حبّ البقاء.. ناج من هجوم "كروكوس" الإرهابي يروي لحظات مثيرة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
روى ناج في الاعتداء الإرهابي على مجمع "كروكوس" لحظات مثيرة عاشها منذ بدء الإرهابيين إطلاق النار على الجمهور، وحتى تمكن مع عشرات من المحاصرين بالحريق من اختراق جدار بالمبنى والنجاة.
وحضر أوكولوف إلى الحفل في "كروكوس" مع صديقه، وكانا جالسين على مقعديهما عندما بدأ إطلاق النار من البهو.
وقال أوكولوف: "للوهلة الأولى ظننت أن إطلاق النار جزء من الموسيقى الخاصة بالحفل، لكنه استمر، وفي غضون ثوان أدركت أننا في حالة طارئة".
وأضاف: "رأيت أحد الإرهابيين كان يطلق النار بشكل عشوائي، واختبأنا جميعا بين المقاعد، ثم توقف إطلاق النار. قلت لصديقي دعنا نزحف نحو المخرج، وكان هناك الكثير من الناس يخرجون بهذه الطريقة... لم ينهض أحد منا خوفا من الرصاص، وفي تلك اللحظة بدأ الحريق في المكان".
إقرأ المزيدوتابع: "توقفنا عند المخرج وسمعنا صوت إطلاق نار خارج الباب، صعد الجميع إلى الطابق الثاني، وعندما وصلنا كانت هناك رائحة بارود قوية، استمريت بالصعود ودخلت إلى غرفة فنية فيما استمر إطلاق النار في البهو. كنت مع حوالي 15 شخصا داخل الغرفة، وبدأنا في سد باب الغرفة وتحصينه، كانت المشكلة الرئيسية في أنه لا أحد يعرف عدد الإرهابيين وكنا نخشى أن يكون هناك 20-30 إرهابيا وأن يكونوا منتشرين حول المبنى".
وأضاف: "الدخان كان يزداد تدريجيا وكان من الواضح أننا لن نستطيع الصمود طويلا لذا قررنا أن نخرج. فتحنا الباب فامتلأت الغرفة بالدخان، لم نستطع أن نرى أي شيء، نزلنا إلى الطابق السفلي ولاحظت ممرا ضيقا تجمع فيه الناس، فوقفت معهم وقررنا البقاء هناك لأن الطريق كان مسدودا ومليئا بالكراسي والحطام، وأصبح التنفس أكثر صعوبة. قال لي أحدهم دعنا ننتظر، لكن لا يمكنك الانتظار بسبب الدخان الكثيف".
وبدأ أوكولوف بعدها يبحث عن نقطة ضعف في الجدار ووجد جزءا لا يوجد فيه خرسانة، فبدأ بضربه ليتمكن من فتح ثغرة فيه.
وتابع: "أخذت كرسيا وبدأت بضرب الجدار به وانضم إلي رجال آخرون وتمكنا من فتح ثغرة في الجدار، ثم تعاون الجميع على الخروج عبر هذه الفجوة... لم يكن هناك جرحى بيننا، لكننا استنشقنا الدخان".
وأضاف: "أعطيت نفسي دقيقتين أو ثلاث دقائق، اعتقدت أنه إذا لم أخرج خلال هذا الوقت سأسقط في مكان ما مختنقا، لم أكن في حالة ذعر، كنت مركزا على ضرورة التحرك والبحث عن مكان يمكن التنفس فيه".
ووقع الهجوم الإرهابي على مجمع "كروكوس" في ضواحي موسكو مساء الجمعة 22 مارس، وراح ضحيته 144 شخصا، فيما لا يزال 67 مصابا تحت العلاج.
المصدر: نوفوستي
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: موسكو هجوم كروكوس الإرهابي إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
حين يرتفع الدخان وتبقى الأسئلة..
حينما أمسكتُ رواية ثرثرة من دخان للكاتب العماني علي المقبالي، وجدتُ نفسي وكأنني أعود بذاكرتي إلى إحدى روائع الأدب العربي، ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ.
ثمة خيط خفي يربط بين العنوانين، ليس فقط في الكلمات، بل في الروح التي تسري بين السطور، تلك التي تحمل في طياتها تأملات عميقة وثرثرة تفيض بالمعاني.
ومع ذلك، فإن العملين يسلكان مسارين دراميين مختلفين، حيث يغوص كل منهما في عوالمه الخاصة، ناقلًا رؤى اجتماعية وسياسية متباينة.
في ثرثرة فوق النيل، يجمع نجيب محفوظ شخصيات مهمشة فوق عوامة على ضفاف النهر، حيث تدور بينهم نقاشات فلسفية وسياسية تتسم بالسخرية والعبثية، بينما تنبعث من الجوزة أدخنة الحشيش التي تغلف الأجواء بضباب من اللامبالاة والضياع. هؤلاء المثقفون، رغم تباين آرائهم، يظلون أسرى لحالة من العبثية والتشتت، التي تقودهم في النهاية إلى الضياع، وكأن العوامة ليست مجرد مكان، بل رمز لحالة وجودية غارقة في اللايقين.
أما في ثرثرة من دخان، فنجد أنفسنا أمام بيئة مختلفة تمامًا، حيث لا تدور الأحداث بين المهمشين، بل بين شخصيات من الطبقة البرجوازية، أولئك الذين يملكون المال والسلطة، لكنهم، رغم ذلك، غارقون في جدليات وأسئلة لا تنتهي عن الحياة والمجتمع والسياسة، بينما يجتمعون حول طاولات فاخرة يدخنون الشيشة، وسط دخان كثيف لا يلبث أن يتلاشى، كما تتلاشى أفكارهم في جدالات لا تنتهي.
من خلال هذا الفارق الجوهري، يكشف لنا الكاتب علي المقبالي كيف أن المال والنجاح المادي، رغم أهميتهما في حياة الشخصيات، لا يمنحانهم الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي يطرحها المجتمع. في ثرثرة من دخان، يتناول الكاتب حالة غريبة من الانفصال بين الثروة والسعادة. حيث يظل الشخصيات، رغم امتلاكهم لكل ما قد يحلم به الإنسان العادي، في حالة بحث مستمر عن معنى حقيقي لحياتهم. يتبادلون أطراف الحديث حول قضايا اجتماعية معقدة مثل الزواج وتعدده، وهو موضوع يثير حفيظة النساء في الرواية، ويكشف عن هواجس متأصلة في نظرة المجتمع إلى العلاقات الزوجية. ولكن، رغم كل هذا، تظل أسئلتهم معلقة في الهواء مثل الدخان الذي يتصاعد من الشيشة ويختفي.
بينما يتعمق النقاش بين الشخصيات، يظهر دور العامل البسيط في المزرعة الذي يراقبهم من بعيد، هو شخص لا يملك رفاهية الثروات التي يمتلكها الآخرون، لكنه يجد نفسه في حالة من الذهول أمام حواراتهم المتكررة، متسائلًا: لماذا يثرثر هؤلاء حول قضايا سياسية رغم أنهم يملكون كل شيء؟ لديهم المال والأمان، فما الذي ينقصهم إذن؟ هذا التساؤل يعكس واقعًا اجتماعيًا حقيقيًا، حيث يظل الإنسان، بغض النظر عن مكانته الاجتماعية، في حالة من البحث الدائم عن شيء مفقود ،هذا العامل البسيط ليس مجرد شخصية هامشية في الرواية، بل هو بمثابة عين القارئ على عالم الشخصيات الأخرى، التي تبدو مرتبكة رغم امتلاكها كل أسباب الرفاهية.
في الرواية، نجد أن الكاتب علي المقبالي لا يكتفي فقط برصد الثرثرات التي تملأ الفراغات، بل يعمق الحديث حول انعكاسات هذه الحوارات على حياة الشخصيات من خلال شخصية سامي، الشاب الذي يفضل الانغماس في حياة الاستعراض بسيارته الرياضية، يسلط الضوء على مشكلة عزوف الشباب عن الزواج سامي يمثل النموذج المثالي للشاب العصري الذي يبحث عن التسلية والمتعة اللحظية، لكنه لا يضع في اعتباره الأبعاد النفسية والاجتماعية للعلاقات العاطفية، وعندما يواجه سامي حدثًا غير متوقع يغير مجرى حياته، يظهر لنا الكاتب كيف أن الانفصال عن الواقع، سواء كان في الزواج أو العلاقات الاجتماعية، لا يضمن لك حياة خالية من الألم أو التحديات، من خلال هذا التحول، يظهر لنا الكاتب أن الحياة الحقيقية تتطلب من الفرد مواجهة تحدياته بدلاً من الهروب منها.
ومن الجوانب التي أضافت للبعد الاجتماعي في الرواية هو الحديث عن البيئة التي تجري فيها الأحداث في رواية ثرثرة من دخان، تتصاعد الثرثرة بين الشخصيات في أماكن مغلقة تعكس حالة من العزلة الاجتماعية التي تعيشها الطبقات العليا، لكن هذه العزلة ليست عزلة جغرافية بل نفسية، إذ إن الشخصيات تحيا في فقاعة من الانفصال عن الواقع المحيط بها، وهذا التفاوت الطبقي بين الشخصيات التي تنتمي إلى الطبقة البرجوازية والعامل البسيط في المزرعة هو ما يثير بعض الأسئلة حول معايير النجاح في المجتمع، وما إذا كانت المال والسلطة وحدهما كافيين لإيجاد السعادة الحقيقية.
وتظهر الرواية أيضًا صورة لفاعلية القانون في المجتمع العماني، وكيف أن القانون هو رأس الهرم وهو سيد الموقف والعادل لكل من تسوّل له نفسه ظلم البشر من خلال تشريعاته، ففي إحدى الوقائع التي تتناولها الرواية، نجد جزاء المستعرضين بسياراتهم الرياضية، حيث يقدم الكاتب صورة عن كيفية تجريم القانون العماني لمرتكب هذه الفعلة الشنيعة ،بذلك يسلط الضوء على دور القانون في ردع الفوضى والتجاوزات، ويؤكد على أن العدالة يجب أن تسود في جميع جوانب الحياة، سواء كانت في قضايا كبيرة أو صغيرة، وأن القانون هو أداة لحماية المجتمع من التفلتات الأخلاقية.
إن ثرثرة من دخان هي رواية تعكس الكثير من جوانب الواقع الاجتماعي في المجتمع المعاصر، وتطرح تساؤلات حول معنى الحياة في عالم يبتعد عن جوهر الإنسانية في البحث عن السعادة.
من خلال هذا العمل، يقدم علي المقبالي صورة عن شخصيات تسعى لإيجاد إجابات لكنها في النهاية تبقى ضائعة في بحر من الأسئلة قد تبدو هذه الثرثرة مجرد حديث عابر، ولكن في واقع الأمر، هي صورة حية لمجتمع بأسره يظل في حالة صراع داخلي بين واقعه المادي وما يطمح إليه من راحة نفسية ووجود هادف.
بهذه التساؤلات، يختتم علي المقبالي روايته، تاركًا للقارئ فرصة التأمل في أصداء الثرثرة التي لم تكن مجرد دخان عابر، بل نافذة على مجتمع يعيش صراعًا داخليًا بين الواقع والمأمول.