لجريدة عمان:
2025-01-17@22:22:45 GMT

بقرات فلسطين المحتلة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

إذا كان يوم الأرض الفلسطيني الذي يوافق الثلاثين من مارس من كل عام، مناسبة للاحتفاء بالأرض ومن يعمرها ويحافظ عليها، وهو الإنسان الفلسطيني الصامد، فإنه أيضًا مناسبة لتقديم تلويحة امتنان للحيوانات التي تساعده في مهمته هذه وتسهّل عليه حياته، وعلى رأسها الأبقار، وقد تعدّى دورُها حراثةَ الأرض وتوفير الغذاء والحليب إلى مقاوَمة المحتل أيضًا، وهنا أتحدث تحديدًا عن بقرات بلدة «بيت ساحور» القريبة من بيت لحم، التي وُثِّقتْ حكايتها في فيلم «المطلوبات الــ18» (The Wanted 18)، من إخراج الفلسطيني عامر الشوملي والكَنَدي بول كاون، وهو فيلم نال صدى كبيرًا ورشّحته وزارة الثقافة الفلسطينية ليمثّل فلسطين في الدورة الثامنة والثمانين لجائزة الأوسكار في عام 2016 عن فئة الفيلم الأجنبي.

الحكاية باختصار أن أهالي «بيت ساحور» أعلنوا خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) العصيانَ المدني، وقرروا مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، بما في ذلك الحليب، بمنطق بسيط أجراه الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله على لسان إحدى شخصيات روايته «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد» (الدار العربية للعلوم، 2019) التي وثقت هي الأخرى الحكاية أدبيّا. يتساءل إسكندر في هذه الرواية: «هل تريدون أن تقنعوا أنفسكم أن أطفالنا الرُّضَّع، وأطفالنا الذين يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، سيكون عليهم كل صباح، أو في آخر كل نهار، أن ينتظروا سيارة شركة تنوفا الإسرائيلية لكي تزودهم بالحليب؟ كيف سنستطيع أن نرجمهم وننتظر حليبهم؟». من هنا تفتقت أذهان الأهالي عن فكرة ذكية، وهي أن يشتروا ثماني عشرة بقرة من إحدى المستوطنات الإسرائيلية، وأن يعملوا على تربيتها والحفاظ عليها، وإخفائها متفرقة في حظائر سرية، وهذا ما كان. وقد نجحت التجربة وحققت لهم الاكتفاء الذاتي من الحليب ومنتجاته، الأمر الذي أغضب الحكومة الإسرائيلية بقيادة إسحاق رابين، واعتبرت تلك الأبقار «تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي»!، مقرِّرةً وأْد هذه التجربة الرائدة قبل أن تتعمم على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشرعت في مطاردة البقرات من مكان إلى آخر، ومن حظيرة إلى أخرى، بل ووصل بها الأمر أن تعلق ملصقات إعلانية للأبقار تعلن عن مكافأة مالية لمن يدلي بأي معلومات عنها!

في النهاية نجحت إسرائيل في القبض على «المطلوبات الـ18»، وكان مصيرها الذبح، وهو المصير نفسه الذي ينتظر واحدة على الأقل من خمس بقرات حمراء وصلت إلى إسرائيل في سبتمبر من عام 2022، واستقبلها في مطار بن غوريون مسؤول إسرائيلي بدرجة مدير عام! وحملها إلى حظيرة سرية قيل إنها في الأغوار قرب بيسان، حيث ستظل مخفيّة فيها إلى أن يصبح عمرها عامين. هذه البقرات الحُمْر، ذكّر الناسَ بها أبو عبيدة، الناطق الإعلامي باسم المقاومة الفلسطينية، في خطاب له بث في 14يناير الماضي بمناسبة مرور مائة يوم على صمود الشعب الفلسطيني في معركة «طوفان الأقصى» حين قال في معرض حديثه عن عدوان إسرائيل على المسجد الأقصى: «وأُحضِرت البقرات الحُمْر تطبيقًا لخرافة دينية مقيتة مصممة للعدوان على مشاعر أمة كاملة في قلب عروبتها ومسرى نبيها ومعراجه إلى السماء».

إذن فالبقرة المنتظَرة تحمل لونًا نادرًا لم يوجد في بقرة منذ ألفَي سنة كما تقول الأسطورة اليهودية، فهي ليست صفراء فاقع لونها كتلك التي طلبوها من النبي موسى وسُميتْ أطول سور القرآن باسمها، ولا بيضاء منقّطة بالأسود كتلك التي ظهرت في فيلم (The Wanted 18). هذه المرة البقرة حمراء وتسمى بالعبرية «بارا أدومَّا»، وهي مذكورة في نصوص المشناة (شروح التوراة) التي هي جزء من التلمود، ولتؤدي الغرض منها يُشترَط أن يكون لونها أحمر بالكامل، ولا يوجد فيها شعرتان من لون آخر، كما يُشتَرط أن تكون مولودة ولادة طبيعية، وأن تربّى و«تترعرع» فيما يسمّى «أرض إسرائيل»، وأن تُكمل عامها الثاني بعد الولادة دون أن تَحمِل أو تُحلَب أو يُوضع برقبتها حبل. باختصار ينبغي أن تكون البقرة المدللة التي تنافس بقرة «لافاش كيري» الشهيرة في إعلانات الجبن.

لكن هذا الدلال لن يستمر طويلًا، فحين يكتمل العامان ستُستخدَم البقرة الحمراء في عملية يُخطَّط أن تجري فوق جبل الزيتون في القدس مقابل المسجد الأقصى، حيث ستُذبح بطريقة وطقوس خاصة، ثم تُحرق بطقوس أخرى، ويستخدم رمادها في عملية ما يُسمى «تطهير الشعب اليهودي»، وهذا «التطهير» سيسمح لملايين اليهود بدخول ما يسمى «جبل المعبد» الذي سيبنى على أنقاض المسجد الأقصى، أو هكذا يحلمون. بيد أن اليهود ليسوا وحدهم المؤمنين بأهمية ولادة هذه البقرة الحمراء، بل حتى المسيحيون، وتحديدًا الطائفة الإنجيلية التي تعتبر ظهور البقرة الحمراء بشارة بنهاية الزمان وعودة المسيح إلى الأرض، وهذا ما يُفسِّر أن بقرات تكساس الحُمْر الخمس، كانت هدية من مربي ماشية مسيحيين من هذه الطائفة تحديدا.

ويبدو أن كل البقرات مهما تفاوتت أهميتها لها مصير واحد في النهاية: الذبح، ويستوي أن يكون هذا الذبح لإحياء ميت، كما في القرآن، أو لطقوس وشعائر دينية كما في معظم الأديان باستثناء الهندوسية، أو بسبب الجوع، كما هي حال بقرة الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري في روايتها «بدلة إنجليزية، وبقرة يهودية» (منشورات المتوسط، 2022). في هذه الرواية تلعب «البقرة» دورًا كبيرا في تقدم الأحداث وتطورها، وهو ما سيجده القارئ مسرودًا في النسخة الإلكترونية من هذا المقال، نظرًا لانتهاء المساحة هنا.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هيئة الأسرى الفلسطينية تكشف تلاعب إسرائيل

أكدت هيئة الأسرى الفلسطينية وجود تلاعب من قِبل سلطات الاحتلال فيما يخص بيانات إطلاق سراح الأسرى. 

اقرأ أيضاً.. عدوى النيران تنتقل إلى نيويورك.. إصابة 7 أشخاص في حريق هائل

ونقلت تقارير فلسطينية تصريحاً للسيد ثائر شريتيح، المتحدث الرسمي باسم هيئة الأسرى الفلسطينيين، قال فيه :"الهيئة لا تثق بالبيانات التي تنشر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وإدارة سجونها".

وأكد شريتح، أن القائمة التي نشرت على موقع وزارة العدل الإسرائيلية، فيها خلل واضح، يتمثل في وجود أسماء أسيرات مفرج عنهن، كما تم نشر تواريخ ميلاد لعشرة أسرى دون ذكر أية بيانات إضافية عنهم، مشددا على أن "هذا ما حذرنا منه على مدار الأيام الماضية".

وجدد المتحدث باسم هيئة الأسرى الفلسطينيين، دعوة الهيئة "للأشقاء المصريين والقطريين بوضع حد لهذه التجاوزات"، مطالبا بعدم إعطاء السلطات الإسرائيلية أي مساحة لممارسة أية خروقات تخلق إرباكاً في الشارع الفلسطيني، ولدى أسر وعائلات الأسرى.

يشار إلى أن وزارة العدل الإسرائيلية كانت قد نشرت في وقت سابق قائمة بأسماء الأسرى الفلسطينيين المتوقع الإفراج عنهم خلال المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى، وفقا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه من قبل حماس وإسرائيل.

ويأتي تصريح شريتيح في ظل السعي وراء تنفيذ اتفاق غزة الذي يتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والسماح بدخول المُساعدات لأهالي القطاع. 

وتكثف مصر جهودها مع باقي الشركاء في قطر وأمريكا لضمان تنفيذ الاتفاق في أسرع وقت مُمكن. 

حقوق الأسرى في أوقات الحرب تحكمها مجموعة من القوانين الدولية، أبرزها اتفاقيات جنيف لعام 1949، التي توفر حماية للأسرى وتحدد حقوقهم أثناء النزاعات المسلحة. هذه الحقوق تهدف إلى ضمان معاملة إنسانية للأسرى وحمايتهم من التعذيب والاستغلال.

أولاً، يُحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية تجاه الأسرى. يجب أن يُعامل الأسرى بكرامة واحترام لحقوقهم الإنسانية، ولا يجوز إجبارهم على تقديم اعترافات تحت الإكراه أو التهديد. كما يُمنح الأسرى الحق في التلقي العلاج الطبي إذا كانوا بحاجة إليه، ويجب أن يتم توفير الغذاء والماء لهم بما يتناسب مع احتياجاتهم.

ثانيًا، يُمنح الأسرى الحق في الاتصال بعائلاتهم وطلب المساعدة القنصلية من دولهم. كما يجب أن يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية.

ثالثًا، تحظر الاتفاقيات استخدام الأسرى كدروع بشرية أو استغلالهم لأغراض غير إنسانية. ويجب أن يتم فصل الأسرى عن المدنيين لضمان عدم تعرضهم لمزيد من المخاطر.

أخيرًا، يجب على الأطراف المتحاربة تقديم الأسرى للمحاكمة وفقًا للقانون، وإذا تم إطلاق سراحهم، يجب أن يتم ذلك بناءً على معايير قانونية واضحة.

إجمالًا، تكفل القوانين الدولية للأسرى حقوقًا أساسية تهدف إلى توفير حياة كريمة وآمنة لهم خلال فترة الأسر، وتمنع أي شكل من أشكال الاستغلال أو العنف ضدهم.

مقالات مشابهة

  • هيئة الأسرى الفلسطينية تكشف تلاعب إسرائيل
  • الحوثيون يعلنون عن تنفيذ عملية في البحر الأحمر واستهداف مدن في فلسطين المحتلة 
  • أبرز عمليات تبادل الأسرى التي جرت فلسطينيا مع إسرائيل
  • دعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد": نتنياهو فشل في القضاء على حماس في غزة والسلطة الفلسطينية ينقصها التوافق
  • مصطفى بكري: الشعب الفلسطيني يعي جيداً دور مصر في الحفاظ على القضية الفلسطينية
  • الاحتلال يقرّ بإصابة عشرة من جنوده بانفجار عبوة ناسفة جنوب فلسطين المحتلة
  • رئيس وزراء فلسطين: نرفض الفصل بين غزة والضفة ولن يحكمها غير السلطة الفلسطينية
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو لتولي السلطة الفلسطينية إدارة غزة
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يؤكد حق السلطة الفلسطينية وحدها بحكم قطاع غزة
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: يجب ألا يحكم غزة غير السلطة الفلسطينية