«العيالة» و«العازي».. أهازيج متوارثة
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
تامر عبد الحميد (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتشكّل فنون الأداء التقليدية المحلية، جزءاً من ثقافة وتاريخ الإمارات، وتتخذ الفرق الشعبية من المهرجانات الثقافية والتراثية والفنية، منصة لاستعراض هذه الفنون بين الفلكلور والأهازيج التراثية والموروثات القديمة التي تتمثل في الأداء الشعبي الرصين، وتضيء على جزء من ملامح الثقافة الإماراتية بهدف الحفاظ على موروث الأجداد ونقله إلى الأجيال ضمن مشهدية حيّة تنمي الفخر والاعتزاز بالجذور العميقة، وتحفظ الموروث وتؤكد قيمته وأهميته لدى الأجيال، وتأثيره على الحياة المعاصرة.
استدامة الموروث
مبارك العتيبة، عضو جمعية أبوظبي للفنون الشعبية، ورئيس فرقة «عيالة جمعية أبوظبي»، يتحدث عن فن «العيالة» وأهمية نقل هذا الموروث إلى الأجيال، قائلاً: «العيالة» من الفنون الإماراتية الأصيلة الحاضرة في الاحتفالات الرسمية الوطنية والخاصة، وتنقسم إلى نوعين «برية» و«ساحلية»، ويأتي الفارق بينهما في إيقاعات الطبول والشلّات والرزيف، ودائماً نتخذ من مهرجانات الدولة والمنصات الثقافية والفنية منبراً للتعبير عن التراث.
ملحمة
فن «العيالة»، الذي أُدرِج عام 2014 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو»، هو ملحمة حرب كاملة، بحسب ما أكده العتيبة. وقال: يواجه المؤدون بعضهم في صفَّين متقابلين، يؤدون فن «العيالة» في لوحة أدائية رمزية تحاكي مشهد معركة، حاملين عِصِي الخيزران الرفيعة التي ترمز إلى الرماح والسيوف، ويتناوب أفراد كل صف متلاصقين، جنباً إلى جنب، الحركات المتناغمة برؤوسهم وأكتافهم وأذرعهم الممتدة وعِصِيهم. ويتم استخدام عدد من الآلات التي ترمز إلى الملحمة الحربية، فـ «التخامير» وهي نوع من أنواع الطبول تعني إيقاع الحرب، والراس يمثل قائد المعركة، وأصوات الساجات ترمز إلى السيوف، والدفوف تمثل حركة الخيول في المعركة، وذلك لتجسيد معاني القوة والفروسية والتلاحم.
«اليوّيلة»
وأكد أن «العيالة» من أكثر العروض الفنية انتشاراً في الدولة، فهي أداء فني ثقافي تقليدي معبّر يجمع الرجال والصبية الذين يحملون عِصِي الخيزران الرفيعة، ويتحركون بانسجام على إيقاع منتظم رصين صادر من الطبول. وتتضمن عروض العيالة فقرات لفنون الاستعراض الشعبي والشعر والطبول، ويتحرك ضمن العرض مجموعة من الرجال يُطلق عليهم «اليوّيلة»، في دائرة واسعة وبخطى متناغمة على إيقاعات الطبول.
صون التراث
أكد مبارك العتيبة، أن مهرجانات الإمارات، وأبرزها «مهرجان الحصن» تتميز بدعم الفرق الشعبية والتراثية، وصون فنون الأداء التقليدية، بتقديم العروض الحية والاستعراضات التراثية، ليتعرف الآخر على الفنون والعادات والتقاليد الإماراتية، ضمن برامج المهرجان وفعالياته اليومية الداعمة للفنون الأصيلة.
إرث ثقافي
لفت مبارك العتيبة، إلى أن فن «العيالة» يعكس الإرث الثقافي الثري لدولة الإمارات، وروح المروءة والشهامة التي تتميز بها حياة البادية، كما تعزز إعلاء قيم الكرامة، منوهاً إلى أن هذا الفن أصبح رمزاً لهوية الدولة ووحدتها، لأنه يجسد التراث والقيم الأصيلة للثقافة المحلية.
«العازي»
«العازي»، الذي أُدرِج عام 2017 ضمن قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، يتميز شعره بالصوت الجهوري القوي للشاعر الذي يصدح بأبيات الشعر ويرددها جواباً فريق منشدين يحملون بنادق رمزية متكاتفين في صفوف خلف الشاعر الذي يحمل بدوره سيفاً. وتنقل طريقة إلقاء شعر «العازي» بأسلوب النداء من الشاعر والجواب من المنشدين شعوراً عاماً بالتكاتف والتضامن، بينما تؤكد الأسلحة الرمزية التي يحملونها على معاني الشجاعة.
إحياء الفنون
مصبح خلفان، مدير فرقة «شباب العين»، شدد على أهمية إعادة إحياء فنون الأداء التقليدية. وقال: تحض عروض أداء فن «العازي» على التلاحم وتعزز الأواصر المجتمعية، وهو من الوسائل المهمة لنقل التقاليد والمعارف في فن التأقلم مع البيئة والطبيعة المحيطة.
وأضاف: بين الأهازيج التراثية، وإيقاعات الفنون التقليدية، بمصاحبة آلات موسيقية متنوعة، تعمل الفرقة على تأدية لوحتين على إيقاع «العيالة البرية» و«العازي»، باستخدام آلات الكاسر والرحماني والسماع والساجات.
فن جماعي
لفت خلفان إلى أن «العيالة» فن جماعي يمزج بين القرع على الطبول والدفوف والطويسات، ويبدأ الاستعراض الذي يظهر معاني القوة والفروسية المستمدة من حياة البداوة والصحراء، حينما يعطي قائد الفرقة إشارة البدء، وفي هذه اللحظة يضرب القارعون بشدة على طبولهم، ويبدأ الصفان بتأدية حركة إيمائية بالعصا وتستمر لفترة طويلة، وأثناء الاستعراض يتحرك حملة الطبول باتجاه الصف المواجه بينما يتحرك المؤدون في الاتجاه المعاكس. أما «العازي» وهو الشاعر الذي يمتاز بجمال الصوت، فيلقي قصائد فخر وحماسة وأشعار وطنية وأغنيات تراثية وشعبية، ويرددها المؤدون بجمل شعرية معروفة بأنغام مختلفة.
احتفاء بالتراث
أشاد مصبح خلفان بالدور الكبير الذي تلعبه مهرجانات الإمارات، في الحفاظ على الموروث، وصون الفنون الشعبية القديمة، وإعادة إحيائها من خلال مشاركة الفرق الشعبية التي تستعرض هذه الفنون الأصيلة احتفاءً بالتراث، وصون فنون الأداء التقليدية، وإظهار العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات الفنون الشعبية التراث التراث الإماراتي التراث الثقافي الموروث الإماراتي الموروث الشعبي
إقرأ أيضاً:
شهر رمضان موسم لتعزيز الفنون الإسلامية في قطر
تشهد الفنون الإسلامية في قطر اهتماما متزايدا، إذ أصبحت جزءا أساسيا من المشهد الثقافي والفني المحلي، مدعومة بمبادرات متعددة تسعى إلى إبراز جمالياتها وترسيخها بين الأجيال الجديدة.
وتحتفي "متاحف قطر" بالفنون الإسلامية في شهر رمضان المبارك، سواء من خلال متحف الفن الإسلامي الذي يُعد منارة ثقافية تحتضن مقتنيات نادرة تعكس ثراء الفنون الإسلامية، أو عبر البرامج التعليمية والورش التي تقدمها، مما يتيح للجمهور فرصة التفاعل مع فنون الخط العربي والتذهيب والمنمنمات وغيرها من الفنون التقليدية.
وفي إطار دعمها للفنون الإسلامية، نظّمت متاحف قطر رحلات ميدانية لفنانين وفنانات قطريين إلى دول إسلامية، مثل تركيا، لاستكشاف الفنون التقليدية هناك، مثل الخزف الإزنيقي وفن الإيبرو والتذهيب والرسم على الزجاج، واستلهام هذه التقنيات في أعمالهم الإبداعية.
كما تأتي مسابقة قطر الدولية في الخط العربي "الرقيم"، التي نظّمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية واختتمت دورتها الأولى في فبراير/شباط الماضي، بوصفها إحدى المبادرات المهمة للحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانة الخط العربي كفن وحرفة أصيلة ذات مستقبل واعد.
عرض هذا المنشور على Instagramتمت مشاركة منشور بواسطة Museum of Islamic Art (@miaqatar)
وفي السياق ذاته، أطلقت وزارة الثقافة مؤخرًا الدورة الأولى من المسابقة الدولية لفن الخط العربي تحت عنوان "جائزة الأخلاق"، بالشراكة مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، بهدف تشجيع الفنانين والمبدعين على إحياء فن الخط العربي وفق قواعده التقليدية، مع التركيز على قيمة "الأخلاق" التي تشكل شعار المسابقة.
إعلانوسلط تقرير لوكالة الأنباء القطرية (قنا) الضوء على أهمية استلهام روح شهر رمضان المبارك في تعزيز الفنون الإسلامية في قطر، جنبًا إلى جنب مع الفنون التراثية والمعاصرة. وفي هذا الصدد، أكدت فنانات قطريات ضرورة تكثيف الجهود للحفاظ على الفنون الإسلامية وتطويرها عبر تضافر جهود المؤسسات الثقافية والفنية والتعليمية.
View this post on InstagramA post shared by وزارة الثقافة (@moc_qatar)
الأصالة والتحديثترى المصورة والفنانة القطرية مشاعل الحجازي، المتخصصة في الفنون الإسلامية، أن هذه الفنون تتمتع بسحر خاص، حيث تعتمد على الهندسة الدقيقة، والتكرار المتناغم، والزخارف التي تعكس عمقًا روحانيا فريدًا. وأشارت إلى أن الخط العربي، على وجه الخصوص، يُعد لوحة فنية متكاملة، إذ تحمل كل تفصيلة فيه قصة بصرية غنية بالرموز والجماليات.
وأوضحت مشاعل أن الفنون الإسلامية أصبحت جزءًا من الثقافة القطرية المعاصرة، حيث نجدها مدمجة في العمارة الحديثة والتصميم الداخلي والتصوير الفوتوغرافي، إذ يستوحي المصورون في قطر عناصر الزخرفة الإسلامية والإضاءة المستوحاة من المساجد القديمة لإنتاج أعمال تجمع بين الأصالة والحداثة.
وأضافت أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية جعل الفنون الإسلامية أكثر حيوية في العصر الرقمي، إذ يتطلب تحويلها إلى لغة بصرية حديثة إبداعًا متجددًا لضمان الحفاظ على هويتها. ورغم الاهتمام المتزايد بهذه الفنون من خلال المعارض والورش، فإن التحدي الأساسي يكمن في إيجاد طرق مبتكرة لجذب الأجيال الجديدة، مثل دمجها في الفنون الرقمية والتصميم الغرافيكي والتصوير الفوتوغرافي.
View this post on InstagramA post shared by Q Life (@qlife_com)
وأشارت مشاعل إلى أن الأجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك تُعد فرصة مثالية لإبراز الفنون الإسلامية ودعمها من خلال تسليط الضوء على علاقتها بالتقاليد الإسلامية وقيم الجمال والروحانية التي تتجلى في هذا الشهر الفضيل.
إعلانوتؤكد الفنانة القطرية مشاعل الحجازي، التي شاركت في رحلة إلى تركيا نظّمتها متاحف قطر، أن دور المتاحف لا يقتصر على العرض والتوعية فقط، بل يمتد إلى تنظيم رحلات فنية لفنانين وخطاطين قطريين لزيارة مدن تحتضن إرثًا غنيا من الفنون الإسلامية مثل إسطنبول وطشقند.
وتتيح هذه الرحلات للفنانين فرصة التفاعل المباشر مع مدارس الخط والزخرفة المختلفة، وتبادل الخبرات مع نظرائهم في تلك الدول، مما يسهم في تطوير أساليبهم الإبداعية وتعزيز حضور الفنون الإسلامية في المشهد الفني المعاصر في قطر.
طابع مميزمن جهتها، ترى الفنانة إيمان السعد، المتخصصة في الفنون الزخرفية والخط العربي، أن الفن الإسلامي يتمتع بطابع مميز، ويحتل مكانة رفيعة في متحف الفن الإسلامي من خلال مقتنياته النادرة ولوحاته القيمة، فضلاً عن الورش التعليمية التي يقدمها المختصون.
ومع ذلك، تؤكد إيمان أن الحفاظ على هذا الفن والارتقاء به يتطلب إنشاء مركز متخصص يجمع الخطاطين والمزخرفين والمهتمين بالفنون الإسلامية بجميع أنواعها، بما في ذلك الخط والزخرفة والتذهيب والمنمنمات.
وتوضح أن هذا المركز سيسهم في تبادل المعرفة، وإقامة ورش فعالة، وتنظيم دروس مستمرة، والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، مما يضمن استمرارية هذا الفن للأجيال القادمة.
وتشير إيمان إلى أن شهر رمضان المبارك يمثل فرصة مثالية للفنانين، حيث ينجذب الكثير منهم إلى كتابة آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو تنفيذ أعمال زخرفية مستوحاة من روحانية الشهر الفضيل. وتضيف أن إنشاء بيئة فنية حاضنة لهذا الفن سيساعد في ترسيخ استمراريته وتعزيز انتشاره.
كما دعت إيمان السعد إلى ضرورة تعاون المدارس مع الفنانين المتخصصين لإقامة ورش تعريفية للطلاب، مشيرة إلى أن الزخرفة والتذهيب هما أساس تزيين المصاحف الشريفة وبيوت الله، ومعربة عن ثقتها في أن الطلاب والطالبات سيجدون شغفًا كبيرًا بهذه الفنون بمجرد ممارستها.
إعلان إرث جماليأما الفنانة التركية المقيمة في قطر خديجة يتيش، فتشير إلى أن الفنون الإسلامية تشهد نموًا ملحوظا، لكنها لا تزال مقتصرة على فئات محددة مقارنة بالتيارات الفنية الحديثة. وتؤكد أن هذه الفنون تعد عنصرًا أساسيا في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على الإرث الجمالي، مما يستدعي مضاعفة الجهود لنشرها على نطاق أوسع.
View this post on InstagramA post shared by Katara Cultural Village كتارا (@kataraqatar)
وتقترح خديجة زيادة البرامج التعليمية ودعم الفنانين وتنظيم معارض دولية متخصصة، مما يمنح الفنانين في قطر فرصًا أوسع للظهور والانخراط في المشهد الفني العالمي. كما تؤكد أهمية تنظيم المزيد من الورش والفعاليات في مراكز الفنون البصرية لتعريف الجمهور بهذه الفنون، إلى جانب تطوير مشاريع تمزج بين الفنون الإسلامية واللمسات العصرية لجذب اهتمام الأجيال الجديدة.
وحول رحلتها الفنية، أوضحت خديجة أنها نشأت في بيئة تحتفي بتقاليد التذهيب العريقة في تركيا، وتسعى إلى نشر هذا الفن على الساحة الدولية، وتعريف الجمهور به في قطر. وتضيف أن فن التذهيب ليس مجرد تعبير جمالي، بل هو رحلة تتطلب الصبر والصفاء الروحي، مشيرة إلى أن لهذا الفن قوة علاجية، ولذلك تطمح إلى نقله إلى الأجيال القادمة وإشراك المهتمين به في تعلمه وممارسته.