فلسطين تنتصر.. ولكن!
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
الشرفاء في العالم من أقصاه إلى أقصاه يقفون اليوم إجلالًا وتقديرًا لشعب الجبارين من أبناء فلسطين الأبية، اعترافًا بنضالهم في الدفاع بأرواحهم الطاهرة عن الأرض والعرض لتقرير المصير لإقامة الدولة الفلسطينية الحرة وعاصمتها القدس الشريف والتي كانت قبل معركة 7 من أكتوبر في خبر كان، بسبب تكالب الذئاب البشرية العفنة، والمتآمرين معهم لفرض صفقة القرن الدنية وتصفية القضية إلى الأبد.
ولكن شاءت الأقدار الربانية، أن تسطر المُقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها أروع صفحات البطولة والتضحية في سبيل تحرير مقدسات الأمة الإسلامية في أرض الرباط وعلى وجه الخصوص المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين؛ فقد عبر "طوفان الأقصى" عن مرحلة جديدة في حرب تحرير فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر، وذلك عبر الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله عالية خفاقة تُعانق عنان السماء بدماء الشهداء الزكية، والتي تُواجه بصمودها وشجاعتهم ترسانة الأسلحة الغربية المتدفقة بلا انقطاع على العصابة الصهيونية التي تحكم ما يسمى بدولة إسرائيل وعلى وجه الخصوص أمريكا، من خلال إرسال أحدث الطائرات المقاتلة والقنابل العنقودية المحرمة دوليًا والتي تُرمى دون تمييز على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ في غزة الصامدة. ولعل استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني في قطاع غزة وحده، وجرح ما يقارب من 100 ألف مواطن فلسطيني؛ لهو وصمة عار على وجه الإنسانية وعلى وجه الخصوص المساندين لهذا الكيان السرطاني الذي يزعم بأنَّ حدوده تمتد من الفرات إلى النيل لتحقيق ما يعرف بـ"إسرائيل الكبرى"، حتى ولو تحقق ذلك على أنقاض صهاينة العرب المطبلين لنتنياهو، ولا شك أنَّ هذه التضحيات مُثمّنة ومُقدّرة لأنها تعتبر ثمن التحرير والعيش بكرامة.
يبدو لي أنَّ علامات النصر بدأت تتجلى بوضوح من خلال الصمود الأسطوري لكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس، فمن الواجب علينا جميعًا التكاتف مع الشعب الفلسطيني، الذين يتعرضون لمحرقة القرن الحادي والعشرين من النازيين الجُدد الثلاثي (نتنياهو وسموتريش وابن غفير) فهؤلاء يقودون اليوم إسرائيل وحلفاءها إلى الدرك الأسفل من النَّار؛ إذ تخلى عنهم العالم كله بمن فيه مُعظم المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حليفة إسرائيل، فماذا ينتظر بعض العرب الذين ما زالوا يعتقدون أن هذه العصابة المجرمة سوف توفر لهم الأمن والحماية من الأعداء في الوقت الذي تعجز إسرائيل عن حماية نفسها. ومن المفارقات العجيبة أن الجيش الإسرائيلي الذي كان يعتقد ضعفاء النفوس أنه لا يُقهر، قد اندحر وانهزم في رمال غزة خلال المعارك الضارية طوال الشهور الماضية، بينما في شمال فلسطين المُحتلة، فذاكرة قادة إسرائيل ما تزال حاضرة في أذهانهم حرب يوليو 2006 التي تجرّع فيها الإسرائيليون هزيمة ساحقة؛ إذ لقن فيها حزب الله جيش الاحتلال درسًا لا ينسى؛ فعقدة عبور الحدود اللبنانية إلى نهر الليطاني الذي يُهدد نتنياهو وغالانت كل يوم بالتوغل في عمق الأراضي اللبنانية؛ لن يتحقق على الإطلاق، لكونهم يدركون يقينًا أن جنوب لبنان سوف يكون مقبرة لجنودهم، فقد نجح حزب الله في إذلال جيش الاحتلال وعلمهم دروسًا لا تُنسى؛ فتلك الهزيمة تمنعهم من تكرار الأخطاء والمغامرات غير المحسوبة والتي قد تقود في المستقبل إلى قلب تلك المعادلة بنصر من الله، وبدلًا من ذلك تتجه بوصلة المجاهدين نحو القدس والزحف إلى عمق تل أبيب من عدة جبهات على غرار طوفان الأقصى. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ".
وبالفعل كان هذا الأسبوع حافلًا بالمواقف الدولية والشعبية المناصرة لفلسطين عبر العالم، ففي مجلس الأمن أُجبرت الولايات المتحدة على التخلى عن مسودة قرار يدين "طوفان الأقصى" وبدلًا من ذلك نجحت الجزائر- ومن خلفها روسيا والصين- في صياغة واستصدار قرار أممي من مجلس الأمن يدعو إلى وقف لإطلاق النار في غزة لأول مرة منذ العدوان الإسرائيلي الأخير. صحيح أن إسرائيل لم تلتزم بالقرار، ولكن يشكل ذلك بداية لإجماع دولي نحو عزل إسرائيل ووضعها في الزاوية؛ لكون هذا الكيان يستمد وجوده وشرعيته التي أصبحت الآن في المحك من القرار الأممي رقم 181 والذي بقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية سنة 1947.
كما كانت الرسالة الثانية التي أغضبت إسرائيل وهزت العالم الحر؛ تقرير فرانشيسكا ألبانيز مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، التي أكدت بما لا يكون فيه مجال للشك أن إسرائيل ارتكبت العديد من أعمال الإبادة وصولًا إلى التطهير العرقي في غزة، مما ترتب على هذه الجريمة المكتملة الأركان بحق الإنسانية، الأمر الذي عرضها لتهديدات ردًا على قيامها بواجبها.
وفي الختام.. يجب تذكير الجميع بأن الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب التضامن الدولي الواسع مع القضية الفلسطينية، وفي مقدمة هذه الشعوب الحرة التي تتمتع بضمائر حية ونوايا صادقة الشعب العماني الأبيّ الذي أضحى من النماذج الرائعة التي يشار لها بالبنان في الوقوف مع الحقوق العادلة للأشقاء في غزة وقضيتهم العادلة، فقد أبهر جميع المخلصين في هذا الكون شجاعة وصلابة سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، وكذلك موقف الفارسين معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، والإعلامي ورئيس تحرير جريدة الرؤية الأستاذ حاتم الطائي، فهؤلاء القامات ثلاثة من حق العرب أن تفتخر بأمثالهم من المحيط إلى الخليج، وذلك على مواقفهم المُشرِّفة تجاه قضية الأمة الأولى؛ فلسطين ومسجدها الأقصى الذي يُندس من قبل الصهاينة. كما يجب التذكير بمواقف مشرفة وجديرة بالتقدير من الكويت الشقيقة؛ فالتاريخ يسجل بأحرف من نور لمعالي مرزوق الغانم؛ عند ما كان يتولى رئاسة مجلس الأمة الكويتي، خلال مشاركته بمُؤتمر اتحاد البرلمان العربي الطارئ في الأردن، فقد أمسك بنسخة من صفقة القرن المزعومة وألقاها في سلة المُهملات، مؤكداً أنَّ تلك الصفقة وُلِدَت ميتة و"مكانها مزبلة التاريخ". وبالفعل يرحل الجميع من المشهد وتبقى مواقفهم المضيئة؛ تشهد لهم عبر الأجيال.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.