تحولت فكرة الأمان والحرية وأم الحضارة من أوروبا إلى أميركا التي هي في أصلها أرضٌ مسروقةٌ وتنشأت فقط على يد المستعمرين ثم المهاجرين وكانت بمثابة تجميع بشري مستعار من كل أرجاء المعمورة، ولكل أمة بعض نصيب يزيد أو ينقص حسب أعداد من هاجر منها وحسب قوة المهاجرين بل حسب ألوان المهاجرين، وفاز بها اللون الأبيض بينما ظلت بقية الألوان الأخرى بمثابة مواطنين من الدرجة ما دون الأولى، وأميركا رغم صيغتها المفتعلة أصبحت وطناً آمناً تجاه ما هو خارجها (وليس تجاه داخلها) بمعنى أنه لا وجود لأي قوة تستطيع تهديدها أو تحدي مناعتها أو اقتحام حدودها الجغرافية، حيث هي بعيدة جغرافياً عن كل القوى الكبيرة، ولكنها هي تتعمد مصارعة غيرها من القوى ومنابزة العالم كله قويه وضعيفه لكي تظل وحدها المتحكمة والقوية بإطلاق، وبعد أن أجهزت على الاتحاد السوفييتي وفرغت من همه ها هي اليوم تتحصن ضد أي تفوق صيني، كما تجهد في تطوير آلاتها العسكرية عبر تجريب هذه الآلة في الحروب الفرعية في دول أخرى، وهي حروب ليست عند أميركا سوى دورات تدريبية لعتادها ولرجالها، وتستخدم فكرة أن أي حرب في أي بقعة تهدد مصالحها هي حرب وقائية، أي حرب لمنع حرب أخرى ليست سوى حرب افتراضية، ولذا تنشط أميركا أكثر من أي دولة أخرى لكي تجعل نفسها طرفاً في أي نزاع مستخدمةً حججاً شتى كي تضمن تفويضاً من الكونجرس، تستند معظمها إلى دعوى حجة الأمن القومي، ومهما ضعفت هذه الحجة، فإن تجارة السلاح تقوي من عزيمة الموافقة على هذه المشاركات.

 
 وفي المقابل، فإن أوروبا تشعر شعوراً عنيفاً أنها غير آمنة، وأن أي حرب فيها هي حرب عالمية تبعاً للغرور الأوروبي المتأصل، والذي يزعم مركزية أوروبا عالمياً وصورتها للعالم كما فعلت زمن الاستعمار حين أسندت إلى نفسها مهمة نشر الحضارة عبر نشر الجيوش واحتلال الأرض والبشر، وهذا ما جعل مصطلح السلام العالمي رديفاً وملازماً لمصطلح الحرب العالمية، ولا يكون ذلك إلا في أوروبا، وكل حرب أخرى أو سلام آخر فهو مسألة فرعية وغير مركزية، والعالم كله انجر وراء هذه الخدعة المصطلحية، وفي لقاء تم عام 1975 بين ماوتسي تونج وإدوارد هيث، الزعيم البريطاني، طرح ماوتسي تونج على هيث تساؤلاً هو: إلى متى سيستمر السلام العالمي، هل لعقدٍ أو اثنين أو ثلاثة أو …!! واستخدم تونج أصابعه لتعداد العقود، وفي المقابل ظهرت الحيرة على وجه هيث في ذاك اللقاء المتلفز، ولم يستطع إعطاء جواب، ولكن بدت على وجهه المخاوف، وهذا سؤال لم يكن مفهوماً حينها لأن الحروب كانت تعم مناطق لا حصر لها في العالم ولكنها ليست حروباً في أوروبا نفسها وهذا يؤكد غلبة مصطلح الحرب والسلم مقيدين بأوروبا تحديداً، وكل حرب تقع في أي بقعة من العالم تظل مجرد حرب جانبية ولا تكتسب معنى العالمية إلا إذا لامست أوروبا ولذا حين قامت حرب أوكرانيا بدأ التخوف من حرب عالمية ثالثة وظل هذا التخوف والتخويف منه يتردد تبعاً لما يحدث في أوكرانيا، بينما لم يظهر هذا قط في أي حرب أخرى في أي بقعة في العالم وكأن العالم كله غير مهم كما أهمية أوروبا.
وعلى الرغم من هذه المركزية المصطلحية، فإن أوروبا تشعر في أعماقها أنها لم تعد آمنةً ولا مستقرة، وأن مجدها القديم قد تم مسحه بفعل متعمد من أميركا التي مارست قمع أوروبا وحبستها في حلف الناتو الذي لا يعني سوى شيء واحد هو أن أمن أوروبا مربوطٌ بالقرار الأميركي، وكلما حاولت دولة أوروبية الاستقلال عن القرار الأميركي تعرضت للتعري في الفراغ الأمني والاقتصادي والسيكولوجي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة هجوم «داعش» في موسكو يثير مخاوف أوروبا يوهان هوتنيجر.. مستشرق رائد في الدراسات العربية والإسلامية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي أوروبا الحروب السلام أی حرب

إقرأ أيضاً:

300 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ سنوياً.. ما القيمة التي يشكلها هذا المبلغ مقارنة بقطاعات أخرى؟

الاقتصاد نيوز - متابعة

وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ كوب 29 (COP29) على تخصيص 300 مليار دولار سنوياً لتمويل جهود مكافحة تغير المناخ وآثاره. وفيما يلي بعض المقارنات التي توضح حجم هذا المبلغ في مجالات رئيسية على مستوى العالم:

القوة العسكرية
وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العالمي على القطاع العسكري في عام 2023 نحو 6.7 مليار دولار يومياً. وهذا يعني أن هدف التمويل السنوي لمكافحة تغير المناخ البالغ 300 مليار دولار يعادل 45 يوماً من الإنفاق العسكري العالمي، بحسب رويترز.

استهلاك النفط
حالياً، تبلغ قيمة 300 مليار دولار تقريباً تكلفة النفط الخام الذي يستهلكه العالم في أقل من 40 يوماً، بناءً على بيانات رويترز التي تعتمد على الطلب العالمي على النفط الخام البالغ نحو 100 مليون برميل يومياً وأسعار خام برنت في نهاية نوفمبر تشرين الثاني. 

إيلون ماسك
بحسب مجلة "فوربس"، بلغت ثروة إيلون ماسك الصافية 321.7 مليار دولار في أواخر نوفمبر تشرين الثاني. ويعد ماسك، الملياردير صاحب الشركات الكبرى مثل تسلا وسبيس إكس، أغنى رجل في العالم.

خسائر الأعاصير
تسببت الأعاصير في خسائر ضخمة، حيث بلغت خسائر إعصار كاترينا، أحد أكثر الأعاصير تدميرًا في تاريخ الولايات المتحدة، حوالي 200 مليار دولار في عام 2005. وفي هذا العام، قد تصل الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إعصار هيلين إلى 250 مليار دولار في الولايات المتحدة، كما تقدر خسائر إعصار ميلتون بنحو 100 مليار دولار.

مشتريات مستحضرات التجميل
تقدر شركة "باين اند كومباني" حجم سوق السلع الفاخرة العالمية بحوالي 363 مليار يورو (378 مليار دولار) في عام 2024.

تجارة النحاس
بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتشيلي، أكبر منتج للنحاس في العالم، 335.5 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

حزمة الإنقاذ المالي لليونان
بين عامي 2010 و2018، أنفقت دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي حوالي 260 مليار يورو (271 مليار دولار) في إطار برامج الإنقاذ المالي لليونان، وهي أكبر عملية إنقاذ دولة في التاريخ الاقتصادي.

سندات بريطانية
من المتوقع أن ترتفع إصدارات السندات الحكومية البريطانية في السنة المالية الحالية إلى 296.9 مليار جنيه إسترليني (372.05 مليار دولار) لتمويل الموازنة.

حصة في شركة
حسب بيانات مجموعة بورصات لندن، تبلغ قيمة حصة قدرها 10% في شركة "مايكروسوفت" العملاقة حوالي 300 مليار دولار، بينما تبلغ القيمة السوقية لشركة "شيفرون" النفطية الأميركية 292 مليار دولار.

عملات مشفرة
يمثل هدف التمويل المناخي السنوي 75% من القيمة الإجمالية لعملة "إيثر"، ثاني أكبر عملة مشفرة في العالم. كما يمكن أن تغطي ثلاثة ملايين "بتكوين" هدف التمويل المناخي السنوي، حيث تقترب قيمة البتكوين من 100 ألف دولار بعد الارتفاع الأخير الذي جاء نتيجة لفوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في 5 نوفمبر تشرين الثاني.

مقالات مشابهة

  • أتالانتا يقسو على يونج بويز بسداسية في دوري أبطال أوروبا
  • أبو خليل: نتحدث عن السلام ولكن أين هو حقاً؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: "التــــدنى" فى الأمانى !!
  • كريم وزيري يكتب: الجاسوس الذي لم يكن موجودًا
  • د. عبدالله العليمي وسفراء الاتحاد الأوروبي يناقشون ملفات هامة وحساسة
  • ماذا سيحدث لو ابتلع المحيط أميركا؟
  • الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: أزمة السودان أسوأ من أوكرانيا وغزة
  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (4)
  • د.حماد عبدالله يكتب: " العشوائيــــــات " فى عقول المصريين
  • 300 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ سنوياً.. ما القيمة التي يشكلها هذا المبلغ مقارنة بقطاعات أخرى؟