فى شهر القرآن.. مراحل جمع آيات الله من صدور المسلمين لصفحات التاريخ
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
أُنزلَ من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فى ليلة القدر.. وجمعه الصديق وذو النورين
يتجلى علينا شهر رمضان كل عام، ويُذكرنا بعظيم فضل الله علينا، إذ أُنزل فيه آيات الله البينات لتُخرجنا من الظلمات إلى النور، فقال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» ومن ليالى رمضان المباركة اختص الله ليلة هى خير من ألف شهر وأنزل فيها كلماته الجليلة فقال عز وجل: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وقد أَنزل الله جلا فى علاه القرآن من اللوح المحفوظ فى السماء السابعة إلى السماء الدنيا جملة واحدة فى ليلة القدر، ثم أُنزل متفرقًا بحسب الوقائع ليُثبت قلب النبى والمؤمنين فيما يلاقونه من مشاق، فنَزل به جبريل عليه السلام على قلب سيدنا محمد على مدى ثلاثة وعشرين عاما طول فترة البعثة وحتى مماته عليه الصلاة والسلام.
إن علينا جَمعَهُ وقرآنه
خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه العدنان فى سورة القيامة فقال: «لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ فَإِذَا قرأناهُ فَاتَّبِعْ قرآنهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» فجاء لفظ الجمع هنا بمعنى الحفظ ودقة الترتيب، كما ورد بمعنى الكتابة والتدوين وكان هذا على ثلاث مراحل، بداية من جمعه من فم سيدنا النبى عليه الصلاو السلام فى صدور المسلمين ورقاعهم ثم فى عهد أبى بكر الصديق رضى الله عنه وأخيرًا جمعه فى أول مصحف فى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه.
الحكمة من نزول القرآن متفرقًا
قال تعالى فى سورة الفرقان: «كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلًا» فكان نزول القرآن حسب الأحداث التى يواجها الرسول وأصحابه ليثبت الله قلوبهم أمام العقبات والصعوبات أثناء نشر الإسلام، ومواساة لهم فى الشدائد، ودعمًا لهم فى الصعاب، وأيضًا نزل متفرقًا ليسهل حفظة والعمل به، فالتشريع والتزام الناس به وانتقالهم من الجاهيلة إلى نور الإسلام أمر يحتاج إلى التدرج، كما وضحت أُمنا عائشة رضى الله عنها فيما رواه البخارى: «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شىء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنى» فكان لحكمة بالغة يعلمها الله ورسوله، لذا استمر نزولة 23 عاما طوال بعثة الرسول وحتى وفاته، ولم يكن ممكنًا جمع القرآن فى كتاب بين دفتين خلالهم حتى وفاة حضرة النبى وبدأ حروب الردة.
جمع القرآن من فم رسول الله إلى صدور الصحابة ورقاعهم
كان جبريل عليه السلام ينزل بآيات الله على سيدنا محمد وكان حضرة النبى شديد الحصر على حفظه وعدم تفلت شىء منه، فقد كان يدعو رسول الله كتبة الوحى ليكتبوه فى بيته الشريف بعد نزول الوحى، ومن أشهر كُتاب الوحي:على بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت، كما كان الصحابة ذوي قلوب منشرحة لحفظ القرآن والعمل بأحكامة، فكانوا يظلوا عليه عاكفين حتى يحفظوا كل من نزل من القرآن أولًا بأول غيباً وعن ظهر قلب، وقد ارتفعت نسبةُ الحفّاظ منهم إلى عدد لا يحصى.
وعلى هذا المنوال بلّغوه إلى مَنْ بعدَهم بطريقتين، الأولى: الكتابة التى كانت تتم للقرآن بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام لكُتاب الوحى وكانت تتم على ما تيسر من الرقاع (على الجلد) أو العسب(جريد النخل) أو الأكتاف (عظم البعير أو الشاة)، لأن صنع الورق لم يكن مشتهرا عند العرب حينها، بل كان عند الفرس والروم ويصعب الحصول عليه، والثانية: حفظه فى الصدور عن طريق التلقى الشفهى من كبار قرّاء الصحابة وحفاظهم؛ الذين تلقَوْه بدورهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذى أقرّهم على كيفية النطق والأداء.
وهكذا نجد أن حضرة النبى صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى جوار ربه إلا والقرآن مكتوب كله فى بيته ومجموع فى صدور أصحابة بكل دقة، إلا أنه لم يكن مجموعاً فى مكان واحد، ولم يكتب على قطع متناسقة، فكل سورة أو مجموعة سور قصار كان يكتب فى أحجار متناسقة، ويربط عليها الخيط، ويوضع فى بيوت أمهات المؤمنين أو فى بيوت بعض كتاب الوحى.
جمع القرآن فى مكان واحد فى عهد أبى بكر الصديق
بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ارتدت الكثير من قبائل العرب عن الإسلام، وبدأت حروب الردة، واستشهاد ما يزيد على 70 صحابيا من حفظة القرآن الكريم فى معركة اليمامة فى حرب مسيلمة الكذاب، لذا تشاورا مع أبى بكر الصديق فى أمر جمع القرآن مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وذلك لمزيد من الاحتياط خوفًا على ضياع شىء منه بعد موت الكثير من حفاظة الكبار فى الحرب، وبعد أن اطمأن قلبه أوكل مهمة جمعه إلى الصحابى الجليل زيد بن ثابت رضى الله عنه، فجُمع القرآن من جميع الرقاع والعظام والسعف وصدور الرجال وكتبه فى مكان واحد لأول مرة، بعد أن كان مجموعًا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فى صدور الصحابة ومكتوبًا على مواد متنوعة فى أماكن متفرقة، وحُفظ عند أبى بكر الصديق حتى وفاته ومن ثم فى بيت عمر بن الخطاب حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر رضى الله عنهم.
جمع القرآن فى عهد عثمان بن عفان
جاء عهد عثمان بن عفان سنة 23 للهجرة، وتوسعت الفتوحات ودخل كثير من الأمم الأعجمية فى الإسلام، فوصلت الفتوحات إلى الصين شرقًا وتونس غربًا وأرمينيا وأذربيجان شمالًا، وانتشر بين هؤلاء الأقوام والأمم معلمو القرآن الكريم من الجيلين الثانى والثالث، من التابعين وتابعى التابعين، الذين تتلمذوا على الصحابة الذين نشرهم الفاروق فى البلدان، فاختلف الناس فى أوجه قراءة القرآن، حيث قرأوه بلغات بلادهم على اتساع اللغات، ولما كان حذيفة بن اليمان يغازى أهل الشام فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق وفزع من اختلافهم فى قراءة القرآن، فقال لعثمان بن عفان: يا أميرَ المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا فى الكتابِ اختلافَ اليهود والنصارى.
فأرسلَ عثمانُ إلى حفصة أنْ تُرسل المُصحف الذى جُمع فى عهد أبى بكر الصديق ليُنسخُ فى مصاحف تُبعث للأقطار، ثم يردوه إليها، وأمرَ زيدَ بنَ ثابت، وعبدَالله بن الزبير، وسعيدَ بن العاص، وعبدَ الرحمن بن الحارث بن هشام رضى الله عنهم، فنسخوها فى المصاحف، وأرسل إلى كلِّ قُطر بمصحف ممّا نسخوا، ومع كل مصحف قارئ يقرئ المسلمين كتاب الله بلا خطأ، وأمر بالالتزام بتلك النسخ وحرق ما سواها، وهكذا وحّد المصاحف فى البلاد الإسلامية بالنسخ عن مصحف الصديق.
وفيما بعد استنسخ من نسخة عثمان بن عفان ملايين النسخ، وهكذا كان الأصل فى نقل القرآن هو النقل الشفوى متواتراً، أما النقل الخطى فهو لزيادة التوثيق، وكل ذلك تحقيق لوعد الله جل جلاله فى حفظ كتابه من الزيادة أو النقصان، والتحريف أو التبديل: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ».
الفرق بين جمع الصديق وذى النورين
فى عهد أبى بكر الصديق لم يكن القرآن مجموع فى مكان واحد وجمعه الصديق خشية أن يضيع بسبب موت حفظته من الصحابة فى الحروب، فجمعه فى صحائف مرتبة الآيات على ما وقفهم عليه النبى صلى الله عليه وسلم، أما عثمان بن عفان حفظ القرآن الكريم بسبب اختلاف النطق فيه لما انتشرت الرسالة وبلغت الأفاق وتنازع الناس بين لغاتهم، فأخذ البعض يخطئ الآخر، فخشى من تفاقم الأمر واللحن فى القرآن فجمعه فى مصحف واحد مرتب الآيات والسور واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش لأنه نزل بلغتهم.
وكل ما حدث على مدار تلك المراحل من جمع القرآن وحفظه إنما هو من توفيق الله عزوجل الذى كتب على قرآنه الكريم أن يكون محفوظا منذ أن كان فى السموات وحتى وصل إلى الأرض ومنذ نزوله على صدر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إلى الآن فيما يزيد على 1400 عام.
أول مصحف مطبوع فى مصر
لم تُعرف الطباعة فى مصر إلا فى فترة الاحتلال الفرنسى، ثم رحلت المطبعة مع الحملة، وظلت مصر لا تعرف الطباعة حتى العام 1822، حينما أراد محمد على باشا إحداث نهضة بالبلد فى التخصصات والمجالات المتنوعة، وفى العام 1832 أمر محمد على بطبع أجزاء من المصحف لتلاميذ المدارس، ثم صدر أمر إلى مدير مطبعة بولاق بطبع المصحف والذى كان مُحرمًا قبل ذلك بفتوى بناء على عدة حجج منها عدم طهارة مواد الطباعة أو حدوث خطأ فى الطباعة، وأمر الشيخ التميمى، مفتى الديار المصرية فى ذلك الوقت بوضع خاتمة على المصحف ليكون بيعه وتداوله أمرًا مشروعًا، وتم توزيع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر الشريف، واستمر ذلك حتى وفاة محمد على، ولذا يعتبر مصحف محمد على أول مصحف مصرى مطبوع.
وتَقرر إعادة طبع ذلك المصحف فى عهد الملك فاروق، تألفت لجنة للمراجعة والتدقيق فأتمت مراجعة المصحف وتصحيحه تحت إشراف مشيخة الأزهر، وتم إعداد المصحف وطبعه بمصلحة المساحة، أما ترتيبه فتم فى مطبعة دار الكتب المصرية، وكانت تلك الطبعة الثانية للمصحف الشريف، وصدرت العام 1371هـ/ 1952 وكانت أصح وأجمل الطبعات.
ثم توالت الطبعات فى المطابع الأميرية وغيرها، وعرف بمصحف بولاق، أو المصحف الأميرى، أو المصحف المصرى، أو مصحف دار المساحة، أو مصحف دار الكتب، فهى مسميات لمصحف واحد، وهو الذى كتب حروفه الخطاط جعفر بك، وتمت كتابته وضبطه بما يوافق رواية حفص عن عاصم، وأُخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التى بعث بها الخليفة عثمان بن عفان إلى البصرة والكوفة والشام ومكة ومصحف المدينة المنورة ومصحفه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: علينا شهر رمضان الظلمات صلى الله علیه وسلم الصلاة والسلام عثمان بن عفان رضى الله عنه جمع القرآن مع القرآن محمد على لم یکن
إقرأ أيضاً:
ترتدي تاجا من نور يوم القيامة.. الفوز العظيم لمن علم أبناءه هذا الأمر
قال الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، وعضو لجنة ترقية الأساتذة بجامعة الأزهر، إن من علم أبنائه وحفّظهم هذا الذكر في حياته البسه الله تاجا من نور يوم القيامة.
فأخرج الإمام أحمد عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮﻝ: " ﺗﻌﻠﻤﻮا ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ؛ ﻓﺈﻥ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﺮﻛﺔ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ ﺣﺴﺮﺓ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻬﺎ اﻟﺒﻄﻠﺔ ". ﻗﺎﻝ: ﺛﻢ ﺳﻜﺖ ﺳﺎﻋﺔ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: " ﺗﻌﻠﻤﻮا ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ، ﻭﺁﻝ ﻋﻤﺮاﻥ؛ ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ اﻟﺰﻫﺮاﻭاﻥ ﻳﻈﻼﻥ ﺻﺎﺣﺒﻬﻤﺎ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﻏﻤﺎﻣﺘﺎﻥ ﺃﻭ ﻏﻴﺎﻳﺘﺎﻥ ﺃﻭ ﻓﺮﻗﺎﻥ ﻣﻦ ﻃﻴﺮ ﺻﻮاﻑ ، ﻭﺇﻥ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﻠﻘﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﻨﺸﻖ ﻋﻨﻪ ﻗﺒﺮﻩ ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺸﺎﺣﺐ. ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺃﻋﺮﻓﻚ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺎ ﺻﺎﺣﺒﻚ اﻟﻘﺮﺁﻥ اﻟﺬﻱ ﺃﻇﻤﺄﺗﻚ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاﺟﺮ ﻭﺃﺳﻬﺮﺕ ﻟﻴﻠﻚ، ﻭﺇﻥ ﻛﻞ ﺗﺎﺝﺭ ﻣﻦ ﻭﺭاء ﺗﺠﺎﺭﺗﻪ، ﻭﺇﻧﻚ اﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﻭﺭاء ﻛﻞ ﺗﺠﺎﺭﺓ .
ﻓﻴﻌﻄﻰ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻴﻤﻴﻨﻪ، ﻭاﻟﺨﻠﺪ ﺑﺸﻤﺎﻟﻪ، ﻭﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﺗﺎﺝ اﻟﻮﻗﺎﺭ، ﻭﻳﻜﺴﻰ ﻭاﻟﺪاﻩ ﺣﻠﺘﻴﻦ ﻻ ﻳﻘﻮﻡ ﻟﻬﻤﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﻘﻮﻻﻥ: ﺑﻢ ﻛﺴﻴﻨﺎ ﻫﺬا ؟
ﻓﻴﻘﺎﻝ: ﺑﺄﺧﺬ ﻭﻟﺪﻛﻤﺎ اﻟﻘﺮﺁﻥ.
ﺛﻢ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: اﻗﺮﺃ ﻭاﺻﻌﺪ ﻓﻲ ﺩﺭﺝ اﻟﺠﻨﺔ ﻭﻏﺮﻓﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺩ ﻣﺎ ﺩاﻡ ﻳﻘﺮﺃ، ﻫﺬا ﻛﺎﻥ، ﺃﻭ ﺗﺮﺗﻴﻼ".
والسنة النبوية من خلال العديد من النصوص والآيات والأحاديث، والتي من خلالها استمدَّ العلماء أهمية وفضل حفظ القرآن الكريم، ومن تلك الفضائل والأدلة عليها من كتاب الله وسنة نبيه ما يلي:
1- حافظ القرآن من أهل الله وخاصَّته: حيث أن أهمِّ وأبرز فضائل حفظ القرآن الكريم والتي ينفرد بها من يحفظ كتاب الله أو يقرؤه أنه يُصبح من أهل الله في الدنيا والآخرة، ويُشير إلى ذلك ما رواه المنذري في الترغيب والترهيب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ قالوا من هم يا رسولَ اللهِ قال أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه».
2- القرآن يرفع حافظه: من أهمِّ فضائل حفظ القرآن: أنَّه يرفع من يحفظه حتى يبلغ منزلة الملائكة الكرام، حيث صحَّ من حديث السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها ذكرت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ».
3- رفعة القدر في الدنيا: فمن فضائل حفظ القرآن الكريم في الدنيا أن يُصبح صاحبه رفيع القدر، كما أنه يكون من أهل الإجلال والتقدير عند الناس ويفرض احترامه على الناس لما يحمل في قلبه من القرآن، فقد رُوي عن عمر- رضي الله عنه- قوله: «أما إنَّ نبيَّكم - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد قال: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»، كما جاء في سنن أبي داود من رواية أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ».
4- حافظ القرآن مغبوطٌ في الدنيا والآخرة: فإن أهل الدنيا يغبطون حافظ القرآن على المكانة التي وصل إليها بحفظه لكتاب الله، وفي ذلك جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أنه قال:« لا حسدَ إلا في اثنتَينِ: رجلٌ علَّمه اللهُ القرآنَ فهو يَتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ...».
5- حافظ القرآن له الأولوية في إمامة الناس في الصلاة: فقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى تقديم أكثرهم حفظاً لكتاب الله وأقرئهم له، مما يُشير إلى أولوية حافظ القرآن وأحقيته بإمامة الناس وأنه الأجدر بها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ».
6- يشفع القرآن لحافظه يوم القيامة: فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أن القرآن يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة حتى يخرجوا به من النار، حيث يروي أبو أمامة - رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ...».
7- حافظ القرآن يرتقي في منازل الجنة: فإن من يحفظ القرآن الكريم يرتقي في الجنة بمقدار حفظه من كتاب الله، وكلما ازداد حفظه ازداد رفعةً في درجات الجنة، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«يُقالُ لصاحبِ القُرآنِ يومَ القيامةِ اقرَأْ وارْقََ ورتِّلْ كما كُنْتَ تُرتِّلُ في دارِ الدُّنيا فإنَّ منزلتَك عندَ آخِرِ آيةٍ كُنْتَ تقرَؤُها».
8- إكرام الله لوالدي حافظ القرآن: فإن الله سبحانه وتعالى يُكرم والدي حافظ القرآن ويُعلي من قدرهما ويرفع منزلتهما مما يُشير إلى إكرام حافظ القرآن وفضله حتى إنّ والدَيه ينتفعان بحفظه ويعلو قدرهما ببركة ما حفظ من كتاب الله، فعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه - رضي الله عنه- قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا».
طرق ووسائل تسريع حفظ القرآن الكريممن أهمِّ النصائح التي يرشد العلماء من أراد حفظ القرآن الكريم إليها ما يلي:
1- الإخلاص: فإن الإخلاص من أهم الوسائل المُعينة على حفظ القرآن الكريم، لأن الحافظ أمينٌ على رسالة الوحي الخالدة التي نزلت على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحفظت في الصدور وفي السطور.
2- تصحيح النطق: بأن يقرأ القرآن قبل حفظه على المشايخ المتقنين ويتعلم منه كيفية النطق الصحيح للآيات، خاصة المواضع التي فيها تشابه وصعوبة في اللفظ .
3- تحديد كمية الحفظ: حيث إن لكل شخصٍ حداً ومقداراً معيناً لا يستطيع أن يزيد عليه، وتحديد مقدارٍ ثابتٍ للحفظ يعتبر من أهم الوسائل المعينة على ديمومة الحفظ والصبر عليه.
4- اختيار الزمان والمكان المناسبين: فينبغي على الذي يريد حفظ كتاب الله أن يُحدد المكان والتوقيت المناسب للحفظ؛ فلا يحفظ في وقت اشتداد الحر أو في مكانٍ مليءٍ بالإزعاج وأفضل مكانٍ لحفظ القرآن على الإطلاق المسجد.
5- لا ينبغي على الذي يريد حفظ القرآن الانتقال إلى موضع حفظٍ جديد حتى يُتقن الذي حفظه سابقاً؛ حيث إن ذلك يؤدي إلى تشتيت القرآن في عقله ولا يكون قد استقرَّ في ذهنه شيءٌ منه إلا النزر اليسير.
6- حافظ على الحفظ من مصحفٍ خاص ( له رسمٌ واحد)؛ لأن عقل الإنسان يهتمُّ بالتفاصيل فإذا تغيرت المصاحف في رسمها من حيث عدد الأسطر ولون الكلمات تشتت الحافظ ولم يُثبت حفظه كما ينبغي.
7- المحافظة على ترابط السور والآيات: فالسورة الواحدة تحتوي على أحداث متسلسلة، وكذلك الآيات الطويلة؛ فلا ينبغي حفظ جزءٍ من السورة ثم الانتقال إلى موضعٍ آخر منها دون ربط السابق باللاحق، والترابط بين آيات السور وقصصها يُسهل من الحفظ ويجعله يسيراً مرناً.
8- الفهم من أسرع طرق الحفظ: فإن الحافظ إذا فهم مغزى الآيات حفظها وإن توضَّح له معناها سهُل عليه الربط بين جزئيات السورة وبالتالي حفظها بيسرٍ وسهولة.
9- التفسير يُعين على الحفظ: فيجب على من يريد حفظ القرآن أن يقرأ التفاسير ليُدرك أسباب النزول والمعاني الخفية وراء الآيات وبعض الكلمات ذات الدلالات البعيدة، مما يُعينه على الحفظ بشكلٍ أيسر.
10- العناية بالمتشابهات: في بعض المواضع المتشابهة بين السور والآيات ينبغي العناية بتلك المواضع وربط أطراف الآيات ومواضع السور حتى يسهل التفريق بين المتشابهات من الآيات والسور.
11- التسميع والتسابق مع أهل القرآن: فينبغي على من يريد الحفظ أن يختار صُحبةً ممن يسعون إلى حفظ كتاب الله ليشجعوه على الحفظ ويتسابق معهم عليه مما يُحرك فيه روح المنافسة ويجعله أكثر نشاطاً وهمة.
12- معاهدة القرآن الكريم: حيث إن القرآن الكريم شديد التَّفلُّت من صاحبه ما لم يتعاهده بالمراجعة والمذاكرة.
13- اغتنام سنوات الحفظ: فينبغي أن يسعى الإنسان إلى تحفيظ أبنائه القرآن الكريم وهم في بداية عمرهم حتى يسهل عليهم الحفظ ويترسخ في أذهانهم، وهذا لا يعني عدم قدرة الكبار على الحفظ إن توافرت العزيمة والإرادة لذلك.
14- الصلاة خلف إمام حافظ متقن: لأن المسلم إذا صلى خلف إمامٍ يحفظ القرآن يتشجع على الحفظ طمعاً بالوصول إلى ما وصل إليه الإمام من الحفظ.
15- المحافظة على الورد: ينبغي على الحافظ أن يجعل له ورداً مخصصاً يذاكره يومياً حتى يترسخ القرآن في عقله وقلبه.