، إن المنظمة الأممية سجلت مستويات غير مسبوقة من القتل للمدنيين في غزة.
وقالت إن نمط الغارات بغزة يُظهر انتهاك الجيش الإسرائيلي بشكل منظم أسس القانون الدولي.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن 63 شهيدا سقطوا في غارات الاحتلال الإسرائيلي على مناطق في قطاع غزة منذ فجر الثلاثاء.
واستُشهد ثلاثة فلسطينيين وأصيب 10 آخرون معظمهم من الأطفال، مساء الثلاثاء، في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
شهداء أشلاء وصلوا مستشفى شهداء الاقصى إثر قصف طائرات الاحتلال منزلا في بلوك c بمخيم النصيرات وسط القطاع pic.twitter.com/1tXzaAJS38 — وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) November 12, 2024
في آخر قصف على مخيم النصيرات .. pic.twitter.com/7RuZKNswnf — نور عاشور (@NoorMAshour) November 12, 2024
وقالت وسائل إعلامية فلسطينية، إن ثلاثة فلسطينيين استُشهدوا بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في منطقة بلوك c بمخيم النصيرات”.
وأضافت، أن واحدا من هؤلاء الشهداء وصل “أشلاء إلى مستشفى العودة بالمخيم، إضافة إلى 10 إصابات معظمهم من الأطفال”، بحسب بيان صدر عن المستشفى.
واستُشهد فلسطينيان وأصيب آخرون، مساء الثلاثاء، في قصف على مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة وسط تواصل الغارات الجوية على مخيم جباليا بمحافظة الشمال التي تتعرض لإبادة وتطهير عرقي منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
كما استهدف جيش الاحتلال “بسطة تفترش بضائع بمنطقة قيزان أبو رشوان جنوب غرب خان يونس، ما أسفر عن استشهاد فلسطينيين وإصابة عدد آخر”.
وفي محافظة شمال القطاع، تتواصل الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات إسرائيلية على مناطق مختلفة تحديدا بجباليا.
كما قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل دقائق هدفا بالمنطقة الشمالية الغربية لمدينة غزة.
ووسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في بيت حانون شمال قطاع غزة، في إطار حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة لليوم الـ403 على التوالي، وأجبر الفلسطينيين على إخلاء العديد من مراكز الإيواء وسط قصف مكثف.
يأتي ذلك على وقع استمرار غارات إسرائيلية تستهدف النازحين في منطقة "المواصي" غرب مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، والتي كان آخرها الليلة الماضية قصف مقهى إنترنت قرب خيام النازحين في المنطقة، ما أسفر عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة عدد آخر.