يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض، فى انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها.
السردية الإسرائيلية الكاذبة لفت العالم فى غيبة الحقيقة، أو تغييبها عمدًا، أخيرًا لبست الحقيقة حذاءها فى وجه مجرمى الحرب، «نتنياهو وشركاه»، الذين هم جميعًا متهمون بجريمة إبادة جماعية، جريمة ضد الإنسانية المعذبة فى قطاع غزة.
«فرانشيسكا ب.
ناطق بالحق فى الضمير الحى، مصطلح الضمير الحى ينطوى على الرغبة فى إنجاز مهمة ما بإتقان، والوفاء بالالتزامات مع الآخرين.
فرانشيسكا مثل ناطق بالحق، ضميرها حى، وبشجاعة نادرة قدمت شهادتها الصارخة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى «جنيف».
فى تقريرها المعنون بـ(تشريح إبادة جماعية)، خاطبت فرانشيسكا الضمير العالمى: «من واجبى رسميًّا الإبلاغ عن أسوأ ما يمكن للبشرية أن تفعله، أجد أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن الحد الأدنى الذى يشير إلى ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين كمجموعة فى غزة.. قد استوفى».
يمكنك غسل ثوبك لا غسل ضميرك، يتسم أصحاب الضمائر الحية بالكفاءة والتنظيم والإخلاص والحذر والإتقان والتدبر (الميل إلى التفكير ملِيًّا قبل التصرف).
«فرانشيسكا»، نموذج ومثال، أعدت تقريرها (تقرير إدانة جيش الاحتلال) بامتياز، ودبّجت حيثيات حكم الإبادة فى حق حكومة نتنياهو بإتقان، ودعت المقررة الأممية الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة إلى الوفاء بالتزاماتها، التى تبدأ بفرض حظر على الأسلحة وعقوبات على إسرائيل.
مصطلح «الشيطنة» يُستخدم مجازيًّا للإشارة إلى الدعاية (البروباجاندا)، الموجهه ضد أى فرد أو مجموعة أو أمة بغرض التشهير أو اغتيال الشخصية أو نزع الصفة الإنسانية عنها، وتستهدف الشيطنة إقصاء الشخص وتدميره، وإلصاق صفات مكروهة، وتنصيبه عدوًّا.
فى مواجهة حملة إسرائيلية ضارية لشيطنة فرانشيسكا، يلزم الاحتفاء بالحقيقة والعاملين عليها بضمير حى، الاحتفاء بـ«فرانشيسكا» ضرورة مستوجبة، أقله بتداول سيرتها، والتذكير بحسن صنيعها.
وُلدت فرانشيسكا ألبانيزى فى عام 1977، وهى محامية وأكاديمية إيطالية دولية، انتُخبت فى مايو 2022 مقررة خاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضى الفلسطينية المحتلة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات أخرى.
أخشى خلعها من منصبها تحت وطأة القصف الإعلامى الإسرائيلى. ولكنها ماضية فى طريقها، لا تخاف من شىء أو على شىء، لا تلوى على شىء، ولا حتى منصبها، وماذا يضيف المنصب الرفيع إذا تخلت عن واجبها الإنسانى؟!!.
تعيين فرانشيسكا كمقررة خاصة لم يكن الطريق إليه معبدًا، واجهت عنتًا إسرائيليًّا بسبب التعليقات التى أدلت بها فى عام 2014 ووصفها خضوع الولايات المتحدة وأوروبا للوبى اليهودى «بسبب» الشعور بالذنب تجاه «الهولوكوست».
وزارة الخارجية الإسرائيلية سبق أن وصفت ما يصدر عن فرانشيسكا ب. ألبانيزى بمعاداة السامية. وترد سيدة الضمير الحى على هذه التهمة، لست معادية للسامية، وانتقاد إسرائيل مرتهن ومرتبط باحتلالها للأراضى الفلسطينية.
حمدي رزق – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
بين البهرجة الكاذبة والجحيم المسلّح- ساعة الحقيقة اقتربت!
تزف الحكومة السودانية “إنجازاتها” الملوّنة بينما الخرطوم تغرق في مستنقعٍ دمويّ لا يرحم. صارت الميليشيات هي السلطة الفعلية، وشرطة النظام تحوّلت إلى أزلامٍ مسلّحين يبيعون ولاءهم لمن يدفع أكثر! كل تصريحٍ رسمي عن “الاستقرار” بات أشبه بنداءٍ استعراضيّ بلا دمٍ ولا حركة؛ لأن الحقيقة الوحيدة هنا هي رصاصٌ لا يتوقف، وفسادٌ لا يُستباح.
في الوقت نفسه، يتغنّى المسؤولون بـ”المسارات النهرية” و”الرحلات البرية” لتسهيل عودة اللاجئين، متناسين أن آلاف الأسر العائدة لم تجد إلا مكبّ نفاياتٍ بشريّ: بيوتٌ بلا سقف، شوارع بلا كهرباء، وأحياءٌ يلتهمها الرعب الليلي. هل هذه هي “العودة الطوعية”؟ إنها إدانة للنظام وليست مجرد حملة علاقات عامة؛ فاستقبال اللاجئين تحول إلى إلقاء بالضحايا في فم التنين.
أما شرطة الخرطوم، التي يُفترض أن تكون الحامية للمواطن، فقد تآمرت مع الفوضى حتى باتت أقسامها مقارّ عصابات. عنصرٌ ينهب الأموال بالسلاح، وآخر يبتز التجار بالتأخير المتعمد، وثالثٌ يتعسّف ضد الضعفاء خلف القضبان الرسمية. وما يحدث ليس انحرافًا فرديًا، بل قرارٌ ممنهجٌ اتُّخِذ في سراديب الفساد الخفية.
ورغم تصريحات الحكومة عن “تحرير المناطق” وعودة السيطرة، لا تحرير حقيقي في الخرطوم ما دامت تسودها ثقافة البندقية. لقد استبدل النظام ملصق “المحرر” بآخر مكتوب عليه “وصي الحرب”، بينما أمراء الفوضى يتشاركون مع السلطتين العسكرية والمدنية في نهب الثروات وإرهاب السكان.
كفى لعبًا على العقول: لا بواخر فاخرة ولا تصريحات برّاقة ستعيد هيبة الدولة. ما يحتاجه السودان الآن هو ثورة مؤسسية تعيد للشرطة مكانتها كحارسة للعدل لا صديقة للعصابات، وقضاء مستقل يلاحق المجرمين دون مقابل، وإسقاط أمراء الحرب عن عروشهم المتسلطة. فالعودة الطوعية ستظل حلماً بعيدًا حتى يعود المواطن ليستقبل صوت الحق لا رصاص الميليشيات.
إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية شارعٍ واحدٍ في عاصمتها، فكيف تتصدى لتحديات كبرى مثل إعادة مليون لاجئ؟ الجواب واضح: القوة الحقيقية هنا لمن يدفع أكثر، ولا مكان للدولة إلا في خطابات الأشباح!
zuhair.osman@aol.com