العشر الأواخر من رمضان.. كيف كان يُحيها سيدنا النبي؟
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
اختصت العشر الأواخر من شهر رمضان عن غيرها من الليالي بمزيد فضل، لأن الله سبحانه وتعالى أقسم بها في كتابه الكريم قائلًا: «والفجر وليالٍ عشر»، كما أنها تحوي ليلة القدر، وهي أفضل ليلة على الإطلاق.
وقد كان سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يُحيى العشر الأواخر من شهر رمضان ببرنامج تعبدي خاص ومكثف. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر».
كان سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، يحثّ الصحابة -رضي الله عنه- على قيام الليل، وقد حرصوا عليه، لِعلمهم بما فيه من مغفرةٍ للذنوب، ورَفْعٍ للدرجات عند الله، وتطهيرٍ للقلوب، ونَهي عن معصية الله، ونَيلٍ لعظيم المكانة في الدُّنيا والآخرة.
حثَّ الله - تعالى - على قيام الليل، واعتبرَه شَرَفاً للمؤمن، لِما فيه من تقرُّب العبد من الله -تعالى-، فتترتّب عليه الأُجور العظيمة، ويُستعان به على مواجهة مُشكلات الحياة، ويتأكَّد قيام الليل في الأوقات المُباركة، كشهر رمضان، وليلة القَدْر، وقد رغّب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في قيام رمضان كما رغّب في صيامه، فقال: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
كما صلّى سيدنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- صلاةَ قيام رمضان مع الصحابة الكرام عدّة أيّام، ثُمّ تركَها، خشية أن تُفرَض عليهم، أو خشية أن يعتقدوا أنّها لا تصحّ إلّا في المسجد، وظلَّ الناس يُصلّونها فُرادى حتى عهد عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي جمعَهم على إمامَين، وهما:
أُبيّ بن كعب، وتميم الداريّ، ويُسَنّ للمُسلمين الاجتماع لقيام الليل في المسجد، وخاصّة في شهر رمضان بعد صلاة العِشاء.
العشر الأواخر من رمضانفعل الطاعاتكان سيدنا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يزيد من فعل الطّاعات في العشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك لِما روته السيّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنه- فقالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ) والإحياء قد يُراد به اللّيل كلّه، وقد يُراد غالبه.
والمقصود «بإحياء ليله» الواردة في الحديث السّابق، الدلالة على استغراق النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- اللّيل كلّه بالصّلاة، وقد روت السّيدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- حديثاً آخر قالت فيه: (ما رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حتَّى الصَّبَاحِ، وَما صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إلَّا رَمَضَانَ).
الأعمال المستحبةويكون إحياء ليل رمضان بالإكثار من التهجّد والصّلاة، وهذه من أفضل الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
الاعتكافحرص سيدنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فقد روى ابن عمر -رضيَ الله عنه-، أن سيدنا النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كانَ يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ.
وعليه فإنّ الاعتكاف من السّنن المؤكدة التي واظب عليها سيدنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا).
وفي الاعتكاف قطع الاتّصال بالبشر ابتغاءً للاتّصال بخالق البشر، وكلما زادت المعرفة بالله -تعالى- ومحبّته والأُنس به، أحبّ الاعتكاف لخالقه العظيم والتفرّغ لعبادته.
ويصحّ الاعتكاف طوال العام، إلّا أنّه يكون آكداً في العَشر الأواخر من شهر رمضان، لأنّ فيها ليلة القَدْر، وقد صحّ عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ)، ويكون الاعتكاف واجباً في حالة النَّذْر، ويجوز بلا صوم، إلّا أنّه مع الصوم أفضل، وذلك لعظيم فَضله، وقد شرع الله -تعالى- الاعتكاف للأمم السابقة قبل أمّة محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
واتّفق الفُقهاء على أنّ الاعتكاف سُنّة في حقّ النساء كما هو سُنّة في حقّ الرجال، وقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ذَكَرَ أنْ يَعْتَكِفَ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ، فأذِنَ لَهَا، وسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا، فَفَعَلَتْ).
ويُشار إلى أنّ الله -تعالى- شرع الاعتكاف لغاياتٍ كثيرة، ومن ذلك: تفرُّغ القلب عن مشاغل الدُّنيا والانشغال بالخَلْق إلى الانشغال بطاعة الله -تعالى-، والأُنْس والخُلوة به، بحيث يُصبح ذِكر الله -تعالى-، وحُبّه، والتفكُّر في مرضاته من أعظم الطاعات عند المُعتكِف
الإكثار من الصدقاتاتّفق الفقهاء على أنّ أجر القيام بالطّاعات مضاعف في شهر رمضان، وبالأخص العشر الأواخر من رمضان، وذلك لوجود ليلة القدر فيها، بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها- قالت: كان رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِر، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ.
ومن الطّاعات الإكثار من الصّدقات، واستحباب الصّدقة وفضلها عظيم بشهر رمضان كلّه، لكنّها في العشر الأواخر أعظم وأفضل وأكثر أجراً.
تلاوة القرآنسمّى الله -تعالى- شهر رمضان بشهر القرآن، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).
ولذلك يجب على المسلم أن ينشغل في رمضان بالعلم وبخاصّة تلاوة القرآن الكريم، وأن يحرص على الأذكار، ففي ذلك اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان يأتيه جبريل في كلّ ليلة من ليالي رمضان يدارسه القرآن، فقد دارس جبريل -عليه السّلام- القرآن الكريم مرّتين على سيدنا النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- في رمضان من عام وفاته.
وقد روى ابن عباس -رضيَ الله عنه- فقال: (كانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ).
وكان سيدنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ القرآن الكريم، وكلّما مرّ على آيةٍ فيها رحمة يسأل الله -تعالى- الرّحمة، وكلّما مرّ على آيةٍ فيها عذاب يسأل الله -تعالى- أن يُعيذه منها.
الإكثار من دعاء الله عز وجلكان سيدنا النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يأمر أهل بيته بالدّعاء، وقد أخبر الله -تعالى- أنّه قريب من عباده يجيب دعواتهم، فقال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
كما يجب تجنّب الكثير من القول وفضول الكلام، والحرص على الكلام بخير، عملاً بقول سيدنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ).
كثرة الذِّكر والدعاءتتضاعف الأُجور في شهر رمضان، ويستجيب الله -تعالى- فيه الدُّعاء، ولهذا يُستحَبّ للمُسلم اغتنام الشهر بكثرة الدعاء، وكثرة ذِكر الله -تعالى- رجاءَ رحمته ومغفرته.
وأمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالإكثار من الدُّعاء بشكل عام، وسؤال الله -تعالى- الجنّة، والنجاة من النار بشكلٍ خاصّ، وأن يستصحب ذلك في أيّام السنة جميعها، كالذِّكر بعد الصلاة، وعند النوم، وفي الصباح والمساء، وأفضل الأذكار هي الباقيات الصالحات الواردة في قوله -تعالى-: (والباقيات الصالحات) وهُنّ:
"سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله"، وتُعَدّ ليلة القَدْر من الأوقات التي يستجيبُ الله -تعالى- فيها الدُّعاء، وقد سألت عائشة -رضي الله عنها- النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- ماذا تقول في ليلة القَدْر إن هيَ أدركتها، فقال:
(قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي)، ويكون الدُّعاءُ مُستجاباً حال الصيام، وعند الإفطار منه، ولهذا يُسَنّ الإكثار منه.
الصدقةتُستحَبّ الصدقة في أيّام شهر رمضان جميعها، إلّا أنّها آكد وأفضل ما تكون في العَشر الأواخر منه، وهي مُفضَّلةٌ على ما قَبلها من الأيّام والإكثار من الصدقة إنّما هو اتِّباعٌ لقوله -تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). ذلك أنّ العمل الصالح فيها أفضل من العمل الصالح في ألف شهر ممّا سواها -كما ذُكِر سابقاً-، فيُسَنّ استغلال هذا الأجر الكبير بالإكثار من الصدقة، والإحسان إلى الآخرين.
اقرأ أيضاًالفرق بين زكاة الفطر والصدقة في شهر رمضان
اليوم 20 رمضان 2024.. موعد أذان الفجر والمغرب ومواعيد الإمساك ومواقيت الصلاة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الصدقة أعمال ليلة القدر العشر الأواخر من شهر رمضان العشر الأواخر من رمضان علیه الصلاة والسلام ل ى الله علیه وسل م فی العشر الأواخر سیدنا رسول الله کان سیدنا النبی رضی الله عنها فی شهر رمضان رضی الله عنه ه علیه وسل م لیلة الق د ر قیام اللیل فی الع ش الس لام ر م ض ان الع ش ر ل ى الل من الص ر الأو
إقرأ أيضاً:
أنها الرحلة الأعظم فى الوجود
أحتفل العالم الاسلامى بأعظم رحلة تمت فى الوجود وهى بكل فخر أعظم معجزة حدثت لسيد الخلق سيدنا وتاج الرؤوس الرسول محمد ابن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام وهى رحلة الإسراء والمعراج، لقد أهدى العلى القدير للحبيب الذى اصطفاه على العالمين فخص بها نبيه ورسوله عليه الصلاة والسلام، ليثبت بها فؤاده فهى ليلة حدثت فيها معجزات لا تخطر على قلب أو عقل بشر، ففى ليلة الاسراء شق فيها صدره الشريفة تلك الرحلة التى من الله تعالى بها على حبيبه ورسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بعد أن توفيت زوجته السيدة خديجة أم المؤمنين، وفى نفس العام توفى أيضا عمه وسنده أبو طالب، ليضيف له حزنا على حزنه لفقده أعظم سندين له فى أحلك الأوقات، فأطلق على ذلك العام عام الحزن، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمنح رسوله منحة يتعجب منها الجميع على مر العصور، فتم تهيئته جسمانيا ونفسيا وشق صدره ليتهيأ لتلك الرحلة التى أراد الله أن يخص بها حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، فإذا شاء الله فلا راد لمشيئته سبحانه وتعالى، فهو القادر الذى لايعجزه شىء، فهو من رفع إليه عيسى وإدريس، فما بالنا بمن اصطفاه وفضله على العالمين، لتتم هذه الرحلة المباركة الطيبة وهى الإسراء والمعراج، فأتاه جبريل عليه السلام بدابة البراق التى حملته طوال رحلة الإسراء وهى رحلة أرضية تمت بقدرة الله لرسوله من مكة إلى بيت المقدس، مثلما ذكر أمام الدعاة الشيخ الشعراوى فى خواطره الإيمانية، وأوضح أيضا أن المعراج هو رحلة سماوية تمت بقدرة الله لرسوله الأمين من بيت المقدس إلى السماوات العلا ثم إلى سدرة المنتهى، فعندما صعد إلى السماوات العلا اطلع على أهل الجنة واطلع على أهل النار، وتقابل مع جميع الأنبياء وسلم عليهم وصلى بهم، وقال الله تعالى «لقد رأى من آيات ربه الكبرى»، فالله تعالى لا يترك أى صاحب هم أو صاحب قلب مكلوم ألا يلتفت إلى قلبه، فما بالنا برسول الله الذى كان يحمل هم الدنيا كلها وحمل أمانة تنوء بها الجبال، وهو من ماتت زوجته السيدة خديجة أم المؤمنين التى كان يأوى إليها عند تعبه وتؤازره وزملته وأمنت به وأعانته فى بدايات الرسالة عندما آوى إليها فى بداية استقباله للوحى، وفى نفس العام مات عمه أبو طالب الذى كان يحميه من بطش كفار قريش الذين استغلوا وفاة عمه وظلوا يطاردونه ويقذفونه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدمه الشريفة، فحزن حزنا شديدا وظل يبحث عن رجال صادقين يقفوا معه فى تبليغ الدعوة، فذهب إلى ثقيف ولكنها ردته رداً سيئا فأخذ يدعوا ربه قائلا «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس إلهى أنت رب المستضعفين أنت ربى إلى من تكلنى إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى أعوذ بنور وجهك الذى أضاءت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل على غضبك أو أن تحل بى عقوبتك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله»، لتأتى له رحلة الإسراء والمعراج تؤنسه وتسرى عنه ما ألم به من مكر وبطش الكفار، ولما لا وقد اصطفاه ربه وجعله إمام المرسلين وحبيب رب العالمين إنها معجزة ربانية أعطاها الله تعالى لرسوله الكريم ليثبت بها قلبه ونختتم بهذه الآية الكريمة من سورة الإسراء قال تعالى «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، صدق الله العظيم.