مدى تأثير المعاصي التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان على صحة الصيام
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:" هل للمعاصي التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير في صحة الصيام كالغِيبة ونحوها؟ فهناك رجلٌ جلس مع بعض أقاربه وأصدقائه في نهار رمضان، وتكلموا في بعض شؤونهم، ثم تطرقوا للكلام عن بعض الناس بما فيهم من محاسن ومساوئ، ويَعلَم أن الغِيبة محرمة، وقد استغفَر اللهَ تعالى وتابَ إليه، ويسأل: هل الغِيبة تُبطل الصوم ويجب عليه صيام هذا اليوم الذي اغتاب فيه؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: ان الغِيبةَ حرامٌ شرعًا وذنبٌ عظيمٌ بنصوص الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة، ويأثم فاعلها ما لَم يَتُبْ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ويستغفر لذنبه، إلا أنَّ مُلابستها وقت الصيام لا تفسد الصوم، وإنما تؤثِّر في ثوابه، فكلَّما زاد الصائم في الغِيبة نَقَصَ ثوابُ صومِه حتى يذهبَ ثوابُه كلُّه، ولذا يجب على كل مسلم أن يجتنب الغِيبة في كلِّ وقتٍ، وخاصة وقت صيامه، حتى لا يكون نصيبُه مِن الصوم هو الجوع والعطش.
المراد من الغيبة والتحذير منها شرعا
الغِيبة: ذِكْرُ الإِنسانِ غيرَه بما فيه مما يَكره، سواء كان في بَدَنِه، أو دِينِه، أو دُنياه، أو نَفْسِه، أو خَلْقِه، أو خُلُقِه، أو مالِه، أو وَلدِه، أو والِده، أو زوجِه، أو غيرِ ذلك مما يَتعلَّق به، سواء ذَكَرَهُ باللفظ، أو الكتابة، أو الإشارة إليه، أو نحو ذلك، كما في "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي (3/ 143، ط. دار المعرفة)، و"الأذكار" للإمام النووي (ص: 336، ط. دار الفكر).
والغِيبة سُلُوكٌ مُحرَّمٌ شرعًا، وذنبٌ عظيمٌ يجب التوبة منه، والاستغفار، والرجوع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وعلى ذلك تضافَرَت النصوصُ الشرعية مِن القرآن والسُّنَّة وإجماع الأمة.
فمِن القرآن الكريم: قول الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: 12].
ومِن السُّنَّة النبوية المشرَّفة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»، قالوا: اللهُ ورسولُه أَعْلَمُ، قال: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟»، قالوا: المُفْلِس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» والحديثان أخرجهما الإمام مسلم في "صحيحه" مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (16/ 337، ط. دار الكتب المصرية): [مَن اغتاب أحدًا عليه أنْ يتوب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ] اهـ.
وقال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/ 380، ط. دار طيبة): [الغِيبة مُحَرَّمَةٌ بالإجماع، ولا يُستثنى مِن ذلك إلا ما رَجَحَتْ مصلحتُه، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة] اهـ.
وإن كان كَفُّ اللسان عن الغِيبة والنميمة والكلام الفاحش واجبًا في غير الصوم، فإنه يتأكد وجوبُه في الصوم، كما في "مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب (2/ 396، ط. دار الفكر).
مدى تأثير المعاصي التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان على صحة الصيام
الغِيبة وإن كانت مُحرَّمةً شرعًا في الصوم وغيره، يأثم فاعلها ويعاقَب عليها ما لَم يَتُبْ، غير أنها لا تؤثر في صحة الصوم وإن كانت تُنقِصُ مِن ثوابه أو قد تُضَيِّعُهُ، فمَن اغتاب في نهار رمضان أَثِمَ لِغِيبَتِهِ، ولا يتحصل على كمال ثواب صومه، وأما صومه فلا يفسد، ومِن ثَمَّ فلا قضاء عليه؛ لأن الأصل في صوم المكلَّف أنه صحيحٌ ما لَم يأت بمُبطِلٍ للصوم، ولأن الغِيبَةَ لا يكاد يَسْلَمُ منها إنسانٌ، فلو كانت تُبطِل الصومَ لَمَا كان لأحدٍ مِن المسلمين صيام، كما في "كشاف القناع" للعلامة أبي السعادات البُهُوتِي (2/ 381، ط. دار الكتب العلمية).
وعلى هذا نصَّ جماهير أهل العلم مِن السَّلَف والخَلَف، وأئمة المذاهب، بل نَقَل بعضُهم الإجماعَ على ذلك.
قال الإمام ابن مَوْدُود المَوْصِلِي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 133، ط. الحلبي): [العلماء أجمَعُوا على أنَّ الغِيبة لا تُفطر] اهـ.
وقال الشيخ زَرُّوق المالكي في "شرحه على متن الرسالة" (1/ 465، ط. دار الكتب العلمية) في بيان ما يترتب على الغِيبة أثناء الصيام: [قال علماؤنا: تَذهَب بثواب صيامه، لا أنها تُفسده في الحُكم بحيث يَلزمه، فإنَّ ذلك ليس بمقصودٍ بإجماع السَّلَف رضي الله عنهم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 356، ط. دار الفكر): [فلو اغتاب في صومه عَصَى ولم يَبْطُل صومُه عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة] اهـ.
وقال الإمام تقي الدين السُّبْكِي الشافعي في "فتاويه" (1/ 222، ط. دار المعرفة): [اجتناب الغِيبة ونحوها على الاختلاف بين العلماء في كونها مفطرةً أم لا؟ والجمهور على أنها ليست مفطرة، فاجتنابها على مذهب الجمهور، واجتناب سائر المعاصي والمكروهات التي لا تفطر بالإجماع مِن باب كمال الصوم وتمامه] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 121، ط. مكتبة القاهرة): [الغِيبة لا تفطر الصائم إجماعًا] اهـ.
والذي تنصح به دارُ الإفتاء المصرية الناسَ أن يجتنبوا الغِيبة في كلِّ وقتٍ خاصةً وقت الصيام، وذلك حتى لا يَذهبَ الصائمُ بثوابِ صومِهِ بسببِ غِيبَتِهِ ولا يكون له نصيبٌ مِن الصوم إلا الجوع والعطش، إذ نَبَّهَ إلى ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» أخرجه الأئمة: عبد الله بن المبارك وأحمد -واللفظ له- وأبو يعلى في "المسند"، وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، كلُّهم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اهـ وقال الإمام فی نهار رمضان قال الإمام الله ع کما فی
إقرأ أيضاً:
هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام؟.. جائز في 4 حالات
لاشك أن السؤال عن هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام ؟ يعد من أكثر المسائل المطروحة والتي تهم الكثيرين ، وقد انقضى يوم النصف من شعبان وصامه من صامه ، فيما لايزال هناك من لم يغتنموه ويسعون للتعويض عما فاتهم فيتساءلون هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام ؟، لعلهم يلحقون بعضًا من بركات ونفحات هذا الشهر الفضيل الذي يعد مقدمة جيدة لرمضان ، ومن ثم تنبع أهمية معرفة هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام ؟.
ورد في مسألة هل الصيام بعد النصف من شعبان حرام ؟، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان ، إلا أنه يجوز في حالات معينة ومنها: «العادة، مثل صيام يومي الاثنين والخميس والقضاء والكفارات والنذر»، لما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا»، رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651)،: فإذا اعتاد أحد صيام الاثنين والخميس فليصم وإذا كان أحد يقضي ما فاته فعليه أن يقضي ولا حرج في النصف الثاني من شهر شعبان.
حكم صيام النصف الثاني من شعبانورد أن صوم النصف الثاني من شعبان فيه خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال، فمن من يقول الجواز مطلقا يوم الشك وما قبله سواء صام جميع النصف أو فصل بينه بفطر يوم أو إفراد يوم الشك بالصوم أو غيره من أيام النصف.
حكم صيام النصف الثاني من شعبان ، عنه قال ابن عبد البر لا بأس بصيام الشك تطوعا وهو الذي عليه أئمة الفتوى كما قاله مالك، ومنهم من قال عدم الجواز سواء يوم الشك وما قبله من النصف الثاني إلا أن يصل صيامه ببعض النصف الأول أو يوافق عادة له وهو الأصح عند الشافعية، والقول الرابع: إنه يحرم يوم الشك فقط ولا يحرم عليه غيره من النصف الثاني وعليه كثير من العلماء.
حكم صيام النصف الثاني من شعبان ، الراجح المفتى به: أن من كان له عادة في الصيام أو كان عليه نذر صيام أو كان عليه قضاء من شهر رمضان السابق فلا حرج عليه إن صام أول شعبان أو وسطه أو آخره، أما من لم تكن له عادة صيام ولا شيء مما سبق بيانه فلا يجوز له ابتداء الصيام في النصف الثاني من شعبان لكن لو وصله بصيام بعض النصف الأول جاز له ذلك.
وجاء فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا» أخرجه مسلم، وحديث الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا» بقول ابن حجر في فتح الباري: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ.
ونقلت قول ابن قدامة في المغني: «لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ – أي الحديث - وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا»، ويمكن الجمع بينه وبين غيره من الأدلة بما قاله القرطبي رحمه الله تعالى: لا تعارض بين حديث النهي عن صوم نصف شعبان الثاني والنهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وبين وصال شعبان برمضان والجمع ممكن بأن يحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ويحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع.
شهر شعبانورد أنه كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، وكان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرؤها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان ، وكان يقال شهر شعبان شهر القراء، حيث كان حبيب بن أبي ثابت "رحمه الله" إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء.
فضل الصيام في شعبانروي عن أُسَامَة بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ،، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»، وفي هذا الحديث فوائد عظيمة:
1ـ "أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان" يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولًا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك.
2ـ فيه إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.
3ـ وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك محبوب لله - عز وجل - ولذلك فُضِلَ القيام في وسط الليل لغفلة أكثر الناس فيه عن الذكر.
4ـ في إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها: أنه أشق على النفوس: وأفضل الأعمال أشقها على النفوس.
5ـ ومنها إحياء السنن المهجورة خاصة في هذا الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء». وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العبادة في الهرج كالهجرة إلي» وخرجه الإمام أحمد ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إلي» وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به متبعًا لأوامره مجتنبا لنواهيه ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.
6 ـ أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع العمل لله -تعالى-والعبد على أفضل حال وأحسنه وأطيبه لما في الصوم من فضائل عظيمة، وليكون ذلك سببًا في تجاوز الله -تعالى-عن ذنوب العبد حال توسله بلسان الحال في هذا المقام.