لجريدة عمان:
2025-03-04@08:49:07 GMT

إلياس خوري... معنى النكبة المستمرة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

بدأت كتابة التراجيديا الفلسطينية بكلمة عثر عليها قسطنطين زريق في لسان العرب؛ وهي «النكبة» التي ستصبح أول مفردة فلسطينية تدخل المعجم العربي المعاصر. تحولت هذه الكلمة على يدي المؤرخ السوري إلى تعبير عصي على الترجمة بعد أن سكَّه عام 1948 في كتابه «معنى النكبة»، ولأن زريق أعلن عن كتابه في أغسطس من ذلك العام، أي بعد نحو ثلاثة أشهر تقريبا على قيام «دولة إسرائيل»، وهي فترة قصيرة جدًا على استيعاب صدمة مروعة بحجم النكبة، فضلا عن استشراف آثارها وكتابتها تاريخيا، فقد كانت رؤيته لملامح النكبة مشوبة بغبار حرب لم تكن قد هدأت بعد، ولمّا كان زريق أحد أبرز دعاة القومية العربية في الأربعينات، فإنه لم ينشغل بالنظر إلى النكبة كشتات لأكثر من أربعة آلاف فلسطيني بقدر ما تناولها انطلاقا من مفهوم الأمة وإيمانه المتجذر بمشروع الوحدة العربية كمخرج وحيد من هذا النكوص التاريخي.

بفضل قسطنطين زريق، إذن، احتل هذا التعبير المصطلح موقعه المهم في الثقافة العربية المعاصرة، لكن الكلمة ظلت تشير إلى حدث ماض مؤسِّس لحكاية لم تنتهِ، قبل أن تتحول الكلمة تدريجيا إلى ذاكرة نخشى عليها من وحش النسيان في ظل نكبات الحاضر العربي.

ظلت الكلمة تتقادم بمرور الزمن دون مراجعة حقيقية تواكب مسلسل تداعياتها على الواقع الفلسطيني والعربي طيلة سبعة عقود ونصف، فباتت اليوم بحاجة إلى ترميم سياسي وثقافي يعيد تجديدها في الوعي، ولا يمكن لذلك أن يكون إلا من خلال تصويب تاريخي يبدأ من سؤال أساسي عن معنى النكبة: هل هي حدث أم مسار تاريخي؟ هذا هو السؤال الذي ينشغل إلياس خوري بحفر إجابته في فصول من كتابه الأخير «النكبة المستمرة»، الذي صدرت طبعته الأولى هذا العام عن دار الآداب في بيروت.

في هذا الكتاب يرى الكاتب والروائي اللبناني أن المؤرخ السوري الراحل لم يفهم النكبة إلا كحدث تاريخي وقع مرةً واحدة عام 1948، وهنا بالضبط يكمن الخلل الأساسي في قراءته التي أصبحت هي القراءة السائدة للنكبة، فخلافا لقسطنطين زريق، لا يكتب مؤلف «باب الشمس» النكبةَ بوصفها ماضيا؛ بل بوصفها حدثا مستمرا قيد التطور في الحاضر، متسائلًا: «كيف نفهم قصةً لا تزال طور الكتابة؟!» فما حدث للفلسطينيين عشية النكبة لم يكن سوى البداية، بداية لحكاية استعمارية تواصل سردها المضارع في يوميات الفلسطينيين حتى هذه اللحظة.

الجدل حول معنى النكبة بين إلياس خوري وقسطنطين زريق لا بدَّ أن يذكرنا بالجدل الذي دار طويلا حول معنى «النكسة»، الجدير بالذكر هنا أن قسطنطين زريق عاد بعد عقدين فكتب كتابه «معنى النكبة مجددًا» وذلك بعد هزيمة يونيو 1967 التي سماها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في خطاب استقالته الشهير الذي عقب الهزيمة «نكسةً». وفي هذا السياق يتبنى إلياس خوري الرواية التي تقول بأن كلمة «النكسة» كانت من اختراعات محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام» بل إنه هو من كتب نص خطاب «الرّيس» كما يُظن. وهنا يكتشف إلياس خوري ملاحظة لغوية قد تبدو واضحةً لكنها ذات دلالة سياسية ملفتة؛ فحين نقارن ما بين كلمتي «نكبة» و«نكسة» نجد أن ما فعله هيكل «لا يعدو أن يكون تصحيفا لكلمة نكبة عبر استبدال حرف السين بالباء، وفي عملية الاستبدال البسيطة هذه يكمن الفرق بين سلطة المثقف ومثقف السلطة».

وفيما يتعلق بكتابة التاريخ في إسرائيل يشير مؤلف «النكبة المستمرة» إلى موجة جديدة يقودها مؤرخون إسرائيليون بهدف تبرير مأساة 1948، التي يصفها إيلان بابيه بالتطهير العرقي، وذلك عبر وضعها «في إطار ذاكرة تاريخية مضت» وكأن الحل الوحيد للتخلص من العبء الأخلاقي للجريمة هو رميها في «ذمة التاريخ» أو في متحف للتوبة والفرجة للسيَّاح الباحثين عن العبرة. ويضيف: «لكن من يستطيعُ محاكمة التاريخ؟ يستطيع البعض أن يحاجج بأننا نستطيع استخلاص دروس من التاريخ، غير أن محاكمته أخلاقيًا لا تحمل أي معانٍ سياسية»! كيف إذن نبحث عن كلمة جديدة لوصف الكارثة في غزة، متفادين هذه الكلمة (أكرر: العصية الترجمة) التي اشتقها الفلسطينيون جيلًا فجيلًا من لحمهم المستباح؟ كيف نبحث عن كلمة بديلة وكأن النكبة مرحلة قد انتهت، في حين أن الإبادة الجماعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة ما هي إلا التتويج الصهيوني الأمثل لـ«حرب الاستقلال»؟!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المشاركون في المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة إلى الطوفان” يؤكدون على أهمية دور المقاومة في مواجهة التهجير

الثورة نت|

أكد المشاركون في المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة إلى الطوفان أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير” على الثوابت الفلسطينية المتمثلة في أن التهجير القسري الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ نكبة 1948م حتى اليوم، هو جريمة مستمرة تتناقض مع كافة المواثيق والقوانين الدولية.

وأوضح المشاركون في بيان صادر عن المؤتمر الدولي الذي شارك فيه شخصيات أكاديمية وحقوقية وناشطين من اليمن ومختلف دول العالم، أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها هو حق غير قابل للتصرف وحق ثابت شرعي وقانوني وسياسي لا يسقط بالتقادم.. مبينين أن القدس “بمقدساتها” كانت وستبقى العاصمة الأبدية لفلسطين ولا شرعية لأي محاولات لطمس هويتها أو تهجير سكانها الأصليين.

وأشار البيان إلى دور الجهاد والمقاومة في مواجهة التهجير من خلال الجهاد والمقاومة بجميع أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة التي هي حق مشروع تكفله القوانين الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال وهي ضرورة استراتيجية لمنع تنفيذ مخططات التهجير والاستيطان.

ودعا إلى توحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسام وتعزيز العمل المشترك بين جميع الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية باعتبارها حجر الأساس في مواجهة مشاريع العدو الصهيوني.

وشدد بيان المؤتمر على تكثيف التحركات الشعبية والاحتجاجات السليمة في الداخل والخارج لمواجهة سياسات التهجير، خاصة في غزة والقدس والضفة الغربية.

لفت إلى ضرورة العمل على محاسبة العدو الصهيوني، على جرائم التهجير والاستيطان أمام المحاكم الدولية وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية وإلزامه بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.. مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفاعل لوقف جرائم العدو الإسرائيلي ووقف سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية.

وجددّ البيان التأكيد على رفض كافة مشاريع التوطين أو تصفية قضية اللاجئين، والتأكيد على ضرورة حماية حقوق الفلسطينيين في الشتات ودعم صمودهم.

وفيما يخص استراتيجيات دعم صمود الفلسطينيين، أكد البيان على تعزيز دور الإعلام الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي في كشف جرائم العدو الإسرائيلي وفضح سياسات التهجير والعمل على نشر الحقائق الفلسطينية في المحافل الدولية، ودعم المشاريع الاقتصادية والتنموية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة لتعزيز صمود الفلسطينيين أمام سياسات الحصار والتهجير القسري.

وحث على تشجيع المؤسسات الحقوقية والإنسانية وتكثيف جهودها في توثيق جرائم العدو الإسرائيلي ونشر التقارير الحقوقية التي تثبت الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني.

وبشأن تعزيز التضامن الدولي، دعا البيان الشعوب الحرة في العالم، والمنظمات الحقوقية والإنسانية إلى مواصلة الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه العدو الإسرائيلي، وتعزيز الحملات الدولية لمقاطعة العدو الإسرائيلي سياسيًا واقتصاديًا وأكاديميًا BDS باعتبارها وسيلة مؤثرة لمحاسبته على جرائمه.

وأكد البيان على دور الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية في الخارج على دعم القضية الفلسطينية ونقل معاناة الفلسطينيين إلى الرأي العام العالمي.

وبخصوص أهمية التوثيق، طالب بيان المؤتمر بالعمل على إنشاء أرشيف فلسطيني رقمي يُوّثق جرائم العدو الإسرائيلي من تهجير وهدم منازل واعتداءات.

وشدد على تشجيع إنتاج الأفلام الوثائقية والمحتوى الإعلامي الذي يعكس معاناة الفلسطينيين ويكشف زيف الدعاية الصهيونية.. مؤكدًا أن فلسطين ستبقى قضية إنسانية وأن التهجير القسري لن ينجح في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وسيظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقوقه، مستمرًا في مقاومته المشروعة حتى التحرير والعودة.

وحيا المشاركون في ختام المؤتمر بكل إجلال وإكبار أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين في القدس وغزة والضفة وكل فلسطين من النهر إلى البحر، والأسرى في سجون العدو الإسرائيلي.. مؤكدين أن المقاومة ستبقى مستمرة حتى تحقيق الحرية والاستقلال.

مقالات مشابهة

  • عمرو سعد يسأل خالد الصاوي عن معنى كلمة عنقودي.. والأخير يرد
  • المشاركون في المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة إلى الطوفان” يؤكدون على أهمية دور المقاومة في مواجهة التهجير
  • صنعاء.. انعقاد المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة للطوفان – أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير”
  •   صنعاء : انعقاد المؤتمر الدولي فلسطين: من النكبة للطوفان - أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير
  • موعد عرض مسلسل الشرنقة الحلقة الـ 4
  • موعد عرض الحلقة الرابعة من مسلسل الشرنقة
  • انطلاق اختبارات الفصل الثاني..وهكذا ستكون الأسئلة
  • مدون أمريكي يكشف معنى الكلمة البذيئة التي تلفظ بها زيلينسكي خلال مشادته مع ترامب / شاهد
  • معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟
  • ايلي خوري: زمن الاستقواء ولّى