حوالات المغتربين طوق نجاة السوريين في رمضان والعيد
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
سوريا – وسط مدينة حلب ينتظر الموظف الحكومي محمود الحلبي (اسم مستعار) قدوم دوره داخل أحد مكاتب الحوالات المالية، من أجل استلام مبلغ 200 دولار أرسلها له شقيقه المغترب في السويد، كمساعدة لتأمين مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر.
ويؤكد الحلبي أن المبالغ المالية التي يرسلها شقيقه بين الحين والآخر تمثل له شريان حياة رئيسي، يمكّنه من تأمين نفقات الحياة اليومية المكلفة، لا سيما أن راتبه الشهري البالغ 275 ألف ليرة سورية (قرابة 20 دولارا) لا يكفيه مصروف أسبوع في أحسن الأحوال.
ويقول للجزيرة نت إنه يعتزم شراء مستلزمات مائدة إفطار رمضان الضرورية، التي بات شراؤها يكلف المواطن السوري كامل راتبه الشهري، على وقع ارتفاع الأسعار المستمر وفقدان الليرة السورية المزيد من قيمتها.
ويشير الحلبي إلى أن حالته هي وضع عام سائد، إذ إن العديد من أقاربه وأصدقائه أصبحوا يعتمدون بشكل أساسي على الحوالات المالية القادمة من المغتربين السوريين في أنحاء العالم، بعد أن أجبرت الحرب الملايين منهم على الهجرة خارج البلاد.
ومنذ بداية شهر رمضان تتضاعف الحوالات المالية القادمة للسوريين، مع ازدياد إنفاق الأُسر على الطعام والشراب، فضلا عن شراء بعض الأهالي ملابس العيد للأطفال على وجه الخصوص.
وقال مالك محل صرافة غير مرخص (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) إن الحوالات المالية التي تصل عبر مكتبه من خارج البلاد إلى الداخل السوري تضاعفت إلى أكثر من النصف منذ بداية رمضان، مرجحا استمرار تدفق الحوالات بالزخم ذاته مع اقتراب عيد الفطر.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن غالبية الحوالات القادمة إلى سوريا تأتي من دول تركيا وألمانيا والنرويج والإمارات وقطر، مشيرا إلى أن غالبية مستلميها هم من المسنين وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين في القطاعين العام والخاص.
ولفت صاحب محل الصرافة إلى أن الحوالات التي تصل إلى مناطق سيطرة الحكومة ويتم تسليمها بالليرة السورية، وفق سعر الصرف اليومي، بسبب القرارات التي تجرّم التعامل بغير الليرة السورية، وتحيل المتعاملين بغيرها إلى القضاء وتفرض عليهم دفع غرامات مالية.
ولا توجد أرقام دقيقة لحجم الحوالات المالية التي تصل إلى سوريا عبر الأفراد والجمعيات الإنسانية. وكانت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي قد قدرت في وقت سابق أن إجمالي الحوالات اليومية الواردة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تصل لنحو 6 ملايين دولار.
وبحسب حديث عاصي لإذاعة محلية، فإن قيمة ما يصل سنويا يعادل ملياري دولار سنويا، واصفة عملية رفع مصرف سوريا المركزي لسعر صرف الحوالات بأنه “خطوة سليمة على الطريق الصحيح”.
لكن المحلل الاقتصادي يونس الكريم رأى أن هناك انخفاضا في الحوالات الشخصية التي تصل إلى سوريا قياسا بالسنوات السابقة لجملة أسباب، من أهمها حصر تسليمها عبر مصرف سوريا المركزي، وحالة التضخم العالمي وانهيار القدرة الشرائية وتقلب أوضاع اللاجئين عموما، ورجح أنها لم تعد تتجاوز 300 ألف دولار يوميا.
وقال الكريم -في حديث للجزيرة نت- إن حكومة النظام كانت تغطي عبر الحوالات المالية الواردة إلى سوريا، سابقا نحو 50% من قيمة فاتورة الاستيراد، حيث ينعكس هذا النقص على المواطنين بفقدان السلع وارتفاع أسعار السلع البديلة في الأسواق.
وأشار إلى تراجع في قيمة حوالات الأشخاص القادمة إلى العائلات في سوريا، موضحا أنها انخفضت من 200 أو 300 دولار، إلى 150 دولارا، فيما توقف البعض عن إرسال تلك الحوالات.
وأكد المحلل الاقتصادي أن مواقع إعلامية بالغت في تقدير حجم الحوالات المالية التي تصل إلى سوريا خلال شهر رمضان الحالي، لافتا إلى أن النظام مستمر بالتضييق الأمني على شركات الصرافة في السوق السوداء، وملاحقة أصحاب الحوالات وتحديد سقف الأموال التي تزيد على 5 ملايين ليرة رغم أنه مبلغ ضئيل.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكدت أن ما يقدر بنحو 90% من السكان في سوريا يعيشون حالة من الفقر، وأن 12.9 مليون شخص يعانون مشكلة انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب بيان للمنظمة الأممية في الذكرى الأولى على الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في السادس من فبراير/شباط 2023، فإن 7.2 ملايين شخص من النازحين داخليا، و16.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة.
المصدر : الجزيرة نتالمصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
التفاوض الجماعي.. طوق نجاة للصحافة العربية
لا أعرف على وجه اليقين ما إذا كان علينا المهمومين بحاضر الصحافة ومستقبلها أن نفرح أم نحزن ونحن نطالع تقرير معهد رويترز لدراسات الصحافة لعام 2025 الذي صدر منذ أيام قليلة، ويحمل من الآمال والبشريات بقدر ما يحمل من القلق والإحباط حول مستقبل الصحافة.
التقرير الذي استند إلى «استطلاع واسع النطاق شمل 326 من قادة الأخبار في51 دولة، ويستكشف أحدث التطورات في الصحافة وأولويات العام المقبل، خلص إلى استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجهها صناعة الصحافة في العالم، والتي ضاعفت من حدتها منصات الذكاء الاصطناعي التي وصفها التقرير بـ «الجشعة».
الأمر المؤكد الذي يجب أن يعيه الصحفيون في كل أنحاء العالم أن كل المنصات الصحفية سواء التقليدية منها أو الجديدة ما زالت تنزف من الجراح الكثيرة التي أصيبت بها من كل تطور تقني ظهر خلال السنوات الماضية، وآخرها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد تحتاج إلى غرف إنعاش عالمية في كل دولة يتم وضعها فيها على أجهزة تنفس صناعي لإطالة عمرها بضع سنوات أخرى، خاصة بعد التغيرات التي أحدثتها هذه التقنيات والشركات العملاقة التي تقف وراءها، والتي حرمت أو كادت المنصات الصحفية والإعلامية حتى من مرور أعداد كبيرة من المستخدمين على مواقعها والاستفادة من ذلك إعلانيا.
لا أريد أن أكون في صف المتشائمين، خاصة وأنا أنتمي إلى هذه المهنة العظيمة التي تعلمنا أنها رسالة في المقام الأول وليست مجرد عمل تقليدي روتيني. ومع ذلك فمن الأمانة أن أعترف أن الثقة في مستقبل الصحافة كما عرفناها تتآكل بشكل كبير عاما بعد عام، مثلما تتآكل الثقة الجماهيرية في الصحافة نفسها لحساب وسائط جديدة تتغذى وتكبر وتتضخم على ما ينتجه الصحفيون من أخبار، ومعلومات، ومعارف.
المؤشرات التي تضمنها تقرير رويترز تشير إلى التراجع ليس فقط على صعيد الواردات والدعم المالي وخسارة الجمهور ولكن أيضا على صعيد التأثير الذي كانت تتمتع به الصحف والمواقع الإخبارية والمحطات التلفزيونية والإذاعية، بعد أن سحبت منصات التواصل الاجتماعي البساط من تحت أقدامها، والدليل على ذلك أن المرشحين في الانتخابات في مختلف دول العالم استبدلوا استخدام هذه المنصات باستخدام وسائل الإعلام لتمرير رسائلهم وإدارة حملاتهم الانتخابية، مثلما حدث في الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتي أكد نجاح «ترامب» فيها أن تأثير وسائل الإعلام، التي كانت الغالبية العظمى منها ضد إعادة انتخابه، أصبح محدودا للغاية، وكان السبب الرئيس في فقد شبكة «سي إن إن» نحو ثلث جمهورها منذ هذه الانتخابات.
يبدو الأمر محسوما لغير صالح الصحافة الورقية والإلكترونية والمنصات الاجتماعية التي تستخدمها للوصول إلى الجمهور، في ظل تزايد لجوء الجمهور إلى مواقع الذكاء الاصطناعي للحصول على الملخصات الإخبارية دون المرور بمواقع الصحف وحساباتها، وهو ما ينعكس سلبا على دخل وسائل الإعلام من الإعلانات التقليدية والإلكترونية، ويبدو الأمر محسوما أيضا فيما يتصل بالخفض المستمر للوظائف الإعلامية في كل الوسائل والمنصات تقريبا، وتكفي هنا الإشارة إلى أن الصحفيين فقدوا نحو 2500 وظيفة في الأسواق الإعلامية الرئيسية خلال عام 2024 وشمل هذا الفقد مؤسسات صحفية وتلفزيونية كبيرة وراسخة، مثل «وول ستريت جورنال» و«فوكس» في الولايات المتحدة، و«الجارديان»، و«ديلي ميل» في المملكة المتحدة.
وتواجه الأخبار التلفزيونية عامًا من تقليص حجمها حول العالم مع تحول اهتمام الجمهور إلى منصات البث التلفزيوني المدفوعة.
في ظل التشاؤم بمستقبل الصحافة يبقى هناك ضوء في نهاية النفق المظلم. فوفقا للتقرير، ما زال نحو41% من الناشرين يثقون بقدرة مؤسساتهم الإعلامية على البقاء والاستمرار. ولعل ما يبعث على التفاؤل توجه الشركات الكبرى التي تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي على عقد اتفاقيات مع وسائل الإعلام المهمة لاستخدام محتواها في عمليات البحث وتقديم الإجابات عن أسئلة المستخدمين. ففي العام الماضي وقعت شركة «اوبن آي» المالكة لـ «شات جي بي تي» اتفاقية ترخيص بقيمة ربع مليار دولار مع «نيوز كوربريشين» المالكة لصحف «وول ستريت جورنال»، و«نيويورك بوست»، و«التايمز»، و«ذا صن» لاستخدام منتجاتها الصحفية في تقديم ملخصات إخبارية موثقة للمستخدمين. وقد سارت على النهج نفسه صحف أخرى مثل «فايننشال تايمز»، و«لوموند»، ووكالة أنباء «رويترز» ووكالة أنباء «اسوشيتد برس» الأمريكية. وتحاول شركات أخرى مثل «أبل»، و«أمازون» إبرام صفقات مماثلة مع ناشري الصحف لنفس الغرض.
إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: أين صحافتنا العربية من هذه التطورات الدراماتيكية في المشهد الإعلامي الدولي؟ وهل تستطيع أن تفرض على شركات الذكاء الاصطناعي أن تعاملها كما تعامل المؤسسات الإعلامية الغربية؟
لقد أصبح تغيير النموذج الاقتصادي للصحافة العربية الذي يعتمد على المصادر التقليدية للدخل مثل البيع المباشر، والاشتراكات، والإعلان بالإضافة إلى الدعم الحكومي، أمرا حتميا إذا أرادت أن تبقى في المستقبل.
لقد نجحت صحف كثيرة بإجبار شركات التكنولوجيا العملاقة خاصة شركات محركات البحث والذكاء الاصطناعي على مشاركتها في الأرباح الطائلة التي تجنيها بفضل ما تجمعه هذه الصحف من أخبار ومعلومات. وعلى المنوال نفسه تستطيع وسائل الإعلام العربية إن أرادت أن تتفاوض بشكل جماعي مع هذه الشركات لمنحها نسبة من عائدات استخدام المحتوى العربي الذي يظهر ضمن محركات البحث أو في محركات برامج الذكاء الاصطناعي.
على وسائل الإعلام العربية الإخبارية وغير الإخبارية أن تنضم إلى الجهود العالمية التي تسعى للضغط على هذه الشركات للحصول على نصيب عادل من الأموال الضخمة التي تجنيها من وراء استخدام محتواها. لا نطالب بأن تكون هذه التعويضات مماثلة للتعويضات التي تمنحها لوسائل الإعلام الغربية، لكن المبدأ نفسه يجب أن يتم تبنيه وتفعيله خاصة بالنسبة لوسائل الإعلام، ليس في العالم العربي فقط، ولكن في العالم الثالث بوجه عام. إن الوصول إلى اتفاقات ترخيص مع الشركات العملاقة يحقق العدالة للطرفين ويؤدى إلى انتعاش العمل الإعلامي ويحافظ على المهنة الصحفية.
كل ما نحتاجه أن نبادر دون تأخير إلى مخاطبة تلك الشركات وبشكل جماعي، وأن نخيرها بين التفاوض للوصول إلى اتفاق أو منعها من استخدام محتوى وسائل الإعلام العربية سواء في محركات البحث أو في برامج الذكاء الاصطناعي. وإذا كان أمر المخاطبة الجماعية صعبا فإن بعض وسائل الإعلام الكبيرة في الدول العربية يمكن أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الطريق الذي قد يكون طوق نجاة حقيقي للصحافة العربية. يكفي أن نذكر هنا أن مثل هذه الاتفاقات، التي جاءت بعد ضغوط كثيرة متبادلة، وفرت للصحف الأسترالية 200 مليون دولار سنويا من منصات التواصل الاجتماعي، لو توافر نصفها فقط للصحف ووسائل الإعلام العربية لشهدت نقلة نوعية كبيرة على جميع المستويات، وفتحت مئات الوظائف للصحفيين.