ليالي رمضان بالحديقة الثقافية .. مسيرة محمد الراوي ورسائل السينما وعروض موسيقى 

شهدت الحديقة الثقافية بالسيدة زينب، أمس الجمعة، الليلة التاسعة قبل الأخيرة من ليالي رمضان الثقافية والفنية، التى تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيوني، في إطار برامج وزارة الثقافة

 

 

فن المربعات واستكمال السيرة الهلالية ضمن "راوي من بلدنا"

استهلت الفعاليات المنفذة بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر مسعود شومان، باستكمال رواية السيرة الهلالية وبدأت بتقديم الراوي عز الدين نصر الدين فن المربعات ومواويل عن الصعيد على أنغام الربابة، كما واصل قصة الأميرة الجاز ودخولها أبواب تونس ومعها الأمير أبوزيد والثمانين بنتا، حتى وصلوا إلى سجون الخليفة الزناتي، وقال لها أبوزيد هذه سجون الزناتي التي سجنا فيها في الماضي، وعن وجود أشقائك بداخلها أو من عدمه فهذا امر يعلمه الله، ففكرت "الجاز" في حيلة أن يضرب أبو زيد بسيفه شباك السجن، وكان السيف والشباك مصنوعان من الحديد والصلب واحتكاكهما صنع شرارا ونارا، وكان بداخل السجون مرعي بن سرحان، فظل سرحان ينشد بنشيد مشهور ذكر فيه اسم "دياب وزيدان والعرب" ماعدا اسم أبوزيد بسبب عدم زيارته له منذ سبع سنوات، فسمع أبو زيد الغناء وقال له بسببك لقد جئت بالعرب جميعا إلى هنا إلى آخر رواية الليلة، أعقب ذلك مباراة فنية وتحد في الغناء بالسيرة.

 

مقهى نجيب محفوظ  

أقيم بمقهى نجيب محفوظ الثقافي أمسية شعرية، ضمن برنامج "واحة الشعراء"، ألقى خلالها الشعراء المشاركون عددا من قصائدهم ومنهم: ناصر دويدار قصيدة "أكورديون"، مجدي السعيد قصيدتي "بردية، على وش الأرض"، محمد أحمد حسن "ما تيسر من آية الحسن"، محمود توفيق "قبل اندلاع الحرب"، محمد ربيع "فلت العيار"، د. أبو زيد البيومي "بحب النظام"، وأدارت الأمسية الشاعرة أمينة عبد الله، بمصاحبة فقرات فنية قدمها الفنان محمد عزت منها "اللهم صل على سيدنا محمد، يا مصر يا واحدة، لأجمل ضفة امشي"، واختتم بأغنية "ياالعروسة".

عطر الأحباب والاحتفاء بمسيرة الشاعر محمد الراوي



أقيمت حلقة جديدة من برنامج عطر الأحباب عن السيرة الذاتية والإبداعية للشاعر والأديب الراحل "محمد الراوي"، وتحدث عنه الشاعر حاتم مرعي موضحا أنه كان أحد رموز جيله، وكتب عددا من الروايات والمجموعات القصصية المهمة منها "الرجل والموت، عبر الليل نحو النهار، الجد الأكبر منصور"، وكانت درة رواياته "الزهرة الصخرية" وتعد من أهم مائة رواية عربية، واختتم حياته برواية "تل القلزم" وكانت تحاكي الواقعية السحرية، وكان منفتحا فيها بخياله على واقعه، وتحكي عن نشأة السويس كمدينة بشكل فانتازي.

وأضاف "مرعي" أن الراوي كان دائما يطرح أسئلة وجودية عن الحياة والموت والحرية والوجود، وقام بدوره في إثراء المشهد الأدبي من خلال ندوة "الكلمة الجديدة" التي كان يعقدها في النادي الاجتماعي بالسويس، وهي ملتقى لأدباء وفناني ومثقفي مصر في هذا التوقيت من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكان من أهم رفاقه هم الشاعر الراحل الكابتن غزالي، الشاعر كامل عيد رمضان، والشاعر عطية عليان.

واختتم حديثه موضحا أن الراحل كان راهبا في معبد، متأمل وفلسفي إلى أقصى درجة، وكان يستلهم الأدب العالمي والتراثي، ففتح لنا أبوابا مختلفة من القراءة نطمح ونسعى اليها، وقدم الشكر لهيئة قصور الثقافة وبرنامجها عطر الأحباب الذي يذكرنا بمن رحلوا عنا والحديث عنهم.

من جهته أكد الشاعر مسعود شومان أن التاريخ لن ينسى بصمات الراحل الروائية والنقدية المهمة، حيث كان جامعا للتراث والحكايات الأسطورية، وأكمل فجوات تاريخية مهمة لم يذكرها التاريخ عن السويس.

هذا وتنفذ فعاليات برنامجي واحة الشعراء وعطر الأحباب بإشراف الإدارة العامة للثقافة العامة برئاسة الشاعر عبده الزراع.

إضاءات ومناقشات نقدية لكتاب "الخطاب السياسي في السينما المصرية"

عن دور السينما السياسي، جاءت مناقشة كتاب "الخطاب السياسي في السينما المصرية" تأليف د. مريم وحيد - مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والصادر عن سلسلة آفاق السينما التابعة لهيئة قصور الثقافة، يتناول الكتاب الرسائل السياسية في الأفلام المصرية، والتركيز على فكرة العدالة الاجتماعية.

وعن الكتاب تحدثت مؤلفته موضحة أنه يتضمن عددا من الأفلام التي تناولت الرسائل السياسية في الفترة من 1961 إلى 1981 وهذه الفترة شهدت تحولات في السياسات الاقتصادية وفكرة العدالة الاجتماعية، مثل فيلم "رد قلبي" فهو قصة اجتماعية سياسية وكانت فكرة الفيلم ان انتصار الحب هو انتصار للثورة، وفيلم "القاهرة 30" أول فيلم اشتراكي، وفيلم "أهل القمة" فهو يعبر عن مرحلة الانفتاح الاقتصادي، بجانب فيلم "الفلاح الفصيح" للمخرج الكبير شادي عبد السلام، الذي يحكي عن شكاوي الفلاح الفصيح للحاكم من خلال بردية، ويستمع إليه الحاكم وتحقيقه العدالة الاجتماعية، وغيرها من الأفلام التي يتناولها الكتاب للكشف عن الرسائل السياسية المباشرة وغير المباشرة.

وأضافت "وحيد" أن السينما لها دور كبير في توعية المجتمع، فهي تخاطب جميع الفئات العمرية، باختلاف مستويات تعليمهم، من خلال لغة الصورة والصوت التي تهدف إلى ارسال عدد من الرسائل للمتلقي.

ويشار أن برنامج إضاءات على إصدارات الهيئة ينفذ بإشراف الإدارة العامة للنشر الثقافي برئاسة الحسيني عمران.

الورش الفنية وتنمية المهارات الإبداعية

أقيمت لأطفال الحديقة عدة ورش فنية نفذها عدد من المدربين المتخصصين وهي ورشة "منتجات ورقية، تلوين، اكتشاف مواهب أدبية، علم مصر، مسجد، سبح لذوي الهمم من الصم، رسم حر، رسم على الوجه، بجانب تنفيذ مسابقة في المعلومات العامه، ومسابقة ثقافية، كما أقيمت ورشة حكي عن الزعيم الراحل مصطفى كامل. واستمر المعرض المركزي لإصدارات الهيئة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ليالي رمضان بالحديقة الثقافية الهيئة العامة لقصور الثقافة عطر الأحباب

إقرأ أيضاً:

وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق

غيّب الموت أمس الأحد الشاعر السوداني الكبير محمد المكي إبراهيم بأحد مستشفيات مدينة الشيخ زايد غرب العاصمة المصرية القاهرة، عن عمر يناهز 85 عاما، بعد صراع مع المرض، وكتب عدد من الأدباء والمثقفين السودانيين ينعونه بنصوص تدخل ضمن أدب الرثاء الذي يُعد من أقدم وأهم الأغراض الأدبية في تاريخ النصوص العربية، فهو فن أدبي يعبّر فيه الكاتب عن حزنه وألمه لفقدان شخص عزيز، مستذكرا مناقب المرثي وخصاله الحميدة.

ويبقى أدب الرثاء العربي شاهدا على عمق المشاعر الإنسانية وقدرة الكلمة على تخليد الذكرى، فهو ليس مجرد تعبير عن الحزن، بل هو احتفاء بالحياة وتأمل في معانيها العميقة.

ومن أبرز من كتب في رثاء الشاعر الراحل محمد المكي إبراهيم الأكاديمي السوداني والكاتب وجدي كامل، والبروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك، فإلى المقالين الرثائيين:

رحيل هرم شعري ناطق ومفعم بالتجاوز
وجدي كامل

 

لم يكونا شاعرين كبيرين فقط، بل صديقين عزيزين جمعت بينهما صداقة ستينية قديمة عميقة، أقام فيها ود المكي قسطا من الزمن، وسكن أحيانا بدار آل عوض الجزولي.

ما بين (الأديب والقانوني السوداني المتوفى نهاية 2023) كمال الجزولي ومحمد المكي إبراهيم أكثر من توأمة، ورباط من صداقة متينة، وذكريات مشتركة، ومحبة مشتركة جمعتهما، وآمال عراض لمستقبل يستحقه هذا الشعب الأبي.

كانت، وحين يغيب محمد المكي في مهاجره المتعددة حسب الوظيفة الدبلوماسية والهجرة الأخيرة لبلاد العم سام تشتعل المراسلات، والاتصالات الهاتفية، وينتظر صديقه كمال قدومه على أحر من الجمر، وما أن يحط الرحال، حتى يقوم كمال بتعطيره على المجالس والجلسات، وينتقلان بعسل المؤانسة من مكان إلى مكان، وتتألق الخرطوم وبيوت المثقفين والفنانين.

الأديب والمحامي السوداني كمال الجزولي تُوفي بالقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (منتدى دال الثقافي، مواقع التواصل)

سعدت بأن كنت شاهدا على ذلك، وواحدا من أولئك الذين تشرفت بيوتهم بزيارتهما معا، بعد مشاهدة فيلمية مشتركة لفيلمي (جراح الحرية).
كانت تلك واحدة من مرات عديدة، استطعت التعرف فيها على الرجل السهل الممتنع، اللطيف، المبتسم، الهادئ، الدمث الخلق، والمعجون بالتواضع الجم، وحب الآخرين.

حزن محمد المكي أيما حزن على وفاة صديق عمره كمال الجزولي، وكانت زيارته للتعزية بالقاهرة بمجرد وصوله لها. ولكن وحسبما كان قد أسر لي الدكتور ابى كمال الجزولي قبل أيام، وكان العلم قد نما إلي أن شاعرنا قد تُوفي سريريا منذ دخوله مستشفى الفؤاد، بأن ود المكي كان وفي حزنه العميق على غياب صديقه بدا مشغولا في تلك الزيارة بالتعرف من ابى على تفاصيل تحضير جثمان الميت، ودفنه، والإجراءات المتبعة بالقاهرة لتلك الطقوس، وكأنه قد اختار الموت، وكأنه قد عاد ليموت في مكان أقرب لموطنه الذي أحب وعشق.

عاد ليموت ويشيّعه من عرف أفضاله الثقافية والإنسانية علينا بعد أن امتنع الوطن الممزق، المحترق هذه المرة عن الاستقبال، وحيث لم تكن هناك (أمته) التي تشتت في بقاع الأرض ونزحت، ولكن يحمد أن احتفظت بكثافة الوجود بقاهرة المعز.
كم كنت أتمنى أن أكون أحد المودعين لولا العوائق.

ها ذا أنا أشاهد الوجوه وقد تبللت بالدموع، وأسمع العويل، وبكاء من عرفوك.
ها ذا أنا أرى وداعا جليلا، ضخما يليق بمقامك وقامتك يا محمد المكي، يا من أسعدتنا بحياتك، ومساهماتك الشعرية المتميزة، المتفردة.

أقول باسمك وباسم صديقك وكل من رحل عنا في هذه الظروف القاهرة العصيبة سوف تتوقف الحرب، سينتصر الشعب، وسينكسر حائط السجن الرمزي الكبير الذي شيدته مؤسسات القهر والقمع التاريخية والمستحدثة، وستشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمنيا ومدنية.

ستبقى ذكراك خالدة فينا، وفي الأجيال القادمة، ولن تنقطع سقياك لقلوبنا ولذاكرتنا أبدا.

الوداع الوداع، ولا أجد في هذه اللحظات الحزينة أبلغ من مرثيتك لشيخك، وشيخ شعرائنا المحدثين محمد المهدي المجذوب في وداعك المهيب له شعرا عند الرحيل:
من جمالك في الموت
يتخذ الورد زينته
والمواسم حناءها
والعصافير تترك توقيعها في رمالك
برحيلك
ﺃﻇﻠﻤﺖ ﺑﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﺍﺩﻳﺲ ﺃﺿﺄﻥ
ﺑﺮﺣﻴﻠﻚ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﺍﻟﺠﻤﺮ ﻋﻦ ﺻﻨﺪﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ
ﻳﻘﺘﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﺕ
ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻜﻬﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻊ
ﺗﻔﺘﻘﺪ ﺍﻷﺑﺠﺪﻳﺔ ﺃﻇﻔﺎﺭﻫﺎ
ﺗﺴﺘﺮﺩ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺩﻳﻌﺘﻬﺎ (ﻟﺆﻟﺆ ﺍﻟﺸﻌﺮ) ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ
ﻛﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺃﺷﻌﺎﺭﻫﺎ
ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻃﻔﻮﻟﺘﻬﺎ
ﻭﺗﻌﻮﺩ إﻟﻴﻚ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ﺍﻟﺬﺍﻫﺒﺔ

محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات
البروفيسور: أحمد إبراهيم أبوشوك

في تقديمه لكتاب الدكتور حسن أبشر الطيب، إطلالة في عشق الوطن (أم درمان مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، 2001)، كتب محمد المكي إبراهيم (1939- 2024) عن جيل العطاء الذي ينتسب إلي من خلال شخص زميل دراسته بجامعة الخرطوم وصديق عمره حسن أبشر الطيب قائلا: "ينتمي المؤلف إلى جيل الستينيات في السودان، هو جيل يجمع إلى الريادة الإبداعية المواكبة المستمرة والتجويد المتفوق والاطلاع الغزير… وهذا السفر الذي بين يدي القارئ الآن شاهد على صحة تلك المقولة، فها هي بين أيدينا ما يقرب من 40 مقالة في مختلف شؤون الحياة والثقافة في السودان. تتناول فيما تتناول أعلامه الكبار: الطيب صالح، والمجذوب، وجمال محمد أحمد، والتجاني الماحي، ومحمد إبراهيم أبو سليم. كما تتناول أهل الفن والإبداع فيه: أحمد المصطفى، وعبد العزيز محمد داود، وليلى المغربي. إلى جانب أشهر آثاره الأدبية المعاصرة: "موسم الهجرة إلى الشمال"، وغضبة الهبباي"، و"أمتي".

لكن يصف محمد المكي إبراهيم الوطن في بداية الألف الثالثة بأنه "يمر بأسوأ أيامه، وأشدها بؤسا وسوء حظ، وفي السنوات الأخيرة من القرن العشرين كانت قد اكتملت مسلسل الخروج من السودان هربا من العسف السياسي، والبؤس الاقتصادي، وغياب الحرية، وإظلام الحياة الفكرية وإجدابها. وكانت السلطة في بداية أمرها تريد إفراغ البلد من ذوي الفكر والرأي، فأفرطت في القسوة عليهم، حتى هجروا البلاد بالألوف، ثم توسعت حلقة الرعب وطالت من لا ينتمي لتلك الفئة من المواطنين، فأجفلت العصافير وخرج السودانيون بالملايين ما بين ناشد حرية، وطالب دنيا يصيبها، أو أمن يشتهيه… وفي المنافي الاختيارية التي تقاطر عليها السودانيون تحول السودان في نفوس بنيه المهاجرين إلى ذكرى سيئة ومدعاة للحسرة واليأس والألم، فالأخبار التي تأتي من تلقائه لا تحمل إلى الجماعة المهاجرة سوى أنباء الفقد والفجيعة والتدني المستمر في نوعية الحياة، والتكرار المميت لكل أخطاء الماضي ورزاياه. وأمام أعينهم كانت سمعة السودان المشرقة تتحول إلى صيت سيئ، وكان اسمه الشريف يتمرغ في الوحول".

الآن رحل محمد المكي إبراهيم إلى الدار الآخرة في يوم الأحد الموافق 29 سبتمبر/أيلول 2024 بقاهرة المعز، وفي زمن شتات لم يشهد السودان له مثيلا من قبل، وحال الوطن أسوأ مما كان عليه في بداية الألفية الثالثة، إذ حولت حرب الخامس عشر من أبريل 2023 واقع أهله إلى جحيم لا يُطاق، بعد أن احتلت قوات الدعم السريع معظم مساكن المواطنين في العاصمة المثلثة وود مدني وغيرها من المدن، ونهبت مقتنياتهم الثمينة، وجعلت حواضن ذكرياتهم وتراثهم أثرا بعد عين، وأجبرتهم على الأمرين، إما النزوح إلى الولايات الآمنة في السودان، أو اللجوء إلى دول الجوار ومهاجر ذوي القربى.

وعن تداعيات الحرب وتعقيدات استمراريتها، تصدق الحقيقة الذهبية التي طرحها الدكتور حسن أبشر الطيب "إن المدفع لا يبنى بيتا، ولا يشفي مريضا، ولا يزرع حقلا، ولا يحصد إلا دمارا. إن الأوطان تُبنى بالمحبة، والتعاطف، وبالاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر، وبالسعي الموصول لتعظيم عناصر الاتفاق، ونبذ مسببات الفرقة، وبالسمو فوق المنافع الذاتية الآنية إلى مصلحة الوطن، بالاحتفاء بكل المبدعين من أبناء الوطن في مختلف الميادين، تقديرا للعبقرية وتجسيدا للقدوة المتميزة، وبالانفتاح الذكي المتبصر على المعطيات والتجارب الإنسانية المعاصرة".

كما يصدق استفهام الشاعر محمد الحسن سالم (حميد)، عندما أنشد قائلا "أخــيــر كــرّاكــة بـتـفــتـح حـفـيـر وتـراقـد الركام *** أم الدبابة البتكشح شخـيـر الـمـوت الزؤام؟ ** درب مـن دم مـاب يـودي حرِب سُبّه حرب حرام *** تـشـيـل وتـشـيـل مـابِ تـدِّي عُـقـب آخــرتا انهزام".

وعندما شعر حسن أبشر الطيب بتعاطف الحركة الديمقراطية السودانية المعارضة لنظام الإنقاذ آنذاك مع بعض أعمال الدمار والتخريب التي كانت تطال خط أنابيب تصدير النفط كتب مقالا بعنوان "هذا كلام أعوج"، ويتمثل اعوجاج ذلك في بُعد نجعته عن القيم العليا التي تطالب الساسة بالعمل من أجل إسعاد الناس أجمعين، ما دامت سعادة الناس تتجسَّد في الحفاظ على مصادر معاشهم اليومي وخروجهم من عنق زجاجة المعاناة، لأن تدميرها يعتبر طغيانا من السياسة على مقدرات الدولة الاقتصادية. فأي سياسي أو عسكري غير عاقل يدمِّر موارد أرزاق الناس ويشردهم من مساكنهم الآمنة، ثم يعدهم بالحكم المدني والديمقراطية، فإنه يضحك على عقولهم في صلف وكبرياء وعدم استحياء، لأن أولويات الحياة الأساسية تقوم على المسكن والمأكل والمشرب والحريات العامة، وما سواها أولويات كمالية مؤجلة لا يستقيم ميسمها إلا باستقامة مَيَاسِم الأولويات الأساسية.

إذا يا سادتي دعونا نجمع القول "أرضا سلاح"؛ لأن إيقاف الحرب لا يعني إعفاء الذين ارتكبوا الجرائم والفظائع في حق الشعب المسكين من العقوبة، ولا يعني إشراك الذين كانوا سببا في الحرب أن يكون جزءا من الحل. لكن إيقاف الحرب يُسهم في إبقاء ما لم يُدمَّر من بنية البلاد التحتية، وفي الحافظ على الوطن من التقسيم وجعله نهبا لمصالح الدول الإقليمية والعالمية، وفي صون أرواح أبنائه وبناته الذين يحلمون بغدٍ أفضل. إيقاف الحرب، يا سادتي، يعني الحفاظ على مؤسسات الدولة، وإعادة احتكار العنف القانوني لجيش مهني واحد وقوات شرطة مؤهلة، ويعني التخلص من المليشيات المسلحة، والتواضع على نظام حكم يكون تداول السلطة فيه بطرق ديمقراطية سليمة. ولا يتحقق ذلك إلا بتوافق الصف الوطني. والشاهد في ذلك قول الرئيس الرواندي بول كاغامي (Paul Kagame)، الذي انتشل بلاده من ركام الحرب الأهلية الضروس والعداوات العرقية إلى البناء والإعمار، عندما صرّح قائلا "إنّ تقدم بلادنا سببه أنتم أيها الروانديون، خاصة الشباب والنساء منكم، الذين أخذوا زمام المبادرة لتقرير مصير بلادهم من خلال روح العمل والابتكار والوطنية كمفتاح للرقي والتنمية […]، فليس ذلك بسبب وجود الفاتيكان، أو الكعبة، أو البيت الأبيض، أو الإليزيه، أو تاج محل" في بلادنا.

مقالات مشابهة

  • الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم|معلومات عن رائد القصيدة العربية
  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • أول صورة لـ محمد رمضان من فيلم «أسد أسود».. يطرح في دور السينما خلال 2025
  • السودان يودع محمد المكي إبراهيم
  • الموت يغيب الشاعر السوداني الكبير محمد المكي إبراهيم
  • الحرب فى السينما المصرية
  • دعاء زهران: القيادة السياسية قادرة على اتخاذ القرارات التي تحمي وتحافظ على أمن مصر القومي
  • موسيقى رؤوس الجبال
  • وفاه الشاعر الشاب مكي أحمد متأثرًا بإصابته في مدينة ود مدني
  • وائل جسار نجم ليالي مهرجان الموسيقى العربية بهذا الموعد