ودع إدوارد سعيد الحياة في سبتمبر/أيلول 2003، مخلفا وراءه الكثير من المنجزات في الفكر والفلسفة والنقد الأدبي والموسيقي، ومواقف صلبة في السياسة والانحياز إلى فلسطينيته.

ورحل سعيد -المولود في القدس عام 1935- ولم تتوقف سيل الكتب عن إنجازاته ونظرياته النقدية وتأملاته في الفلسفة وفي سيرته الذاتية، ليبقى حاضرا في غيابه كما في حياته.

غير أن صاحب "الاستشراق" أبقى في درج مكتبه رسالة كان يعتزم توجيهها إلى المثقفين الأميركيين عام 1989 بشأن القضية الفلسطينية، يومها كانت الأراضي الفلسطينية تشتعل بالمواجهات مع الاحتلال.

الرسالة بقيت حبيسة الأدراج ونشرت مؤخرا في كتاب صدر أخيرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، حمل عنوان "إدوارد سعيد.. رسالة مفتوحة غير منشورة ومقالات أخرى".

ازدواجية المثقف الأميركي

في الرسالة التي وجهها صاحب "العالم النص الناقد" إلى المثقفين الأميركيين اليهود، ومضى عليها أكثر من 30 عاما، تبدو وكأنها كتبت الآن.

فالرسالة وإن دعت المثقفين الأميركيين اليهود إلى اتخاذ موقف يدعم السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنها حملت نقدا لاذعا تجاه تحيزهم إلى إسرائيل وصمتهم المريع على جرائمها تجاه الشعب الفلسطيني.

ويرى في رسالته أنه عندما يتكلم اليهود عن إسرائيل كما لو أنه وطن يأتون إليه سيكون من الضروري الاعتراف بأن استعمال كلمة الوطن على مسمع من الفلسطينيين له وقع قاتل.

وينتقد ازدواجية موقف المثقفين الأميركيين فهم "يظهرون قدرات نقدية بالغة الرهافة في حالات تتصل ببلاد أخرى" وما يزال المرء يسمع تفسيرات الممارسات الإسرائيلية ترد فيها عبارات مثل "انكشاف إسرائيل للإرهاب ضد المدنيين" أو إسرائيل بلد ديمقراطي محاط بأنظمة شمولية مصممة على تدميرها.

ويحاجج سعيد ويتساءل أين هي الأدلة على "وجود دول عربية أقسمت على أنها ستدمر إسرائيل؟ هذه الأدلة لا وجود لها وحتى لو كانت موجودة، أليس هناك نسبة وتناسب وتواز بين أيمان لفظية من جانب وبين ظلم منظم مقيم على مدى 4 عقود يمارس من الجانب الآخر ضد أولئك الذين جردوا من ممتلكاتهم وحلت إسرائيل محلهم.

الإرهاب والأذى الكبير

ويسرد صاحب "خارج المكان" أنه علينا أن نفتح أعيننا على الأذى الكبير الذي ارتكب بحجة مقاومة الإرهاب والجثث موجودة لتعدادها آلاف الفلسطينيين إضافة إلى مذابح 1948 والمحاولة التي تجري الآن لتجويع مدن بكاملها في الضفة الغربية وغزة مقابل حفنة من القتلى الإسرائيليين. وقد جاءت من ممارسات مذهلة تستحق الإدانة ولكنها لا تدان مطلقا، ولذلك فإن علينا أن نفترض أن قتلانا وآلامنا بصفتنا فلسطينيين أقل بمئة مرة من القتلى الإسرائيليين.

ويخاطب سعيد المثقفين الأميركيين قائلا إن "الاحتفال بمنجزات إسرائيل الكبيرة والانغمار بمباهج النصر والتغافل عن المظالم اليومية التي ترتكب في الضفة الغربية وغزة أمور لا تليق بكم".

ويتابع في رسالته "على الرغم من الأسلوب البلاغي التي تستخدمه إسرائيل وتصور به نفسها على أنها ضحية للفلسطينيين فإنها في الواقع قوة لا يستهان بها في الوقت الحاضر: فالتهديد العسكري الذي يمكن أن تمثله دولة فلسطينية يشبه كما قال أبا إيبان تهديد لوكسمبورغ للاتحاد السوفياتي".

ويطالب سعيد المثقفين الأميركيين بأن "يعلنوا بوضوح وفي وضح النهار إما أنهم يساندون بقاء الشعبين المتساويين سياسيا أو أنهم يشعرون بأن الفلسطينيين أدنى من اليهود ويجب أن يظلوا كذلك".

ويخلص سعيد أنه "بينما يقتل الفلسطينيون كل يوم برصاص الجنود الإسرائيليين، وبينما يعاقب الشعب الفلسطيني بلا هوادة من قبل الدولة اليهودية والشعب اليهودي، فإن دوركم بصفتكم مثقفين هو في رأيي أن تكونوا شهودا وأن تشهدوا ضد تلك الجرائم".

المثقفون والعدل

ويختم رسالته "يبدو لي إذا أن الطريق أمامنا قد اتضحت معالمها فإما أن نحارب من أجل العدل والحقيقة وحق النقد الصادق أو أن نتخلى عن صفة المثقفين".

وفي معرض تعقيبه على الرسالة، يرى شاهين وهو الأكثر بين المثقفين معرفة ومتابعة لمنجز سعيد أن الأخير لو كان حيا الآن فإنه سيقول لناشره "إن الضرورة لا تقتضي التعديل والتبديل رغم مرور المدة الطويلة على كتابتها، لأن الواقع الذي كتبت الرسالة وقتها لم يتغير".

وربما يضيف سعيد حاشية مفادها أن ذلك الواقع يزداد سوءا يوما بعد يوم، كما تشير الحوادث الراهنة بين الفلسطينيين وإسرائيل في مختلف الأراضي الفلسطينية.

ويضيف شاهين أن رسالة سعيد شأنها شأن كتاباته التي تستشف الواقع سلفا من خلال رؤية تتخطى الآنية حيث إنها تنفذ إلى الوعي الجمعي، وأوضح دليل على رؤية سعيد هي ما كتبه حول أوسلو يشهد العالم بأسره هذه الأيام برضاه أو عدمه كيف أن سعيد كان على بينة من النتائج المجحفة حول الصفقة.

موقع تأسيسي

الكتاب الذي جاء احتفاء بالـ"المفكر الكوني" استعادة لما نشر سابقا من مقالات عن سعيد أو كتبه.

ويرى معد ومحرر الكتاب شاهين أن" أهمية سعيد تكمن في موقعه التأسيسي في الدراسات والنقد ما بعد الكولونيالي" وأن منجزه يؤكد منذ البداية أنه "ولد شامخا مبكرا وأنه تميز منذ البداية كصاحب فكر جديد أصيل".

وعن شخصيته يؤكد شاهين أن "من ينظر في حياة سعيد سيعثر على سجل خاص من نضال دائم من أجل تبلور شخصيته الحقيقية ومن أجل الحفاظ على استقلاليتها من كل الظروف المحيطة بها".

القلق الوجودي

نشأ سعيد بالقاهرة من دون أن يتملكه الشعور بأنه مصري ثم عاش فترة مهمة من شبابه بالقدس، حيث تشبع بإحساس الانتماء إلى فلسطين إلى أن غادرت أسرته هذه المدينة المقدسة عام 1948، ولم يكف حتى في منفاه بالولايات المتحدة عن محاولة إيجاد ذاته المستقلة.

ويعتبر شاهين أن صاحب "الثقافة والإمبريالية" لم يتبرأ من جنسيته الأميركية بوصفه فلسطينيا كما لم يستخف بها، لكنه لم يكف في الوقت ذاته عن البحث في ذاته عن كينونته ووجوده، وربما لازمه قلق بحثه منذ طفولته وعمقته المأساة الفلسطينية حيث إنها شغلت حيزا مهما من حياته وكانت قضيته الأساسية.

ولم تجعل إشكالية الهوية ومفارقاتها من سعيد رجلا منزويا ولم يتملكه التفكير الفلسفي التأملي الذي يجعله يتعالى على المشاكل اليومية، فهو الفلسطيني سليل المأساة الفلسطينية، وهو المثقف العالمي الذي يؤمن بمهمته الإنسانية والحضارية بغض النظر عن الفواصل والحدود.

الكتاب الذي جاء احتفاء بسعيد ضم مقالات منشورة على سنوات كتبها وكتبت عنه على سنوات متباعدة منها الهوية، السلطة والحرية: المتسلط والرحالة، والأصول الفكرية الإمبريالية والصهيونية والتلفيق الذاكرة والمكان، وأفكار حول الأسلوب الأخير وغيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات شاهین أن

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تبعث رسالة إلى الجولاني

سرايا - تحت ذرائع أمنية أبلغت "إسرائيل" من خلال رسالة بعثت بها إلى حكام سورية الجدد أنها لن تنسحب من المناطق التي احتلتها بعد سقوط النظام .

ورغم الرسائل المعتدلة التي أعلن عنها زعيم هيئة تحرير الشام احمد الشرع قبل نحو أسبوع أنه لا ينوي الصراع مع "إسرائيل" ، أفادت صحيفة يديعوت احرنوت أن تل أبيب اوصلت رسالة إلى السلطة السيادية الجديدة في دمشق مفادها : لن نقبل أي محاولة من قبل الجهاديين الوصول إلى جنوب سوريا.


وأضافت "إسرائيل" توضيحا: إذا بدا أن هناك طرفا مسؤولا في سوريا فسنفكر في نقل المنطقة العازلة إليه. ولكن طالما لم يكن هناك أي شيء، فسوف نستمر في القلق بشأن أمننا.

وبعد أيام قليلة، قال الجولاني إنه حتى بعد الإطاحة بنظام الأسد، ستواصل سوريا الالتزام باتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، ودعا المجتمع الدولي إلى التأكد من أن "إسرائيل" ستظل ملتزمة به.

في غضون ذلك، أضافوا في "تل ابيب" في رسالتهم أن الجيش الإسرائيلي دخل المنطقة العازلة لأسباب تتعلق بالدفاع والأمن الإسرائيليين، خوفا واستعدادا لاحتمال وقوع أحداث مماثلة لتلك التي وقعت في 7 أكتوبر 2023 . وأوضحوا "لن نسمح بحدوث ذلك".

في اجتماع الكابنيت السياسي والامني الأمني الذي عقد في وقت سابق الاحد في قيادة المنطقة الشمالية، تناول المشاركون الوضع في سوريا ولبنان، وكان هناك تعمق في المراجعات التي تلقوها. التقييم في "إسرائيل" هو أن المتمردين يحاولون تقديم صورة معينة للعالم الغربي، لكنهم في تل ابيب يبقون وأعينهم مفتوحة عندما يتعلق الأمر بما يحدث في سوريا.

منذ سقوط نظام بشار الأسد ، احتلت "اسرائيل" المنطقة العازلة بين البلدين، تخت ذريعة تحييد التهديدات.

وأفادت قناة الميادين اللبنانية" أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنشأ 7 نقاط عسكرية دائمة على طول الشريط العازل (مع سوريا) في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة.

كما أفاد المصدر نفسه أن النقطتين 1 و2 الواقعتين في منطقة جبل الشيخ "تشرفان على دمشق وريفها الغربي".

إقرأ أيضاً : رئيس بنما يرد على تهديدات ترامبإقرأ أيضاً : رئيس الموساد يطالب بمعركة مع إيران وجها لوجهإقرأ أيضاً : الأمن العام بدمشق يصدر تعليماته ويتوعد المخالفين



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #قيادة#إيران#المنطقة#الشمالية#الوضع#سوريا#الاحتلال#جبل#رئيس#القوات



طباعة المشاهدات: 1288  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 23-12-2024 10:00 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
الطهي 5 أيام دون توقف يُدخل طاهية إيفوارية "موسوعة غينيس" «ساعات العمر» .. توظيف علامات الدم للتنبؤ بالصحة وعمر الإنسان تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم ما هي توقعات عائلة سيمبسون لأمريكا في 2025؟ الحكومة: "لن نستغني عن أي موظف .. ولكن!" اسم يتردد مجددا .. ما هو دور فاروق الشرع في سوريا... شاهد .. ولي العهد ينشر فيديو من مكتبه: مع إيمان اليوم المملكة على موعد مع تساقط الثلوج في هذا الموعد الأردنيان "جو حطاب وأبن حتوته" يلتقيان... رئيس بنما يرد على تهديدات ترامبرئيس الموساد يطالب بمعركة مع إيران وجها لوجهالأمن العام بدمشق يصدر تعليماته ويتوعد المخالفين"خامنئي" يهاجم الإدارة الجديدة في سوريا...وزير خارجية تركيا من دمشق: لا مكان للمسلحين الأكراد...ضربة جديدة لستاربكس .. الإضراب يتسع في مدن أميركيةالشرع: هيكلة جديدة للجيش السوري خلال أيام .. ولا...ترامب: سأمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة جنبلاط: نتمنى عودة العلاقات اللبنانية السورية... نيكول كيدمان تكشف تفاصيل تعرضها لـ"أزمة... أمل بوشوشة تكشف أسباب غيابها عن الساحة الفنية "ده شغل رخيص" .. رسالة غاضبة من ياسمين... فضيحة جديدة في السينما المصرية: كاتبة توأم روحي... عبير فؤاد تحذر من انفصال 3 من أشهر أزواج الفن في... "كرتي الأفضل" .. الأرجنتين وأوروجواي تخوضان أغرب مباراة في التاريخ! تشكيل لجنة مؤقتة لاتحاد الكيك بوكسينغ مونبليه يسعى لبيع التعمري ب 6 مليون دولار البحرين تهزم السعودية في خليجي 26 العراق ينتزع فوزاً صعباً أمام اليمن ضرورة العصر: كيف تضمن تطورك المهني في عالم متغير؟ "الجدة الخارقة" ترفع الأثقال في سن التسعين قصة فتاة سعودية أبلغت سلطات ألمانيا عن منفذ حادثة الدهس الولايات المتحدة .. رجل يرتكب "جريمة وحشية" بحق ابنه الرضيع خطط لاستهداف السفير السعودي .. منفذ حادثة ألمانيا عرض مكافأة لتحديد موقعه "موظف ملكي" يكشف عن سبب عدم عودة ميغان ماركل إلى بريطانيا جيف بيزوس يستعد لزفافه بحفل تكلفته 600 مليون دولار - تفاصيل بعد مقتل مراهق .. ألبانيا تحظر تيك توك لمدة عام دواء يتسبب بإدمان بريطاني على المراهنات .. وتعويض مالي لصالحه "ساعات العمر" .. توظيف علامات الدم للتنبؤ بالصحة وعمر الإنسان

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • رتيبة النتشة: إسرائيل ترى أنه لا وجود للدولة الفلسطينية
  • إسرائيل: حماس تراجعت عن التنازلات التي أدت لاستئناف مفاوضات غزة
  • حسام علوان: لدي نسخة غير منشورة من جوابات الفنانة دولت أبيض
  • أردوغان: إسرائيل ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها
  • عبدالقيوم ينتقد خطاب الكراهية للغرياني: يزيد الانقسامات ويدمر مبدأ المواطنة
  • تراجع ثقة المستهلكين الأميركيين على نحو غير متوقع في كانون الاول
  • ازدواجية المعايير الأمريكية
  • أصيبوا بشلل في المعدة.. نجوم سقطوا في خدعة حقن التخسيس
  • باحثة سياسية: إسرائيل تركز على المناطق تحت السيطرة المدنية الفلسطينية
  • إسرائيل تبعث رسالة إلى الجولاني