محمد مسعود يكتب: «عتبات بهجة».. مجدي أبو عميرة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
منذ أن تم الإعلان عن عودة ملك الدراما مجدى أبوعميرة من خلال مسلسل «عتبات البهجة» المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، صاغ لها السيناريو والحوار الدكتور مدحت العدل، ولعب بطولته الفنان العظيم الدكتور يحيى الفخرانى، عقدت نية الكتابة عنه، ولمَ لا وهو يجمع أربعة أسماء لشخصيات لها وزنها وثقلها فى عالم صناعة الدراما التليفزيونية؟ ذكرنا منهم ثلاثة، أما الرابع فهو المنتج الكبير جمال العدل.
وعند عرض المسلسل قررت أن أكتب بعد مشاهدة الحلقة الأخيرة لتكون الرؤية مكتملة، ومن باب الإنصاف لعمل بذل صُناعه فيه -بحسب معرفتى- مجهودات كبيرة، لكن مع كل يوم من العرض، ألاحظ أن ثمة حالة من التربص، ليس بالمسلسل، ولكن بمخرجه، وكأن هناك من يريد لهذا الجيل أن ينتهى ويرفع رايته البيضاء معلناً التراجع والاستسلام ورمى الفوطة والانسحاب من الوسط، وتركه لمن يعرف آلياته من مخرجى الدراما الهندية التى تركب الأفيال، كما تركب التريند، أو المسلسلات الشعبية العشوائية التى تسىء للمجتمع ويتم تصويرها وإنتاجها خارج مصر.
ورغم حرص الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على وجود عناصر الخبرة وأصحاب التاريخ، أمثال المخرج الكبير عميد فن الإخراج التليفزيونى الأستاذ محمد فاضل، فى العام الماضى من خلال مسلسل تناول السيرة الذاتية للفنان العظيم نجيب الريحانى كتبه المتميز محمد الغيطى، أو من خلال وجود «أبوعميرة» فى العام الحالى، تعرّض كلاهما للنقد الشديد، لذا قررت أن يكون مقال هذا الأسبوع فى جريدة «الوطن» عن الملك مجدى أبوعميرة، فـ«الوطن» يحتوى الجميع ولا ينسى إسهامات صُناع قوته الناعمة على مر العصور.
مجدى أبوعميرة ظل مساعداً للمخرج الكبير أحمد طنطاوى وللمخرج العظيم محمد فاضل لسنوات طويلة، وما إن أُسندت إليه مهمة الإخراج فى مسلسله الأول «الطبرى»، حقق العمل نجاحاً عظيماً، ولعب بطولته الفنان الكبير عزت العلايلى، وكتبه لحساب اتحاد الإذاعة والتليفزيون عبدالرحيم إبراهيم، وشاركه فى كتابة السيناريو والحوار طه شلبى سنة 1987، وانهالت العروض على مجدى أبوعميرة لإخراج مسلسلات دينية وتاريخية، لكنه كان عليه أن يختار بين العمل فى هذه المنطقة (المسلسلات الدينية) التى لن يستطيع الخروج منها مثل أستاذه أحمد طنطاوى، أو أن ينتظر ليقدم أعمالاً اجتماعية ناجحة وراقية مثل التى قدّمها كمخرج منفذ مع أستاذه المخرج محمد فاضل مثل «عصفور النار، وأخو البنات، والراية البيضا، وأبوالعلا البشرى».. فقرر أن يسعى للحصول على نص فخم لكاتب كبير ليبدأ به مشوار الدراما الاجتماعية.. وبدأ البحث فى النصوص الموجودة فى قطاع الإنتاج وعثر على سيناريو مسلسل «المال والبنون».. ورشحه ممدوح الليثى، رئيس قطاع الإنتاج، لإخراجه.. وعلى الفور اتصل بالأستاذ محمد جلال عبدالقوى لينقل له رغبتى فى إخراج المسلسل.. فوجده مرحباً بالأمر.
عبقرية مجدى أبوعميرة التى ظهرت مبكراً جداً كانت جلية فى مشهد طويل كان عليه أن يُخرجه فى مكان ضيق، لكنه برع فى عمل التقطيعات المناسبة، كما برع أحمد عبدالعزيز فى أداء المشهد الذى كتبه محمد جلال عبدالقوى بعبقرية (التاريخ بيقول لأ.. بالأقدمية إحنا سادة الدنيا.. وبالحداثة إحنا خير أمة أُخرجت للناس.. إحنا البلد الوحيدة اللى طول عمرها حدودها ماتغيرتش.. ملامح أهلها ما تغيرتش.. إحنا سادة العالم.. مصر هتنتصر مهما طال الزمن.. التاريخ بيقول كده).
وبعد «المال والبنون» لم يتوقف مجدى أبوعميرة عن تحقيق النجاحات العظيمة، لدرجة أن لقب «الملك» الذى كان يلقب به المخرج الكبير العظيم الراحل نورالدمرداش انتقل إليه، وأصبح مجدى أبوعميرة ملكاً جديداً على عرش الإخراج التليفزيونى فى مصر، فنجح له «ذئاب الجبل، حارة المحروسة، السيرة الهلالية، التوأم، الضوء الشارد، الرجل الآخر، أين قلبى، الحقيقة والسراب، محمود المصرى، يتربى فى عزو، قلب ميت»، وغيرها الكثير.
ذكر تاريخ مجدى أبوعميرة الكبير ونجاحاته العظيمة ليس سطوراً كُتبت من أجل أن تشفع له فى عمل مثل «عتبات البهجة» فالمسلسل جيد على المستوى الفنى، ويليق بصُناعه وجهة إنتاجه، لكنه مجرد رد بسيط على محاولات طمس نجاحات رجل له أيادٍ بيضاء على الدراما المصرية، بل هو ملك الدراما حتى الآن، مجدى أبوعميرة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: عتبات البهجة مسلسل عتبات البهجة الدراما رمضان 2024 الدكتور مدحت العدل
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: هل يحمل الذكاء الاصطناعي الأمانة في سبيل عمارة الأرض وحمايتها؟
في ظل التحديات البيئية الحادة، يبرز تعاون جديد بين قادة الأديان وخبراء التكنولوجيا، بهدف تعزيز الاستدامة البيئية وتحقيق توازن جديد يحافظ على كوكب الأرض. وفي قمة عُقدت تحت شعار “أديان العالم من أجل كوكب أخضر” في باكو، يومي ٥-٦ نوفمبر اجتمع ممثلو الأديان والعلوم التقنية لتأكيد ضرورة تضافر الجهود لمواجهة أخطار تغير المناخ وتهديدات التلوث التي تلقي بظلالها على الأجيال المقبلة. هذا التحالف بين القيم الروحية والحلول التقنية الحديثة، وبخاصة الذكاء الاصطناعي، يثير تساؤلات حول كيفية تفعيل هذه الأدوات لتحقيق أهداف تنموية مستدامة دون خلق تحديات بيئية إضافية.
تأتي هذه القمة كصدى لمبدأ أصيل في كل الأديان، فالتعاليم السماوية ترى أن الأرض أمانة في يد الإنسان، وأن واجبنا كمستخلفين في الأرض هو عمارتها وحمايتها. قال الله تعالى في محكم تنزيله: “إني جاعل في الأرض خليفة” [البقرة: 30]، مشيرًا إلى أن هذه الخلافة تفرض على الإنسان مسؤولية الرعاية والحرص على الموارد. كما تأكد الآية الكريمة “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” [الأعراف: 56] أهمية الحفاظ على البيئة وعدم الإضرار بها. هذه القيم الدينية العميقة تتقاطع مع ما يسعى إليه العلماء في حقل التكنولوجيا اليوم، حيث تتطلع الأديان إلى دور جوهري للعلم والتقنية في حفظ هذا الكوكب.
ومع تطور الذكاء الاصطناعي، تزداد قدرته على تحليل البيئات المعقدة وتقديم حلول فعالة لإدارة الموارد، لكن السؤال الجوهري يظل: هل يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق عمارة الأرض دون أن يصبح هو ذاته عبئًا عليها؟ هنا يأتي دور القادة الروحيين، الذين يمكنهم تقديم إطار أخلاقي يحكم هذا التوجه، ويضمن توجيه التقنية لتخدم الاستدامة لا أن تهددها.
فالقادة الدينيون يمتلكون قدرة كبيرة على التأثير في وعي الشعوب، حيث يرتبط خطابهم بالقيم العميقة التي تتجاوز المصالح الضيقة، فيرسخون في نفوس الناس شعورًا بالمسؤولية تجاه الأرض بوصفها أمانة. بهذا يمكنهم دعم تطور الذكاء الاصطناعي ليكون جزءًا من حل الأزمة البيئية، وليس مجرد أداة تستنزف الموارد. حين يلتقي الخطاب الديني مع الابتكار التكنولوجي في هذا السياق، يظهر نموذج جديد للعمل الجماعي يوازن بين الروح والعلم، بين التقدم واحترام النظام الطبيعي.
وتأتي قمة باكو لتأكيد هذه الرؤية المشتركة، حيث يسعى قادة الأديان وخبراء التقنية إلى بناء إطار عالمي للتضامن البيئي، ينطلق من مسؤولية الجميع عن عمارة الأرض، كما أمرنا الله. فالخطاب الديني يزرع في الأفراد وعيًا عميقًا، ويمنحهم دافعًا أخلاقيًا تجاه قضايا البيئة، ما قد يتيح للتكنولوجيا أن تكون أداة إيجابية في سياق هذه القيم.
لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل سينجح هذا التحالف الروحي-التقني في تحقيق أهداف الاستدامة دون أن يكون سببًا لمشكلات جديدة؟ وهل يمكن توجيه الذكاء الاصطناعي ليخدم قضية عمارة الأرض بروح منسجمة مع المبادئ الدينية التي ترى في الطبيعة أمانة وجب صونها؟ هذه القمة قد تكون بداية لمرحلة جديدة، مرحلة تُجمع فيها جهود العلم والإيمان لتحقيق مستقبل أخضر وآمن للأجيال المقبلة.