عين ليبيا:
2025-03-04@21:10:18 GMT

الفندق الكبير بطرابلس.. لوحة زمن

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كانت ليبيا قبلة المعارضين والغاضبين. طيف من التائهين العرب الذين يحملون في صدورهم أكثر من غصة حارقة. نارها آهات فلسطين وحلمها الوحدة العربية. غرب زمن الأحلام، وقبل القوميون بتأجيل الأمل إلى زمن ستدفعه أمواج المحيط، ودفقات الخليج. «كامب ديفيد» كلمتا الصاعق الذي أبدع لغة سياسة المعارضة الثورية القومية.

اختلطت كيمياء الرغبة الحلم، بالواقع السياسي الثقيل.

العشرات من العرب، منهم السياسيون والشعراء وعسكريون متقاعدون، يلتقون كل صباح في بهو الفندق الكبير بطرابلس الغرب. الفندق الذي بناه الإيطاليون في سنوات الاستعمار، وأعطوه اسم «القراند هوتيل». الشاعر العراقي الكبير محمد المهدي الجواهري، يجلس في الزاوية اليمنى، ويجد في انتظاره الأديب والمثقف والسياسي، الأستاذ علي مصطفى المصراتي. المصراتي الظاهرة السياسية والأدبية الليبية، رجل يذخر الكلام، له آلاف التسجيلات مع الكبار العرب، من سياسيين وشعراء ومطربين. يمتلك مكتبة نادرة، بها من الكتب ما لم يمتلكها غيره. تسجيلات طويلة مع عباس محمود العقاد وطه حسين وأم كلثوم، وعبد الرحمن بدوي. والساسة العرب بلا حصر من المحيط إلى الخليج.

الشيخ علي مصطفى المصراتي، الذي درس بدار العلوم بالقاهرة، يحمل في روحه وعقله، قواعد الزوايا التعليمية، أو لنقل الخلوات الثقافية. وجد في الشاعر العراقي الجواهري، الجوهرة التي وهبتها له الأقدار. والشاعر العراقي الكبير الهارب من بلاده ومن الزمن الثقيل، وجد في الموسوعة علي مصطفى المصراتي، نفحات حية من نسيم الوجد والوجود الذي طوته رياح الزمن العراقي والعربي الثقيل. الفنان الليبي الكبير الأستاذ كاظم نديم، أحد آباء الموسيقى الليبية، والعالم بالمقامات الموسيقية، كان الثالث الذي لا يغيب عن جلسة الجواهري والمصراتي. الشباب الليبيون الذين تجذبهم الأسماء الكبيرة التي تجلس حول الطاولة اليمينية، يصنعون بسرعة حلقة واسعة ترتفع فيها الأصوات التي تسأل أو تقول.

في الشعر والسياسة والأدب والتاريخ والفن. الشاعر العراقي الكبير، لا يتردد أن يقول إن أذنيه غلبتهما الأيام، والحافظة أضناها ازدحام وأثقال ما حملت، والشيخ علي مصطفى المصراتي له قدرات أسطورية في نحت القفشات الحاضرة. جاءه شاب حاملاً في يده ورقة قال إنه كتب فيها شعراً حديثاً، وأراد أن يقرأ شعره على الشيخ المصراتي. استقبله الشيخ ببسمة مرحبة. بعد أن فرغ الشاب من قراءة شعره، قال له المصراتي: «مبروك يا بني». فرح الشاب وسأل: «هل أعجبك شعري يا شيخنا»؟. أجابه المصراتي: «أبارك لك تخلصك ممّا كنت تحمله في بطنك، لو بقي فيه لسبّب لك مشاكل لا يعلمها إلا الله». في الفندق الكبير بطرابلس تجمّع سياسيون وأدباء وفنانون عرب، أغلبهم حملوا صفة المعارضة لأنظمتهم السياسية. وهناك زوار يأتون ويرحلون. والمقهى الفسيح في الفندق الكبير هو المنتدى الذي يجمع أهل المشرق بأهل المغرب. أسماء سياسية من الوزن الثقيل مثل خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، وأمين حزب «التجمع»، كان من الشخصيات التي أقامت في الفندق الكبير. كان يفضّل تناول الفطور في المطعم بالدور الثاني، وكانت جلسته سياسية خالصة. يشاركه إفطاره أحياناً بابكر كرار السياسي السوداني وشخصيات عراقية وفلسطينية. الدكتور محمد أحمد فتح الله، لا يرتاد الفندق الكبير ويفضّل الانعزال في مقر إقامته. الأديب والفنان المصري عبد الرحمن الخميسي، كان من سكان «فندق الشاطئ»، له حضور من حين لآخر بالفندق الكبير، وكذلك الصحافي المصري الساخر محمود السعدني. إليهما يأتي الشباب الليبيين والعرب الذين يعملون في ليبيا، ليستمعوا إلى نوادرهما وذكرياتهما في الفن والأدب والسياسة. في هذا الفندق تحرك التاريخ أياماً وتحدث وقال وسمع. زاره ساسة وفنانون عرب كبار. بعضهم أقام فيه، وآخرون ساهموا في حلقات نقاش عامة أو خاصة. أسماء بعضها رحل عن هذه الدنيا، وكانت حاضرة سياسةً، وإبداعاً أدبياً وشعرياً في الفندقين؛ «الشاطئ» و«الكبير».

وديع الصافي وصباح فخري ولطفي بوشناق وغيرهم، كانوا لا يغيبون عن المناسبات الوطنية الليبية، أو حتى في زيارات خاصة، فقد ارتبط كثير منهم بصداقات شخصية مع بعض الليبيين. الشاعر العراقي مظفر النواب عاش في ليبيا سنوات طويلة، وأحب كل شيء فيها، وكانت له شعبية واسعة بين النخبة المثقفة والعامة. قال فيها قصائد سياسية ونضالية وثورية قومية، امتزج فيها الغضب بالأمل والحنين والتمرد على الواقع العربي. لا أعلم إن هو التقى الشاعر العراقي الكبير محمد المهدي الجواهري في طرابلس أم لا. مظفر النواب كانت له علاقات واسعة مع السياسيين، في حين كانت حلقات الجواهري من المثقفين والفنانين الليبيين القدامى. أيام الإعداد لفيلمَي «الرسالة» و«عمر المختار»، كان الفندق الكبير بطرابلس وفندق الشاطئ، بمثابة المنتدى الذي يعج بكبار النجوم العالميين. الصحافيون الليبيون والعرب والأجانب، يتزاحمون في الفنادق الليبية التي يقيم بها النجوم المشاركون في شريطي «الرسالة» و«عمر المختار». هناك كثير من الساسة والأدباء العرب ممن التقوا الممثلين المشاركين في فيلمي «الرسالة» و«عمر المختار».

المطربون والمطربات من مغرب العالم العربي ومشرقه، استضافتهم الفنادق الليبية الكبيرة، ولم يغب الصحافيون العرب، خصوصاً من اللبنانيين والمصريين، الذين يتدافعون في كل الأوقات حول نجوم السينما والسياسة والأدب. الفندق الكبير في طرابلس في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كان حلبة عربية وعالمية، جمعت بين السياسة والفن والأدب والسينما، وكان قبلة لجيل جديد من الليبيين، الذين اندفعوا إلى دنيا الأدب والفن، وتحلقوا حول نخبة من السابقين في مجالَي الأدب والفن. الكاتب الليبي الكبير الصادق النيهوم، كان من زبائن الفندق الكبير بطرابلس. هناك ينتظره الأصدقاء والجيل الجديد من الكتاب والأدباء. الفندق الكبير بطرابلس كان له عبق وأفق شامل. المكان المنتدى الذي يلتقى به السياسيون والعسكريون والأدباء والفنانون من أعمار متفاوتة. هناك تزول المسافات والرتب والانتماءات. بعض الأجانب يستغربون ذلك الاندماج العفوي بين كل الشرائح الليبية، وانفتاحها على القادمين. المطرب الليبي محمد حسن أو عادل عبد المجيد أو عبد المجيد حقيق، وغيرهم عندما يدخل أحدهم الفندق، يلتف حوله الكبار والصغار، ويتحدث معهم ويلاطفهم. الفندق الكبير في طرابلس كان زمناً ولوحة حياة، شارك في رسمها شخوص رحل أغلبهم عن هذه الدنيا، لكن الألوان الحية ستبقى زاهية في ذاكرة ليبيا، وكل الذين عاصروا ألوانها في الفندق الطرابلسي الكبير. واحة الألوان التي سكنها زمن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الشاعر العراقی الکبیر فی الفندق

إقرأ أيضاً:

لوحة مفقودة منذ نصف قرن... كيف وصلت إلى متحف هولندي؟

بعد أكثر من خمسين عامًا من اختفائها، ظهرت مجددًا لوحة للفنان الفلمنكي الهولندي بيتر برويغل الابن في هولندا. فقد سُرقت اللوحة، التي تحمل اسم "امرأة تحمل الجمر" والتي تعود إلى حوالى عام 1626، من المتحف الوطني في غدانسك ببولندا عام 1974، لكنها اكتُشفت مؤخرًا في متحف جودا بمقاطعة ليمبورغ الهولندية.

اعلان

وعلى الرغم من صغر حجمها الذي لا يتجاوز 17 سنتيمترًا، إلا أن هذه اللوحة الدائرية تحمل دلالة عميقة، حيث تجسد مشهداً لامرأة فلاحة تحمل جمرًا مشتعلاً وقدرًا، في إشارة إلى مثل هولندي قديم يعبر عن الازدواجية والخداع.

في السنوات الماضية، أحاط الغموض والتكهنات بمصير اللوحة، حيث ترددت شائعات عن احتمال تورط المخابرات البولندية في اختفائها. لكن العام الماضي، وأثناء عرضها في معرض فني، لفتت الأنظار، مما دفع المحقق الشهير آرثر براند – المعروف باستعادة الأعمال الفنية المسروقة – إلى تتبع مصدرها.

وبحسب متحف جودا، فإن اللوحة كانت جزءًا من مجموعة خاصة استُعيرت للمتحف، ولم تكن مُدرجة في أي سجل للأعمال الفنية المسروقة، ما جعلها تمر دون إثارة أي شكوك. لكن المفاجأة جاءت عندما نشرت مجلة الفن الهولندية "فيند" تقريرًا أثار التساؤلات حول أصل اللوحة، ليكتشف براند لاحقًا أنها القطعة الأصلية المفقودة منذ نصف قرن.

"الرسام والخبير"، لوحة تعود إلى حوالي عام 1565، ويُعتقد أنها تمثل صورة ذاتية لبروغل.Image: CC licence/via Lex.dk

وفي تطور مثير، كشف براند أن اللوحة استُبدلت بنسخة مقلدة بعد سرقتها، ولم يُكشف الأمر إلا عندما اصطدم بها أحد موظفي المتحف البولندي بالصدفة عام 1974. كما زاد من تعقيد القضية وفاة ضابط جمارك بولندي كان قد كشف عن تهريب لوحات فنية عبر ميناء غدينيا في ظروف غامضة، قبل استجوابه مباشرة.

لوحة بروغل

في الوقت الحالي، تعمل الشرطة الهولندية بالتنسيق مع السلطات البولندية لضمان إعادة اللوحة إلى موطنها الأصلي. وفي هذا الصدد، أكدت وزارة الثقافة البولندية أنها "على تواصل مستمر مع السلطات الهولندية لضمان استعادة اللوحة".

Relatedبحيرة كالاتوهاي في شين يانغ.. حينما ينسج الجليد لوحة ساحرة مع قدوم الربيعبعد 60 عامًا في الظل.. عرض لوحة نادرة لكارافاجيو لأول مرة في رومالوحة بانكسي الشهيرة "العاشق المعلّق جيداً" تُعرض للبيع في مزاد علني مع مبنى بريستول

ويُعرف آرثر براند بلقب "إنديانا جونز عالم الفن" نظرًا لعملياته الجريئة في استعادة الكنوز المسروقة، ويُضاف هذا الإنجاز إلى سلسلة نجاحاته، التي تشمل استرداد لوحة "حديقة القسيس في نوينن في الربيع" لفنسنت فان جوخ، والتي سُرقت خلال عملية سطو على متحف أمستردام عام 2020.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بعد قرن من الزمن.. امرأة غامضة تظهر تحت لوحة فنية لبيكاسو بحيرة كالاتوهاي في شين يانغ.. حينما ينسج الجليد لوحة ساحرة مع قدوم الربيع قيمتها 15 مليون دولار.. العثور على لوحة نادرة قد تكون لفان غوخ داخل مرآب في مينيسوتا متحفسرقةهولندابولندافان جوخاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext حرب الجمارك تشتعل والأسواق العالمية مُربكة: ترامب ماضٍ في العقاب وأوتاوا وبكين تنتقمان يعرض الآنNext قمة عربية طارئة لتقديم مقترح بديل عن خطة ترامب بشان غزة وحضور لافت لأحمد الشرع يعرض الآنNext نتنياهو أمام المحكمة للمرة الـ15 في قضايا الفساد والرشوة يعرض الآنNext الخطة المصرية لغزة: رؤية سياسية لمواجهة مقترح ترامب ولا مكان فيها لحماس يعرض الآنNext إما التعري أو المغادرة.. ألمانيا قد تحظر ملابس السباحة في الشواطئ المخصصة للعراة اعلانالاكثر قراءة نتنياهو: سنواجه كل من يحاول حفر ثقوب في سفينتنا الوطنية مقتل شخص على الأقل وإصابة آخرين في حادث دهس بمدينة مانهايم الألمانية برنامج الأغذية العالمي يغلق مكتبه في جنوب أفريقيا.. هل لخفض المساعدات الأمريكية دور في القرار؟ جنبلاط يدعو السوريين للحذر من "المؤامرات الإسرائيلية" ويؤكد زيارته المرتقبة إلى دمشق وفاة "صاحب الذراع الذهبية" في أستراليا.. رجل أنقذ بدمه حياة 2.4 مليون طفل اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات التشريعية الألمانية 2025دونالد ترامبفولوديمير زيلينسكيجامعة الدول العربيةبنيامين نتنياهوالحرب في أوكرانيا قطاع غزةتيك توكالقاهرةسورياغزةحكومةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • لوحة مفقودة منذ نصف قرن... كيف وصلت إلى متحف هولندي؟
  • عطاف يتباحث مع نظيريه التونسي والليبي تحضيرات القمة الثلاثية المقررة بطرابلس
  • شيخ الأزهر: ندعو الله أن يوفِّق القادة العرب في القمة العربية ووضع حدٍّ للغطرسة والفوضى التي يتعامل بهما الداعمون للكيان المحتل
  • أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان
  • مؤسسة النفط الليبية تطالب برفع وتيرة الإنتاج في شركة "الخليج العربي"
  • مباريات مثيرة تنتظر جماهير الكرة الليبية
  • تيتيه والسفير الألماني يناقشان سبل دعم الأطراف الليبية للمضي قدمًا نحو حل سياسي
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • الأمين: الحكومة الليبية وفرت السلع بينما حكومة الوحدة لم تتمكن من تحديد الأسعار