رمضان فرصة عظيمة للتغيير، وانتقال الإنسان من حال إلى حال أفضل، والتخلص من أسر العادات السيئة التي ألفها وتحاصره، فرصة للتخلص من كل معوقات سبيل الرشاد.
يتضمن هذا الشهر الفضيل عوامل كثيرة بناءة، تتضافر فيما بينها؛ لتعين الإنسان على صياغة شخصيته من جديد، ويرتقي بنفسه عن الآفات، فكما أن رمضان كان محطة تغيير لأحوال الأمة بصفة عامة، عبر بدر الكبرى، وعين جالوت، والعاشر من رمضان، وغيرها من معارك الإسلام الفاصلة، فهو فرصة للفرد كذلك أن تنتقل حياته نقلة كبيرة، فيتخلص من رواسب الماضي، ويتحرر من أسر العادات السيئة، فمن هذه العوامل:
جماعية الطاعة:
ففي رمضان يصير الغالب على المجتمع حرصه على الطاعة والخير، فالمساجد تمتلئ، وأعمال البر يتسابق فيها المتسابقون، والأخلاق السمحة تفرض نفسها، وما ذلك إلا بما أودعه الله في هذا الشهر من بركات، وتيسيره للناس سبل الخير عن غيره من الشهور.
الفضائل التي يتمثلها الكثيرون على حدة في غير رمضان، تصبح في رمضان أمرًا عامًا، وهو ما يحفز المرء على النشاط في الطاعة وإتيان الفضيلة؛ فيعلو لديه بناء الإيمان، وتُهدم الآفات.
ولأن الإنسان يتأثر بمن حوله، وتحفزه مشاهد الطاعة لدى العباد، أوصى الله بالتعاون على الخير فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وتضافرت الأدلة مؤكدة أهمية مصاحبة الأخيار، ففي الحديث: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
شهر حمية:
أي امتناع عن الشهوات وتحرير النفس من سطوتها، فإنما هي مادة النشوز والعصيان، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: الصيام جنة؛ يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به).
قال المناوي: (شرع الصوم كسرًا لشهوات النفوس، وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داوموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرق للمشتهيات؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء لا تملكه).
وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملًا يخلص المرء من حصار الآفات.
معونة ربانية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان؛ فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين)، وهو تصفيد حقيقي، عونًا من الله للعباد بكف شر الشياطين عنهم.
ولكن كيف تُسلسل الشياطين، ونحن نرى المنكرات في رمضان؟! قد تعرض القرطبي لهذه المسألة، فقال: (فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صُفدت الشياطين لِمَ يقع ذلك؟! فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين، الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة، لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع فيه شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين: كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية).
وعلى كل حال، فحدة تسلطهم على الإنس تنكسر أو تضعف؛ مما يفتح الطريق أمام العباد لسلوك درب الاستقامة، ويمنح العبد فرصة التخلص من حصار الآفات.
اكتشاف القدرة:
فالمدخن مثلًا؛ يمكث منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس متخليًا عن التدخين، مع أنه يرى في غير رمضان أنه لا يصبر على فراق التدخين ساعة أو ساعتين، بينما اجتاز هذه العقبة في رمضان، وإنما مقصدي أن قوة الإرادة قد بزغت عنده وقد كان يجهلها، فالإرادة التي حملته على ترك ذلك لله طوال النهار، بالإمكان أن تحمله على ترك التدخين في الليل أيضًا، خصوصًا إذا ما اغتنم ساعات الليل وعمرها بالقيام والذكر والطاعات، فإذا ما نجح في هذا الاختبار طوال شهر رمضان؛ فهذا إيذان بفك حصار الآفات، حيث إن ابتعاده شهرًا كاملًا عنها يثبت له قدرته على فراقها مدى حياته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إحسان الفقيه – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی رمضان
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: كيف نبقي أثر شهر رمضان حيًا في حياتنا ؟
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه تعلمنا من شهر رمضان الكثير ، وما زال يحتاج منا أن نقرأه ونتعلم من نفحاته ومنحه، وأن نقف عند كل دقيقة وجليلة من روحانياته حتى نتبعها فيتربى فينا ذلك النبيل الذي أراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينشأ فينا ذلك المجاهد الذي يرهب عدو الله وعدونا.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن رمضان ليس موسم للعبادة والقرب وحسب، بل ينبغي أن يكون منطلقا لسلوك قويم وحال مرضي يدوم بعد رمضان، ولا ينبغي أن يكون رمضان مدة تعلو فيه الهمة ثم تخمد بعده، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
واشار الي انه لا ينبغي أن يفتر المؤمن بانقضاء رمضان فإن رمضان من خلق الله، ولما كادت همم المسلمين تفتر بانتقال سيد الخلق وحبيب الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم الخلق على الإطلاق، قام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقال : « ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت» [رواه البخاري].
ولذا فيحسن بنا أن نقول من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ولا يقضى عليه سبحانه وتعالى، فاثبت أيها المسلم على طاعتك، ولا تترك كتاب الله فاتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ولا تترك صلاة القيام، ولا تترك حسن الأخلاق السماحة والمسامحة التي كانت في رمضان، ولا تتجرأ على المحرمات فإن الله حرم المعاصي في رمضان وفي كل زمان ومكان، فكن عبدا لله وحده، واخلص له العبادة.
ولقد فتح الله علينا أبواب خير، ومواسم شكر بعد رمضان ليصبرنا على رحيله عنا، فشرع زكاة الفطر شكرا لنعمه وتعاونا بين المسلمين، وإغناء للفقراء،
ثاني مواسم الخير والشكر مما يصبرنا على فراق شهر رمضان هو عيد الفطر المبارك.