تصريحات كباشي… مياه قديمة وقناني قديمة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
فيصل محمد صالح
تثير مشاركات كتائب الحركة_الإسلامية في الحرب الدائرة الآن في السودان لغطاً كثيراً ومخاوفَ متعددة، من جهات كثيرة، داخل وخارج النظام. ومصدر هذه المخاوف أن هذه المجموعات تحارب تحت مسميات لكتائبها وبشعاراتها وأعلامها المميزة والمختلفة عن رايات الجيش السوداني، وتردد أناشيدها وشعاراتها الجهادية المعروفة وصيحات وهتافات تتحدث عن أنهم قد عادوا، في إشارة لسقوط نظامهم في أبريل (نيسان) 2019.
إن حدث هذا الأمر، وبهذه الطريقة، فليس من المنتظر أن ينتهي بطريقة سلمية، أو بتنازل بلا ثمن، بل سيمضي لصدام عسكري لا يعلم أحد متى وكيف ستكون نهايته.
يدرك كثير من قادة الجيش هذا الأمر، مثلما تدركه قيادة الحركة الإسلامية التي يقودها علي كرتي، ويدركه كثير من القوى السياسية المعارضة للحرب أو التي تدعم أحد الأطراف. لكنهم قرروا فيما يبدو تأجيل النظر في هذا الملف، بسبب احتياج الجيش والحركة الإسلامية بعضهما لبعض، على أن يتم حسمه في المستقبل. لكنّ بعض التصرفات التي حدثت من منسوبي هذه الكتائب، وجرى توثيقها بالصوت والصورة، أثارت انزعاجاً كبيراً داخل النظام وبعض دول الإقليم الداعمة للجيش وللفريق البرهان. ارتكبت هذه المجموعات عمليات تصفيات في المناطق التي استعادها الجيش، واستخدمت وسائل غاية في البشاعة، مثل الذبح، وتعليق الجثث، إلى جانب عمليات تعذيب الأسرى والمعتقلين بشبهة التعاون مع «الدعم السريع»، وهي تصوِّر كل ذلك وتبثه في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب نسبة كل تقدم في الميدان العسكري للكتائب. ويتصرف قادة هذه الكتائب بقدر من الاستقلالية عن قيادة الجيش، مما أثار غضب وقلق بعض القيادات العسكرية، بجانب قلق القوى السياسية وبعض القوى الإقليمية من ظهور شعارات «داعش» والمجموعات المتطرفة.
في هذه الأجواء جاءت تصريحات الفريق شمس الدين الكباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة في حشد عسكري في مدينة القضارف بشرق السودان، يوم الأربعاء الماضي، التي قال فيها إنهم سيعطون الأولوية للسلام، وأكد أن المقاومة الشعبية يجب أن تكون تحت قيادة القوات المسلحة، ويجب عدم السماح باستغلالها سياسياً وتحويلها لبازار سياسي، محذراً من مخاطر هذا الأمر.
تصريحات كباشي فتحت الباب لتكهنات كثيرة حول قرب الصدام بين الجيش وكتائب الحركة الإسلامية، وتناولتها مواقع التواصل الاجتماعي بمواقف متباينة، هاجمها المنتمون إلى التيار الإسلامي، ورحّبت بها مجموعات أخرى تشاركه الخوف من تمدد هذه الكتائب وسيطرتها على المشهد. وتبدو تصريحات كباشي متناقضة مع تصريحات سابقة لزملائه في قيادة الجيش، الفريق ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر، حتى وصلت التكهنات إلى مرحلة توقع انشقاق في قيادة الجيش.
لكن الحقيقة أنه يجب أخذ هذه التصريحات بحذر شديد، وعدم التسرع في الاعتماد عليها بشكل حرفي، ومن ثم ربطها بتأويلات سياسية، وذلك لعدة أسباب. السبب الأول أن التصريحات المتناقضة من قادة الجيش صارت عادة متأصلة، فيحدث مرات أن يتبادلوا أدوار التشدد والمرونة، فيلعب كل منهم أحد الأدوار، ويحدث مرات أن يتحدث نفس الشخص بأكثر من لسان وبشكل متناقض. الأمر الثاني أن هذه الخطابات يمكن أن تخاطب مستمعين مختلفين، فيخاطب حديث العطا أو جابر جمهوراً داخلياً، بينما يخاطب كباشي مخاوف جمهور الإقليم والخارج، فيما يظل البرهان صامتاً. السبب الثالث أن التصريحات، لو صحّت، فيجب أن تصحبها إجراءات متسارعة لفرض أمر سيادة القوات المسلحة على كل كتائب المستنفرين وتحركها ضمن شعارات ومسميات القوات المسلحة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
الأقرب إلى التفسير الآن أنها مجرد تكرار للعبة القديمة التي تهتم بتوزيع الأدوار في محاولة لامتصاص ردود الفعل المتوقَّعة، وتسويق المسألة بوصفها موقفاً جديداً قد يُغيّر قواعد اللعبة، ثم تمضي الأمور في وجهتها القديمة دون أي تغيير ظاهر. إنها حتى لا ترقى لوصف أنها مياه قديمة في قنانيّ جديدة، لكنها مياه قديمة في قنانيّ قديمة.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومفيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: فيصل محمد صالح الحرکة الإسلامیة قیادة الجیش
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع السوداني لـ”الشرق”: الجيش يمتلك زمام المبادرة ولن نتخلى عن دارفور
بورتسودان – الشرق/ قال وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، إن القوات المسلحة تمتلك "زمام المبادرة" في الحرب التي دخلت عامها الثالث، مشيراً إلى أن الجيش لن يتخلى عن أي شبر من أراضي البلاد بما في ذلك مدن الفاشر والجنينة في إقليم دارفور.
وتشهد مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر المناطق السكنية التي تقع خارج سيطرة قوات الدعم السريع بالإقليم، معارك محتدمة منذ أيام بعد أن أعلنت "الدعم السريع"، الأحد، سيطرتها على مخيم زمزم للنازحين المتاخم للمدينة.
وأضاف إبراهيم في مقابلة مع "الشرق": "الأوضاع في السودان بخير، والقوات المسلحة تمتلك زمام المبادرة وهي قادرة، وفقاً للتخطيط السليم وخبراتها التراكمية على مدى 100 عام من التنسيق والترتيب والتنظيم والقتال، على إزالة واستئصال التمرد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
ولفت الوزير السوداني إلى اكتمال "المرحلة الأولى" من عمليات الجيش، معرباً عن أمله في أن تتكامل بقية المراحل اللاحقة فيما يتعلق بـ"أمر تطهير أرض الوطن من دنس التمرد"، على حد تعبيره.
وذكر أن كل الترتيبات المتعلقة بالحرب "تجري بخطط واضحة وبيّنة ولكلٍ وقته وأوانه"، مشدداً على أن القوات المسلحة السودانية "قادرة على قهر ترسانة التمرد".
ووصف إبراهيم خلال لقاء مع "الشرق"، الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بأنها "حرب دولية"، وقال، إنها "بُنيت على أجندات دولية وإقليمية ومحلية، والدعم السريع لم يكن إلا أداة لتنفيذ هذه الحرب البشعة".
وأشار إلى أن "القوات المسلحة بخبراتها التراكمية والتفاف القوات النظامية والمقاومة الشعبية والمُستنفرين (المتطوعين) والمواطنين حولها، تمكنت من ترتيب قدراتها، واستعادة جزء كبير من المناطق".
إقليم دارفور
ورداً على سؤال بشأن صحة الأنباء التي تحدثت عن إمكانية تخلي الحكومة عن إقليم دارفور الذي تسيطر قوات الدعم السريع على 4 من أصل ولاياته الخمس بعد سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم، اعتبر إبراهيم هذه "الاتهامات لا أساس لها من الصحة".
وأكد أن الحكومة "لن تتخلى أبداً عن أي شبر في أرض هذا الوطن بما في ذلك مدن الفاشر والجنينة"، معتبراً أن "استهداف قوات الدعم السريع لمخيمات النازحين في زمزم وأبو شوك هو انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بأمر حماية المدنيين".
ويرى الوزير السوداني أن "المجتمع الدولي فشل في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2736 الخاص بفك حصار الفاشر، ومطالبة الدعم السريع بالابتعاد عن ساحة المدينة"، مضيفاً: "قد يكون ذلك قد تسبب بالإشكالات الحالية البيّنة والواضحة، والتي شهدها كل العالم، فيما يتعلق بأمر استهداف معسكرات النازحين".
وكانت الأمم المتحدة أعلنت، الاثنين الماضي، سقوط أكثر من 300 مدني في اشتباكات اندلعت الجمعة والسبت الماضيين حول مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين ومدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور.
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة، إن "هذا يشمل 10 من موظفي منظمة الإغاثة الدولية قُتلوا أثناء إدارتهم أحد آخر المراكز الصحية العاملة في مخيم زمزم"، فيما أعلنت قوات الدعم السريع السودانية، الأحد، السيطرة على المخيم الواقع في شمال دارفور.
"انقلاب خاطف"
واندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 نتيجة صراع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع ما بدد آمال الانتقال إلى حكم مدني. ومنذ ذلك الحين، شرد الصراع الملايين، ودمر مناطق في مختلف أنحاء البلاد.
واعتبر وزير الدفاع السوداني، أن الحرب اندلعت في البلاد بعد أن خطط الدعم السريع لتنفيذ "انقلاب خاطف" للسيطرة على السلطة في كل أنحاء البلاد في زمن وجيز، مشيراً إلى أن "فشل هذا المخطط أدى إلى القيام بعملية تدمير كامل وشامل لمقدرات الوطن في بنيته التحتية بعمليات تكاد تكون أكثر وحشية".
وعن تزايد استخدام الطائرات المسيرة خلال الحرب، أكد ياسين، أن "القوات المسلحة التي أظهرت وأثبتت قدرتها في تدمير الترسانة العسكرية الكبيرة لقوات المليشيا، قادرة على وضع خطوات وهي جارية للحد من استخدام هذه المسيرات".
وعن الاتهامات المتكررة بقيام الجيش السوداني بعدة انتهاكات، اعتبر الوزير، أن القوات المسلحة "مهنية ومحترفة وعمرها الآن 100"، لافتاً إلى أنه "يعمل وفق القانون الدولي الإنساني".
وتابع: "أما إذا ظهرت بعض الحالات الشاذة في هذا الجانب فهي تصرفات فردية لمقابلة ما حصل من الدعم السريع بإذلال الشعب السوداني، وليس هنالك أي عمليات خارج إطار القانون والأطر القانونية".
دمج قوات الحركات المسلحة
ورداً على سؤال بشأن أخر التطورات في ملف دمج القوات المساندة للجيش السوداني، أجاب ياسين: "إن اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في 2020 تضمنت اتفاقاً بشأن دمج كافة حركات الكفاح المسلح في القوات المسلحة". وأشار إلى أن هذه الإجراءات "بدأت بصورة طيبة"، موضحاً أنه "تم دمج معظم القوات في القوات المسلحة"، وأشار إلى أن الحرب "قطعت" عملية استمرار الترتيبات الأمنية المتعلقة بالدمج.
وأضاف: "كل ما هو مرتب ومخطط له يسير بصورة واضحة وجلية في دمج كل القوات العاملة في القوات المسلحة كجيش مهني واحد محترف".
وذكر أن باب القوات المسلحة "مفتوح أمام كل سوداني يرغب في الانضمام لها".
ونصت اتفاقية جوبا التي تم توقيعها في أكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية حينها والحركات المسلحة، على أن يتم دمج جميع القوات في الجيش خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاقية.