خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني المسلمين بالطاعة والتقوى ، فهما الطريق الموصل إلى عتبة الله الرحمن الرحيم ، والذي تتجلى رحمته سبحانه وتعالى في قوله ( ورحمتي وسعت كل شي ) .
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : ” من رحمته وستره سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين عند الحساب ، قال ابن عمر رضي الله عنهما سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُونَ، فيَقولُ الأشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) رواه البخاري ومسلم.
وأضاف فضيلته أن شهر رمضان شهر عظيم حقاً شرّف الله به هذه الأمة المحمدية ، وجعل فيها حدثاً عظيماً يتكرر في حياة الإنسان في كل عام مرة إنها ليلة القدر ، وهي في العشر الأواخر من رمضان على وجه القطع واليقين وفي أوتارها آكد ، قال عليه الصلاة والسلام : تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر . رواه البخاري ،
وأردف يقول : قد قضى الخالق عزوجل أن يكون كل عمل من أعمال الخير والعبادة والذكر في هذه الليلة بقدر جزاء من عمل ثلاثاً وثمانين سنة وهي ألف شهر لأن ليلة القدر خير من ألف شهر ، وقد أنزل الله في شأنها كتاباً ذا قدر بواسطة ملك ذي قدر على لسان رسول ذي قدر لأمة ذات قدر ، ولأنه يقدر فيها ويفرق فيها كل أمر حكيم ، من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر وشرف عندالله عزوجل ، قال تعالى : ( أنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)
وأكد فضيلته أن تلك الليلة الموعودة المشهودة سجلها القرآن الكريم في سجل الخلود ، وإنما أخفيت ليلة القدر كما أخفيت ساعة الجمعة رحمة بهم ليجدوا في العبادة ويجتهدوا في طلبها بالصلاة والذكر والدعاء والتضرع إليه ، فيزدادوا قرباً من الله عزوجل وثواباً ، وعليه أن يكثر من قول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهي من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، فإذا حصل العفو من الله للعبد ، أعطاه ما ينفعه وصرف عنه ما يضره ، فاتق الله أيها المسلم ولا تفوت فرص حياتك ، واقتد بالصفوة المطهر صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً فقد كان يجتهد فيها فوق ماكان يجتهد في غيرها من ليالي رمضان ، يشد مئزره ويحيي ليله ويوقظ أهله .
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أنه كان من هديه عليه الصلاة والسلام في هذه العشر الاعتكاف ، وفقهه / حبس النفس على عبادة الله تعالى والأنس به ، وقطع العلائق عن الخلائق ، وإخلاء القلب من كل ما يشغل عن ذكر الله عزوجل .
وقال فضيلته : أخوة الإسلام عن عبدالله بن قيس أنه سمع عائشة – رَضِيَ الله عنها – وذُكر عندها قومٌ يَزِعُمُونَ أَنهم إِذا أَدَّوُا الفرائضَ لا يُبَالُونَ أَن يَنْزَوُوا . فَقَالَتْ : لَعَمْرِي لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم ولكنهم قومٌ يُخْطِئُونَ بالنَّهارِ . وَإِنَّمَا أنتُمْ مِنْ نبيّكُم ونبيكُم منكُم فما رأيتُ النبي ﷺ ترك قيام الليل إلا أن يَمْرَضَ فَيُصَلِّيَ وهو جَالِسٌ ثم نَزَعَتْ [أي جَاءَتْ بِكُلِّ آيَةٍ في القرآن يُذْكَرُ فيها قيام الليل» رواه المُروَزِيُّ في قيام الليل .
وفي المدينة المنورة خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وقال فضيلته: أيها الصائمون: لقد مضت من شهركم بواكره، وطلّتْ أواخره، وذهبت فواتحه، وحلت خواتمه، ويُوشِكُ ضيفكم على الارتحال والانتقال، فاغتنموا بواقيه قبل أن تذهب أيامُه وتقوَّض خيامه، فإن الخاسر المحروم من أضاع موسم الهبات والنفحات وفرّط في شهر البركات والرحمات، فما أخسر متجره ونصيبه وما أعظمها عليه من مصيبة.
أيها الصائمون : طوبى لمن رتل القرآن وتلاه، طوبى لمن أعطى الفقير وأغناه، طوبى لمن صام وكف عن الناس شرّه وأذاه، طوبى لمن أحيا ليالي رمضان بالقيام، وصان صومه عن الآثام، طوبى لمن يسارعون في الخيرات ويرغبون في الطاعات، ويستكثرون من الحسنات، ويبادرون إليها خوف الفوت بالموت.
وأضاف الشيخ البدير : مدح الله أهل الإيمان بأجلّ الصفات وأعظم الحسنات، ومنها المسارعة إلى الخيرات والجدّ والرغبة في الطاعات، ولا قبيحة يقبح عليها المرء، كالتثاقل في الفروض والواجبات، والتكاسل في الطاعات، والمسارعة في المحرمات، والمسابقة إلى المنكرات، فيا مصرًا على الذنوب أما آن لك أن تتوب، يا غافلًا عن ذكر مولاه إِلى متى أنت محجوب، يا غافلًا عن شهره، يا منشغلًا بلهوه، يا من يسحب رجلًا لا تكاد تنسحب، يا من إذا دعي إلى الخير لم يستجب، بادر الشهر العظيم، وأقبل على الربّ الكريم، وخلّص نفسك من الفتور والتواني، ومحصّ طبعك من الكسل والتباطؤ والتراخي، وأقلع عن تفريطك وآثامك، وتب مما جنيت في سائر أيامك، واقصد باب التوبة تجده مفتوحًا، وأقبل على الله ما دام الأجل مفسوحًا، وأصلح منك قلبًا ونفسًا وروحًا، فقد فاز من شمّر وجرى، وأفلح من جَدَّ وسرى، وخاب من تقدم العباد وهو راجع إلى ورا.
وقال فضيلته : يا عبدالله : تبْ من ذنوبك على عجل، وكن من تفريطك على وجل، وأقلع عن آثامك قبل حلول الأجل، فإن الله يتوب على التائبين، ويغفر زلات الآيبين.
واختتم الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير بقوله: يا عبد الله: هذه العشرُ الزاهيات الزاكيات قد بدت، هذه ليلة القدر المبجّلة المجلّلة المفخّمة قد دنت، فاجْهَدْ جهدَك، وجافِ عن النومِ جنبَك، ووجِّه إلى الله تعالى وجهَكَ وقلبَك، وابلُغ غايتَك، وابذُل طاقتَك، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجتهِدُ في العشر ما لا يجتهِدُ في غيرِها»، أخرجه مسلم، وعنها رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَت العشرُ شدَّ مئزَرَه، وأحيَا ليلَه، وأيقظَ أهلَه»، متفق عليه، وعنها رضي الله عنها، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُجاوِرُ- أي: يعتكِفُ في العشر الأواخِر من رمضان، ويقولُ: «تحرَّوا ليلةَ القدر في العشر الأواخِر من رمضان» متفق عليه وعنها رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرَأيْتَ إنْ وافَقْتُ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قالَ: «قولي: اللهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعْفُ عَنِّي» أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه؛ فقوموا في هذهِ الأسحار على أقدام الانكسار، وأكثروا الاعتذار والاستغفار، فربكم يحب أن يرى عبده بين يديه منكسرًا، وإليه مفتقرًا، ومن ذنوبه معتذرًا، فأظهروا الاستكانة والتذلّل بين يديه، والفاقة والمسكنة إليه، وارجوا فضله ورحمته بأقوالكم وأفعالكم، فمن أصابته رحمة ربّه وسيده ومولاه نال السعادة العاجلة والآجلة، اللهم أيقِظنا من الغفَلات، وارزُقنا الفوزَ في شهر الرحَمات.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي الشريف خطبة الجمعة صلى الله علیه وسلم الله صلى الله علیه رضی الله عنها ی الله عنها لیلة القدر فی العشر فی قول
إقرأ أيضاً:
قصة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة في ليلة النصف من شعبان
تحظى ليلة النصف من شهر شعبان بمكانة خاصة في تاريخ الأمة الإسلامية، إذ تشهد ذكرى تحول عظيم في حياة المسلمين، وهو تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة، التحول الذي كان بمثابة اختبار عظيم لإيمان المسلمين، ليظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم بصدق ومن يظل على تحيزه لأفكار الجاهلية التي كانت تملأ قلوب بعض الناس.
المسلمون كانوا يتوجهون في صلاتهم نحو المسجد الأقصىوقالت دار الإفتاء المصرية، إن المسلمين كانوا يتوجهون في صلاتهم نحو المسجد الأقصى؛ وذلك لحكمة تربوية، وهي: العمل على تقوية إيمان المؤمنين، وليظهر مَن يتبع الرسول اتباعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم، ممن تعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها؛ مستشهدة بقول الله تعالى عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143].
وأكدت «الإفتاء» أن لحظة تحويل القبلة إلى الكعبة حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية، ففي تلك اللحظة، كانت هناك حاجة لتأكيد القيم التربوية التي تعلم المسلمين الانقياد المطلق لله تعالى، والتسليم الكامل لأوامره، حيث يعكس التوجه إلى الكعبة طاعة لله واتباعًا لرسوله.
ولفتت الدار إلى أن هذا التوجيه الجديد في الصلاة، الذي جاء في شهر شعبان، من العلامات المضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية، فقد كان هذا التوجيه بداية لمرحلة جديدة من الإيمان والتقوى، ويشدد على ضرورة تعظيم شعائر الله، حيث تكون عبادة القبلة دليلاً على استقامة المسلم ورغبته في اتباع الدين الحق، من هنا، كان تحويل القبلة دعوة للمؤمنين للتعلم والتطور في عبادتهم، ما يُقوي الرابط الروحي بينهم وبين الله.
وتشير الأحاديث الواردة حول ليلة النصف من شعبان إلى العديد من الفضائل المرتبطة بهذه الليلة المباركة، حيث تصادف حدثًا مهمًا في تاريخ المسلمين، وهو تحويل القبلة، ما يعكس أهمية هذه الفترة في تعزيز الارتباط الروحي بين المسلم ومعبده، ورغم أن بعض الأحاديث حول فضل ليلة النصف من شعبان قد تكون ضعيفة، إلا أن كثرة طرقها وتعدد روااتها جعلتها محط اهتمام علماء الدين، الذين يرون أنه يمكن العمل بها في فضائل الأعمال.
وفي هذا السياق، يتحدث الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن أهمية هذا التحول، موضحًا أن مسألة استقبال القبلة تُمثل طاعة لله، وتجسد الامتثال التام لأوامره، ويفسر الشيخ أحمد وسام أن هذه الحادثة تشكل دعوة لكل مسلم لتعظيم شعائر الله، كونها الطريق إلى تقوى الله، حيث يكون تعظيم شعائر الله هو السبيل لفتح باب التقوى أمام المسلم.
كان الأنبياء يتوجهون إلى بيت المقدس في البدايةولفت الشيخ أحمد وسام، في لقاء تليفزيوني له، إلى أن مسألة استقبال القبلة لم تكن جديدة على المسلمين فقط، بل كانت موجودة في الشرائع السابقة، حيث كان الأنبياء يتوجهون إلى بيت المقدس في البداية، وفي القرآن الكريم نجد إشارات إلى ذلك في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ مِنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَىٰ ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِّنُرِيَهُ مِنْ ءَايَٰتِنَا}.