البخبخي: ما يقوم به الرئاسي لا علاقة له بالمصالحة الوطنية وهو محاولة لإنجاز مصالحة سياسية
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
ليبيا – قال يوسف البخبخي الأكاديمي الموالي للمفتي المعزول الغرياني، إن هناك اشكاليه على صعيد المفاهيم والمقاربة عند الحديث عن المفاهيم المصالحة تتعدد فهناك مصالحة مجتمعية وهي تقوم على توافقات وتنازلات وانزال العرف الاجتماعي وهناك مصالحة سياسية وتمثلت فيما أطلق عليه اتفاق الصخيرات وغيره.
البخبخي أشار في تصريح لبرنامج “العاصمة” الذي يذاع على قناة “فبراير” الأربعاء وتابعته صحيفة المرصد إلى أن هذه الاتفاقات أدت لانسداد وقدمت وضعاً اقرب لهدنة منه مصالحة حقيقية تؤسس لبناء الدولة.
وأوضح أن المصالحة الوطنية مفهوم آخر وتتعلق بصناعة الدولة يجب الادراك بأن الثورة احدثت مفاصله ما بين نظام شمولي واستبدادي وقام على اساس من الإبادة الجماعية وما قام في بوسليم يسقط عليه مفهوم الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة وفقاً لتعبيره.
وتابع “نحن نتحدث عن مفاصله لإنشاء نظام بديل أو دولة تقوم على مفهوم الدولة والحريات وسيادة القانون وهذا الانتقال يستدعي ما نطلق عليه مصالحة وطنية، ما يحدث في ليبيا اليوم لا يعدو سوى عبث في المفاهيم وما يقوم به الرئاسي لا علاقة له بإنجاز المصالحة الوطنية وهو محاولة لإنجاز مصالحة سياسية لأجسام هي على التضاد وأوضاع انقلابية ولا يمكن أن نتحدث اليوم عن مشروع انقلابي في الشرق والرجمة والكرامة بل نتحدث عن مشروع هو على النقيض من تلك الدولة التي نريد إنجازها، دولة الحقوق والحريات وسيادة القانون ولا يمكن أن نتحدث عن بقايا سبتمبر وهم حاله بدورها انقلابية” .
كما أضاف “كل مقارباتنا ليست الانتقال، اليوم 11 سنة لم نقترب من أحداث الانتقال نحو الدولة المنشودة لا زلنا نراوح في حالة الانتقال، لا يمكن الحديث عن العدالة الانتقالية في ظل مشروع سياسي. في هذه اللحظة لا توجد أي مبادرة على الصعيد المحلي ولا على الصعيد الاممي وما اطلق عليه مبادرة المبعوث الامين العام ليست مبادرة بل محاولة لاستعادة السيطرة على المسار السياسي من خلال الدعوة للجنة الخماسية، ادراكاً من البعثة أن المسار الانتخابي قد استشكل ولم يعد بالإمكان إنجازه من خلال ما يسمى تعديل الدستوري الثالث عشر ومخرجات ذلك التعديل المتعلق بقوانين اللجنة السداسية المشتركة أو ما يسمى خارطة الطريق كل الانجازات أنجزت للإعاقة والعرقلة”.
وأكد على أن الأطراف الليبية اليوم في حالة من التفكك والتشظي ولا تمتلك زمام الأمور ولا قدرة على التغيير ولانتاج موقف مما يجري أو حتى ازاء روسيا، مشيراً إلى أنه يوجد أطراف على الصعيد المحلي تتودد لروسيا في الغرب لذلك هناك فشل ذريع في اتخاذ المواقف ومبادرة حقيقية.
وشدد على أن الخيار أمام المبعوث العام هو تقديم مبادرة حقيقية لأن ما أطلق عليه مبادرة اللقاء الخماسي هي خطوة سياسية ومقاربة لا يمكن اطلاق عليها مبادرة لأن المبادرة معقدة لها أهداف وخطوات وأبعاد وليست مجرد رؤية حقيقية بالتالي ما يجب على المبعوث الأممي هو الانتقال لصناعة المبادرة والوقوف عند هذا الانسداد.
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
سوريا.. الرهان على الهوية الوطنية للخروج من الأزمة
«الأوطان الخالية من العصبيَّات يسهل تمهيد الدَّولة فيها، ويكون سلطانها وازعا لِقلّة الهرج والانتقاض، ولا تحتاج الدّولة فيها إلى كثير من العصبيَّة كما هو الشّأن في مصر والشّام لهذا العهد إذ هي خلو من القبائل والعصبيّات..».
ــ ابن خلدون، المقدمة (الفصل التاسع،ص 207)
إن ما من تحد سياسي إلا وهو تعبير عن حالٍ أكثر تعقيدا في المجتمع، وكون السياسة في أصلها عمليات متقنة تشتغل أكثر على ترويض الإنسان ، فإنها لا تقوم بأكثر من التحقق من سلامة سداد العلاقات بين البنى الاجتماعية بحيث لا تتعدى إحداها على الأخرى إلا بالقدر الذي توفره أشغال التفاعل الموفر لكل إمكان فيها بالاتصال بعناصر أخرى تتشابه وتتشابك فيه، وكل هذا لتحقيق الهدف الأسمى من فكرة السلطة، وهو حفظ التوازن الاجتماعي والإبقاء على العناصر المتوترة فيه قيد النظر ومحل المراقبة والتشديد لصالح الاستقطاب والتضمين.
إن الطريقة التي تدار بها المجتمعات تظل محاولة لتلخيص الجدل حول بناء مجازات عليا للساكنة والجغرافيا، وبذا فإن محاولة فهم ما يكتنف ظاهرة الدولة لا ينبغي فيها التوقف عند السطح بل هو خوض أمين في دقائق التشكل المستمر والتكون المتخلق. ومقالتنا هذه لا تطمح إلا إلى لفت الانتباه إلى سؤال جوهري ينبغي أن تجيب عنه القوى السياسية التي تتصدر المشهد السوري الآن، وهو: كيف يمكن الحفاظ على التنوع الثقافي والديني مع استثماره لصالح دولة وطنية ناجحة؟!..
إن سوريا معرض ثقافي (أكراد ودروز ومسيحيون وأيزديون وعرب...إلخ) وهذه هي عناصر قوة المجتمع السوري، فالمجتمعات ذات الإثنية الواحدة هي الأكثر عرضة للتنازع على عكس ما يشاع ويفهم في سياق الاجتماع السياسي، فبلد مثل الصومال يتكون من إثنية واحدة شهد صراعات طاحنة رغم وحدة الهوية، وكثيرا ما يشير علماء الاجتماع السياسي إلى أن الدولة الحديثة والتي تكون اجتماع إثنيات وقوميات ومذاهب متعددة فإن فرصها في تحقيق الهوية الوطنية وترسيخ فكرة الدولة/القانون أكبر بكثير من تلك التي يعكس مظهرها الخارجي وحدة في العرق والدين ما يصنع الظن بسهولة تركيب مؤسسات الدولة عليها، ولذا فإن القيام بإصلاح المؤسسة (=الدولة) في الحالة السورية يحتاج في المقام الأول إلى تحسين فهم التنوع الثقافي بأشكاله كافة، ومن ثم الارتفاع بالقانون إلى تسميد فضاء الدولة ناحية عمليات من استيعاب إيجابي لمجمل هذا التنوع، ولا نقصد فقط عمليات التمثيل التي تلجأ إليها بعض الأنظمة بمنح بعض الإثنيات تمثيلاً في جهاز الدولة التنفيذي، فهذا الأمر ينبغي أن يكون نتيجة لا مقدمة لصناعة الهوية العامة، فالبداية أن يتأسس في وعي المناط بهم عمليات الإصلاح الاعتراف بالتنوع الثقافي ومن ثم الكشف عن علائق هذا التنوع والصلة التي تنشأ بين مجمل الأشكال الثقافية، فليس من خادش للوعي أكثر من الاعتقاد بقيام التمييز على أسس من اختلاف، بل الأجدى أن يفهم أن الاختلاف العرقي والثقافي لا يستطيع العيش منفردا بل هو نتيجة منطقية لعُرى من اتصال كشف عنها بقاء هذه التكوينات حاضرة وفاعلة مع مثيلاتها في جغرافية سياسية واحدة، وهنا فالتنوع لا تتصف عناصره بالبقاء وحيدة بل تحصل كل بنية ثقافية في المجتمع على خصوصيتها من تلقاء تماثلها مع المجموع لا التحليق في سربها الخاص.
وسوريا التي عاشت في خصام مع إدارة التنوع، كلفت إنسانها فواتير باهظة دفعها من حاضره وقد يظل عيش سُعارها في مستقبله، وهو أن الاستسلام لفرضية تسييد بنية اجتماعية واحدة بالقهر طمعا في عائدات من استقرار سياسي، وهذه فرضية أثبتت فشلها في غالب التجارب العربية، فالرهان على الاستقرار يُشترط فيه أن يقوم على بناء توافقات بين البنى ، وهي توافقات لا تقوم على تنسيب تضميني، ولا تخضع لترميز تضليلي إذ يُعتقد أنه يكفي منح أبناء المناطق مناصب في الدولة، وكراسي في البرلمان وبذلك يتحقق التوازن وتنتفي أشكال التهميش، وهذا عين الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المشتغلين بالتنظير في السياسة، ذلك أن صناعة الدولة الحديثة تقوم في جوهرها بالحفاظ على هذه البنى وحقوقها الثقافية قبل حقوقها السياسية، حقوقها في استخدام لغتها في حدود ما تملك هذه اللغة من قدرة على تحقيق وجودها العام، ولا يقولن قائل بأن الدعوة إلى تمكين الجماعات الثقافية من لغاتها هو الطريق إلى تفتيت البنية الأم، فالحقيقة أن استخدام اللغات المحلية عند الجماعات الثقافية يوفر لها حقا معنويا لا يُمْكِنُها إلا من تمتين ذاكرتها الوجدانية فقط، ومن ثم تجهيزها الدخول في فضاء اللغة الوطنية، وهو تجهيز مُعَزِزْ لها لتحفظ نفسها من الاستنتساخ القهري، ما يمكنها التأهل للاحتفال الثقافي العام في دولتها الوطنية.
إن التحدي أمام سوريا تحد ثقافي قبل أن يكون سياسيا، وهو أن تعي السلطة الجديدة أن قوتها في تنوعها، وأنها تؤذي نفسها إن تنكرت لهذا التنوع، والذي يجب أن تفهمه أيضا أنها إن أرادت أن تنتقل بهذا البلد العظيم من ذاكرة التوحش والعنف إلى الاستقرار السياسي فإن أية عملية إقصاء أو تضليل في الاعتراف بالحقوق الثقافية لأبنائها يعني أنها تكرر مأساتها، فما آذى دولنا العربية إلا انخراطها المحموم نحو الأيديولوجيا أيًّا كان صنفها الذي تقتات عليه في أمسياتها الحرجة، فليست سوريا بحاجة إلى أيديولوجيا تقوم على أي شكل من أشكال الانغلاق المذهبي أو الثقافي، إنها بحاجة إلى شيء واحد، هو الإيمان بشعبها إيمانا ينطلق من الاعتراف بالحق الثقافي في البقاء سوريًّا قبل كل شيء آخر..
إن دعواتنا لسوريا بالشفاء من جرحها الغائر، والذي لن تتعافى منه إن لم تبصر ذاتها الوطنية قبل القومية، تبصرها في مرآة متعددة الانعكاس حتى تتعرف على وجوهها وأن تحرك شفاهها بصوت واحد.. سوريا للجميع.