صدر عن أمانة سرّ بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية ما يلي:
 

وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2024، بعنوان "فِصْحُنا هو المسيح"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها:

"يحلّ عيد القيامة هذا العام وشرقنا المتوسّط يئنّ تحت مطرقة الحروب والقتل والدمار، وكأنّما قيامة الرب يسوع ممجَّداً، معلناً انتصار الحياة على الموت، لم يُسمَع صداها في الأرض التي أتمّ فيها فداء البشر ناشراً السلام على الأرض.

منذ سنوات نصلّي ونسعى لمؤاساة المظلومين، ونناشد الدول والحكومات والشعوب في العالم لبذل الجهود بغية وقف الحروب في كلّ مكان، من لبنان وسوريا والأراضي المقدسة وأوكرانيا، وإطلاق المعتقَلين، وإدخال المساعدات الطبّية والإنسانية، ومنع تهجير الشعوب، والحدّ من التغيير الديمغرافي، على غرار ما حصل مع شعبنا منذ أكثر من مئة عام.

في لبنان الحبيب، نرى الأزمات وقد ازداد ثقلها على كاهل الشعب اللبناني الرازح أصلاً تحت وطأة فساد القيّمين على إدارة شؤون البلد. وكم ندّدنا بتقاعُس مجلس النواب عن أداء مهمّته الأولى، وهي انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية دون إبطاء، هذا الرئيس المسيحي الوحيد في بلاد الشرق الأوسط كافّة. ولعلّ أخطرَ الأزمات أمنياً، إقحامُ لبنان في الصراع الدائر في قطاع غزّة، وتداعيات ذلك إنسانياً واقتصادياً ومعيشياً، فيما تتطوّر الأعمال العسكرية في الجنوب اللبناني لتطال مناطق لبنانية عدّة بتصاعُدٍ متواترٍ، منذرةً بنشوب حربٍ تهدّد البنية التحتية للبلد، بعد أن دمّر السياسيون البنية الإقتصادية والمعيشية للبنانيين بما سُمِّيَ "سرقة العصر"، عبر الاستيلاء على مدَّخراتهم وأموالهم في المصارف دون أيّ حسيب أو رقيب أو رادع. فباتت الهجرة من لبنان الهدف الأول، لا سيّما لفئة الشباب، هرباً من هذا الواقع المرير.

لذا نجدّد الدعوة الملحّة لانتخاب رئيس جديد، فينتظم عمل المؤسّسات السياسية والدستورية، للمباشرة بالإصلاحات الضرورية، كي يرجع لبنان إلى إشعاعه، ويعود إليه أبناؤه الذين اضطُرُّوا إلى هجرته.

وها هي سوريا الغالية التي تعاني منذ أكثر من ثلاث عشرة سنةً من العنف والمآسي والدمار، لا تزال تحتضن أبناءنا الذين أبوا مغادرة أرضهم، بل ظلّوا صامدين بالرغم من أوضاع إقتصادية وأمنية تفاقمت بسبب العقوبات الاقتصادية التي نجدّد مطالبَتَنا برفعها، لأنّها تشكّل تعدّياً جائراً على المواطنين المدنيين في وطنٍ مستقلٍّ ومعترَفٍ به دولياً. وإذ ندعو إلى أن تتضافر جهود الشرفاء داخل سوريا وخارجها، كي يقضوا على الفتنة التي جلبت المعاناة والمآسي وسبّبت نزيف الهجرة المتزايدة، نحثّ الجميع على المساهمة في إعادة إعمار بلدهم، على أسس العدالة والحرّية والسلام.

لا تغيب عن بالنا التحدّيات الكثيرة التي يجابهها أبناؤنا وبناتنا في العراق الغالي، سياسياً واقتصادياً، والتي يسعى المسؤولون للعمل جاهدين في سبيل التخفيف من حدّتها، بغية إحلال الأمن والعدالة والمساواة والاستقرار في بلاد الرافدين. إنّنا ندعو جميع المواطنين كي يعملوا معاً من أجل نهضة بلدهم وإعادة بنائه، بروح الانفتاح والاحترام المتبادَل، مؤكّدين تمسُّك المكوّن المسيحي بوطنه العراق، فهو مكوِّن أصيل ومؤسِّس فيه، وسيبقى متجذّراً في أرضه ووفيّاً لها رغم المعاناة والمِحَن والصعوبات.


لقد فُرِضَت الحرب وساد القتل والدمار منذ أكثر من ستّة أشهر في الأراضي المقدسة عامّةً، ولا سيّما في قطاع غزّة، حيث يدفع السكّان، وخاصّةً الأطفال والعجزة والنساء، ثمنَ مغامرات البعض وعدم تبصُّرهم لنتائج أفعالهم. إنّنا، إذ نؤكّد قربنا الروحي من أبنائنا وبناتنا هناك، كما من جميع السكّان الذين يقاسون الأمَرَّين من شدّة المعاناة، نجدّد مناشدة جميع المعنيين من حكومات وشعوب، للعمل الجادّ على إحلال السلام والأمان في أرض السلام. وهذا يتمّ بإطلاق سراح جميع الرهائن، والوقف الفوري للحرب وأعمال العنف، وتأمين المساعدات والمقوّمات الأساسية لحياة السكّان، من إنسانية وطبّية ومعيشية.

وفي مصر والأردن وبلدان الخليج العربي، نثمّن الدور الذي تؤدّيه السلطات في هذه البلدان لتعزيز الاستقرار والازدهار والرخاء لجميع المواطنين، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح.

وفي تركيا، حيث نأمل أن تتكلّل بالنجاح مساعي الغيارى من أبنائنا مع السلطات المعنيّة لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نثني على أبنائنا الذين يؤدّون الشهادة الراسخة لإيمانهم في تلك الأراضي التي ارتوت بدماء آبائنا وأجدادنا.

وإلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، نتوجّه بالمحبّة الأبوية والتشجيع على متابعة عيش إيمانهم بالرب يسوع، وأمانتهم لالتزامهم الكنسي وانتمائهم السرياني الأصيل، ومحبّتهم للغتهم السريانية، وتعلُّقهم بتراثهم العريق وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أرضهم وأوطانهم الأمّ في الشرق. ونحثّهم على المحبّة والاحترام والإخلاص للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم ووفّرَت لهم سُبُل الحياة، بالحرّية والكرامة الإنسانية، مشدّدين على أهمّية التمسُّك بالمبادئ الأصيلة للعائلة وقدسيّتها، وتنشئة أولادهم عليها، كي يكونوا مؤمنين ومواطنين صالحين.

كما نحثّ أبناءنا وبناتنا في بلاد الانتشار على القيام بأعمالٍ ومبادرات محبّةٍ يمليها عليهم حسّهم الأخوي وانتماؤهم العائلي والكنسي، فيساهموا قدر استطاعتهم في دعم الكنيسة والمؤمنين في بلاد الشرق، حيث تكبر المعاناة، وتتفاقم التحدّيات، وتزداد الحاجات المادّية، متذكّرين ما جاء في سفر أعمال الرسل: "فعزمَ التلاميذ أن يُرسِلوا حسبما يتيسّرُ لكلّ واحدٍ منهم، إسعافاً للإخوة المُقيمين في اليهودية" (أع11: 29).

ولا يفوتنا أن نكرّر المطالبة بحلّ كلّ نزاع في العالم بالحوار والتفاوض والتفاهم، وخاصّةً من أجل انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وقد طال أمدها وخلّفت الدمار، بشراً وحجراً.

كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.

وفي كلمته الروحية، تحدّث غبطته عن أنّ الرب يسوع المسيح هو الفصح الحقيقي والجديد، وأنّ قيامته من بين الأموات هي أساس إيماننا وعيدنا العظيم، وهي عيد الخليقة الجديدة ومنبع السلام وعنوان الرجاء ومبعث الفرح، فالمسيح قام حقّاً ومنحنا الغلبة.

 


المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: فی بلاد

إقرأ أيضاً:

الجوع والعطش والقتل.. ثالوث يُلاحق آلاف المواطنين شمالي القطاع

غزة - خاص صفا يُطارد كابوس الجوع والعطش والموت آلاف المواطنين شمالي قطاع غزة، في ظل شح المواد الغذائية ومنع إدخال المساعدات، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي المشدد على المحافظة منذ 49 يومًا، وانعدام المقومات الأساسية للحياة. ويعاني المواطنون شمالي القطاع ظروفًا إنسانية مأساوية وأوضاعًا كارثية، تتفاقم يومًا بعد يوم، مع استمرار الإبادة والقصف والتدمير، وسياسة التطهير العرقي بحقهم. ولم تكتف قوات الاحتلال بعمليات القتل والقصف والتدمير والإبادة في محافظة الشمال، بل تعمدت تعميق أزمة المجاعة والعطش وتشديد الحصار على سكانها، الذين يُواجهون خطر الموت بكل لحظة إما جوعًا أو قصفًا، دون أن يُحرك العالم ساكنًا. وتستخدم سلطات الاحتلال سياسة التجويع كسلاح للقتل والحرب ضد الفلسطينيين في القطاع، بهدف تنفيذ مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي، ضمن جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومع استمرار العملية العسكرية شمالي القطاع، يتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية، حتى أصبح خطر المجاعة وسوء التغذية يهدد حياة ومستقبل سكانه، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا من المرضى والأطفال والنساء. هذا الوضع المأساوي، دفع منظمات دولية وأممية، وخبراء في الأمن الغذائي العالمي للتحذير من "احتمال قوي بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق بشمالي غزة، فيما يواصل الاحتلال عمليات الإبادة". وقالت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي: "هناك حاجة للتحرك الفوري في غضون أيام وليس أسابيع من جميع الجهات الفاعلة المشاركة مباشرة في الصراع أو المؤثرة في مجراه لتجنب هذا الوضع الكارثي". أوضاع كارثية القائمة بأعمال مدير الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بقطاع غزة إيناس حمدان تقول إن الظروف في شمالي القطاع كارثية، وتزداد سوءًا يوميًا. وتوضح حمدان في حديث لوكالة "صفا"، أن شمالي القطاع ما زال يتعرض لعمليات عسكرية مكثفة وحصار، حيث يُمنع إدخال المساعدات الانسانية والغذاء، والدعم الصحي اللازم لإنقاذ حياة المرضى والمصابين. وتضيف "نحن على أعتاب فصل الشتاء، وهذا يزيد معاناة السكان الذين يضطرون للنزوح بشكل مستمر، بفعل الهجمات الإسرائيلية المستمرة على شمالي القطاع". وحسب حمدان، فإن معدلات سوء التغذية تضاعفت لـ ١٠ مرات، فيما ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي لمستويات كارثية في القطاع. وتشير إلى أن المساعدات التي تدخل القطاع وصلت خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لأقل مستوى لها بمعدل ٣٠ شاحنه فقط يوميًا، مضيفة أن "الوضع على الأرض أصبح لا يُطاق". وتؤكد أن أزمة انعدام الأمن الغذائي تتفاقم في القطاع، خصوصًا مع نقص كميات الطحين التي تدخل للقطاع. وتتابع "إنه أمر يائس ومحبط للسكان، وكذلك للعاملين في المجال الإنساني على الأرض، كل من يعمل هنا يخاطر بحياته، إنهم يحاولون القيام بكل ما في وسعهم لخدمة المواطنين والنازحين". جوع وحصار ووفقًا لحمدان، فإن التقارير الصادرة عن المؤسسات الأممية تحذر من مجاعة وشكية إن لم تكن بالفعل قد حدثت في مناطق شمالي القطاع. وتشدد على ضرورة السماح بتدفق المساعدات الانسانية والمواد الغذائية وضمان وصولها بأمان لكافه النازحين. وبدأت أعراض سوء التغذية وملامح المجاعة تظهر على العديد من الأطفال وكبار السن الذين توافدوا لمستشفيي كمال عدوان والعودة شمالي القطاع، في ظل عدم السماح بإدخال الطعام إلى المحافظة المحاصرة، مما يُهدد حياة عشرات آلاف المواطنين. المتحدثة باسم وكالة "أونروا" لويز ووتريدج، وصفت قبل أيام، الوضع في شمال القطاع بأنه كارثي. وأشارت إلى أن الشهر الماضي شهد وقوع 64 هجومًا على المدارس التي تحولت إلى ملاجئ بمعدل هجومين يوميًا، مما أدى إلى استشهاد الكثيرين منهم أطفال. وأوضحت ووتريدج أن الوصول الإنساني إلى المناطق المحاصرة في الشمال لا يزال محدودًا للغاية منذ أكثر من شهر. وحذرت من المجاعة الوشيكة في شمالي القطاع والتحديات المرتبطة باقتراب فصل الشتاء، مضيفة أن أماكن الإيواء غير كافية على الإطلاق لحماية الناس من العوامل الجوية. وحسب المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، فإن "السكان في شمالي غزة يعيشون تحت حصار مشدد، يهربون من أجل حياتهم في دوائر مفرغة وحُرموا من المساعدات الإنسانية لأكثر من 40 يومًا حتى الآن". وأضاف أن "عملية إيصال القليل من المساعدات التي يُسمح بدخولها أصبحت معقدة للغاية في جميع أنحاء غزة، بما في ذلك بسبب الطرق غير الآمنة". ومنذ الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يتعرض أهالي شمالي قطاع غزة للقصف والإبادة والتدمير المتعمد، ويُتركون بلا طعام ولا ماء ولا علاج، مع استمرار الحصار واستهداف المستشفيات وخروجها عن الخدمة، وكذلك قصف مراكز الايواء. ولا تتوقف الطواقم الطبية والمنظمات الدولية والأممية عن إطلاق مناشدتها العاجلة لإنقاذ شمالي القطاع قبل فوات الأوان، والضغط على الاحتلال لإدخال الوفود الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود والطعام لمحافظة الشمال. 

مقالات مشابهة

  • عبادة تُنير وجهك في الدنيا ويوم القيامة.. انتهز الفرصة
  • خلف: عملية الإنقاذ لا تكون إلا بالشراكة بين جميع اللبنانيين
  • رسميا.. استبعاد مراقب مباراة الأهلي والاتحاد من جميع المباريات التي تنظمها الرابطة
  • كابتن طيار لبناني باكيًا: "الوضع الآن صعب والحرب الجارية الأكثر قسوة"
  • الجوع والعطش والقتل.. ثالوث يُلاحق آلاف المواطنين شمالي القطاع
  • في مصر... الكنيسة المارونية تنظم يوم صلاة من أجل السلام في لبنان
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد الملاك ميخائيل بكنيسته بحدائق القبة
  • انطلاق أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
  • استقلال 2024 موّقع بالدم والدمار.. احتفالات بالذكرى على وقع الغارات (فيديو)
  • فوات الآوان.. مطرقة تكشف تفاصيل جريمة قتل بباب شرقى