موسكو- لم تمر أيام على الهجوم الذي تعرض له مجمع "كروكوس" الواقع على أطراف العاصمة موسكو حتى بدأت الأصوات تعلو داخل مجلس الدوما (البرلمان) لإعادة النظر في قانون الهجرة وإدخال تعديلات عليه تؤدي إلى تشديده.

وأعلن رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، تشكيل مجموعة عمل لتحليل التشريعات في مجالات الأمن وسياسة الهجرة.

أما النائب عن القرم، ميخائيل شيريميت، فاقترح الحد من دخول المهاجرين طالما بقيت الحرب مع أوكرانيا متواصلة.

واستندت هذه التوجهات إلى حقيقة أن جميع من تم إلقاء القبض عليهم بتهمة الهجوم على "كروكوس" مهاجرون من جمهوريات آسيا الوسطى ولا سيما طاجيكستان.

وسهلت روسيا -السنوات الأخيرة- من شروط الهجرة والحصول على الجنسية، مما مهد لدخول أعداد كبيرة من مواطني بلدان آسيا الوسطى التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة وتدن كبير في الأجور.

وبحسب إحصائيات الداخلية، دخل البلاد بالنصف الأول من عام 2023 نحو 3.5 ملايين شخص للعمل. وعلى سبيل المقارنة، خلال نفس الفترة من عام 2022، وصل إلى روسيا حوالي 5.8 ملايين أجنبي، مما يشير إلى انخفاض تدفق المهاجرين بنسبة 40%.

أحد المتهمين بالتورط في هجوم كروكوس في موسكو داخل قاعة المحكمة (رويترز) آثار سلبية

والتدفق الرئيسي للأجانب إلى روسيا بهدف البحث عن عمل، يأتي من أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وأرمينيا وكازاخستان، مقابل تراجع كبير في عدد المهاجرين من أوكرانيا ومولدوفا وتوجههم نحو الغرب.

وفي خريف العام الماضي، تلقى موضوع الهجرة آثارا سلبية على ضوء الجرائم التي ارتكبها مهاجرون ضد مواطنين روس، وغطتها وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع.

ومن الأمثلة على ذلك العراك الذي أثار ضجة في حينه عندما قامت مجموعة من المهاجرين بسلوكيات قالت السلطات الروسية إنها كانت استفزازية ضد ضباط الشرطة، وذلك في الساحة الحمراء بموسكو.

وتعترف وزارة الداخلية بتزايد معدلات الجريمة التي يقف وراءها مهاجرون، والذين يصل العدد الأكبر منهم إلى موسكو وسانت بطرسبرغ وكراسنودار وإيركوتسك وغيرها. وفي أغلب الأحيان، يتم توظيفهم للعمل في قطاعات البناء والنقل وخدمات التوصيل.

بيد أن الهجوم الدموي على كروكوس طرح ملف المهاجرين على طاولة البحث، لا سيما مع دخول العنصر الأمني عليه، فضلًا عن أبعاده الاقتصادية والديموغرافية والثقافية.

وبحسب مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، فإن الأجانب الذين يعبرون الحدود الروسية "يصبحون تلقائيًا موضع اهتمام أجهزة مخابرات وقوى خارجية لاستخدامهم في شن هجمات إرهابية لزعزعة استقرار الأوضاع".

تداعيات اقتصادية

ويوضح -في تعليق للجزيرة نت- بأنه حتى الأجانب الذين يأتون بنوايا حسنة يمكن استخدامهم دون علمهم لإيذاء الشعب الروسي. وعليه، لا بد من اتخاذ تدابير توضح للرأي العام أن الدولة لا تتهاون مع المسائل التي يمكن أن تشكل خطرًا على حياة الناس، لا سيما أن الحادث الأخير رفع من منسوب النظرة السلبية داخل المجتمع تجاه المهاجرين.

ويتوقع المتحدث أن تشمل الإجراءات الجديدة تقييد دخول المهاجرين إلى روسيا، والترحيل بسبب "أدنى مخالفة" وإدخال التحكم والمراقبة الرقمية، مستدركًا بأن ضمان أمن البلاد يجب ألا يحدث هزة في الاقتصاد.

وعلى الرغم من أن أعداد المهاجرين إلى روسيا ارتفعت بشكل كبير مقارنة بفترة القيود الوبائية، إلا أنه لم تعد إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد.

إضافة لذلك، لا توجد تقديرات موحدة حول حجم المهاجرين في سوق العمل الروسي. فبيانات وزارة الداخلية حول عدد عقود العمل مع الأجانب تشير إلى نحو 3 ملايين لعام 2023. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد القوى العاملة في روسيا ككل يقارب 75 مليون شخص، فستكون حصة الأجانب منها أقل من 7%.

ورغم أنه من المستحيل الحديث عن اعتماد الاقتصاد الروسي على المهاجرين، لكن هناك حاجة إليهم، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، الذي يحذر من أن منع دخول مهاجرين جدد إلى البلاد، أو تقليص الموجودين فعليًا، قد يؤدي إلى ارتدادات سلبية على الاقتصاد.

ويشير كذلك إلى غياب عامل المنافسة من قبل المهاجرين للعمالة المحلية بسبب انخفاض معدلات البطالة، فضلًا عن محدودية القطاعات التي عادة ما يعمل فيها المهاجرون من آسيا الوسطى وتكاد تنحصر في المهن البسيطة ومتدنية الدخل.

المهاجرون في روسيا يعملون غالبا بالمهن البسيطة متدنية الدخل (رويترز) امتصاص غضب

وبرأي لاشون، فإن الدولة في كافة الأحوال معنية في ظل الأجواء الحالية بإظهار نوع من التحرك أمام موجة الغضب داخل المجتمع بعد أحداث "كروكوس"، وفي نفس الوقت أمام ارتفاع معدلات الإجرام المتزايد للمهاجرين، وعودة موضوع جدوى العمالة الأجنبية إلى دائرة الضوء.

وأشار إلى أن التقييمات الأكاديمية تؤكد أن النسبة الأكبر من المهاجرين من ذوي المهارات المنخفضة الذين لا يعرفون الروسية جيدًا، وليس لديهم الدافع للاندماج الثقافي مع المجتمع الروسي.

إضافة لذلك، يعتبر المتحدث أن أية إجراءات ذات طابع أمني من غير المتوقع أن تحد من الهجمات الإرهابية، لأنها حدثت في السابق عندما لم تكن الهجرة إلى روسيا تشكل ظاهرة ملحوظة كما هو الحال الآن.

ويتابع بأن اتجاهات الحركة الطبيعية لسكان روسيا وبنيتها العمرية قد تحول العامل الديموغرافي إلى مشكلة خطيرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

وحسب رأيه، فإن الهجرة إلى روسيا لم تعوض الفراغ الذي سببته الهجرة الجماعية من هذا البلد والتي شملت إلى حد كبير أشخاصا ذوي مستوى عالٍ من التعليم، غادروا روسيا بسبب التعبئة العسكرية أو عدم القدرة على العمل بسبب العقوبات أو انتقال الشركات الدولية والأجنبية إلى بلدان أخرى مع موظفيها الروس، والتي تشير تقديرات إلى أن عددهم يصل إلى مليون شخص.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات إلى روسیا

إقرأ أيضاً:

روسيا تسيطر على بلدتين أوكرانيتين ورئيس وزراء سلوفاكيا يزور موسكو

أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها سيطرت على بلدتين إحداهما في منطقة خاركيف والأخرى بمنطقة دونيتسك في أوكرانيا، في حين أجرى الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين محادثات مع رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو، أثناء زيارة لموسكو لم يعلن عنها مسبقا.

وقالت الوزارة في بيان -أمس الأحد- إن القوات الروسية سيطرت على بلدة لوزوفا القريبة من بلدة كوبيانسك شمالي منطقة دونيتسك، مع استمرار الضغط الروسي في الأسابيع القليلة الماضية على بلدات وقرى بالمنطقة، كما استولت القوات الروسية على قرية سونتسيفكا شمالي كوراخوف.

وكثفت موسكو في الأيام الماضية محاولاتها للسيطرة على مدينتين في منطقة دونيتسك، كما حققت قواتها تقدما مطردا في منطقة دونيتسك، وتتحرك نحو بلدات بوكروفسك، التي تمثل مركزا لوجيستيا وموقعا لمنجم مهم للفحم، وتقترب على ما يبدو من كوراخوف.

ولم تشر هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني إلى سقوط قرى جديدة في أيدي الروس، لكنها قالت إن قرية سونتسيفكا كانت في قطاع تعرض إلى 26 هجوما روسيا خلال الساعات الـ24 الماضية.

كما ذكرت هيئة الأركان العامة أن قتالا عنيفا وقع بالقرب من بوكروفسك، مع 34 محاولة روسية لاختراق الدفاعات الأوكرانية.

إعلان بوتين يتوعد كييف

وأمس الأحد، توعد بوتين بإلحاق مزيد من "الدمار" بأوكرانيا عقب هجوم بطائرات مسيّرة طال برجا سكنيا شاهقا بمدينة قازان الواقعة على بُعد نحو ألف كيلومتر من الحدود الروسية الأوكرانية.

وقال بوتين -في كلمة متلفزة- "أيا كان ومهما حاولوا التدمير، سيواجهون دمارا مضاعفا، وسيندمون على ما يحاولون القيام به في بلادنا".

واتهمت موسكو كييف بالوقوف خلف هجوم السبت الذي أصاب مبنى شاهقا في قازان. وأظهرت لقطات فيديو، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، مسيّرة واحدة على الأقل ترتطم بالمبنى الزجاجي الفخم، مما تسبب باندلاع كرة لهب ضخمة، دون أن تعلن السلطات عن سقوط ضحايا.

يشار إلى أن استهداف مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان الغنية بالنفط، يعد تطورا لافتا بسبب بعدها الكبير عن الحدود الأوكرانية.

ويشير الهجوم الأوكراني إلى تصاعد الصراع خارج نطاق الجبهات التقليدية، حيث تُظهر كييف استعدادها لاستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.

وكان الجيش الأوكراني أعلن أمس الأحد أن دفاعاته الجوية تمكنت من إسقاط 52 طائرة مسيّرة من أصل 103 أطلقتها روسيا الليلة الماضية، وتسببت في أضرار بمنشآت ومبان سكنية بمناطق خيرسون وميكولايف وتشرنيهو وسومي وزهيتومير والعاصمة كييف.

وأضاف الجيش الأوكراني -عبر تطبيق تليغرام- أنه فقد أثر 44 طائرة مسيّرة وأن طائرة واحدة غادرت المجال الجوي الأوكراني إلى روسيا البيضاء، فيما ضرب حطام إحدى المسيّرات التي جرى إسقاطها سطح مبنى متعدد الطوابق في كييف مما تسبب في اندلاع حريق.

زيارة مفاجئة

من ناحية أخرى، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -أمس الأحد- محادثات في الكرملين مع رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو الذي يعد من القادة الأوروبيين القلائل الذين حافظوا على علاقة ودية مع الزعيم الروسي بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.

إعلان

وظهر الرئيسان في لقطات مصورة وهما يبتسمان ويتصافحان بعد ساعات قليلة على توعد بوتين لأوكرانيا بردود قاسية ردا على الهجوم الأوكراني بالمسيّرة الذي استهدف مدينة قازان الروسية التي تبعد ألف كيلومتر عن الحدود الأوكرانية.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ردا على سؤال صحفي إن زيارة رئيس الوزراء السلوفاكي، التي لم يعلن عنها رسميا، كانت مبرمجة منذ بضعة أيام.

ونقلت وكالة تاس الروسية عن بيسكوف قوله لاحقا إن اللقاء انتهى، وإن الأطراف لن تصدر إعلانا مشتركا بشأنه.

وكان بيسكوف أشار إلى احتمال أن تتطرق المحادثات إلى مسألة ضخ الغاز الروسي عبر خطوط أنابيب أوكرانية.

مقالات مشابهة

  • زيارة مثيرة لمسؤول أوروبي إلى موسكو.. فيتسو يناقش مع بوتين إمداد الغاز الروسي وأزمة أوكرانيا
  • روسيا تسيطر على بلدتين أوكرانيتين ورئيس وزراء سلوفاكيا يزور موسكو
  • أستاذ علوم سياسية: هناك تضخم في الاقتصاد الروسي لكن موسكو تعتمد على التصنيع
  • ميلوني: التهديد الروسي "أكبر مما نتصور"
  • سفارة روسيا في لشبونة: الأضرار التي لحقت بالسفارة البرتغالية في كييف كانت بسبب قوات الدفاع الجوي الأوكرانية
  • بورصة موسكو تحلّق بعد قرار المركزي الروسي
  • مطار قازان الروسي يعلق رحلاته بسبب هجوم أوكراني بطائرات مسيرة
  • موسكو: مبعوث ترامب لم يتواصل بعد مع روسيا بشأن تسوية النزاع في أوكرانيا
  • "محاكمة مفتوحة لسالڤيني.. هل يواجه 6 سنوات سجناً بسبب رفضه إنزال المهاجرين؟"
  • موسكو: الناتو يستعد للحرب مع روسيا