الإنشاد الديني في دمشق… تراث شفاهي مازال ينبض بالحياة الروحانية
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
دمشق-سانا
امتازت دمشق عبر الزمن بتقاليدها الروحانية وامتلكت الكثير من مكونات التراث الديني المادية واللامادية واختصت بخصوصية روحانية ميزتها عن غيرها من المدن والعواصم حول العالم.
وشكلت الطرق الصوفية التي ازدهرت في دمشق نسيجاً من العادات والطقوس الداخلة في تكوين حياة أهلها ومن هذه الطقوس الإنشاد الديني وما يتفرع عنه من طرق الأذان وأذكاره والتواشيح الدينية الخاصة بمناسبات معينة في أوقات محددة من العام.
لمعرفة أصل هذا الأذان الجماعي في الجامع الأموي والتميز في الإنشاد الديني وارتباطه بالمجتمع الدمشقي يقول الباحث الموسيقي أحمد بوبس لـ سانا: إن تاريخ الإنشاد الديني المعروف في مدينة دمشق يعود إلى نحو ثلاثمئة سنة ومؤسسه الشيخ عبد الغني النابلسي المولود في دمشق عام 1641 م وهو فقيه ومحدث ومنشد ديني وشاعر صوفي.
ويلفت الباحث الموسيقي الى أن الشيخ النابلسي هو من وضع تقاليد الإنشاد الديني في الجامع الأموي بدمشق ومنه انتشرت إلى المساجد الأخرى في المدينة وبعدها إلى بقية المناطق في سورية والتي تضم جوانب عدة منها الأذان الجماعي والتذكير والتسابيح والتراحيم والصمدية والتواشيح الدينية.
ويقول: إن الشيخ النابلسي وضع الكثير من التواشيح الدينية بكلماتها ونغماتها والتي ضاع معظمها ولم يصلنا منها إلا القليل، ومن أجمل تواشيحه موشح يا جمال الوجود وتنوعت موضوعات موشحاته ما بين الابتهال لله تعالى والمديح النبوي والمناسبات الدينية مثل مولد النبي الكريم وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وشهر رمضان المبارك ومناسبات أخرى.
ويؤكد بوبس أن الإنشاد الديني في دمشق تواترت عليه أجيال من المنشدين الذين توارثوا تقاليده التي وضعها الشيخ النابلسي ولم يصلنا إلا القليل من أسمائهم مثل مصطفى الفرا وعزت عريجة وعبد الله أبو حرب.
ويشير الباحث الموسيقي الدمشقي إلى أن الإنشاد الديني في أقدم عاصمة مأهولة في العالم ازدهر منذ أواخر الأربعينيات من القرن العشرين وبشكل خاص بعد افتتاح إذاعة دمشق عام 1947 فظهرت الكثير من فرق الإنشاد الديني بأصوات جميلة وثقافة موسيقية واسعة ومن هؤلاء المنشدين مسلم البيطار وعبد العال الجرشة وتوفيق المنجد وسعيد فرحات وسليمان داود وحمزة شكور.
ويقول: إن فرقة رابطة المنشدين التي ظهرت عام 1954 من اندماج فرقتي عبد العال الجرشة وتوفيق المنجد ثم توسعت مع بداية السبعينات من القرن الماضي بانضمام فرقة حمزة شكور وفرقة سليمان داود كانت تقدم إنشادها عبر أثير إذاعة دمشق سواء في برامج إذاعية دينية أو من خلال نقل الإذاعة للمناسبات الدينية من الجامع الأموي ثم عبر التلفزيون ما رسخ أساسيات الإنشاد الديني الدمشقي.
ومن جانبه المنشد والمحكم في مسابقات عالمية للإنشاد وقراءة القرآن رضوان درويش يقول: إن الأسماء الكبيرة التي أسست للإنشاد الديني في دمشق مثل حسن أديب والملحن زهير منيني وغيرهما تركت مخزوناً مهماً من الموشحات والأناشيد التي تعتبر مرجعاً لأي منشد في الوقت الحاضر، كما إن التعرف على هذا الموروث يساعد المنشدين حالياً على معرفة أصول الإنشاد من ناحية الشعر الموزون و اللغة العربية السليمة و طريقة صياغة المواضيع المحددة بأسلوب سلس وموسيقي، بالإضافة إلى الألحان المهمة والجميلة المعبرة وطريقة إنشادها.
ويوضح درويش أن المنشد الديني يجب أن يكون متمكناً من اللغة العربية ومخارج الحروف ومثقفاً دينياً وتاريخياً كي لا يقع بأخطاء من هذا النوع، وعلى معرفة بعلم العروض وشعر التفعيلة بالإضافة إلى ثقافته الموسيقية بالنغمات والإيقاع وقدرته على التنقل بين النغمات بسلاسة إلى أذن المستمع وهذا يتطلب مقدرة صوتية وخاصة لكونه لا يوجد آلات موسيقية تضبط التنقل بين النغمات كما في الغناء.
ويلفت درويش الذي ألف ولحن عشرات الأناشيد الدينية الناجحة إلى أن الكثير من المنشدين الجدد في الوقت الحاضر يقومون بتأليف موشحات وأناشيد دينية ويلحنونها بأنفسهم دونما دراية أو علم بالشعر أو التلحين وهذا يسبب حالة من الفوضى والأخطاء الكثيرة في ساحة الإنشاد الديني ويجب على المنشد الراغب بالتطور البحث عن الشعر الديني الغنائي المتوازن ومراعاة الموضوع المناسب واللحن المناسب عبر الشاعر المختص والملحن المختص بالألحان الدينية كون هذه القصائد بحاجة إلى طبيعة خاصة.
ويرى درويش قائد فرقة الرضا للإنشاد أن الأجر المادي يجب ألا يكون الهدف الأساسي للمنشد الديني بل عليه الانطلاق من محبته لله وللرسول الكريم في تأدية هذا المدح والإنشاد، وإن كان المردود المادي المعقول يساعد هذه الفرق الإنشادية على الاستمرار لكثرة نفقاتها كما أن السوق
وإقبال الناس هو الذي يتحكم بإعطاء القيمة الجماهيرية للمنشد، وهناك الكثير من المواهب والطاقات المغمورة في هذا الاختصاص لم تأخذ فرصتها أمام الناس حتى الآن.
ويؤكد درويش أن الإنشاد الديني في تطور بفضل المخزون التراثي الإنشادي الغني في دمشق وبوجود المنشدين المجتهدين فيها، بالإضافة إلى ظهور الخامات الصوتية الجديدة المثقفة موسيقياً والتي تحتاج فقط لمن يكتشفها ويوجهها ويتبناها، وهذا يتطلب وجود شركات إنتاج للإنشاد الديني على غرار شركات الإنتاج الفني ليتم تكريس ودعم هذا التراث المهم وإيصاله للعالم.
يذكر أن المنشد الراحل حمزة شكور كان له جهد كبير في نشر التراث الصوفي والإنشادي الديني الدمشقي للعالم من خلال حفلاته التي أقامها في عدة دول غربية وعربية بمشاركة جوقة الفرح والتي كان لها أصداء إيجابية كبيرة على المستوى العالمي وقدمت الوجه الحقيقي للتعايش والتسامح الديني بين أبناء سورية.
محمد سمير طحان
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الإنشاد الدینی فی الکثیر من فی دمشق
إقرأ أيضاً:
الكنيسة الأسقفية تكرم 4 فائزين بجوائز على السمان للحوار الديني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قدم المركز الإسلامي المسيحي للتفاهم والشراكة التابع للكنيسة الأسقفية الانجليكانية بمصر اليوم الخميس أريعة جوائز للفائزين بمسابقة الدكتور علي السمان للحوار الديني بالإضافة إلى بعض الأعمال التي حصلت على تنويه من لجنة التحكيم وفازت بشهادات تقدير
وقال الدكتور علي جمعة رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان إن الدكتور علي السمان كان حسن المعشر يؤمن بقيمة الحوار الديني مؤكدًا إن الدكتور منير حنا رئيس المركز المسيحي الإسلامي يبذل مجهودًا في عمارة الأرض بالمبادرات الكثيرة التي يقدمها للسلام الاجتماعي في المجتمع المصري.
وقالت بريجيت السمان زوجة الراحل الدكتور علي السمان الشكر لمؤسسة مصر الخير التي وفرت تمويلًا للجائزة مضيفة: لاشك أن هذا الدعم القيم سيساعد على الحفاظ على إرث الدكتور علي السمان، وهو الإرث الذي أشار إليه الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف بقوله:"ينبغي علينا أن نواصل إرث الدكتور علي في تعزيز السلام والتعاون بين الأديان".
وأشارت بريجيت إلى أن الدكتور السمان كان في بعض الأحيان يشعر بخيبة أمل طفيفة في حلم الأخوة، مدركًا هشاشتها في ضوء التحديات التي واجهها، لكنه لم يستسلم أبدًا مضيفة: لقد أراد الدكتور علي السمان أن ينقل الرغبة في الحوار إلى قلب الواقع في حياة الناس وليس فقط إلى النخبة،
فيما أكد القس الدكتور ماثيو اندرسون المدير الأكاديمي للمركز الإسلامي المسيحي التفاهم والشراكة إن برامج المركز تهدف لتجاوز الصور الذهنية عن المسلمين والمسيحيين وخلق حالة من التفاهم والحوار المشترك بين الجانبين في القاهرة التي تزخر بهذه الحوارات.
ومن جانبه شكر الدكتور منير حنا رئيس المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة أعضاء لجنة التحكيم على جهودهم وهم الدكتور علي جمعة مفتي البلاد السابق ومجدي الطاهر ودكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية سابقا والدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم سابقا والقس رفيق جريش من الكنيسة الكاثوليكية والدكتورة جيهان زكي أستاذ الحضارة المصرية بجامعة السربون وايمانويل بيزاني رئيس معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان والصحفي سليمان جودة وبرجيت السمان زوجة الدكتور علي السمان وأعضاء مجلس أمناء المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة
وقال كريم جرجس مدير التواصل والشراكات بالمركز المسيحي الإسلامي : على الرغم من فوز أربعة فقط بالجائزة من بين العديد من المتقدمين، إلا أن لجنة التحكيم رأت أنه من المهم الاحتفاء ببعض الأعمال المتميزة من بين المتقدمين ومنحهم شهادات التقدير، تأكيداً على أهمية تكريم إنجازاتهم في بناء السلام داخل مجتمعاتهم، لأن بناء السلام ليس هدفه المنافسة للفوز بجائزة، بل التعاون من أجل تحقيق الخير العام لجميع أفراد المجتمع.
الفائز بالمركز الأول لجائزة الدكتور علي السمان للسلام والحوار والتعاون بين المجتمعات الدينية هو القس أسعد طلعت، راعي الكنيسة الإنجيلية ومؤسس مركز السفينة للثقافة والفنون والدعم النفسي في قرية بلنصورة في محافظة المنيا حيث أطلق مبادرة "سفينة بلنصورة" لتعزيز ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في محافظة المنيا. استهدفت المبادرة رفع وعي اكثر من 80 شابًا وشابة، وتطوير مهاراتهم في تحليل النزاع وبناء السلام، من خلال ورش تدريبية ومعسكرات تفاعلية وأنشطة فنية تعزز الحوار وتقبل الآخر، مما خلق بيئة آمنة ومستدامة للتواصل وبناء علاقات إيجابية بين مختلف مكونات المجتمع.
وحصد المركز الثاني سامح نِسيم الذي يعمل كاستشاري تنمية وتدريب بمركز الإبراهيمية للإعلام، فاز بالمركز الثاني عن مشروعه لتعزيز ثقافة قبول الآخر في أسوان. ركز المشروع على تدريب الشباب والأطفال من خلفيات متنوعة على التعايش المشترك من خلال انشطة فنية، شملت عروض مسرحية ومهرجان فنون شعبية، مما أسهم في إشراك أكثر من 150 فردًا من مختلف مكونات المجتمع.
وحصلت على المركز الثالث مناصفة الفنانة رولا، وهي مطربة ومعلمة حيث أنتجت أغنية "أهل الكتاب" التي تعكس رسالة العمل على نشر التسامح والمحبة بين الناس من خلفيات دينية وثقافية مختلفة.
وقاسمتها المركز الثالث الدكتورة الفنانة داليا إيهاب يونس التي تعمل في مجال الإعلام التنموي وهي ناشطة في مجال الحوار وبناء جسور السلام بين المجتمعات الدينية من خلال مشروعها "الموسيقى المقدسة" حيث تسعى لبناء السلام عبر الغناء والموسيقى، وحققت نجاحاً ملفتاً كأول امرأة مصرية مسلمة تؤدي ترانيم مسيحية داخل كنائس مصر وخارجها.
وفاز بتنويه لجنة التحكيم وشهادة تقدير كلًا من مايكل فارس، الصحفي في "اليوم السابع"، ومؤلف كتاب "إعلام الكراهية: آليات تغطية نزاعات الهوية"، من خلال هذا الكتاب يقدم مايكل رؤية مُتَعمِقة لتحليل وتغطية نزاعات الهوية في الإعلام العربي. حيث يهدف إلى تعزيز مهنية الصحفيين في مُكافحة خطاب الكراهية، ونشر قيم التعايش السلمي والتنوع الثقافي.
وفاز بشهادة تقدير سامح ثابت، مرشد سياحي وباحث دكتوراه، ومؤسس مؤسسة قلب مصر للتربية والتنمية. يعمل على تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات الدينية ودعم التنوع الثقافي من خلال ورش الحوار والفن والرياضة، حيث ساهم مشروعه في توعية حوالي الف مستفيد من الأطفال والشباب بمفاهيم قبول الآخر، ومواجهة خطاب الكراهية
وفاز أمير بولس، مسؤول في مؤسسة بازل لخدمة ذوي الإعاقة الذهنية والاحتياجات الخاصة في محافظة المنيا بشهادة تقدير إذ يقود مشروعاً يهدف إلى تأهيل الأطفال والشباب ذوي الإعاقة من خلال تنمية مهاراتهم الفنية والاجتماعية والصحية ودمجهم في المجتمع عبر الفنون والتوعية مما يعزز ثقافة عدم التنمر بسبب الإعاقة وعدم التمييز بسبب التنوع الديني والثقافي.
كما فازت بشهادة تقدير مروة عبدالله، مديرة مبادرة مجتمعية بمركز السيدة مريم للتدريب المهني، تسعى من خلال مشروعها إلى تمكين الأفراد مهنيًا وتعليميًا مع تعزيز التفاهم والسلام بين المجتمعات الدينية. يعتمد مشروعها على النقاش البنّاء والمحبة، مستهدفًا المسلمين والمسيحيين معًا، حيث أثمر عن زيادة الوعي ونشر قيم التعايش السلمي المشترك.
وفازت بشهادة تقدير لولا لحّام، صحفية سابقة في الأهرام ومديرة مشروع تنموي بجمعية الصعيد للتربية والتنمية، أبدعت في توثيق التراث الفني والثقافي لمدينة أخميم في محافظة سوهاج من خلال أول كتاب يوثق لفنون النسيج اليدوي والتطريز. يُبرز مشروعها قوة الفن كجسر إنساني يتجاوز الاختلافات الدينية والاجتماعية.
وكذلك حصدت الصحفية مريم رفعت والصحفية إيرين موسى، شهادتي تقدير إذ عملا معاً على تعزيز ثقافة قبول الآخر من خلال عملهم على ورقة بحثية لتوثيق وإبراز شخصيات ساهمت في دعم الحوار بين المجتمعات الدينية عبر التاريخ.
كما فاز بشهادة تقدير خليل المصري، استشاري في مجال بناء السلام، أطلق مبادرة "رحلة السلام" السنوية منذ عام 2016، بهدف نشر ثقافة التعايش السلمي بين الشباب في مختلف محافظات مصر. تضمنت المبادرة في عام 2024 زيارات ميدانية، وورش عمل، ودورات تدريبية عبر الإنترنت، ومعسكرات مُتقدمة لتعزيز مهارات حل النزاعات وقبول الآخر، مستهدفة أكثر من 140 مشاركًا من اسوان للقاهرة للتوعية بأهمية التعايش السلمي وخطورة ممارسات التمييز والاقصاء.
وحصدت تريزه حبيب شهادة تقدير حيث تعمل كقائدة في مجال تمكين الفتيات في المجتمعات الريفية والمهمشة، حيث تدير مشروع "ابنتي الغالية"، الذي يهدف إلى تعزيز التعليم، والتمكين النفسي، والمساواة بين الجنسين، وبناء السلام والتسامح الديني. من خلال أنشطة تدريبية ومبادرات مجتمعية، يسهم المشروع في بناء قيادات نسائية شابة وتعزيز مشاركة الفتيات في تنمية مجتمعاتهن بوعي وثقة.