بعد النجاح الجماهيري لآخر أفلامه السينمائية "أبي فوق الشجرة" -الذي عرض في نهاية ستينيات القرن الماضي- سعى المطرب المصري عبد الحليم حافظ إلى خوض أول تجربة درامية إذاعية له في رمضان عام 1973 عبر مسلسل "أرجوك لا تفهمني بسرعة" للكاتب الصحفي محمود عوض والمخرج محمد علوان.

جمع حليم في مسلسله الإذاعي عددا من النجوم الكبار لضمان نجاحه، وكان أبرزهم النجمة نجلاء فتحي وصديقه النجم الكوميدي عادل إمام الذي كان في أوج شهرته حينها بعد نجاح مسرحيته الشهيرة "مدرسة المشاغبين"، فضلا عن النجم عماد حمدي وماجدة الخطيب وسمير صبري وأحمد مرعي وأشرف عبد الغفور، وغيرهم.

لكن الرياح لم تأت كما تشتهي سفن العندليب، فلم يحقق المسلسل -الذي بث على إذاعة الشرق الأوسط- النجاح الجماهيري المطلوب بسبب توقفه بعد اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بعد 10 أيام من بدء شهر رمضان المبارك، فاضطر القائمون على العمل لتأجيله إلى صيف العام القادم بسبب انصراف المصريين والعرب لمتابعة أخبار الحرب، ولكن استمر تسجيل الحلقات لأنها كانت تذاع في إذاعات عربية أخرى.

وتدور أحداث "أرجوك لا تفهمني بسرعة" حول صاحبة نفوذ تحب البطل طالب الجامعة وتحاول إيذاء صديقته وحبيبته وتضطرها إلى ترك العمل، فيضطر البطل أيضا إلى أن يترك المسكن والجامعة ويهربا إلى الإسكندرية، وتتناول القصة الصراع المحتدم بين النفوذ والمال والعقبات التي تواجه الشباب والمشكلات العاطفية.

خفايا ودوافع المسلسل

ويقول الفنان الراحل سمير صبري في كتابه "حكايات العمر كله" إن حليم قدم هذه التجربة الإذاعية في إطار المنافسة الدائمة مع أم كلثوم وبعدما أعلنت عن تسجيل مذكراتها مع الإعلامي وجدي الحكيم، مشيرا إلى أن حليم اتصل بالمخرج الإذاعي محمد علوان وطلب منه تقديم مسلسل إذاعي في رمضان على أن يكتبه محمود عوض.

ويصف سمير صبري العندليب بالقول إنه "كان مؤسسة، مدرسة ذكاء وعشق للفن، تعلمت منه الدقة والإتقان في العمل".

وتحدث الكاتب محمود عوض عن المسلسل في مقال له فقال إن الكتابة لعبد الحليم كانت مسؤولية كبرى، وعلى مدار أيام أصبح عبد الحليم يكرر اتصاله بي من القاهرة مرات كل يوم بعد أن ذهب بي إلى منطقة العجمي وتركني هناك لحين إكمال القصة، نتحدث ونثرثر في كل مرة عن أي شيء إلا عن مشروع القصة.

حينما أعادتني سيارة عبد الحليم إلى القاهرة بعد إكمال القصة كان ينتظرني معه مجدي العمروسي شريكه وشريك محمد عبد الوهاب في شركة صوت الفن.

وكان من المقرر أن يحول حليم المسلسل إلى فيلم، لكن ظروف مرضه حالت دون ذلك.

أغاني المسلسل

تضمن المسلسل أغنية تجمع حليم مع عادل إمام بعنوان "استعراض الطلبة"، وهي من كلمات محمد حمزة وألحان منير مراد، وكانت تعبر عن الطموحات المختلفة لهؤلاء الطلبة الذين تخرجوا في الجامعة لتوهم ليبدؤوا مواجهة الواقع والحلم بتغييره.

وقدم حليم أغنيات أخرى من كلمات محمد حمزة وتلحين بليغ حمدي، وهي "بحلم بيوم" و"ماشي الطريق"، و"مين أنا" ألحان محمد الموجي.

وتمر هذه الأيام الذكرى الـ47 لرحيل عبد الحليم حافظ الذي توفي في أحد مستشفيات لندن في 30 مارس/آذار 1977 بعد صراع طويل مع المرض.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات عبد الحلیم

إقرأ أيضاً:

اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد أن انتهيتُ من قراءة كتاب "عبقرية محمد" للمفكرِ العملاقِ عباس محمود العقاد، تذكَّرتُ على الفورِ قول اللهِ جلَّ جلالُهُ للنبيِّ الكريمِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ"، فأدركتُ السرَّ في انجذاب كلِّ من اقترب من سيرته العطرة، وتذكرتُ على الفور أنه ليس هناك متشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا ويلهجُ باسمه... وكلُّ من سيقرأُ ما كتبهُ المفكرون عن شخصية النبيِّ الكريمِ قديمًا وحديثًا، سيعرف أثر كرم الله على نبيَّه برفع ذكره منذ مولده وإلى قيام الساعة.

ولذا، لم يدهشني إهتمام الكُتَّابِ في الشرق والغرب به، وقد قرأتُ بإعجابٍ شديدٍ آخرَ ما صدر من مؤلفاتٍ في الغرب عن خيرِ خلقِ اللهِ أجمعين، للكاتبةِ والمفكرةِ البريطانية "كارن أرمسترونج"،وهي مَنْ ؟ إنها الكاتبة المرموقة والباحثة الماهرة التي تتجنُّب التحيُّز الشخصي، ولا تُصدر الأحكام إِلَّا  بعد فحص ما لديها من أدلَّةٍ وبراهين بتجرُّدٍ وشفافية، وقد كرَّست حياتها لدراسة الأديان السماوية، مثل الإسلام والمسيحية واليهودية، وكان كتابها  "محمد: سيرة النبي"، والذي صدر عام ١٩٩١  وفيه قدَّمت  فكرًا عميقًا،  يُعدُّ هذا المؤلف من أبرزِ الأعمالِ التي قدَّمت رؤيةً موضوعيةً ومنصفةً عن النبيِّ الكريمِ في العالم الغربي. كما يُعدُّ  جسرًا مهمًّا بين الثقافات، ودعوةً للحوارِ والتفاهمِ بين الأديان، بعيدًا عن الصور النمطيةِ والتشويهِ الإعلامي، فقدأَثْبَتَتْ فِي مُؤَلَّفِهَا  هذا بأن النبي العظيم رجلًا ذا رؤيةٍ أخلاقيةٍ عَمِيقَةٍ...

ومن إنصافِها فى كتاباتها  قالت: "كان محمدٌ رجلًا حنونًا، متواضعًا، وقائدًا بارعًا، لم يسعَ للسلطةِ بقدر ما كان يسعى لإحداث تغييرٍ أخلاقيٍّ عميقٍ في مجتمعه."

كما تناولت الكاتبةُ  والباحثة دورَ النبيِّ الكريم في تحسينِ مكانةِ المرأةِ في المجتمع، حيث أشارت إلى أنه منحَ المرأةَ حقوقًا لم تكن موجودةً في الجاهلية، مثل حقِّ الإرث، وحقِّ التعليم، وحقِّ الاختيارِ في الزواج. وكان يسعى لتحريرِ المرأةِ من القهرِ الاجتماعي، ويدعو إلى معاملتها بكرامةٍ واحترام.

ولها أيضًا رأيٌ حرٌّ جريءٌ، إذ أكَّدت أن النبيَّ الكريمَ كان يسعى دائمًا إلى الحلولِ السلمية، وأن المعاركَ التي خاضها كانت دفاعية، ولم تكن من أجل التوسع أو فرض الدين بالقوة... وبذكاءٍ شديدٍ، اختارت صلح الحديبية وقالت عنه: "كان دليلًا واضحًا على براعةِ النبيِّ الكريم في إدارة النزاعاتِ بالسِّلمِ والحكمة، لأنه كان يؤمن بأن السلام هو الوسيلةُ الأقوى لنشرِ رسالته."

وهذه الشهادةُ من هذه الباحثة والتي تُعَدُّ واحدةً من أبرز الْباحثين في الأديان المُقَارَنَةِ  تدحضُ الصورةَ السلبيةَ التي رسمها بعضُ المستشرقين لهذا النبي العظيم...

وقد تصدى لهؤلاء المستشرقين والشانئين  المفكر الكبير عباس محمود العقاد في مواجهة هذه الافتراءات، حيث قال في كتابه الهام "عبقرية محمد": “إن التاريخ هو فيصل التفرقة بين محمدٍ وشانئيه، فحكمُه أنفذُ من حكمِ الشانئين والأصدقاء، وأنفذُ من حكمِ المشركين والموحدين، وأنفذُ من حكمِ المتدينين والملحدين... إنه حكم الله، وقد حكم له أنه كان في نفسه قدوة المهذَّبين، وكان في عمله أعظمَ الرجال أثرًا في الدنيا، وكان في عقيدته مؤمنًا يبعث الإيمان، وصاحبَ دينٍ يبقى ما بقيت في الأرض أديان، وسيطلع في الأفق هلالٌ، ويغيبُ هلالٌ، وسيذهب في الليل قمرٌ، ويعودُ قمرٌ، وتتعاقب هذه الشهور التي كأنها جُعلت التاريخَ ما بين الصدور، لأن الناس لا يؤرخون بها مواسمَ الزرع، ولا مواعيد الأشغال، ولا أدوار الدواوين والحكومات، ولا ينتظرونها إلا هدايةً مع الظلام، وسكينةً مع الليل: أشبه شيءٍ بهداية العقيدة في غياهب الضمير”.

وقبل أن يَخْتِمَ  الكاتب الكبير عباس محمود العقاد صفحات كتابه  "عبقرية محمد"، اختار يوم هجرة النبي إلى المدينة فكتب: "ستطلع الأقمار بعد الأقمار، وتقبل السنة القمرية بعد السنة القمرية، وكأنها تقبل بمعلمٍ من معالم السماء يوميء إلى بقعةٍ من الأرض: هي غار الهجرة، أو يوميء إلى يومٍ لمحمدٍ هو أجملُ أيامِ محمد، لأنه أدلُّ الأيام على رسالته، وأخلصها لعقيدته ورجاء سريرته، وهو يوم التقويم الذي اختاره المسلمون بإلهامٍ لا يعلوه تفكيرٌ ولا تعليم..."

ختامًا.. لقد عشتُ أوقاتًا ممتعةً مع كتاب "عبقرية محمد" للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، ومن خلال صفحات هذا الكتاب شاهدت  التاريخ يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذا اليتيمِ الذي بُعث رحمةً للعالمين.. صلى الله عليك وسلم يا خير خلق الله أجمعين...

اللهم إنا نُشهدك أنه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فاللهمَّ اجزه عنا خير ما جزيتَ نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن رسالته...

 

ولنا لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله، مع قراءة فى كتاب ممتع جديد...

 

مقالات مشابهة

  • الماء والخضرة والوجه الحسن.. هدية عبدالحليم حافظ للملك الحسن الثاني
  • من هو قائد معركة الإطاحة بنظام بشار الأسد؟ الوزير الذي حافظ على منصبه
  • بين الماضي والحاضر.. كيف أعاد المسلسل إحياء «شباب امرأة»؟
  • رونالدو وميسي يحضران كحك العيد في فرن بلدي.. ما القصة؟
  • في ذكرى وفاة العندليب.. محطات الرحلة من معاناة الطفولة إلى قمة الهرم الفني
  • ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ.. «كواليس رحلة علاج العندليب وقصة عشقه للنادي الأهلي»
  • ميرفت أمين وريم البارودي فى حفل سحور مسلسلهم الرمضاني جوما «صور)»
  • بعد نجاح «عايشة الدور».. أبطال المسلسل يتألقون في العرض الخاص لفيلم «سيكو سيكو»
  • ماجد المصري يعلق على نهاية المسلسل: أنا كده هعيد في السجن منك لله يا إش إش
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له