لجريدة عمان:
2024-11-15@17:37:02 GMT

بقرات فلسطين المحتلة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

إذا كان يوم الأرض الفلسطيني الذي يوافق الثلاثين من مارس من كل عام، مناسبة للاحتفاء بالأرض ومن يعمرها ويحافظ عليها، وهو الإنسان الفلسطيني الصامد، فإنه أيضًا مناسبة لتقديم تلويحة امتنان للحيوانات التي تساعده في مهمته هذه وتسهّل عليه حياته، وعلى رأسها الأبقار، وقد تعدّى دورُها حراثةَ الأرض وتوفير الغذاء والحليب إلى مقاوَمة المحتل أيضًا، وهنا أتحدث تحديدًا عن بقرات بلدة «بيت ساحور» القريبة من بيت لحم، التي وُثِّقتْ حكايتها في فيلم «المطلوبات الــ18» (The Wanted 18)، من إخراج الفلسطيني عامر الشوملي والكَنَدي بول كاون، وهو فيلم نال صدى كبيرًا ورشّحته وزارة الثقافة الفلسطينية ليمثّل فلسطين في الدورة الثامنة والثمانين لجائزة الأوسكار في عام 2016 عن فئة الفيلم الأجنبي.

الحكاية باختصار أن أهالي «بيت ساحور» أعلنوا خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) العصيانَ المدني، وقرروا مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، بما في ذلك الحليب، بمنطق بسيط أجراه الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله على لسان إحدى شخصيات روايته «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد» (الدار العربية للعلوم، 2019) التي وثقت هي الأخرى الحكاية أدبيّا. يتساءل إسكندر في هذه الرواية: «هل تريدون أن تقنعوا أنفسكم أن أطفالنا الرُّضَّع، وأطفالنا الذين يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، سيكون عليهم كل صباح، أو في آخر كل نهار، أن ينتظروا سيارة شركة تنوفا الإسرائيلية لكي تزودهم بالحليب؟ كيف سنستطيع أن نرجمهم وننتظر حليبهم؟». من هنا تفتقت أذهان الأهالي عن فكرة ذكية، وهي أن يشتروا ثماني عشرة بقرة من إحدى المستوطنات الإسرائيلية، وأن يعملوا على تربيتها والحفاظ عليها، وإخفائها متفرقة في حظائر سرية، وهذا ما كان. وقد نجحت التجربة وحققت لهم الاكتفاء الذاتي من الحليب ومنتجاته، الأمر الذي أغضب الحكومة الإسرائيلية بقيادة إسحاق رابين، واعتبرت تلك الأبقار «تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي»!، مقرِّرةً وأْد هذه التجربة الرائدة قبل أن تتعمم على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشرعت في مطاردة البقرات من مكان إلى آخر، ومن حظيرة إلى أخرى، بل ووصل بها الأمر أن تعلق ملصقات إعلانية للأبقار تعلن عن مكافأة مالية لمن يدلي بأي معلومات عنها!

في النهاية نجحت إسرائيل في القبض على «المطلوبات الـ18»، وكان مصيرها الذبح، وهو المصير نفسه الذي ينتظر واحدة على الأقل من خمس بقرات حمراء وصلت إلى إسرائيل في سبتمبر من عام 2022، واستقبلها في مطار بن غوريون مسؤول إسرائيلي بدرجة مدير عام! وحملها إلى حظيرة سرية قيل إنها في الأغوار قرب بيسان، حيث ستظل مخفيّة فيها إلى أن يصبح عمرها عامين. هذه البقرات الحُمْر، ذكّر الناسَ بها أبو عبيدة، الناطق الإعلامي باسم المقاومة الفلسطينية، في خطاب له بث في 14يناير الماضي بمناسبة مرور مائة يوم على صمود الشعب الفلسطيني في معركة «طوفان الأقصى» حين قال في معرض حديثه عن عدوان إسرائيل على المسجد الأقصى: «وأُحضِرت البقرات الحُمْر تطبيقًا لخرافة دينية مقيتة مصممة للعدوان على مشاعر أمة كاملة في قلب عروبتها ومسرى نبيها ومعراجه إلى السماء».

إذن فالبقرة المنتظَرة تحمل لونًا نادرًا لم يوجد في بقرة منذ ألفَي سنة كما تقول الأسطورة اليهودية، فهي ليست صفراء فاقع لونها كتلك التي طلبوها من النبي موسى وسُميتْ أطول سور القرآن باسمها، ولا بيضاء منقّطة بالأسود كتلك التي ظهرت في فيلم (The Wanted 18). هذه المرة البقرة حمراء وتسمى بالعبرية «بارا أدومَّا»، وهي مذكورة في نصوص المشناة (شروح التوراة) التي هي جزء من التلمود، ولتؤدي الغرض منها يُشترَط أن يكون لونها أحمر بالكامل، ولا يوجد فيها شعرتان من لون آخر، كما يُشتَرط أن تكون مولودة ولادة طبيعية، وأن تربّى و«تترعرع» فيما يسمّى «أرض إسرائيل»، وأن تُكمل عامها الثاني بعد الولادة دون أن تَحمِل أو تُحلَب أو يُوضع برقبتها حبل. باختصار ينبغي أن تكون البقرة المدللة التي تنافس بقرة «لافاش كيري» الشهيرة في إعلانات الجبن.

لكن هذا الدلال لن يستمر طويلًا، فحين يكتمل العامان ستُستخدَم البقرة الحمراء في عملية يُخطَّط أن تجري فوق جبل الزيتون في القدس مقابل المسجد الأقصى، حيث ستُذبح بطريقة وطقوس خاصة، ثم تُحرق بطقوس أخرى، ويستخدم رمادها في عملية ما يُسمى «تطهير الشعب اليهودي»، وهذا «التطهير» سيسمح لملايين اليهود بدخول ما يسمى «جبل المعبد» الذي سيبنى على أنقاض المسجد الأقصى، أو هكذا يحلمون. بيد أن اليهود ليسوا وحدهم المؤمنين بأهمية ولادة هذه البقرة الحمراء، بل حتى المسيحيون، وتحديدًا الطائفة الإنجيلية التي تعتبر ظهور البقرة الحمراء بشارة بنهاية الزمان وعودة المسيح إلى الأرض، وهذا ما يُفسِّر أن بقرات تكساس الحُمْر الخمس، كانت هدية من مربي ماشية مسيحيين من هذه الطائفة تحديدا.

ويبدو أن كل البقرات مهما تفاوتت أهميتها لها مصير واحد في النهاية: الذبح، ويستوي أن يكون هذا الذبح لإحياء ميت، كما في القرآن، أو لطقوس وشعائر دينية كما في معظم الأديان باستثناء الهندوسية، أو بسبب الجوع، كما هي حال بقرة الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري في روايتها «بدلة إنجليزية، وبقرة يهودية» (منشورات المتوسط، 2022). في هذه الرواية تلعب «البقرة» دورًا كبيرا في تقدم الأحداث وتطورها، وهو ما سيجده القارئ مسرودًا في النسخة الإلكترونية من هذا المقال، نظرًا لانتهاء المساحة هنا.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

دلالات ورسائل استهداف “القواعد العسكرية الصهيونية” في فلسطين المحتلة

يمانيون – متابعات
فرضت قواتنا المسلحة من خلال عملياتها النوعية، التي نفذتها خلال الأسبوع الجاري، ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد، معادلة جديدة على مستوى التأثير والضغط الاستراتيجي على كيان العدو الصهيوني والامريكي، وذلك من خلال استهداف قواعده العسكرية الاستراتيجية في فلسطين المحتلة، والتي تعتبر العمود الفقري في العدوان على غزة ولبنان.

تحول استراتيجي:

وفي هذا الشأن يقول الخبير العسكري زين العابدين عثمان: استهداف قواعد العدو الصهيوني الحيوية، سيكون لها تأثير وخسائر كبرى سيتعرض لها الكيان دراماتيكيا وقد تصل به الى فقدان الوضع العسكري في الحرب بشكل كامل، لان استهداف قواعده الجوية سيعطل تلقائيا عمليات سلاح الجو الذي يعتبر العمود الفقري في العدوان على غزة ولبنان، وبالتالي فان استهداف قواعد العدو العسكري يعتبر تحول استراتيجي مهم، وله دلالات ورسائل كثيره منها انه يفرض معادلة جديدة على مستوى التأثير والضغط الاستراتيجي على كيان العدو الإسرائيلي والامريكي، ويؤكد ان عملياتنا مستمرة، وأن الضربات الأمريكية مهما تعاظمت لن تثني اليمن عن مساندة غزة ولبنان.

ويضف أمريكا بدأت تشعر بخطورة الموقف العسكري الجديد الذي تطبقه قواتنا المسلحة وقد بادرت الى رفع مستوى عملياتها العدوانية على العاصمة صنعاء والمحافظات الاخرى كمحاولة لحماية كيان العدو من تداعيات مثل هذه الضربات الصاروخية الخطيرة.

ويؤكد عثمان في تصريح خاص للمسيرة، أن استهداف القواعد العسكرية الصهيونية، شاهد تاريخي على قوة وقدرة القوات المسلحة اليمنية، وان لدى صنعاء بنك اهداف كبير، وما استهداف قاعدة “ناحال سوريك” العسكرية التي تقع جنوب شرق يافا في فلسطينَ المحتلةِ بصاروخ الفرط صوتي “فلسطين2” ، وذلك بعد يومين من استهداف قاعدة “نيفاتيم” الجوية في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة، إلا اكبر دليل على قدرات صنعاء العسكرية والاستخباراتية.

قواعد مركزية:

ويوضح الخبير العسكري عثمان أن الجزء الهام في عملية استهداف قاعدة “ناحال سوريك” العسكرية، والتي تعتبر واحدة من اهم قواعد كيان العدو، جنوب شرق يافا (تل ابيب) وتعد “قاعدة مركزية لذخائر الجيش الإسرائيلي، وهي مسؤولة عن شراء وجمع وتخزين وإصلاح وتوريد الاسلحة والذخائر ابتداءً من اعيرة الاسلحة الخفيفة الى الصواريخ والقنابل المتقدمة، انها اتت على نمط عسكري مختلف من حيث اختيار نوعية الاهداف حيث بدا العمل على استهداف القواعد الاستراتيجية لكيان العدو الصهيوني منها القواعد الجوية والعسكرية وذلك ضمن مسار عملياتي مدروس يهدف الى اضعاف كيان العدو وتدمير بنيته التحتية العسكرية. كما ان قاعدة “ناحال سوريك” وفق خبراء عسكريون تعد ثالث أكبر موقع تخزين قذائف نووية وثاني أكبر مختبر ابحاث نووي والمركز الرئيسي لتصميم وبناء الأسلحة النووية.

وبحسب عثمان فان قاعدة “نيفاتيم” الجوية الاستراتيجية الواقعة في صحراء النقب على بعد 16 كيلومتراً عن مركز “ديمونة” النووي، والتي استهدفتها قواتنا المسلحة الجمعة الماضية، تعد من أهم القواعد الجوية الاستراتيجية في الكيان وأكبرها، إذ يتمركز فيها “السرب 140” أو “سرب النسر الذهبي”، وهو سرب مقاتلات “Lockheed Martin F-35 Lightning II”، وسربان لطائرات النقل، وسرب لطائرات التزوّد بالوقود، وطائرات “الشبح”، سرب طائرات من طراز “Gulfstream G550 وG500” التجسسية، وطائرات نظام الإنذار المبكر والتحكّم “AEW & C”، وطائرات تستخدم لجمع استخبارات الإشارة (طائرات مهام إلكترونية خاصة).والاهم ان هذه القاعدة تضم مقر القيادة الجوية الاستراتيجية لسلاح جو الكيان، والطائرة الرئاسية الصهيونية.

جبهة متقدمة ورسائل واضحة:

وفي المرحلة الخامسة من التصعيد، تحاول قواتنا المسلحة من خلال تكثيف العمليات العسكرية، التي تستهدف قواعد العدو الصهيوني العسكرية الهامة، وهي عمليات استراتيجية مدروسة مع بقية المحور، ترسل عدة رسائل ان لدينا قدرات عسكرية واستراتيجية لا يمكن لاحد ان يتصورها، وان العمليات العسكرية مستمرة حتى يتوقف العدوان على غزة ولبنان، وبهذه العمليات والقدرات أصبح اليمن جبهة اسناد متقدمة،

ولهذا تحاول أمريكا بغاراتها العدوانية على العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى، تثي قواتنا المسلحة عن ذلك، خاصة ان قواتنا المسلحة استطاعت نسف نظرية الامن المطلق للكيانات البحرية، ولهذا تحاول دول العدوان أمريكا وبريطانيا منذ بدء عملية طوفان الأقصى العام الماضي، ان تستخدم كل قدراتها العسكرية بما في ذلك طائرة الشبح التي شنت عدة غارات على عدد من المحافظات، بهدف وقف العمليات العسكرية التي تنفذها قواتنا المسلحة في البحرين الحمر والعربي.

وبالتالي فان استهداف قواعد العدو الصهيوني العسكرية في فلسطين المحتلة، بتزامن مع الغارات العدوانية التي نفذها طيران العدو الأمريكي في مختلف المحافظات اليمنية، يحمل رسالة لقوى الاستكبار وعلى راسها أمريكا وبريطانيا ان العمليات العسكرية لن تتوقف إلا بتوقف العدوان عن غزة ولبنان.

ومن خلال العمليات النوعية التي تنفذها قواتنا المسلحة، برغم الغارات الامريكية والبريطانية، اثبتت ان لديها خبرة في كيفية التعامل مع العقلية العسكرية الامريكية وحلفائهم، بالتالي فان العمليات النوعية مستمرة، ولها تأثيرها الكبير، وتؤكد ذلك الغارات المكثفة الامريكية والبريطانية، التي تأتي بعد هذه العمليات التي تستهدف العمق الإسرائيلي.

وكانت قواتنا المسلحة دشنت المرحلة الخامسة من التصعيد، باستهداف مدينة “يافا” تل أبيب بطائرة مسيّرة في 19 يونيو، ومن ثم بصاروخ فرط صوتي اخترق كافة منظومات الدفاع الإسرائيلية في 15 سبتمبر، تلتها عمليتان في أكتوبر، وعمليتان أخريان في نوفمبر، حتى الآن، بذات الصاروخ.
—————————————
المسيرة – عباس القاعدي

مقالات مشابهة

  • البرلمان العربي في الذكرى الـ36 لإعلان وثيقة الاستقلال الفلسطيني: إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة حق أصيل
  • في تقويض لحل الدولتين.. الخارجية الفلسطينية: إسرائيل تقسّم الضفة بحواجز عسكرية مكانيا وزمانيا  
  • حزب الله يستهدف قاعدة “شراغا” ولواء غولاني شمالي فلسطين المحتلة بالصواريخ والمسيرات الانقضاضية
  • 24 عملية عسكرية لحزب الله في شمال وعمق فلسطين المحتلة
  • “الجمعية العامة” تعتمد بالأغلبية قرار سيادة الشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية
  • فصائل عراقية: هاجمنا هدفا حيويا شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة للمرة الثالثة
  • إقرار أممي بسيادة فلسطين على مواردها الطبيعية في الأراضي المحتلة
  • حكم قراءة سورة الفاتحة وأول سورة البقرة بعد ختم القرآن
  • الأمم المتحدة تجدد التأكيد على سيادة السوريين في الجولان المحتل والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة على مواردهم الطبيعية
  • دلالات ورسائل استهداف “القواعد العسكرية الصهيونية” في فلسطين المحتلة