بطريرك السريان الكاثوليك: يحلّ عيد القيامة وشرقنا المتوسّط يئنّ تحت مطرقة الحروب والقتل والدمار
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية ما يلي:
وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2024، بعنوان "فِصْحُنا هو المسيح"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها:
"يحلّ عيد القيامة هذا العام وشرقنا المتوسّط يئنّ تحت مطرقة الحروب والقتل والدمار، وكأنّما قيامة الرب يسوع ممجَّداً، معلناً انتصار الحياة على الموت، لم يُسمَع صداها في الأرض التي أتمّ فيها فداء البشر ناشراً السلام على الأرض.
في لبنان الحبيب، نرى الأزمات وقد ازداد ثقلها على كاهل الشعب اللبناني الرازح أصلاً تحت وطأة فساد القيّمين على إدارة شؤون البلد. وكم ندّدنا بتقاعُس مجلس النواب عن أداء مهمّته الأولى، وهي انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية دون إبطاء، هذا الرئيس المسيحي الوحيد في بلاد الشرق الأوسط كافّة. ولعلّ أخطرَ الأزمات أمنياً، إقحامُ لبنان في الصراع الدائر في قطاع غزّة، وتداعيات ذلك إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً، فيما تتطوّر الأعمال العسكرية في الجنوب اللبناني لتطال مناطق لبنانية عدّة بتصاعُدٍ متواترٍ، منذرةً بنشوب حربٍ تهدّد البنية التحتية للبلد، بعد أن دمّر السياسيون البنية الإقتصادية والمعيشية للبنانيين بما سُمِّيَ "سرقة العصر"، عبر الاستيلاء على مدَّخراتهم وأموالهم في المصارف دون أيّ حسيب أو رقيب أو رادع. فباتت الهجرة من لبنان الهدف الأول، لا سيّما لفئة الشباب، هرباً من هذا الواقع المرير.
لذا نجدّد الدعوة الملحّة لانتخاب رئيس جديد، فينتظم عمل المؤسّسات السياسية والدستورية، للمباشرة بالإصلاحات الضرورية، كي يرجع لبنان إلى إشعاعه، ويعود إليه أبناؤه الذين اضطُرُّوا إلى هجرته.
وها هي سوريا الغالية التي تعاني منذ أكثر من ثلاث عشرة سنةً من العنف والمآسي والدمار، لا تزال تحتضن أبناءنا الذين أبوا مغادرة أرضهم، بل ظلّوا صامدين بالرغم من أوضاع إقتصادية وأمنية تفاقمت بسبب العقوبات الاقتصادية التي نجدّد مطالبَتَنا برفعها، لأنّها تشكّل تعدّياً جائراً على المواطنين المدنيين في وطنٍ مستقلٍّ ومعترَفٍ به دولياً. وإذ ندعو إلى أن تتضافر جهود الشرفاء داخل سوريا وخارجها، كي يقضوا على الفتنة التي جلبت المعاناة والمآسي وسبّبت نزيف الهجرة المتزايدة، نحثّ الجميع على المساهمة في إعادة إعمار بلدهم، على أسس العدالة والحرّية والسلام.
لا تغيب عن بالنا التحدّيات الكثيرة التي يجابهها أبناؤنا وبناتنا في العراق الغالي، سياسياً واقتصادياً، والتي يسعى المسؤولون للعمل جاهدين في سبيل التخفيف من حدّتها، بغية إحلال الأمن والعدالة والمساواة والاستقرار في بلاد الرافدين. إنّنا ندعو جميع المواطنين كي يعملوا معاً من أجل نهضة بلدهم وإعادة بنائه، بروح الانفتاح والاحترام المتبادَل، مؤكّدين تمسُّك المكوّن المسيحي بوطنه العراق، فهو مكوِّن أصيل ومؤسِّس فيه، وسيبقى متجذّراً في أرضه ووفيّاً لها رغم المعاناة والمِحَن والصعوبات.
لقد فُرِضَت الحرب وساد القتل والدمار منذ أكثر من ستّة أشهر في الأراضي المقدسة عامّةً، ولا سيّما في قطاع غزّة، حيث يدفع السكّان، وخاصّةً الأطفال والعجزة والنساء، ثمنَ مغامرات البعض وعدم تبصُّرهم لنتائج أفعالهم. إنّنا، إذ نؤكّد قربنا الروحي من أبنائنا وبناتنا هناك، كما من جميع السكّان الذين يقاسون الأمَرَّين من شدّة المعاناة، نجدّد مناشدة جميع المعنيين من حكومات وشعوب، للعمل الجادّ على إحلال السلام والأمان في أرض السلام. وهذا يتمّ بإطلاق سراح جميع الرهائن، والوقف الفوري للحرب وأعمال العنف، وتأمين المساعدات والمقوّمات الأساسية لحياة السكّان، من إنسانية وطبّية ومعيشية.
وفي مصر والأردن وبلدان الخليج العربي، نثمّن الدور الذي تؤدّيه السلطات في هذه البلدان لتعزيز الاستقرار والازدهار والرخاء لجميع المواطنين، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.
وفي تركيا، حيث نأمل أن تتكلّل بالنجاح مساعي الغيارى من أبنائنا مع السلطات المعنيّة لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نثني على أبنائنا الذين يؤدّون الشهادة الراسخة لإيمانهم في تلك الأراضي التي ارتوت بدماء آبائنا وأجدادنا.
وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، نتوجّه بالمحبّة الأبوية والتشجيع على متابعة عيش إيمانهم بالرب يسوع، وأمانتهم لالتزامهم الكنسي وانتمائهم السرياني الأصيل، ومحبّتهم للغتهم السريانية، وتعلُّقهم بتراثهم العريق وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أرضهم وأوطانهم الأمّ في الشرق. ونحثّهم على المحبّة والاحترام والإخلاص للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم ووفّرَت لهم سُبُل الحياة، بالحرّية والكرامة الإنسانية، مشدّدين على أهمّية التمسُّك بالمبادئ الأصيلة للعائلة وقدسيّتها، وتنشئة أولادهم عليها، كي يكونوا مؤمنين ومواطنين صالحين.
كما نحثّ أبناءنا وبناتنا في بلاد الانتشار على القيام بأعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسِلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أع11: 29).
ولا يفوتنا أن نكرّر المطالبة بحلّ كلّ نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، وخاصّةً من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وقد طال أمدها وخلّفت الدمار، بشراً وحجراً.
كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن أنّ الرب يسوع المسيح هو الفصح الحقيقي والجديد، وأنّ قيامته من بين الأموات هي أساس إيماننا وعيدنا العظيم، وهي عيد الخليقة الجديدة ومنبع السلام وعنوان الرجاء ومبعث الفرح، فالمسيح قام حقّاً ومنحنا الغلبة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی بلاد
إقرأ أيضاً:
السودان: قصة ناجٍ من الموت بين مطرقة الدعم السريع وسندان الجيش
“تم تعذيبي من قبل الدعم السريع بالسياط بواقع 250 جلدة بحجة تعاوني مع الجيش، وكسروا أصابعي. وعند سيطرة الجيش على الكدرو، اتهمني أفراد القوات المسلحة السودانية بتبعيتي للمعسكر الآخر وكادوا أن يقوموا بتصفيتي، ونجوت بأعجوبة”.
الخرطوم: التغيير
بهذه الكلمات، ابتدر أشرف محمد خير حديثه لـ (التغيير) بعد شهور من التعذيب والاتهامات التي قضاها في ضاحية الكدرو بالخرطوم بحري. أشرف، الذي ظهر في مقطع فيديو متداول قبل فترة، بدا هو وأفراد أسرته في حالة صحية حرجة، حيث برزت عظامهم من فرط الجوع.
يحكي محمد خير مأساته التي بدأت في 24 أبريل 2024، عقب دخول الدعم السريع منطقة الكدرو، كاشفًا أنه تم اتهامه بالتعاون مع الجيش وجرى تعذيبه حتى كُسرت أصابعه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله.
إقامة جبريةمكث أشرف في الإقامة الجبرية حتى دخول الجيش في سبتمبر 2024. وبعد سيطرة القوات المسلحة على المنطقة، تنفس أشرف الصعداء وجرى إسعافه بمستشفى أم درمان، حيث خضع لفحوصات عامة كشفت عن ضعف حاد وفقدان جزئي للنظر.
يقول أشرف محمد خير لـ (التغيير): “خلال الفترة الأولى من دخول الدعم السريع، انعدمت الخدمات. كنت أضطر للمشي لمدة ساعتين لأجد أقرب سوق أبتاع منه المستلزمات. في إحدى المرات، استيقظت عقب صلاة الفجر قاصدًا منطقة السامراب وأنا أحمل بعض القمح، لأتفاجأ بأن الطاحونة لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء. عدت بخفي حنين وقطعت ذات المسافة في ساعتين”.
وأضاف: “كان أفراد الدعم السريع يزورونني بين الحين والآخر برفقة أسرتي ويوزعون لنا بعض الزيت والدقيق والبصل”.
وتابع: “بعد دخول الجيش، كاد أفراده أن يقوموا بتصفيتي بعد اتهامي بأنني (دعم سريع)، وفي لحظة خاطفة سحب جندي سلاحه وصوّبه نحو رأسي، لكن القائد تدخل وأمر بالتحري أولًا”.
واردف: “مكثت ثلاث ساعات تحت رحمة الجنود حتى تأكدوا من هويتي، ونجوت بأعجوبة. بعض الأهل فقدوا الاتصال بي وبأسرتي واعتقدوا أننا في عداد الأموات. كانت تجربة قاسية ومريرة”.
انعدام العلاجوأشار أشرف إلى أن والدته لم تتلقَّ علاجاتها خلال تلك الفترة، وهي تعاني من مشاكل في القلب، ولم تحصل على أدوية تنظيم ضربات القلب، أو أدوية الغدة، أو قطرات العيون لمدة خمسة أشهر، حتى تم إسعافها بالفيتامينات والمحاليل الوريدية.
وكشف محمد خير أنهم عاشوا بدون كهرباء أو ماء خلال تلك الفترة. وأضاف: “كنت أرتدي قميصًا واحدًا طوال هذه الفترة لأن أفراد الدعم السريع أمروني بعدم تبديله حتى يتسنى لهم التعرف عليّ”.
وتابع: “بعد جلدي 250 جلدة وتعذيبي، فقدت الوعي مما جعلهم يهربون ويتركونني مغمًى عليّ لمدة يومين. كنت مقيدًا من رجلي ومعصوب العينين”.
وختم حديثه بالقول: “لا زلنا في منطقة الكدرو ببحري، حيث توافدت بعض الأسر وبدأت الحياة تعود لطبيعتها تدريجيًا، لكن ما عايشته من آلام ومآسٍ لن يُمحى من ذاكرتي”.
الوسومآثار الحرب في السودان الكدرو انتهاكات الجيش السوداني انتهاكات الدعم السريع ولاية الخرطوم