الحرب في السودان تفاقم الأزمة المالية بجنوب السودان
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
قال وزير المالية في جنوب السودان أوو دانيال شوانق إن إيرادات البلاد من مبيعات النفط الخام تضاءلت بسبب الحرب الدائرة في جارتها الشمالية السودان، والتي أدت إلى تعطل خط أنابيب يصل إلى ميناء بورتسودان هناك مما أسهم في تأخر صرف رواتب موظفي الحكومة في جنوب السودان.
وكان جنوب السودان يضخ نحو 150 ألف برميل يوميا من النفط الخام لتصديره عبر السودان، ويدفع له رسوم عبور بموجب صيغة تم الاتفاق عليها عندما انفصل جنوب السودان عام 2011 ومعه معظم إنتاج النفط الذي كان لدى السودان الموحد.
وقال 3 مسؤولين سودانيين لوكالة رويترز في وقت سابق من الأسبوع إن خط الأنابيب الرئيسي من جنوب السودان يشهد توقفات عن العمل منذ الشهر الماضي، بسبب مشاكل مرتبطة بالحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأضاف شوانق في مؤتمر صحفي أمس الخميس أن موظفي الحكومة لم يتقاضوا رواتبهم منذ 6 أشهر لأسباب من بينها انخفاض عائدات النفط. وأردف قائلا "تفاقم الوضع بسبب ما يحدث في السودان… وجنوب السودان يعتمد على النفط بأكثر من 90% لتمويل مصاريفه الحكومة".
وذكر النائب بطرس ماجايا نجباناجانو المسؤول عن لجنة فرعية بالبرلمان لشؤون النفط في رسالة إلى الرئيس سلفا كير الثلاثاء الماضي أن التوقف في حال استمراره قد يؤدي إلى خسائر لا تقل عن 100 مليون دولار شهريا.
ويعاني جنوب السودان، الذي انزلق في حرب أهلية من 2013 إلى 2018، من أجل إعادة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الحرب التي تراوحت بين 350 ألفا و400 ألف برميل يوميا.
وكان وزير الطاقة السوداني محي الدين نعيم قد أعلن في رسالة مؤرخة في 16 من الشهر الجاري حالة القوة القاهرة، بسبب "تمزق كبير" في خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام من جنوب السودان إلى مدينة بورتسودان على البحر الأحمر للتصدير.
وجاء في الرسالة أن التمزق حدث في فبراير/شباط في "منطقة العمليات العسكرية" في السودان، حيث يدور الصراع منذ أبريل/نيسان من العام الماضي.
يشار إلى أن نحو 9 ملايين من سكان جنوب السودان البالغ عددهم 12.4 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
وتتهم الأمم المتحدة النخبة الحاكمة في جنوب السودان بالنهب الهائل للخزانة والموارد العامة، حيث تحتل البلاد المرتبة 177 من أصل 180 دولة على مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
وتعليقا على توقف تصدير نفط جنوب السودان، قال بوبويا جيمس إديموند، المدير التنفيذي لمعهد السياسات والأبحاث الاجتماعية ومقره جوبا، إن مبيعات النفط تمول 95% من العمليات الحكومية، مضيفا أنه حتى عندما كان النفط يتدفق، لم تكن الحكومة قادرة على دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية لعدة أشهر.
وحذر من أنه "إذا لم يتدفق النفط، فسيكون هناك انهيار للحكومة مما قد يجبر المواطنين على الخروج للاحتجاج ومن المرجح أن ينضم الجيش للأزمة".
من جهته، قال رئيس قسم الاقتصاد بجامعة جوبا أكول مادوك، إن الوضع "ليس جيدا" بالنسبة للمواطن الجنوبي العادي.
ونبه إلى أن الوضع سيتفاقم في الشهرين أو الأشهر الثلاثة المقبلة، لأن البنك المركزي "قد يفتقر إلى الاحتياطيات الأجنبية ولن يتمكن من توريد العملة الصعبة إلى السوق".
وقال أندرو سميث، كبير محللي شؤون أفريقيا في شركة معلومات المخاطر فيريسك مابلكروفت، إن الضربة التي لحقت بالمالية الحكومية بسبب خط الأنابيب المتضرر تعني أنه "من المرجح للغاية" تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
لوموند: إصلاحات لبنان المصرفية خطوة أولى نحو حل الأزمة المالية
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن "مبادرة إصلاح السرية المصرفية، التي طرحها البرلمان اللبناني باعتبارها خطوة ضرورية للخروج من الأزمة المالية التي يعيشها لبنان".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ "التعديلات التي أقرها البرلمان اللبناني تهدف للكشف عن العوامل المسببة، لانهيار العملة الوطنية في سنة 2019".
وأضافت الصحيفة أن "السرية التي كانت تحيط بالنظام المصرفي ساهمت في ازدهار البلاد خلال خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تفسح الحرب الأهلية المجال لانتشار الممارسات المخالفة للقانون".
وأكدت أن "هذا التقدم يمثل أول ترجمة عملية كبرى لطموحات الحكومة الإصلاحية برئاسة السيد نواف سلام، التي باشرت مهامها في الثامن من شباط/ فبراير"، منوهة إلى أنه "في جلسة عقدها البرلمان اللبناني يوم الخميس الماضي، أقرّ النواب سلسلة تعديلات على القوانين المنظمة للسرية المصرفية، ما يمهّد الطريق لتعزيز الشفافية في النظام المالي، بعد أن ظلت هذه السرية لفترة طويلة بمثابة ركيزة مقدسة لا تمسّ في الجمهورية اللبنانية".
تتيح القوانين الجديدة لمصرف لبنان، ولجنة مراقبة البنوك، إضافة إلى شركات مراجعة الحسابات المكلّفة من قبل السلطات المختصة، الاطلاع على المعلومات المصرفية. كما أصبح بالإمكان العودة إلى البيانات السرية المصرفية لعشر سنوات مضت، وذلك تماشياً مع مطلب الحكومة الذي أدرجته ضمن مشروع القانون الذي أعدّته.
وكما كان متوقعًا، أثار البند المتعلق بالأثر الرجعي جدلاً واسعًا وسط عدد من النواب الذين سعوا، دون جدوى، إلى عدم إدراجه في النص القانوني. ومن شأن السماح بالرجوع إلى البيانات المصرفية السابقة أن يسهم في تحديد العوامل التي أدت إلى الانهيار المالي في سنة 2019، الذي خلف تداعيات يواجهها لبنان اليوم. وقد يتيح التدقيق في الحسابات كشف المستفيدين من الهندسات المالية التي وضعها حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، المحتجز حاليًا في لبنان والملاحق قضائيًا في عدد من الدول الأوروبية.
وتتيح التعديلات أيضًا إجراء تحقيقات بشأن الأموال التي تم تحويلها إلى حسابات مصرفية في الخارج خلال المرحلة المفصلية المحيطة بالانهيار المالي، وذلك في انتهاك لتجميد رؤوس الأموال الذي فرضته المصارف اللبنانية. ويُشتبه بأن شخصيات سياسية رفيعة المستوى استفادت من هذه الامتيازات غير القانونية. وقد ساهمت هذه التحويلات في تسريع وتيرة الإفلاس، مما أدى إلى تحمل صغار المودعين، الذين تعرضت مدخراتهم إلى الحجز أو التآكل نتيجة الانهيار الحاد في قيمة العملة المحلية، عبء الأزمة.
أحد مطالب صندوق النقد الدولي
وذكرت الصحيفة أن النواب سبق أن أقرّوا إصلاحين متعلقين بالسرية المصرفية في عامي 2020 و2022، إلا أنهما شكّلا في الواقع واجهة شكلية عكست تردد الطبقة السياسية الشديد في المساس بهذه الممارسة التي تُعدّ رمزًا وطنيًا منذ سنة 1956، حين كان لبنان يُعرف بخزنة الثروات العربية الكبرى.
في هذا الصدد، قال رئيس مجلس الوزراء نواف سلام الخميس المنقضي، "إذا كان قانون السرية المصرفية استخدم في خمسينيات القرن الماضي لجذب رؤوس الأموال إلى لبنان، إلا أنه اليوم أصبح دون جدوى، بعدما استُغل بطريقة أضرت بصورة البلاد". وأضاف نواف "التعديلات الجديدة تفتح صفحة جديدة في مجال مكافحة التهرب الضريبي والفساد وتبييض الأموال".
وساهمت العديد من العوامل في نجاح المحاولة الثالثة لإقرار هذا الإصلاح، أولها أن تعديل السرية المصرفية من بين المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي، الذي تعلق بيروت أمل في الحصول منه على برنامج مساعدات مالية يمهّد الطريق للخروج من الأزمة. وقد تزامن تصويت يوم الخميس مع زيارة وفد لبناني إلى واشنطن للقاء مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. أما الجهات المانحة الدولية، التي لطالما تغاضت عن اختلالات النظام اللبناني وكانت تساهم عبر منحها أو قروضها في تعزيز نفوذها السياسي، فهي تشترط اليوم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد كشرط أساسي لإيقاف تجميد الأصول.
"الضغط المضاد"
وتلفت الصحيفة إلى العوامل الأخرى التي ساهمت في هذا التطور، على غرار خروج لبنان من حالة الشلل السياسي التي كانت امتدت من خريف 2022 الى بداية سنة 2025 وتمتع كل من رئيس لبنان جوزيف عون ورئيس الحكومة بدعم غربي وعربي.
ونقلت الصحيفة عن الخبير اللبناني في الشؤون الاقتصادية والمالية والمصرفية علي نور الدين: "نهجهما، الذي يأخذ طابع إصلاحي، يتماشى أكثر مع توجهات المجتمع الدولي. وقد وقع الرئيس القانون فور إقراره، في إشارة واضحة إلى دعمه ودعم رئيس الحكومة لإصلاح السرية المصرفية، وهو ما وضع النواب أمام أمر الواقع، خاصة في ظل الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي".
تنتظر المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، إصلاحات رئيسية أخرى من لبنان. في هذا الإطار، ينبغي طرح مشروعي قانون، يتعلق الأول بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وقد تم إقراره بالفعل من قبل الحكومة، بينما يتناول الثاني وضع معايير لتوزيع الخسائر المالية، من قبل النواب قبل حلول الصيف. ومن المتوقع أن يستمر هذا في تأجيج المعركة بين القوى الإصلاحية وأنصار الحفاظ على الوضع الراهن. وتسعى البنوك إلى تحميل الدولة مسؤولية الخسائر المالية. وبدعم من بعض النواب، نجحت البنوك في إحباط أول مشروع لإعادة هيكلة مالية كانت قد اقترحته حكومة حسان دياب في سنة 2020.
ويتابع علي نور الدين بالقول: "من المفترض أن تُسهم إصلاحات السرية المصرفية في تحديد الأرباح التي حققتها بعض البنوك من خلال اتفاقات مثيرة للجدل مع مصرف لبنان قبل سنة 2019، على حساب المال العام. ونظرا لأن اللوبي المصرفي لم يفقد نفوذه بعد سوف يحاول عرقلة الإصلاحات الأخرى. ومع ذلك، لم يعد هذا اللوبي وحدة متماسكة كما كان في السابق وأصبح يعاني الآن ضغوط مضادة".
وفي ختام التقرير يقول علي نور الدين إن البنود الثلاثة مترابطة، حيث أن قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ينبغي أن يمنح لجنة مراقبة البنوك الاستقلالية، مما سيقلل من إمكانية التدخل في النفاذ إلى المعلومات المصرفية".