الوطن:
2025-01-01@11:58:30 GMT

أشرف غريب يكتب: «بابا جه».. كوميديا الأسئلة الحرجة

تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT

أشرف غريب يكتب: «بابا جه».. كوميديا الأسئلة الحرجة

منذ زمن ونحن نفتقد على الشاشة عملاً كوميدياً راقياً تكون الأسرة فيه هى مركز الأحداث ومحل اهتمامه، عمل يذكّرنا بعصر الكوميديا الأسرية التى اعتاد أن يُمتعنا بها رائدها الأشهر المخرج السينمائى فطين عبدالوهاب، لكن يبدو أن الشركة المتحدة قررت أن تعيد إلينا قبساً من روح هذا العصر من خلال مسلسل «بابا جه» الذى كتبه وائل حمدى ومحمد إسماعيل أمين، وأخرجه خالد مرعى.

الممتع فى هذا العمل أنه ليس مسلسلاً للتسلية والضحك كحال معظم الأعمال الكوميدية رغم أن الضحك هدف نبيل فى ذاته، وإنما جاء المسلسل يحمل قيمة إنسانية ورسالة مهمة كان على كل أسرة الانتباه إليها.

مسلسل «بابا جه» ليس مجرد حدوتة ذلك الرجل الذى أقعده وباء كورونا فى بيته بعد أن كان ناجحاً فى عمله بمجال السياحة، فاستمرأ الكسل وارتضى أن تعوله زوجته قبل أن يصبح بالصدفة أباً بديلاً لكثير من الأسر مقابل بعض المال، فاستمرأ أيضاً هذا الوضع الجديد، بل وشجّعته زوجته على المضىّ فيه فى عصر الإنترنت والسوشيال ميديا.. «بابا جه» يغلف الكثير من مشكلاتنا الأسرية بضحكة راقية وابتسامة متأملة علَّنا نفيق من هذا الواقع الأليم الذى نعيشه، لقد شغلتنا أعباء الحياة عن أبسط حقوق الأبناء فى الرعاية والاهتمام، فالأب وإن كان لزاماً عليه الإحساس بالمسئولية المادية تجاه بيته وأسرته، مهما كانت قسوة الظروف التى يمر بها، فإنه أيضاً ليس ذلك الرجل الذى يقوم بدور الصراف أو ماكينة «atm» يلجأ إليه الأبناء فقط وقت الحاجة المادية. يقول عالم الاجتماع الأشهر ابن خلدون إن القوامة التى تحدّث عنها الدين يجب النظر إليها من منظور أوسع من مجرد الإنفاق وإلا أصبحت المرأة فى المجتمعات الأخرى لها أيضاً حق القوامة بما أنها شريك فى الإنفاق، فالرجل لا يستطيع القيام بمهام أنثوية وبيتية معينة خليقة بالمرأة، لكنه منوط بالكد والرعاية والحفاظ على قوام الأسرة من شتى الأوجه، وهو ما أيّده فيه عالم الاجتماع الفرنسى «دافيد دوركايم» الذى أفزعه ما وصلت إليه المجتمعات فى أوروبا أواخر القرن التاسع عشر بسبب الثورة الصناعية الهائلة وتشابك الأدوار داخل الأسرة، وغياب سلطة الأب أو تغييبها فى بعض الأحيان.

فى زمن الدعة والحياة الهادئة الخالية من التعقيدات والمنغصات -أو تكاد- كانت عبارة «بابا جه.. بابا جه» تعنى فرحة الأسرة بقدوم الوالد إلى البيت بعد عناء دوامه اليومى فى العمل ليلتف حوله أفراد أسرته وتكتمل أضلاعها، فيسرى الدفء والطمأنينة والإحساس بالأمان، أما اليوم فقد تحولت العبارة -بحسب المسلسل- إلى رغبة وأمنية، إلى احتياج للدور الأصلى والأصيل الذى خُلق من أجله رب الأسرة بما تحمل هذه العبارة البليغة (رب الأسرة) من معنى وقيمة ورسالة نبيلة.

لقد كشف مسلسل «بابا جه» بعض عورات مجتمعنا فى زمن اللهاث المادى حتى رغم لغته الكوميدية الراقية، وألقى فى وجوهنا بعض الأسئلة المحرجة، أو هكذا يجب أن تكون، من قبيل: إلى هذا الحد نحن أصبحنا بحاجة إلى الأب البديل؟ وهل هذا البديل من الممكن أن يقوم بالدور ذاته الذى يجب أن يؤديه الأب الأصلى، أم أن الأبناء يتعاملون مع الأمر على أنه يوفر الحد الأدنى من الاحتياج العاطفى والمعنوى؟ ثم ماذا على الأبوين فعله حيال خلافاتهما الأسرية التى لا يراعون فيها مشاعر أطفالهم وقدرتهم على امتصاص هذه المواقف السلبية واختزانها لتخرج وقت اللزوم فى شكل ثورة غاضبة، أو تبقى مكبوتة فى النفس وتتحول مع الأيام والتكرار إلى عقدة مستعصية؟ ثم ها هو السؤال الأهم: هل حقاً فاقد الشىء لا يعطيه؟ إن بطل المسلسل (أكرم حسنى) كان يعانى من مشكلات تربوية فى صغره، فهل كان لها تأثيرها على رغبته فى الاستمساك بدوره كأب ورب أسرة حقيقى، لا سيما وأن عمله فى مجال السياحة لم يكن يسمح له إلا بإجازات قصيرة يقضيها مع أسرته؟ وكيف وهو الذى لا يقوم بواجباته كأب فى بيته ينجح فى أن يكون أباً بديلاً ومأجوراً ناجحاً؟ لماذا فشل فى ممارسة أبوته داخل أسرته ونجح فيها خارجها؟ هل هو أيضاً كان يبحث عن مناخ بديل يحقق فيه أبوته الناجحة وسط ظروف بيتية ضاغطة كُسرت فيها هيبته أمام ابنته بسبب خلافاته الزوجية على خلفية عدم قدرته على القوامة؟

تخيلوا أن عملاً فنياً لافتاً كمسلسل «بابا جه» نجح فى إثارة كل تلك التساؤلات وغيرها، وهذه هى قيمة الفن الحقيقى، إننى أعتقد أن ما طرحه هذا العمل بحاجة إلى وقفات متأملة ودارسة من جانب أساتذة الاجتماع فى جامعاتنا، علَّنا نستطيع استعادة الدفء الأسرى الذى كنا نعرفه، وتعود مرة أخرى عبارة «بابا جه» لتحمل معانى الفرحة والبهجة والإحساس بالأمان.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الدراما شهر رمضان بابا جه الأعمال الكوميدية بابا جه

إقرأ أيضاً:

العقرب والعنكبوت.. علماء: الحيوانات أيضاً تهادي بعضها في المناسبات

تتسم الحيوانات بتنوع كبير في سلوكيات تقديم الهدايا، والتي تتراوح بين المغازلة وتعزيز الروابط الاجتماعية، مما يعكس تعقيد هذا السلوك في عالم الكائنات الحية.

من العقارب والعناكب إلى القردة والدلافين، يلجأ الذكور إلى تقديم الهدايا كوسيلة لجذب الإناث أو لتعزيز العلاقات مع أفراد آخرين. وقد أظهرت الأبحاث أن تقديم الهدايا لا يقتصر على التزاوج، بل يُستخدم أيضاً لبناء شبكات اجتماعية قوية. وأكدت دراسة أجراها علماء في جامعة تورنتو بكندا أن هذا السلوك يشمل أنماطاً متنوعة ومعقدة.

على سبيل المثال، بين العناكب، يقدم الذكور هدايا مغلفة بخيوط الحرير مملوءة بمواد كيميائية لجذب الإناث. إذا قوبلت الهدية بالرفض، يعيد الذكر تغليفها بشكل أكثر إتقاناً لمحاولة أخرى. في بعض الحالات، يلجأ الذكور إلى الحيلة، حيث يقدمون هدايا ذات جودة منخفضة، مثل أجزاء من فريسة سبق تناولها جزئياً. دراسة كشفت أن 70% من الهدايا المقدمة من ذكور العناكب كانت مزيفة، تُستخدم كوسيلة لخداع الأنثى والسيطرة عليها.

أما في بعض الأنواع الأخرى، فإن تقديم الهدايا يتطلب تضحيات كبيرة. فذكر الجراد الصحراوي يسمح للأنثى بقضم أجنحته الخلفية خلال التزاوج، ما يحرمه من فرصة البحث عن شريكة جديدة. في المقابل، يقدم ذكر العنكبوت الأحمر حياته كهدية، حيث يسمح للأنثى بالتهام طرف بطنه أثناء التزاوج، ما يؤدي إلى وفاته لاحقاً.

هذه السلوكيات تكشف عن تنوع مذهل في الاستراتيجيات التي تستخدمها الحيوانات للتواصل والتفاعل، مما يبرز مدى تعقيد علاقاتها الاجتماعية.

هدية كهرمانية من العصر الحجري
في اكتشاف مذهل، توصلت عالمة الحشرات تشوفاي تانج من أكاديمية جيانجسو للعلوم الزراعية في الصين إلى مثال على تقديم الهدايا محفوظ في قطرة كهرمانية تعود إلى 99 مليون سنة. فقد اكتشف العلماء ذكر ذبابة من نوع ألافيشيا ممسكاً ببالون فارغ من المخاط، ما يثبت أن هذا السلوك قديم جداً.

تبادل الهدايا بين الحيوانات
لكن الهدايا لا تقتصر فقط على المغازلة والتزاوج. فقد كشفت دراسة أجريت عام 2013 أن البونوبو، وهو نوع من القردة العليا التي تشترك في 99% من جيناتها مع البشر، يتبادل الهدايا مع غرباء من نوع آخر من الحيوانات. على غرار البشر، يقدم البونوبو الطعام، مثل التفاح والموز، لأقرانه من غير المجموعة الخاصة به، في لفتة من الكرم الاجتماعي، حتى يتاح لهم التفاعل والتواصل وبناء علاقات جديدة.الهدايا بين الإنسان والحيوان
الهدية بين الحيوانات قد لا تكون مرتبطة دائماً بالرغبة في المغازلة أو التزاوج، بل قد تكون أداة لبناء العلاقات والتواصل الاجتماعي بين أفراد الأنواع المختلفة. في بعض الحالات، مثل ما تفعله الدلافين مع البشر، قد تكون الهدية مجرد وسيلة لإرضاء المتلقي ونقل مشاعر الإعجاب.
إذاً، من العقارب والعناكب إلى القرود والدلافين، لا يبدو أن تقديم الهدايا أمراً مقتصراً على البشر فقط، بل هو سلوك طبيعي بين العديد من الكائنات الحية، يعزز العلاقات الاجتماعية والتواصل بين أفراد الأنواع المختلفة.

صحيفة الخليج

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • غزة المنسيِّة
  • ميلاد السيد المسيح
  • غيوم “أسئلة الفساد” تمطر في الأردن… وحسان برسم “أول تعديل”
  • سامح قاسم يكتب: على الأرض السلام
  • الإسكان: الطرح الجديد لمن لم يصبهم الدور.. والأولوية للحالة الاجتماعية
  • صندوق الإسكان الاجتماعي: الطرح الجديد لمن لم يصبهم الدور والأولوية للحالة الاجتماعية
  • القرن الأفريقى على صفيح ساخن.. الصومال وإثيوبيا يستقبلان عامًا ساخنًا.. السودان مرشح للذهاب إلى السيناريو الليبى.. غموض كبير بشأن استقرار البحر الأحمر.. وأرض الصومال تسعى لنيل الاعتراف من واشنطن
  • منير أديب يكتب: في وداع عام الحرب والصراعات والإرهاب.. قتل ودمار وانتشار العنف والتطرف.. والأمل في المستقبل
  • اعترافات ومقابلات تكشف للحقيقة.. «نيويورك تايمز»: إسرائيل تمنح الضباط سلطة قتل آلاف المدنيين فى قطاع غزة
  • العقرب والعنكبوت.. علماء: الحيوانات أيضاً تهادي بعضها في المناسبات