قال المفكر الإسلامي أبوزيد المقرئ الإدريسي، إن غاية الكافرين مقاومة الإسلام ومحاربته وأن يبقى ضعيفا وذليلا، بينما غاية المنافقين "نسف الإسلام من الداخل، وإفنائه كيانا عقديا بشريا اجتماعيا ماديا ومعنويا".

جاء ذلك في الحلقة الـ19 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان"، التي تناولت سمات المنافقين ودورهم الهدّام من عصر النبوة حتى عصرنا الحالي.

وأشار الإدريسي إلى أن المنافقين واصلوا أدوارهم واستخدموا وسائل مختلفة لكل عصر، خاصة بعدما تطور المجتمع الإسلامي وازداد غنى وثراء واتساعا ومعرفة وثقافة، مبينا أن الأمة اخترقت بـ3 خطوط، الأول "أدبي – فكري – ثقافي"، والثاني "سياسي – عرقي"، والثالث "ديني – عاطفي".

ومع ذلك أكد أن الأمة واصلت تقدمها وازدهارها ونشر حضارتها في ربوع الأرض رغم كيد المنافقين، بفضل الوعي والمناعة والتماسك، والوضوح والعلانية بالمشروع الإسلامي والانضباط المنهجي، إضافة إلى العلماء والمكاثرة العددية التي جعلت المنافقين قلة عددية.

تعريف المنافق

ويوضح الإدريسي أن المنافق اسم إسلامي لم تعرفه العرب، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وكثير الحيل عظيم التلاعب، ماكر ويحسن التخلص، وله عدة أوجه.

وأضاف أن التعريف الشرعي للمنافق يعني إضمار المرء غير ما يظهر وبصفة دائمة واختيارا وبوعي من أجل أهداف شريرة بقصد الإضرار بالعقيدة، التي يُظهر سعيا لخدمة مصالحها.

وأشار إلى أن المنافق شخص يعتقد أنه أذكى من الكفار والمؤمنين، وليس له شيء من اليقين في الله، ويقينه في الأسباب والحيل والتحالفات التي يعتمد عليها.

وشدد على ضرورة التفريق بين النفاق والتقاة، لأن الأخيرة مؤقتة وعارضة، وتأتي من باب الاضطرار خضوعا للإكراه وطلبا للنجاة، كما أنه لا يجوز الخلط بين النفاق والمداراة لكون الأخيرة جزءا من التقاة خاصة بالبعد الاجتماعي والعلاقات الإنسانية بالحياة اليومية.

وينبغي التمييز بين النفاق والرياء -وفق الإدريسي- لأن الرياء نفاق جزئي عملي لا علاقة له بجانب الاعتقاد.

وأفرد القرآن الكريم حيزا كبيرا للتحذير من المنافقين، أكثر من الحديث عن المؤمنين والكفار، مثلما جاء في سورة البقرة (13 آية)، والنساء (13 آية)، والمنافقون (8 آيات من أصل 11)، والتوبة، بحسب المفكر الإسلامي.

وبين الإدريسي أن القرآن ذكر المنافقين، في 37 مرة جرت على 6 اشتقاقات وتصريفات، متطرقا إلى شيوع خطر النفاق بالنسبة للمشروع الإسلامي، لأن النفاق والكفر متحالفان".

وأوضح أن النفاق ورد بغير لفظه في حالتين الأولى وصفه بالكفر المتكرر، والثانية التبعيض حيث يؤمن المنافقون بطريقة انتقائية وانتهازية وأهوائية ويرفضون شيئا حسب مزاجهم.

وأكد أن وصف القرآن للمنافقين كان دقيقا ومكررا حتى يقف المسلمون على حقيقة المنافقين وخطرهم لأنهم موجودون داخلهم، ويتكلمون بلسانهم، ومن بني جلدتهم، ويصلون معهم بالمساجد، ويذهبون معهم في الحج، ويسمعون من المسلمين فيطلعون على عوراتهم ونقاط ضعفهم.

صفات المنافقين

وتطرق المفكر الإسلامي إلى الصفات السلبية للمنافقين وهي: الكذب، الخداع، الوهم، مرض القلوب، الإفساد بالأرض وإنكار ذلك، الغرور، الجهل، تحقير الآخرين، الازدواجية، رفقة الشياطين، الاستهزاء، الطغيان، العمه والتيه، الخسارة، الصمم والبكم والعمى، والإصرار.

وأضاف أن من صفقات المنافقين -أيضا- الخداع، الرياء، التكاسل بالعبادات، التذبذب، الضلال، الخذلان، موالاة غير المسلمين، الاستهزاء، الانتهازية، التربص، مبينا أن الله حكم عليهم بأنهم في الدرك الأسفل من النار، وبالهزيمة والذلة والمقاطعة، والنتيجة النهائية ضرورة الحذر منهم.

وأشار إلى أن المنافقين هم أعداء وفاسقون وجهلة ومغرورون لا يعلمون، فضلا عن موت القلب، والمبارزة الإلهية، والخلود في النار.

تعامل النبي مع المنافقين

وحول منهج الرسول محمد ﷺ في التعامل مع المنافقين، قال المفكر الإسلامي، إن موقفه يوجهه إليه القرآن، ويدل على المستوى الأخلاقي الرفيع، مضيفا أن مشيئة ربانية وراء استمرار وجودهم في إطار الصراع بين الحق والباطل.

وأكد أن الرسول كان يعرفهم واحدا واحدا -من خلال الوحي- بعدما نزل له النهي الشديد من القرآن بعدم الصلاة عليهم بعد واقعة الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول، وبين أنه أعلم بالوحي بأنه سيموت لذلك أسر بلائحة المنافقين إلى حذيفة بن اليمان.

وأضاف أن اللائحة احترازا من أجل تطبيق حكم شرعي واحد وهو عدم الصلاة عليهم، ولفت إلى أن النبي منع استخدام العنف ضدهم رغم أنه تعرض إلى 12 محاولة اغتيال، بينها 3 محاولات من الكفار، و9 من اليهود جزء منها خطط فيها المنافقون.

وبين أن القرآن نهى أن يذهب النبي محمد إلى مسجد ضرار لكونه كان وكرا للتجسس والكيد والتربص وإثارة الفتنة، بعدما حاول المنافقون تحويل عملهم إلى منظومة مؤسسية تحمل مشروعا وأهدافا.

وبعد وفاة النبي، لم يتوقف كيد ومكر المنافقين، وكانت بداية رجوعهم إلى عملهم الممنهج التخريبي الفتنوي في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، إذ طالت فترة ولايته وكان فيه لين، ليجدها المنافقون فرصة لإثارة الغوغاء وسط المسلمين الضعاف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات إلى أن

إقرأ أيضاً:

خطبة الجمعة بالمسجد الحرام: إذا ملك المرء نفسه وأطاع ربه فإنه يكون من أولي الألباب

ألقى الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل-، وذكره، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا.
وقال: إن من دأب المخلصين من عباد الله، ذوي البصائر النيرة، والعقول الراجحة، دوام الأخذ بأسباب السعادة، وكمال الحرص على سلوك مسالك الفوز وسبل النجاة، رغبة منهم في حسن العاقبة وكرم المآل.. وكثيرًا ما يعرض القرآن للمدح لهم، والثناء عليهم، بكريم خصالهم، وجميل صفاتهم، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِه أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْه رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَة وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَة السَّيِّئَة أولٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
وبين فضيلته بعض أوصاف أولي الألباب، وفي الطليعة منها: الوفاء بالعهد الذي قطعه المرء على نفسه، والالتزام بالأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو نهى عنها، والوفاء بالعهد الذي بينه وبين الناس، من عقود ومعاملات، وأداء للأمانات، لا يخل به ولا ينكص عنه، وكذلك عدم النقض للميثاق الذي وثقه بالله، وأشهد على المضي فيه والاستمرار عليه، لا يحمله على عدم الوفاء أو على النكث به إغراء المادة وبريقها، أو تلويح بالسراب الخادع؛ فعهد الله تعالى واجب الوفاء حتمًا، ونقض الميثاق خطيئة كبرى، تنذر بالهلكة وسوء المصير.
وأضاف بأن من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام، والإحسان إليهم، والصبر على ما يصدر منهم من أذى، وما يبدر منهم من جفوة وملام، كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: “قال الله عزَّ وجلَّ: أنا اللهُ، وأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها اسْمًا مِنَ اسْمِي، فمَنْ وصَلَها وصَلْتُه، ومَنْ قَطَعَها قَطَعْتُهُ”. أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد صحيح.
كذلك من صفات أولي الألباب الجليلة الخشية من الله، ومخافة مقامه، والخوف من عذابه، ومن مناقشة الحساب يوم القيامة فإن “مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ”. كما جاء في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. وحري بمن كان على هذه الحال أن يستمسك بالحق والهدى، ولا يميل عنهما اتباعًا لهواه، فيكون ممن أثنى الله عليهم بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّه فَصَلَّىٰ﴾.
وواصل قائلاً: من صفات أولي الألباب التي ينبغي أن يحرص المرء على التحلي بها: الصبر في مختلف دروبه، صبر على طاعة الله، وما يقتضيه من إخلاص وبذل جهد، وصبر عن معصيته سبحانه، وما يوجبه من لجم للنفس، وكبح لجماحها، وحجزها عن النزوات والهفوات، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وما يستلزمه من رضا واحتساب وتسليم. والعباد يتفاوتون في ذلك؛ فمن كان أعظم صبرًا واحتسابًا كان أجزل أجرًا وأكثر ثوابًا ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
وأفاد فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط بأن من صفات أولي الألباب أيضًا إقامة الصلاة المكتوبة، بحدودها ومواقيتها، وركوعها وسجودها وخشوعها، على الوجه الشرعي المَرضي، الذي أمر به وبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، دون إخلال بها، أو تشاغل عنها بصوارف الحياة. وكذا الإنفاق مما آتاهم الله من رزق على من يجب الإنفاق عليه، من أهل وولد وقرابات، وعلى من يندب الإنفاق فيه من أوجه البر، كالصدقة على البؤساء والمحرومين، والإسهام في مشاريع تنتفع بها الأمة، من بناء للمدراس، وإنشاء للمستشفيات، ودور للأيتام، وحفر للآبار، وتمهيد للطرق، والأعمال التطوعية كافة، مما تنهض بها البلاد، وينتفع بها العباد، مع صدق النية وإخلاص القصد ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوه عِندَ اللَّه هُو خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾. علاوة على درء السيئة بالحسنة، ومقابلة القبيح بالجميل، ومدافعة الشر بالخير، والأذى بالإحسان، امتثالاً للأدب القرآني، الذي أدب الله به عباده في قوله عز اسمه: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَة كَأَنَّه وَلِي حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وأكد فضيلته أن المرء إذا ملك نفسه، وألزمها سلوك الجادة، وسار بها في سبيل النجاة وطريق السعادة، ونأى بها عن أسباب التهلكة، وجنبها مسالك البوار والخسران، فإنه يكون بهذا من أولي الألباب، الذين رفع الله قدرهم، وأعلى منزلتهم، وبين ما أعدَّ لهم في دار كرامته، ومستقر رحمته، من الجزاء الضافي والأجر الكريم، فقال عز من قائل: ﴿ أولٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
وأفاد الشيخ الخياط بأن على العكس من ذلك الفريق الصالح، والطائفة الراشدة، والفئة الفائزة، من كان على النقيض منهم في جميل صفاتهم، وكريم خلالهم، وهم الذين لا يوفون بعهد الله من بعد تأكيده وتغليظه وتوثيقه عليهم، بل يقابلونه بالنقض والإعراض، ويقطعون ما أمر سبحانه وتعالى بوصله من الإيمان والعمل الصالح وصلة الأرحام، ويفسدون في الأرض بالكفر والإثم والصد عن سبيل الله، فهؤلاء الذين توعدهم الله بالطرد والإبعاد من رحمته، مع ما أعدَّ لهم في نار جهنم يوم القيامة من سوء المصير، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِه أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَة وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
عياذًا بالله من ذلك. حاثًا المسلمين على تقوى الله عز وجل، والعمل على الأخذ بصفات أولي الألباب الأخيار، والحذر من صفات الفجار الأشرار، لتطيب حياتهم، وتستقيم أحوالهم، وينالوا رضوان الله عز وجل.

 

مقالات مشابهة

  • بيان صادر عن القطاع النسائي في العمل الإسلامي حول الانتهاكات التي تتعرض لها الأسيرات في سجون الاحـتلال
  • دوام الأخذ بأسباب السعادة.. خطيب المسجد الحرام يوضح دأب المخلصين من عباد الله
  • سؤال كبير في التاريخ: لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي بقيادة المدنية؟ (2-2)
  • خطبة الجمعة بالمسجد الحرام: إذا ملك المرء نفسه وأطاع ربه فإنه يكون من أولي الألباب
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • هل تعاني من عسر الهضم؟.. إليك عادات وأسباب خفية تفاقم الألم
  • نشرة التوك شو| حقيقة وجود نقص في الأدوية وأسباب انتشار الأمراض التنفسية في هذا التوقيت
  • الإدريسي يفتتح معرض المنتجات الاستهلاكية في مدينة دمت بمحافظة الضالع
  • مرض الأكزيما..ما هي أعراض وأسباب هذا المرض الجلدي؟