أيام قليلة ونودع شهر الصيام والقيام
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
حمد الحضرمي **
شهر رمضان شرفه الله وعظمه، ورفع قدره وكرمه، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، ونزول الرحمة فيه من الله على عباده والرضوان، جعله الله مصباح العام المشرق بأنوار الصيام والقيام، أنزل الله فيه كتابه، وفتح فيه للتائبين بابه، فلا دعاء فيه إلا مسموع، ولا خير فيه إلا مجموع، ولا ضر فيه إلا مدفوع، ولا عمل فيه إلا مرفوع، الظافر الميمون من اغتنم أوقاته، والخاسر المغبون من أهمله ففاته، شهر جعله الله لذنوبنا تطهيرًا ولسيئاتنا تكفيرًا، شهر عمارات القلوب وكفارات الذنوب
شهر رمضان شهر فيه المساجد تعمر والآيات تذكر والقلوب تجبر والذنوب تغفر، شهر تشرق فيه المساجد بالأنوار وتكثر الملائكة لصوامه من الاستغفار، ويعتق فيه الله كل ليلة عند الإفطار، تنزل فيه البركات وتعظم فيه الصدقات، وتكفر فيه السيئات وتقال فيه العترات وتدفع فيه النكبات وترفع فيه الدرجات وترحم فيه العبرات وتنادى فيه الحور الحسان من الجنان هنيئًا لكم يا معشر الصائمين والصائمات والقائمين والقائمات بما اعد الله لكم من الخيرات، وغمرتكم فيه البركات واستبشر بكم أهل الأرض والسماوات.
فالسلام عليك يا شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، يا شهر الأمن والأمان، يا شهر العتق من النيران، يا شهر التجاوز والغفران، يا شهر البركة والإحسان، يا شهر الصيام والتراويح والدعاء والقنوت والتهجد، يا روضة الراكعين والساجدين والعابدبن والمستغفرين بالأسحار، اتراك يا شهر رمضان تعود إلينا، أم يدركنا الموت قبل لقاءك في رمضان القادم، لقد شهد معنا ليالي رمضان السابقات الآباء والأمهات والأبناء والإخوة والأقارب والجيران والأصدقاء وبعضهم اليوم هم تحت التراب، قد اتاهم هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرق الجماعات، وهم اليوم في بطون اللحود، فأصبحوا لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، سوى أعمالهم الصالحة والصدقات الجارية ودعاء الأبناء الصالحين لهم.
وبعد أيام قليلة سنودع شهر رمضان، فلا تقولوا وداعًا رمضان بل قولوا: اللهم تقبل منا رمضان وأعده علينا أعوامًا مديدة، مجتمعين لا فاقدين ولا مفقودين، ولا تحرمنا يا الله عطفك ومغفرتك، اللهم اختمه لنا برضوانك، والعتق من نيرانك، واجعلنا فيه من المقبولين، واجعل أيامنا أسعد الأيام، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، واغفر لنا ما اقترفنا من الآثام، اللهم إنا جاءناك سائلين ولمعروفك طالبين وراجين فلا تردنا خائبين، اللهم اجعلنا في الجنات منعمين وإلى وجهك ناظرين، وأعد علينا يا الله رمضان أعوامًا عديدة ونحن وأهلنا جميعًا في صحة وعافية وأمن وأمان وخير وسلام.
واحرصوا- أيها الكرام- على أن لا تضيعوا أوقاتكم في ليالي العشر الأواخر من رمضان، لأنها خير ليالي العمر، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي أعظم ليلة في الوجود، ومن قام هذه الليلة إيمانًا واحتسابًا فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه. والليلة تبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فاحرصوا في هذه الأيام والليالي على صلاة الجماعة وصلاة التراويح والسنن الراتبة والإكثار من قراءة القرآن، وذكر الله والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والحوقلة والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولتعيشوا في سعادة وسلام لا تؤذوا الناس ولا تتبعوا عوراتهم، وابتعدوا عن المشاعر السلبية واجعلوا حياتكم مليئة بالعواطف الإيجابية، ونظفوا قلوبكم وعقولكم من الحقد والحسد والبغضاء والكراهية، وتسامحوا فرحلة الحياة قصيرة والموت يأتي بغتة، واستغلوا العشر الأواخر من رمضان بالأعمال الصالحة والدعاء وخير الدعاء في هذه الليالي المباركات: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا.
واستغفروا للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأكثروا من الدعوات للمسلمين المستضعفين في كل مكان وخصوا في دعائكم إخوانكم المجاهدين المرابطين الأحرار في غزة وفلسطين، اللهم نسألك من فيض فضلك العظيم، أن تقضي حوائجنا وتفرج همومنا وتكشف كروبنا، وتعتق رقابنا ورقاب آباءنا وأمهاتنا وأهلنا وجميع المسلمين والمسلمات من النار، اللهم تقبل منا الصيام والقيام وتلاوة القرآن وصالح الأعمال برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم واحفظ عُمان الوطن والشعب والسلطان، اللهم آمين.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ماذا يتعلم المسلم من قصة البقرة فى القرآن؟..علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن قصة البقرة (في سورة البقرة) تُعلِّم المسلمين كيفية التعامل مع الفقه والأحكام الشرعية؛ فالفقه والأحكام الشرعية هي أحكام من عند الله، لذا وجب عليك ـ أيها المسلم ـ ألّا تفتّش ولا تسأل عن أشياء إن تُبدَ لك تسؤك.
وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم».
وقال تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}. كلمة "بها" هنا تعني: بسببها.
ماذا يتعلم المسلم من قصة البقرة
ونوه ان في قصة البقرة، يتعلم المسلم كيف يفكّر وكيف يتعامل مع أوامر الله؛ فالدين مبناه على اليسر لا العسر، وعلى اليقين لا الشك، وعلى المصلحة لا المضرّة ولا الفساد ولا الضرر، كما قال النبي ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار».
كما أن الدين يقوم على النية الصالحة المخلصة، فالأمور بمقاصدها، كما في الحديث: «إنما الأعمال بالنيات».
وأشار إلى أن الدين ليس مجرد تحسين الظاهر أو إظهار علامات على الجسد، بل هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل، كما قال النبي ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
تسمية سورة البقرة بهذا الاسم
ولفت إلى أن تسمية الله سبحانه وتعالى السورة بكاملها "البقرة" تشير إلى أهمية الالتفات إلى هذه القصة أثناء قراءة السورة، فهي من أهم مكونات عقل المسلم. ورغم أن الله ضربها على أقوام سابقين وتحدّث عن أشياء أخرى، إلا أن المقصود هو الفكر الذي كان وراء تصرفات أصحاب قصة البقرة.
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67].
الأمر كان بسيطًا وواضحًا، قال رسول الله ﷺ: «لو ذبحوا أيَّ بقرةٍ لكفتهم»، ولكن المشكلة كانت في التنطّع والتفتيش والورع الكاذب.
التنطّع: هو التشدد والمغالاة، ويظهر عندما يرى الإنسان حوله وقوته، مع أن القوة كلها بيد الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
التفتيش: خُذ الحكم الشرعي أو الفتوى بلا زيادة أسئلة ولا استقصاء غير مبرر، فقد يكون ذلك مخالفًا للتقوى الحقيقية.
الورع الكاذب: يظهر في تناقض التصرفات، كما فعل بنو إسرائيل؛ قتلوا النفس ثم أظهروا ورعًا زائفًا في السؤال عن البقرة.
واختتم منشوره قائلا: إذن، الدين ينهانا عن "التنطّع، والتفتيش، والورع الكاذب"، وهذه القصة تقدّم لنا درسًا عظيمًا في الامتثال واليقين والثقة بحكم الله سبحانه وتعالى.