سوريا – وسط مدينة حلب ينتظر الموظف الحكومي محمود الحلبي (اسم مستعار) قدوم دوره داخل أحد مكاتب الحوالات المالية، من أجل استلام مبلغ 200 دولار أرسلها له شقيقه المغترب في السويد، كمساعدة لتأمين مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر.

ويؤكد الحلبي أن المبالغ المالية التي يرسلها شقيقه بين الحين والآخر تمثل له شريان حياة رئيسي، يمكّنه من تأمين نفقات الحياة اليومية المكلفة، لا سيما أن راتبه الشهري البالغ 275 ألف ليرة سورية (قرابة 20 دولارا) لا يكفيه مصروف أسبوع في أحسن الأحوال.

ويقول للجزيرة نت إنه يعتزم شراء مستلزمات مائدة إفطار رمضان الضرورية، التي بات شراؤها يكلف المواطن السوري كامل راتبه الشهري، على وقع ارتفاع الأسعار المستمر وفقدان الليرة السورية المزيد من قيمتها.

ويشير الحلبي إلى أن حالته هي وضع عام سائد، إذ إن العديد من أقاربه وأصدقائه أصبحوا يعتمدون بشكل أساسي على الحوالات المالية القادمة من المغتربين السوريين في أنحاء العالم، بعد أن أجبرت الحرب الملايين منهم على الهجرة خارج البلاد.

ومنذ بداية شهر رمضان تتضاعف الحوالات المالية القادمة للسوريين، مع ازدياد إنفاق الأُسر على الطعام والشراب، فضلا عن شراء بعض الأهالي ملابس العيد للأطفال على وجه الخصوص.

وقال مالك محل صرافة غير مرخص (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) إن الحوالات المالية التي تصل عبر مكتبه من خارج البلاد إلى الداخل السوري تضاعفت إلى أكثر من النصف منذ بداية رمضان، مرجحا استمرار تدفق الحوالات بالزخم ذاته مع اقتراب عيد الفطر.

وأوضح في حديث للجزيرة نت أن غالبية الحوالات القادمة إلى سوريا تأتي من دول تركيا وألمانيا والنرويج والإمارات وقطر، مشيرا إلى أن غالبية مستلميها هم من المسنين وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين في القطاعين العام والخاص.

ولفت صاحب محل الصرافة إلى أن الحوالات التي تصل إلى مناطق سيطرة الحكومة ويتم تسليمها بالليرة السورية، وفق سعر الصرف اليومي، بسبب القرارات التي تجرّم التعامل بغير الليرة السورية، وتحيل المتعاملين بغيرها إلى القضاء وتفرض عليهم دفع غرامات مالية.

ولا توجد أرقام دقيقة لحجم الحوالات المالية التي تصل إلى سوريا عبر الأفراد والجمعيات الإنسانية. وكانت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي قد قدرت في وقت سابق أن إجمالي الحوالات اليومية الواردة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تصل لنحو 6 ملايين دولار.

وبحسب حديث عاصي لإذاعة محلية، فإن قيمة ما يصل سنويا يعادل ملياري دولار سنويا، واصفة عملية رفع مصرف سوريا المركزي لسعر صرف الحوالات بأنه “خطوة سليمة على الطريق الصحيح”.

لكن المحلل الاقتصادي يونس الكريم رأى أن هناك انخفاضا في الحوالات الشخصية التي تصل إلى سوريا قياسا بالسنوات السابقة لجملة أسباب، من أهمها حصر تسليمها عبر مصرف سوريا المركزي، وحالة التضخم العالمي وانهيار القدرة الشرائية وتقلب أوضاع اللاجئين عموما، ورجح أنها لم تعد تتجاوز 300 ألف دولار يوميا.

وقال الكريم -في حديث للجزيرة نت- إن حكومة النظام كانت تغطي عبر الحوالات المالية الواردة إلى سوريا، سابقا نحو 50% من قيمة فاتورة الاستيراد، حيث ينعكس هذا النقص على المواطنين بفقدان السلع وارتفاع أسعار السلع البديلة في الأسواق.

وأشار إلى تراجع في قيمة حوالات الأشخاص القادمة إلى العائلات في سوريا، موضحا أنها انخفضت من 200 أو 300 دولار، إلى 150 دولارا، فيما توقف البعض عن إرسال تلك الحوالات.

وأكد المحلل الاقتصادي أن مواقع إعلامية بالغت في تقدير حجم الحوالات المالية التي تصل إلى سوريا خلال شهر رمضان الحالي، لافتا إلى أن النظام مستمر بالتضييق الأمني على شركات الصرافة في السوق السوداء، وملاحقة أصحاب الحوالات وتحديد سقف الأموال التي تزيد على 5 ملايين ليرة رغم أنه مبلغ ضئيل.

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكدت أن ما يقدر بنحو 90% من السكان في سوريا يعيشون حالة من الفقر، وأن 12.9 مليون شخص يعانون مشكلة انعدام الأمن الغذائي.

وبحسب بيان للمنظمة الأممية في الذكرى الأولى على الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في السادس من فبراير/شباط 2023، فإن 7.2 ملايين شخص من النازحين داخليا، و16.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة.

  المصدر : الجزيرة نت

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

عقبات في طريق النزوح العكسي لآلاف السوريين من لبنان

دمشق- "كانت غصة وشعورا مؤلما للغاية أن تجبرني دولتي على استدانة مبلغ 400 دولار لأتمكن وأسرتي من عبور حدودها في ظل ظرف قاهر واستثنائي كالذي واجهناه في لبنان، بينما تسمح للإخوة اللبنانيين بالعبور دون دفع أي رسوم".

بهذه العبارة يصف حاله أحمد.ح (29 عاما) وهو عامل بناء سوري نازح من لبنان إلى ريف دمشق مؤخرا، وذلك عندما علم أن قرار تصريف 100 دولار على الحدود السورية ما يزال معمولا به رغم "الظرف القاهر" وحركة النزوح الجماعي الكبيرة للسوريين على خلفية التصعيد الإسرائيلي في لبنان.

ويضيف للجزيرة نت "بدلا من التركيز على حزم الأمتعة والتجهيز للعودة إلى سوريا، كان عليّ التفكير بمصدر لاستدانة المبلغ ريثما أصل إليها وأعيد تحويله إليه. ولو لم يوفر لي أخي المبلغ دينا من صديقه في لبنان لكنت بقيت عالقا وعائلتي هناك إلى الآن".

نازحون سوريون على جانب الحدود مع لبنان (مواقع التواصل) عقبات

وإلى جانب أسرة أحمد، لجأت العديد من العائلات السورية -بحسب شهادات للجزيرة نت- إلى استدانة مبالغ مالية بالدولار لتصريفها على الحدود السورية كرسوم عبور، لتشكل عقبة مضافة في رحلة نزوحهم العكسي إلى بلادهم. بينما اضطرت عائلات أخرى إلى انتظار يوم أو أكثر على الحدود لعدم امتلاكها المبلغ، وهو ما أثار موجة سخط واسعة من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأصدرت الحكومة الجديدة للنظام السوري، الأحد، قرارا علقت بموجبه العمل بقرار تصريف مبلغ 100 دولار لمدة أسبوع، والذي كان يشمل كل السوريين الداخلين إلى مناطق سيطرته ممن هم في سن 18 عاما فأعلى.

وتستمر حركة النزوح للآلاف منذ الاثنين الماضي، ليبلغ عدد الواصلين منهم إلى الأراضي السورية حتى أول أمس 95 ألفا و516 مواطنا، وذلك بحسب بيان للمكتب التنفيذي في محافظة ريف دمشق.

وأشار مصدر مطلع بالهلال الأحمر السوري -فضّل عدم ذكر اسمه- إلى أن معظم الموجودين بمراكز الإيواء، التي أعلنت عن تجهيزها الجهات الرسمية في حمص ودمشق وطرطوس، من السوريين. وأضاف للجزيرة نت أن معظم المراكز تتوفر فيها الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء، وتقوم الجمعيات الخيرية والمجموعات الأهلية -بالتنسيق مع الحكومة- بتقديم وجبات من الطعام وبعض المستلزمات الضرورية من منظفات وأغطية وفرشات للنوم للنازحين.

واضطرت عائلات أخرى للعودة إلى شققها ومنازلها المتضررة وشبه المهدمة في المناطق التي نزحوا منها إلى لبنان قبل سنوات في حمص وريف دمشق، بالرغم من دمار البنية التحتية وغياب الخدمات الرئيسية.

كابوس

تقول للجزيرة نت خديجة.ص (46 عاما) أرملة ونازحة سورية من لبنان إلى مدينة المليحة بريف دمشق "هناك ازدحام كبير في مراكز الإيواء، والناس فوق بعضها ويكاد لا يستطيع الشخص النوم ليلا من الضجة والحركة الدائمتين، وليست هناك خصوصية لا في الغرف ولا الحمامات" مما دفعها وأولادها الثلاثة إلى العودة إلى منزلهم بالمدينة رغم صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية نظرا لبُعد الأسواق، وضعف حركة النقل العام في المنطقة.

وعن ما عاشته في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، تقول خديجة "كان كابوسا، لقد نزحنا قبل سنوات تحت وابل القصف والقنابل وارتضينا حياة القلة والفقر هناك، واستيقظنا هناك قبل أيام لنجد أنفسنا في الموقف ذاته، وأنه علينا النزوح مجددا إلى سوريا. فإلى أين نذهب حتى لا تكون حياتنا عرضة للخطر؟".

وعلى الجهة الأخرى، يضطر بعض السوريين النازحين والمقيمين في لبنان سواء كانوا من الشباب "المتخلّفين" عن أداء الخدمة العسكرية، أو من المطلوبين للأفرع الأمنية بموجب مذكرة بحث، إلى الدخول إلى الأراضي السورية بصورة غير نظامية وعبر التهريب.

وبالإضافة إلى ارتفاع تكلفة التهريب بنحو ضعفي ما كانت عليه قبل التصعيد الإسرائيلي في لبنان، ثمة تعقيدات يواجهها النازحون خلال الطريق نظرا للتشديد الأمني من جهة الحدود السورية.

خوف

يقول بشير (24 عاما) -وهو مصمم جرافيك مطلوب للخدمة العسكرية وعائد مؤخرا من لبنان إلى مدينته حماة– إن المهرّب الذي أشرف على رحلة عودته إلى سوريا جعل السائق يسلك طرقات وعرة وجديدة، وكلفته الرحلة 230 دولارا بدلا من 120 دولارا قبل التصعيد، واستغرقت الرحلة 4 ساعات، في حين أنها لا تستغرق عادة أكثر من ساعة واحدة.

ويضيف للجزيرة نت "شعرت بخوف شديد عندما اقتربنا من الحدود، خوف من أن أخرج من قاع لأسقط في آخر، فلا أريد أن أنجو من القصف لأقع في قبضة النظام وجيشه".

وأشار إلى أن معظم أصدقائه ومعارفه السوريين في لبنان مطلوبون للخدمة العسكرية أو لأحد الأجهزة الأمنية، وقد فضلوا إرسال زوجاتهم وأبنائهم ليبقوا هم في لبنان. وقال إن التهريب متوقف حاليا نظرا للقصف المستمر للجيش الإسرائيلي على مواقع ومعابر غير رسمية بين البلدين.

وكشف نازحون سوريون عن ارتفاع سعر تعريفة الركوب للشخص الواحد في سيارة النقل من لبنان إلى سوريا، عبر المعابر الحدودية الرسمية بين البلدين، إلى 150 دولارا، بدلا من 50 أو 100 دولار حسب وجهة الراكب في سوريا قبل التصعيد.

وأكد المصدر المطّلع نفسه -للجزيرة نت- صحة ما تداولته وسائل الإعلام المحلية حول سماح النظام السوري، منذ السبت الماضي، بدخول المطلوبين لأداء الخدمة الإلزامية إلى البلاد عبر المعابر الرسمية دون الخضوع إلى تسوية على الحدود، نظرا للازدحام والضغط الحاصل على المعابر الحدودية من الطرف السوري.

وبدلا من ذلك يتم منحهم أوراقا لمراجعة شُعَب التجنيد الخاصة بهم شرط ألا يكونوا مطلوبين لجهات أخرى. وتعتبر الورقة صالحة لمدة شهرين منذ لحظة استلامها.

وبحسب تقديرات الحكومة اللبنانية، فإن عدد اللاجئين السوريين يبلغ 1.5 مليون لاجئ. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 90% منهم في حالة من الفقر المدقع، بينما تبرز البقاع على أنها المنطقة الأعلى كثافة باللاجئين السوريين.

مقالات مشابهة

  • بنك عدن يسهّل تحويلات المغتربين اليمنيين من السعودية عبر بن يعلا للصرافة
  • الصدر يفتح مضيف ال صدر لخدمة السوريين واللبنانيين
  • ماذا بعد تعليق نظام الأسد ضريبة 100 دولار على عودة السوريين؟
  • تحقيقات سلطة دبي للخدمات المالية تكشف قيام شركة أو سي إس إنترناشيونال فاينانس ليمتد بسوء إدارة ما يبلغ ستة وأربعون مليون دولار أمريكي من أموال العملاء وينتج عنها تغريم الشركة ورئيسها التنفيذي
  • بنك يمني يطلق خدمة جديدة لتسهيل تحويلات المغتربين اليمنيين
  • نجاة عضو بمجلس ذي قار وإصابة زوجها بانفجار في الناصرية
  • ارتفاع اسعار الذهب في سوريا اليوم الاربعاء 2-10-2024 –غرام الذهب اليوم في سوريا عيار 21
  • عقبات في طريق النزوح العكسي لآلاف السوريين من لبنان
  • المالية السعودية تكشف ملامح ميزانية 2025
  • مصادر بالجيش السوري: إسرائيل أسقطت عشرات الصواريخ الإيرانية التي حلقت فوق سوريا