عامان مرا.. وبيني وبينهما فريضة النسيان
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
يقولون إن الحزن وحده يبدأ كبيرا ثم يقل حتى يخبو بكرور الأيام وتوالي الهموم والانشغالات، ولأن الإنسان جبل على النسيان؛ فلا حزن يدوم ولا متعة تستمر، كلاهما إلى زوال...
وهو ما تؤكده رؤية نيتشه، حين قال: «لا سعادة، لا سكينة، لا أمل، لا فخر، لا متعة، تتحقق في اللحظة الحاضرة، من دون ملكة النسيان».
حيث يرى أن نسيان الماضي يخلق هدوءا وسكينة في الحاضر، بل هو شرط أساسي لتطوير كفاءات وملكات جديدة.
فمعنى أن تمتلك قوة النسيان، وأن تحرص على عدم التصاقك بذاكرتك، فهذا يعني أنك تخلق لذاتك رغبة أكيدة في أن تصير وأن تستمر؛ فيرى نيتشه أن الوحيد الذي يقول: «إنني أتذكر» هو الإنسان، وهو بذلك يقتل سعادته بيده، فحضور الماضي يمنعه من تذوق اللحظة الصافية، ويثقل كاهله ويسحقه، ويمنع مشيه السليم.
وعلى منواله يسير فرويد، الذي يرى أن الإنسان لا يحمل في كيانه فقط ذاكرة واعية يمكن استحضارها، بل ذاكرة أخرى منسية هي اللاشعور، التي تعد خزانا ومقبرة ندفن فيها المكبوتات المؤلمة التي يصعب استحضارها إلا عن طريق التحليل النفسي؛ مما يعني أن الحياة النفسية للفرد، واعية كانت أم غير واعية، هي في الجزء الأكبر منها، مشكلة من الماضي، الذي ينبغي العمل على نسيانه إذا ما أصبح ثقلا جاثما علينا في الحاضر.
كلتا الرؤيتين تحققان ما ينادي به أحباؤنا والعارفون بما يسكننا من جراحات وانكسارات، الدعوة للنسيان جد منطقية، لا أنكر أهميتها بأي شكل، قد تؤتي أكلها بشرط، أن تحتل الذاكرة أحداث موازية وأكثر قوة، يمكنها ببساطة أن تزيح الماضي وتنتصر عليه، أو تتملكنا رغبة في التخطي إذا ما شعرنا بأن حياتنا وحياة من نحب تنسحق تحت وطأة الذكرى، والتمسك بأيام منحتنا سعادة كانت حينئذ أسمى ما نبتغيه.
مشاهد كثيرة ومواقف ظلت عالقة بالذاكرة، إذا ما حاولنا نسيانها قد يغمشها مرورنا بمكان أو ترديد كلمة ما، أو تكرار موقف بعينه، أو حتى تنسم رائحة ما ارتبطت بمن رحل، لا أراهن على استمرار آثارها، أو عدمه، لكنها موجودة على كل حال، أوجدها من أخلص لمشاعره يوما، وجعلنا في مكان أنكره ومازال ينكره البعض، حتى ظنوا أن محاولات الإقصاء المتعمد من مشهد وحلم طالما سعيت لتحقيقه، قد يشفي غليل قوم لا يفقهون ولا يدركون للحب والأصول طريقا، لكنه الإخلاص لاسم مهما انتهت بيننا الحياة وسعت وسعيت معها للنسيان، ستظل فريضة الاحترام واجبة له، احترام لمن أكرمنا يوما وفضلنا على العالمين وكنا لديه من المصطفين المقربين حتى الرمق الأخير، وهو ما يجعل من النسيان محاولة بائسة لإنكار الفضل، لكنها الحياة، التي تفرض علينا أن نحقق مقولة نيتشه: «لا سعادة، لا سكينة، لا أمل، لا فخر، لا متعة، تتحقق في اللحظة الحاضرة، من دون ملكة النسيان»... والله عليم بذات الصدور.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نبضات الحزن النسيان
إقرأ أيضاً:
ربيقة يعزي في وفاة المجاهد مسوس سعادة
تقدم وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، بأخاص عبارات التعازي لعائلة المجاهد مسوس سعادة الذي وافته المنية.
وجاء في تعزية الوزير “ببالغ الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة المجاهد ضابط جيش التحرير الوطني. المرحوم مسوس سعادة، تغمده الله برحمته الواسعة. الفقيد من الذين ساهمو في معركة البناء والتشييد بعد الاستقلال بتقلده عدة وظائف عليا في الدولة ومن خلال كتاباته الغزيرة في عدة مجالات”.
مضيفا ” ولا يسعني في هذا المصاب الجلل إلاّ أن أتقدّم إلى عائلته الكريمة ورفاقه في الجهاد والكفاح بأخلص التعازي، داعيا الله أن يتغمّده برحمته الواسعة ويتقبّله إلى جوار النبئيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا”.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور