بوابة الوفد:
2024-11-26@11:42:47 GMT

مقابسات أبوحيان التوحيدي

تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT

لعل من أمتع ما قرأت من كتب التراث العربى الإسلامى مؤلفات أبو حيان التوحيدى المتوفى 403 ه، الذى كان فيما يقول مؤرخو حياته متفننا فى جميع العلوم، صوفى السمت والهيئة، لدرجة أنهم اعتبروه شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة ومحقق المتكلمين ومتكلم المحققين وإمام البلغاء الذى لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة، وكان مع كل ذلك فقيها صحيح العقيدة متبحرا فى العلوم والمعارف، والطريف أنه مع كثرة ما صحب من ذوى السلطان وأصحاب النفوذ فى عصره، عاش حياته رقيق الحال مشرد الفكر قلق الركب لا يكاد يستقر فى مكان!.

ولقد كتب هذا الرجل الموسوعى عدة مؤلفات التزم فى عرضها طريقة التناظر والتحاور وأسلوب المحاضرة والمسامرة وجاءت كلها بعيدة عن التكلف والتعسف بريئة من اللبس والغموض. والكثير من هذه المؤلفات تكاد تدخل فيما نسميه اليوم بالفلسفة التطبيقية، ولعل أشهرها بالإضافة إلى الكتاب الذى اتخذناه عنوانا لهذا المقال، كتاب الامتاع والمؤانسة ،ورسالة الصديق والصداقة، والمحاضرات والمناظرات، ورياض العارفين، وفى ثمرات العلوم؛ ففى هذه المؤلفات وغيرها كان أبوحيان التوحيدى ممتعا لقارئه قادرا على إبهاره بحسن العبارة وعمق المعنى فضلا عما تمتع به من شمولية الثقافة وعمق الفكر لدرجة يمكن القول معها إنه كان بما كتب يمثل ويعكس صورة القرن الرابع الهجرى الذى عاشه كاملا تقريبا ودلالة على ما كان بذلك العصر من تيارات فكرية متباينة. ولعل من أمتع وأعمق ما كتب فى «المقابسات» تلك العبارات الجامعة المانعة حول الأخلاق الجامعة للفضيلة التى إن سلك الفرد وفقا لها متحليا حق التحلى بها جمع بين خير الدنيا وحسن الجزاء فى الآخرة وقد حصرها فى خمس عشرة خصلة هي: «ايثار الخير على الشر فى الأفعال، والحق على الباطل فى الاعتقادات، والصدق على الكذب فى الأقوال، ذكر السعادة وأن تحصيلها يكون باختيار دائما وكثرة الجهاد الدائم لأجل الحرب الدائمة بين المرء ونفسه، والتمسك بالشريعة ولزوم وظائفها، وحفظ المواعيد حتى تنجزها، وقلة الثقة بالناس بترك الاسترسال، ومحبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك، الصمت فى أوقات حركات النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل، والإقدام على كل ما كان صوابا، والإشفاق على الزمان الذى هو من العمر ليستعمل فى المهم دون غيره، ترك الخوف من الموت والفقر بعمل ما ينبغى وترك الدنية، ترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد لئلا تشتغل بمقابلتهم والانفعال لهم، حسن احتمال الغنى والفقر والكرامة والهوان بجهة وجهة، ذكر المرض وقت الصحة والهم وقت السرور والرضا عند الغضب ليقل الطغى والبغى، قوة الأمل وحسن الرجاء والثقة بالله تعالى وصرف جميع البال إليه فإذا يسر الله تعالى إصلاح نفسه بما جاهد عليه تفرغ بعد ذلك إلى إصلاح غيره.. وعلامة ذلك أنه لا يبخل على أحد بنصيحة ولايمنع أحدا رتبة يستحقها، ولا يستبد دون الأخيار بما يتسع له..». وإذا ما نجح الفرد فى تحصيل هذه الفضائل ورفعت عنه – فيما يضيف أبو حيان- العوائق والموانع، صار من أولياء الله الفائزين وأنصاره الغالبين وعباده الآمنين الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.. أن من جعل هذه نبيلة صدره وعقيدة سره ووسيلة بينه وبين ربه – على حد تعبير أبو حيان – فهو الفيلسوف الحق المبرز المحقق. لقد كشف التوحيدى فى هذه المقابسة رؤيته الجامعة المانعة للخلق الصالح وطريق النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة، وحق له أن يقول فى المقابسة التالية « الحق بين منهاجه، ومنير سراجه ومعقول بيانه ومعلوم برهانه، من استضاء به أفلح ومن سلك سبيله نجح «!ولله در أبو حيان التوحيدى، وما أجدر بنا ونحن فى عصر تدهورت فيه أخلاق البشر وانقلب فيه سلم القيم، أن نعيد قراءة هذه النصوص الرائعة وأمثالها لفلاسفة القيم الأوائل لعلنا نستعيد ماضاع من إنسانيتنا فى عصر التكنولوجيا والسوشيال ميديا والميتافيرس !

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل

إقرأ أيضاً:

النهضة الكروية في المغرب.. نافذة على التقدم الشامل للبلاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

حقق المغرب فى السنوات الأخيرة ثورة مهمة فى المجال الكروى جعلته يحتل مركز الصدارة على مستوى منافسات الرجال والسيدات وأيضا الفئات السنية، ولم يكن ذلك أبداً ضربة حظ بل نتاج خطة أعدت قبل سنوات وفقاً لتوجيهات العاهل المغربى محمد السادس الذى يقدم منذ توليه سدة الحكم دعماً قويا للرياضة المغربية، رؤية حققت أهدافها وباتت تنعكس على حاضر ومستقبل الكرة المغربية.

يعتقد البعض أن البداية كانت عندما حقق أسود الأطلس تألقا عالميا ببلوغ المنتخب نصف النهائى فى مونديال قطر 2022 وفوزه بالمركز الرابع متخطيا بذلك أكبر الفرق الأوروبية، لكن المنتخب الحالى لم يقم إلا بإعادة أمجاد المنتخب المغربى فى مونديال مكسيكو 1986، حيث كان أول منتخب أفريقى وعربى يصل إلى الدور الثاني، حدث كروى تألق فيه ألمع اللاعبين المغاربة مثل حارس المرمى الاستثنائى بادو زاكي، ميرى كريمو، محمد تيمومي، عزيز بودربالة، عبدالمجيد الظلمى وغيرهم..، لذلك يمكننا القول أن المنتخب المغربى الحالى هو استمرار لإرث تاريخى لكنه تجاوز سقف التوقعات وكتب فصلاً متفرداً فى تاريخ كرة القدم المغربية والأفريقية.

يعتمد المغرب على أساليب القوة الناعمة لتثبيت مكانته على الصعيد العالمي، وكان للكرة المغربية دور بارز فى ذلك، حيث إن الطفرة الكبيرة التى حصلت لها، ساهمت فى منح المغرب وجاهة دولية جعلته يحظى بثقة المؤسسات الكروية الدولية والظفر بشرف تنظيم عدة محافل قارية وعالمية تأتى فى مقدمتها بطولة كأس الأمم الأفريقية تحت 23 عاماً وكأس الأمم الأفريقية للسيدات 2022، كأس العالم للأندية، كأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال.

من الشخصيات التى لعبت دوراً محورياً فى تطوير الكرة المغربية، فوزى لقجع، أصغر رئيس فى تاريخ الجامعة المغربية لكرة القدم، اسم يهز عالم الإدارة الرياضية، صاحب رؤية واضحة غيرت خريطة كرة القدم العربية والأفريقية، من أبرز الداعمين لمشروع "أكاديمية محمد السادس لكرة القدم"، هذا الاستثمار المهم الذى حقق نتائج مبهرة، تم تأسيسه سنة 2007 بمبادرة من الملك محمدالسادس،  بهدف تنمية المواهب الكروية الشابة، هذه الأكاديمية ذات المواصفات العالمية تجمع بين الرياضة والدراسة، تعتمد على أحدث التجهيزات وأهم الشراكات مع أكبر المدربين العالميين، كلفت المغرب 16.8 مليون دولار، وتمتد على مساحة 30 هكتارا، تستوعب 60 طالباً تتراوح أعمارهم بين 12 و18سنة، تحتوى على 3 مستويات تعليمية، مجمع سكنى للطلاب، مطاعم وأماكن ترفيهية، ساهمت فى تكوين عدد كبير من اللاعبين الموهوبين الذين أصبحوا نجوماً فى المحافل الدولية أبرزهم عزالدين أوناحى لاعب مارسيليا الفرنسي، المهاجم يوسف النصيرى لاعب إشبيلية الإسبانى والمدافع نايف أكرد لاعب ويستهام الإنجليزي.

النهضة الكروية فى المغرب، هذا النموذج الذى يحتذى به فى أفريقيا والعالم العربي، ليس مجرد إنجاز رياضى مشرف يجسد التحول العميق فى نهج الرياضة فى المغرب، بل هو نافذة على التقدم الشامل الذى تعرفه المملكة المغربية فى مختلف المجالات.

*كاتبة وإعلامية مغربية

مقالات مشابهة

  • يا وزير اسرع كرم عمر الجزلى وهو حى يرزق قبل ان يلتحق بالرفيق الاعلى
  • النهضة الكروية في المغرب.. نافذة على التقدم الشامل للبلاد
  • نداء للبرهان وحميدتى
  • اللجوء.. وكرم شعب
  • سيف على رقاب الجميع
  • التشخيص المبكر يحمى من جلطة القلب 
  • حقيقة الحالة الصحية لـ محمد منير
  • الركين
  • السياج ذو الثمانى بوابات
  • تواضروس الثانى.. البابا الذى أحبه المصريون