أشرف غريب يكتب: «بابا جه».. كوميديا الأسئلة الحرجة
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
منذ زمن ونحن نفتقد على الشاشة عملاً كوميدياً راقياً تكون الأسرة فيه هى مركز الأحداث ومحل اهتمامه، عمل يذكّرنا بعصر الكوميديا الأسرية التى اعتاد أن يُمتعنا بها رائدها الأشهر المخرج السينمائى فطين عبدالوهاب، لكن يبدو أن الشركة المتحدة قررت أن تعيد إلينا قبساً من روح هذا العصر من خلال مسلسل «بابا جه» الذى كتبه وائل حمدى ومحمد إسماعيل أمين، وأخرجه خالد مرعى.
مسلسل «بابا جه» ليس مجرد حدوتة ذلك الرجل الذى أقعده وباء كورونا فى بيته بعد أن كان ناجحاً فى عمله بمجال السياحة، فاستمرأ الكسل وارتضى أن تعوله زوجته قبل أن يصبح بالصدفة أباً بديلاً لكثير من الأسر مقابل بعض المال، فاستمرأ أيضاً هذا الوضع الجديد، بل وشجّعته زوجته على المضىّ فيه فى عصر الإنترنت والسوشيال ميديا.. «بابا جه» يغلف الكثير من مشكلاتنا الأسرية بضحكة راقية وابتسامة متأملة علَّنا نفيق من هذا الواقع الأليم الذى نعيشه، لقد شغلتنا أعباء الحياة عن أبسط حقوق الأبناء فى الرعاية والاهتمام، فالأب وإن كان لزاماً عليه الإحساس بالمسئولية المادية تجاه بيته وأسرته، مهما كانت قسوة الظروف التى يمر بها، فإنه أيضاً ليس ذلك الرجل الذى يقوم بدور الصراف أو ماكينة «atm» يلجأ إليه الأبناء فقط وقت الحاجة المادية. يقول عالم الاجتماع الأشهر ابن خلدون إن القوامة التى تحدّث عنها الدين يجب النظر إليها من منظور أوسع من مجرد الإنفاق وإلا أصبحت المرأة فى المجتمعات الأخرى لها أيضاً حق القوامة بما أنها شريك فى الإنفاق، فالرجل لا يستطيع القيام بمهام أنثوية وبيتية معينة خليقة بالمرأة، لكنه منوط بالكد والرعاية والحفاظ على قوام الأسرة من شتى الأوجه، وهو ما أيّده فيه عالم الاجتماع الفرنسى «دافيد دوركايم» الذى أفزعه ما وصلت إليه المجتمعات فى أوروبا أواخر القرن التاسع عشر بسبب الثورة الصناعية الهائلة وتشابك الأدوار داخل الأسرة، وغياب سلطة الأب أو تغييبها فى بعض الأحيان.
فى زمن الدعة والحياة الهادئة الخالية من التعقيدات والمنغصات -أو تكاد- كانت عبارة «بابا جه.. بابا جه» تعنى فرحة الأسرة بقدوم الوالد إلى البيت بعد عناء دوامه اليومى فى العمل ليلتف حوله أفراد أسرته وتكتمل أضلاعها، فيسرى الدفء والطمأنينة والإحساس بالأمان، أما اليوم فقد تحولت العبارة -بحسب المسلسل- إلى رغبة وأمنية، إلى احتياج للدور الأصلى والأصيل الذى خُلق من أجله رب الأسرة بما تحمل هذه العبارة البليغة (رب الأسرة) من معنى وقيمة ورسالة نبيلة.
لقد كشف مسلسل «بابا جه» بعض عورات مجتمعنا فى زمن اللهاث المادى حتى رغم لغته الكوميدية الراقية، وألقى فى وجوهنا بعض الأسئلة المحرجة، أو هكذا يجب أن تكون، من قبيل: إلى هذا الحد نحن أصبحنا بحاجة إلى الأب البديل؟ وهل هذا البديل من الممكن أن يقوم بالدور ذاته الذى يجب أن يؤديه الأب الأصلى، أم أن الأبناء يتعاملون مع الأمر على أنه يوفر الحد الأدنى من الاحتياج العاطفى والمعنوى؟ ثم ماذا على الأبوين فعله حيال خلافاتهما الأسرية التى لا يراعون فيها مشاعر أطفالهم وقدرتهم على امتصاص هذه المواقف السلبية واختزانها لتخرج وقت اللزوم فى شكل ثورة غاضبة، أو تبقى مكبوتة فى النفس وتتحول مع الأيام والتكرار إلى عقدة مستعصية؟ ثم ها هو السؤال الأهم: هل حقاً فاقد الشىء لا يعطيه؟ إن بطل المسلسل (أكرم حسنى) كان يعانى من مشكلات تربوية فى صغره، فهل كان لها تأثيرها على رغبته فى الاستمساك بدوره كأب ورب أسرة حقيقى، لا سيما وأن عمله فى مجال السياحة لم يكن يسمح له إلا بإجازات قصيرة يقضيها مع أسرته؟ وكيف وهو الذى لا يقوم بواجباته كأب فى بيته ينجح فى أن يكون أباً بديلاً ومأجوراً ناجحاً؟ لماذا فشل فى ممارسة أبوته داخل أسرته ونجح فيها خارجها؟ هل هو أيضاً كان يبحث عن مناخ بديل يحقق فيه أبوته الناجحة وسط ظروف بيتية ضاغطة كُسرت فيها هيبته أمام ابنته بسبب خلافاته الزوجية على خلفية عدم قدرته على القوامة؟
تخيلوا أن عملاً فنياً لافتاً كمسلسل «بابا جه» نجح فى إثارة كل تلك التساؤلات وغيرها، وهذه هى قيمة الفن الحقيقى، إننى أعتقد أن ما طرحه هذا العمل بحاجة إلى وقفات متأملة ودارسة من جانب أساتذة الاجتماع فى جامعاتنا، علَّنا نستطيع استعادة الدفء الأسرى الذى كنا نعرفه، وتعود مرة أخرى عبارة «بابا جه» لتحمل معانى الفرحة والبهجة والإحساس بالأمان.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما شهر رمضان بابا جه الأعمال الكوميدية بابا جه
إقرأ أيضاً:
«هاريس - ترامب» رهان خاسر وسبات عميق
أتابع عبر الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعى نظرة تفائل هنا وتشاؤم هناك حول المرشحين فى الانتخابات الأمريكية للرئاسة التى بدأت صباح اليوم الثلاثاء، أتابع وأنا أضحك وجود معسكرين فى المنطقة العربية، الأول ينحاز لترامب والثانى لهاريس، كلا المعسكرين يبنى آمال عريضة على مرشحه وكأننا نحمل الجنسية الأمريكية، صحيح أن الولايات المتحدة هى وحدها التى تضع سياسة العالم وهى الدولة الكبرى الوحيدة فى العالم التى لا ينافسها أحد، لكن مسألة المبالغة فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين هو أمر مثير للدهشة منا كعرب، لأن هاريس وترامب وجهين لعملة واحدة، بالنسبة لبعض الدول العربية هناك وجه منهم مريح إلى حد ما فى بعض الأمور، لكن بالنسبة للقضايا الرئيسية التى تشغل العرب مثل القضية الفلسطينية أو اعتداءات الكيان الصهيونى على بعض الأشقاء فتلك السياسات لن تتغير، سيبقى الأسطول الأمريكى فى البحر المتوسط لحماية الكيان الصهيونى، وسيظل «الفيتو» الأمريكى موجود لتعطيل وتعديل أى قرار ضد الكيان الصهيونى، وستظل المساعدات العسكرية والمالية تصل إلى تل أبيب فى الميعاد الذى تطلبه حكومة الكيان.
أمريكا طوال تاريخها، وهناك فتى واحد مدلل بالنسبة لها فى منطقة الشرق الأوسط، هذا الفتى هو الشرير الذى يحرق ويقتل ويرفع راية البلطجة على الجميع.
خلال عام قام هذا البلطجى «مصاص الدماء» بقتل أبناء فلسطين حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من خمسين ألف، وتجاوز عدد المصابين المائة ألف بين طفل وسيدة وكبار سن، دمر هذا الطفل المدلل ما يقرب من ٧٠% من غزة وحولها إلى تلال من المبانى المنهارة، أصبحت غزة بقايا مدينة، لم تعد بها أسرة واحدة مكتملة البناء «الأبناء الأب الأم»، أحدهم أو كلهم شهداء، وهناك أسر كاملة استشهدت، لم يعد لها من يحمل اسمها، نعم أسر كاملة أبيدت برعاية أمريكية، وبسلاح ومساندة ودعم أمريكى.
لذلك لا أعلم كيف وبأى وجه أجد بعض العرب يبنون آمال عريضة على نجاح مرشح أمريكى بعينه أو أجد متشائم من وصول الآخر لسدة الحكم، كلاهما مر.
أمريكا هى التى ترعى دولة الكيان وحريصة على بقائها، وبقاء هذه الدولة المحتلة مرهون ببقاء أمريكا، ونحن العرب ستظل أمريكا بالنسبة لنا هى الكابوس الذى يطاردنا فى الليل والنهار.
سياستها تجاهنا قائمة على مصلحتها، ومصلحة الكيان الصهيونى الذى يحركها كما ومتى يشاء، الموضوع بينهما تخطى مرحلة المصالح إلى مرحلة الحياة والموت، إسرائيل تعتبر أمريكا قلبها النابض، الذى يمد جسدها بالدم المحمل بالاكسجين، وأمريكا تعتبر إسرائيل الابن المدلل.
و بالنسبة لنا كعرب أمريكا هى سفينة النفايات التى تحمل لنا السموم والميكروبات بكافة اشكالها.
أمريكا ليست للعرب فقط مركز السموم، و وكر الأفاعى، لكنها تمثل نفس الأمر لدول كثيرة حول العالم تضررت منها وذاقت من شرورها الكثير.
الغريب فى الأمر والشيء العجيب أن كل الأقطار العربية تعى تماما حجم العلاقة بين الكيان الصهيونى وأمريكا، ورغم ذلك مازلنا نبحث عن الأمان عندها، تريدون أن تعوا قيمة الكيان الصهيونى لدى أمريكا؟، اقرأوا هذا الرقم الذى يوضح حجم العلاقة بينهما،
منذ تأسيس إسرائيل فى عام 1948 حتى عام 2022 تلقت 158 مليار دولار مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، مما يجعلها أكبر متلق فى التاريخ.
فى النهاية نجحت هاريس أم سقطت، نجح ترامب أم سقط كلاهما مر، فلا تشغلوا حالكم بمن هو الرئيس القادم، الكل ينفذ أجندة واحدة تم وضعها منذ سنوات طويلة ولم ولن تتغير.
تلك الحرب الدائرة فى كل بقاع الأرض أمريكا هى كلمة السر فيها، فلا تسرفوا فى التفاؤل تجاه أحد المرشحين كلاهما مر، كلاهما لا يهمه سوى مصلحته ومصلحة الكيان الصهيونى.
فلا تصدقوا التعهد الذى قطعته نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس، بأنها ستسعى لإنهاء الحرب فى قطاع غزة فى حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، معتبرة أن قتل الفلسطينيين الأبرياء فى القطاع وصل إلى مستوى غير معقول، ولا تصدقوا ترامب عندما يقول نفس المفردات، خاصة أن أمريكا لن تسمح بحل الدولتين مهما حدث.
على العرب يستيقظوا من السبات العميق الذى هم عليه، علينا كعرب البحث عن طرق أخرى للتعامل مع هذا الكيان «الأمريكى - الصهيونى».