نشر موقع "بيمنتس" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن صندوق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في السعودية، بقيمة 40 مليار دولار، والذي يمثل قفزة لإعادة تحديد دور الشرق الأوسط في المشهد التكنولوجي العالمي.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الصندوق يعد جزءا من اتجاه دول الشرق الأوسط التي تسعى جاهدة لوضع نفسها كقادة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

 

وتؤكد الاستثمارات الضخمة قدرة الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل الصناعات وتعزيز التوسع الاقتصادي. 

وتقدر دراسة أجرتها شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" أنه بحلول سنة 2030، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط الحصول على اثنين بالمئة من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي، والتي تصل إلى حوالي 320 مليار دولار.

وقالت المحللة الجيوسياسية إيرينا تسوكرمان في مقابلة مع موقع "بيمنتس" إن "جهود تطوير الذكاء الاصطناعي الناجحة لا يمكن أن تؤدي فقط إلى موجة من الإبداع والابتكار المحلي مثل الشركات الناشئة الجديدة، وجذب جيل من الطلاب إلى هذا المجال، ولكنها يمكن أن تنشر الرخاء الناتج في جميع أنحاء المنطقة، ومواجهة الاختلالات المحلية وإضفاء الطابع الديمقراطي على اقتصاد المعرفة، وتجذب ألمع العقول".



الطموحات الإقليمية
يجري البحث مع شركة رأس المال الاستثماري الرائدة "أندريسن هورويتز"، من بين آخرين في وادي السيليكون، لدراسة الجهود المشتركة المحتملة للمبادرة. 

وقال باس كويمان، الرئيس التنفيذي ومدير الأصول في شركة "دي إتش إف كابيتال" في مقابلة مع موقع "بيمنتس" إن هذه المبادرة جزء من إستراتيجية أوسع لتنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط وترسيخ مكانتها كشركة رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أنه "يمكن للصندوق تحفيز الابتكار، وجذب شراكات التكنولوجيا العالمية، وتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات داخل المنطقة، مما يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية".

بدوره قال ستيف بروتمان، المؤسس والشريك الإداري لشركة "ألفا بارتنرز"، في مقابلة مع موقع "بيمنتس" إن استثمار السعودية في الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون بمثابة حافز للتغيير التحويلي داخل النظام البيئي التكنولوجي في الشرق الأوسط.

وأوضح "أولا، إن ضخ 40 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي يدل على مستوى غير مسبوق من الالتزام بالتقدم التكنولوجي في المنطقة. 

وقد يؤدي ذلك إلى إنشاء بنية تحتية قوية للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، وجذب المواهب العالمية، وتعزيز الابتكار، وتسهيل إنشاء الشركات الناشئة وحلول الذكاء الاصطناعي المتطورة".

وأضاف أنه "يمكن أن يشجع ذلك أيضًا دولًا أخرى في الشرق الأوسط على زيادة استثماراتها في التكنولوجيا ويؤدي إلى طفرة تكنولوجية إقليمية. وهذا يمكن أن يحفز التنويع الاقتصادي، ويقلل الاعتماد على النفط، ويضع الشرق الأوسط كمنافس عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي".

وفي حين قادت دولة الإمارات مبادرات الذكاء الاصطناعي مع أول وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم في سنة 2017، فإن الاستثمارات الضخمة في السعودية تفوق الجهود الإقليمية الأخرى، على حد تعبير مايكل أشلي شولمان، الشريك والرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة "رانينغ بوينت كابيتال" في جنوب كاليفورنيا في مقابلة مع موقع "بيمنتس".

وقال إن "السعودية تتطلع إلى المستقبل للغاية، ولا تريد فقط أن تتخلف عن الركب في تطورات الذكاء الاصطناعي، ولكنها تريد أن تأخذ زمام المبادرة إقليميّا وعالميّا في مجال الذكاء الاصطناعي وللقيام بذلك، فإنهم يعلمون أن عليهم المبالغة في الالتزام كإشارة للمستثمرين الآخرين وقادة التكنولوجيا حول مدى كفاءتهم". 

من جانبه أكد باول ساتاليكي، المدير العام لشركة "أفنجا" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لموقع "بيمنتس" أن التأثيرات المحتملة لتمويل الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط بعيدة المدى. 

وأشار إلى أن "اعتماد الذكاء الاصطناعي يتسارع في قطاعات المؤسسات، بدءًا من نمذجة المخاطر في الخدمات المصرفية وحتى التعرف على الصور في المرافق".

وأضاف أن "حالات الاستخدام هذه، إلى جانب التطبيقات الواعدة بين الشركات والمستهلكين، تشير إلى اضطرابات كبيرة في مختلف الصناعات، مما يساهم في النهاية في التنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، ونمو كبير محتمل في الناتج المحلي الإجمالي".

ويبرز الشرق الأوسط كلاعب في مجال الذكاء الاصطناعي. وتحتل دولة الإمارات مكانة رائدة في هذا المجال، حيث تهدف إستراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 إلى جعل الدولة رائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي. إن تركيز الحكومة على أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطويره ونشره عبر قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل بدأ يؤتي أكله بالفعل. 

وعلى سبيل المثال، نشرت دبي أنظمة إدارة حركة المرور المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين التدفق وتقليل الازدحام. وفي الوقت نفسه، أعلنت الإمارات مؤخرًا عن استثمار بقيمة 500 مليون دولار في الذكاء الاصطناعي.

ووفق الموقع؛ تخطو بلدان أخرى في المنطقة حذوها. وتركز مصر على الذكاء الاصطناعي في الزراعة وتنمية المدن الذكية، في حين تستفيد دول مثل البحرين وعمان من الذكاء الاصطناعي لتعزيز الخدمات المالية وكفاءة الحكومة.



التغلب على التحديات
وقال المحللون إنه على الرغم من أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط هائلة، إلا أن النجاح لا يزال قيد التحديد. 

وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية في حاجة المنطقة إلى المزيد من المتخصصين ذوي المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي.

ولكي يصبح الشرق الأوسط مركزا حقيقيا للذكاء الاصطناعي، يحتاج الشرق الأوسط إلى استثمارات كبيرة في تعليم الذكاء الاصطناعي على جميع المستويات، وبناء مجموعة مستدامة من المواهب، وتعزيز النظام البيئي للشركات الناشئة المحلية.

وحتى مع كل التمويل، قالت تسوكرمان إن الجهود السعودية لإنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي ستحتاج على الأرجح إلى اللحاق بجهود الدول الأخرى. 

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة، وهي أكثر تقدمًا من الناحية التقنية من الشرق الأوسط، تحتاج إلى المساعدة في جذب المتخصصين المؤهلين إلى مبادرات تطوير الرقائق الجديدة.

وسلط ساتاليكي الضوء على إمكانات الحكومات لقيادة الابتكار، وقال: "من الجدير بالملاحظة أن بعض أكبر الخطوات في تبني الذكاء الاصطناعي تأتي من الوكالات الحكومية في الشرق الأوسط. 

وهذا النهج من أعلى إلى أسفل، وهو محرك مشترك في المنطقة، يمكن أن يسرع وتيرة التغيير مقارنة بالمبادرات التي يقودها القطاع الخاص".

ولتسريع التقدم، سيكون التعاون الدولي ضروريا. 

واقترح ساتاليكي أن "الشرق الأوسط يحتاج إلى استيراد المعرفة والموارد الخارجية بشكل فعال في هذه المرحلة. ويمكن للشراكات مع مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي ذوي الخبرة وشركات التكنولوجيا والمؤسسات الأكاديمية أن تساعد في سد الفجوة مع بناء القدرات المحلية لتحقيق النمو المستدام."

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط
وفيما يلي نظرة على أكبر اللاعبين في المنطقة:

الإمارات العربية المتحدة إلى جانب جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومؤسسة دبي للمستقبل، أطلقت الإمارات عدة مشاريع أخرى.

ويتضمن البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي للإمارات  مبادرات مثل مختبر الذكاء الاصطناعي، الذي يركز على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي للخدمات الحكومية، وبرنامج مشاريع الذكاء الاصطناعي، الذي يوفر التمويل والدعم للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. 

كما أنشأت الدولة مركز الثورة الصناعية الرابعة في الإمارات، بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، لاستكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى على المجتمع والأعمال.

المملكة العربية السعودية: أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عدة مبادرات، بما في ذلك المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، الذي يجري البحث والتطوير في معالجة اللغات الطبيعية، ورؤية الكمبيوتر، والروبوتات. 

كما أنشأت البلاد الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي، وهي شركة مملوكة للحكومة تهدف إلى تسريع تسويق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. 

بالإضافة إلى ذلك، دخلت السعودية في شراكة مع شركات مثل هواوي لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والنقل والطاقة.

قطر: استثمرت قطر في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على التعليم والبحث. ويجري معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، أبحاثا في تقنيات اللغة العربية، وتحليلات البيانات، والأمن السيبراني. 

كما أنشأت قطر الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي تحدد رؤية الدولة لتطوير الذكاء الاصطناعي وتتضمن مبادرات مثل إنشاء حديقة للذكاء الاصطناعي لدعم الشركات الناشئة وإنشاء اتحاد للذكاء الاصطناعي لتعزيز التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية والحكومة.



البحرين: أطلقت البحرين مركز خليج البحرين للتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. 

ويوفر المركز منصة للشركات الناشئة والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا للتعاون وتطوير حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي للقطاع المالي. 

وأنشأت البحرين أيضًا جمعية البحرين للذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي بالذكاء الاصطناعي واعتماده في مختلف القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والنقل.

عُمان: أطلقت عُمان المجموعة العمانية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تضم وحدة مخصصة للذكاء الاصطناعي تعمل على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي للخدمات والصناعات الحكومية مثل النفط والغاز والسياحة والخدمات اللوجستية. 

كما دخلت عُمان في شراكة مع شركات مثل مايكروسوفت لإنشاء مركز التميز للذكاء الاصطناعي، والذي يوفر التدريب والدعم لمحترفي الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي الاستثمار السعودية الشرق الأوسط الإمارات قطر الشرق الأوسط السعودية قطر استثمار الإمارات المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مجال الذکاء الاصطناعی فی الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی الشرکات الناشئة فی الشرق الأوسط فی المنطقة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ترامب يتغيّر بعد 100 يوم… فما نصيب الشرق الأوسط من ذلك؟

"دخل ترامب ولايته الثانية كأسد، لكنه الآن يبدو أقرب إلى الحمل"، هكذا علّق ستيفن كوك في Foreign Policy  على الأشهر الثلاثة التي أعقبت تنصيب ترامب. لكن السؤال هو: هل يسعى ترامب للاحتفاظ بهذا الاستئساد في الشرق الأوسط، الذي بات يشغل موقع "المسرح الثانوي" في السياسة الأميركية؟

تتسم سياسة ترامب في المنطقة بتوجهات متعددة. فقد دعا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، سواء بالقوة أو طوعًا، ويؤيد البيت الأبيض حاليًا هجومًا إسرائيليًا متجددًا على القطاع، بهدف الضغط على حماس لتسليم الرهائن المتبقين أو القضاء عليها.

وفيما يتعلق بإيران، يجمع نهجه بين التفاوض، والتهديد باستخدام القوة، وممارسة أقصى الضغوط.

كما شن حربًا واسعة على الحوثيين في اليمن، معلنًا هدفه: تأمين إسرائيل وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأصدر تعليمات لوزير خارجيته بالعمل على عبور السفن الأميركية التجارية والعسكرية من قناة السويس مجانًا. وبالتوازي مع ذلك، منح إسرائيل حرية التحرك عسكريًا في لبنان، على الرغم من جهود مبعوثه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينها وبين حزب الله.

لا يمتلك ترامب إستراتيجية متماسكة وشاملة للشرق الأوسط، بل مجموعة من الأولويات والاتجاهات، والاهتمام ببعض الملفات التي ترسم معالم نهجه في المنطقة.

إعلان

تتسم أهدافه بقدر من التضارب؛ فالأهداف التي أعلنها، مثل دعم الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية، والرغبة في الوقت نفسه في إنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع، تبدو متعارضة إلى حد كبير.

ويُضاف إلى ذلك أن تركيز ترامب على العلاقات الشخصية قد يسفر عن سياسة تفتقر إلى الاتساق، وتتسم بقدر من المفاجأة، بناءً على تفاعلاته مع القادة الأفراد.

يتسم نهجه بتيارات متضاربة تتأرجح بين الانعزالية والتدخلية. ففي حين يرفض التدخلات العسكرية الواسعة ويسعى للانسحاب من الشرق الأوسط، فإنه ينخرط في الوقت نفسه في ضرب الحوثيين دون وجود رؤية واضحة لنهاية هذه الحملة.
تجعل هذه السياسات من الصعب على الأطراف الإقليمية توقّع الإجراءات الأميركية والتخطيط على أساسها.

قد تجد بعض الإجراءات تفسيرها في تفضيلاته الشخصية، مثل التفاوض مع "قادة أقوياء" أو السعي للحصول على جائزة نوبل للسلام. يُوصف بأنه "لديه نفاد الصبر"، ورغبة في أن يكون "زعيمًا قويًا وحاسمًا"، لكنه يفتقر إلى التفكير طويل الأمد بشأن العواقب الأوسع لأفعاله.

ينطلق ترامب في تحركاته من إطار واقعي محدد قوامه مبدأ "أميركا أولًا". ولكن تطبيقه لهذا الإطار على منطقة الشرق الأوسط يبدو ضيقًا للغاية، ويفتقر إلى المشاركة الدبلوماسية والمدنية الشاملة، ولا يستثمر فاعلية العمل مع الحلفاء، وهو ما عزّز النفوذ الأميركي على مر التاريخ.

ترامب: نهج مختلف للسياسة الخارجية

يشكّل نهج ترامب في السياسة الخارجية في ولايته الثانية تحولًا عن النظام الدولي الليبرالي الذي ساد بعد الحرب الباردة، حيث يعطي الأولوية للمصلحة الوطنية "أميركا أولًا" في إطار المنافسة بين القوى العظمى.

هذا النهج يقوّض الأعراف والتقاليد الدولية والقيم الإنسانية المشتركة مثل تهجير الفلسطينيين ودعم الإبادة الجماعية لهم. ينحرف هذا النهج عن الدبلوماسية الأميركية التقليدية من خلال إعادة توجيه التحالفات، وتجاهل الشركاء التقليديين في كثير من الأحيان، وإعطاء الأولوية لأسلوب التفاوض القائم على الصفقات والرافعة المالية، وهو أسلوب يتجاوز التشاور الدولي.

إعلان

كما تُستخدم الأدوات الاقتصادية، وعلى رأسها التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية، كأسلحة إستراتيجية، بما في ذلك التوجه نحو الانفصال الاقتصادي. وإلى جانب ذلك، يبرز التركيز على الولاء، والتجاهل الواضح لإجماع الخبراء والمعايير المؤسسية في صياغة السياسات.

ويمكن رصد الملامح التالية لنهج ترامب في السياسة الخارجية:

1- التحول من النظام العالمي الليبرالي إلى الواقعية والمنافسة بين القوى العظمى

يرتكز نهج ترامب على تقليد واقعي راسخ يمثّل خروجًا عن نموذج النظام العالمي الليبرالي الذي ميّز حقبة ما بعد الحرب الباردة في ظلّ الهيمنة الأميركية.

ترى إدارته أن النظام الدولي تهيمن عليه المنافسة بين القوى العظمى، وليس الصداقة الدولية. ويعتبر المستشارون الرئيسيون أن النظام العالمي الليبرالي "وهْم خطير"، ويدعون إلى تبنّي سياسة خارجية تركز على المصلحة الوطنية.
وهذا التركيز على "أميركا أولًا"، والذي يقسم العالم على طول خط الصدع بين الولايات المتحدة، وجميع الدول الأخرى، يتناقض مع نماذج أخرى مثل التقسيم بين الديمقراطية، والاستبداد الذي كان سائدًا في خطاب بايدن.

يُوصف نتنياهو بأنه يدرك أن "الحرب الدائمة" هي "صديقته"، مما يسمح له بقمع المعارضة السياسية، وتجنّب التحقيقات في الإخفاقات التي تؤدي إلى الصراع، والحفاظ على تماسك حكومته. وهذا يجعل ترامب ونتنياهو متوافقين في الإجراءات التي يُنظر إليها على أنها تستفيد من استمرار الحرب على غزة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقف من إيران يبدو مختلفًا. ففي الوقت الذي يحرص ترامب على التنسيق مع إسرائيل؛ فإنه يواجه اختبارًا لإعطاء الأولوية لـ"أميركا أولًا" على "إسرائيل أولًا"، نظرًا للتكلفة العالية للصراع المحتمل مع إيران. يعتقد قطاع من النخبة الأميركية أن السياسة الخارجية الأميركية غالبًا ما تعطي الأولوية للمصالح الإسرائيلية.

إعلان

مبدأ ترامب "أميركا أولًا"، الذي يعطي الأولوية للمصالح الأميركية على غيرها، قد يؤدي إلى احتكاك أو صدامات مع المصالح الإسرائيلية، خاصة إذا كان تحقيق الأهداف الأميركية (مثل إنهاء حرب غزة أو مواجهة إيران) يتطلب اتباع نهج يختلف عن موقف إسرائيل أو يستفيد منه.

2- إعادة توجيه التحالفات وتجاهل الشراكات التقليدية

يتضمّن نهج إدارة ترامب إعادة توجيه الدبلوماسية والتحالفات الأميركية بعيدًا عن الشراكات القديمة لصالح شراكات جديدة. وينتقد المسؤولون التحالفات التقليدية مثل حلف شمال الأطلسي (NATO).

تشمل هذه الإستراتيجية تقليص الالتزامات في مناطق تعتبر ثانوية مثل أوروبا والشرق الأوسط، بهدف تركيز الموارد على المناطق الإستراتيجية الرئيسية مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء الصين. وغالبًا ما يتعامل هذا النهج مع الحلفاء الديمقراطيين بقدر من "التجاهل" و"الازدراء".

ويُلاحظ نقص الاهتمام بالحفاظ على القوة الناعمة للولايات المتحدة، أو تعزيزها، وهي القدرة على حشد الحلفاء وجذب الكفاءات. تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة أكثر فاعلية عندما تحشد دعم أصدقائها، وهي أداة يتجاهلها ترامب إلى حد كبير، مفضّلًا "صدمة الحلفاء والشركاء" على كسب تأييدهم.
هو يقلل من شأن الموارد الدبلوماسية، ويفشل في حشد الدعم الدولي، مثلما جرى مع إيران.

3- أسلوب التفاوض القائم على الصفقات والرافعة المالية

تتضمّن إستراتيجية التفاوض المفضّلة لدى ترامب التهديدات والمطالب المبالغ فيها؛ بهدف تضليل الطرف الآخر ودفعه في النهاية إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، فيما يمكن وصف طريقته المفضلة غالبًا بأنها "التصعيد من أجل التهدئة".
يُوصف بأنه يجيد استخدام "النفوذ"، الذي يمكن أن يكون قسريًا. ويمكن ملاحظة هذا النهج في محاولات ممارسة الضغط على دول مثل دول أميركا اللاتينية فيما يتعلق بقضايا مثل الهجرة.
وعند التعامل مع قضايا مثل إيران، تمضي الإدارة قدمًا في تكتيكات الضغط دون حشد الدعم الدولي أولًا، أو التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، وهو ما يمثل تكرارًا لأخطاء الماضي.

إعلان

يسعى إلى إبرام صفقات، حتى وإن كانت مشابهة للصفقات السابقة أو تلك التي تخلى عنها سابقًا حتى ينسبها إلى ذاته، مثل الوصول لصفقة الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ربما تحت اسم جديد مثل "خطة العمل الشاملة المشتركة لترامب". يبدو أنه يهتم بالتوصل إلى اتفاقيات لأغراض خاصة به.

وَفق نهج الصفقات، يعتبر أنه: "لا يوجد للولايات المتحدة حلفاء أبديون، وليس لدينا أعداء دائمون.. مصالحنا أبدية ودائمة".

4- الاستخدام الإستراتيجي للجيو-اقتصاد والانفصال الاقتصادي

تولي إستراتيجية ترامب اهتمامًا كبيرًا للجيو-اقتصاد ودور القوة المالية في السياسة العالمية. ويُنظر إلى الصفقات التجارية والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا من منظور المنافسة على النفوذ الإستراتيجي بين القوى العظمى، وليس فقط الكفاءة الاقتصادية أو التقدم العلمي.

وتُستخدم التعريفات الجمركية في المقام الأول كسلاح اقتصادي ضد الصين؛ بهدف تعزيز المصالح الجيو-اقتصادية الأميركية، وتوجيه الشركات بعيدًا عن الاستثمار في الصين.

يدعو هذا النهج إلى انفصال اقتصادي تدريجي، ولكن متعمّد عن الصين، في تحوّل عن المعايير السابقة للتعايش الاقتصادي على الرغم من الخلافات الإستراتيجية. ويتم دمج سياسة الطاقة في الإستراتيجية الكبرى بهدف تحقيق "الهيمنة العالمية على الطاقة".

5- تجاهل المؤسسات والخبرة والسياسة القائمة على الحقائق

تُوصف الإدارة الأميركية الآن بأنها تضع ولاء العاملين على رأس الأولويات. هناك حالات تظهر فيها السياسات بناءً على افتراضات خاطئة بشكل واضح، مثل الادعاء بأن التعريفات الجمركية تمثل تخفيضًا للضرائب. شملت التعيينات في المناصب الرئيسية "متشددين ومبتدئين". وهناك شعور بأن المؤسسات والقيم المهنية تتعرض للتقويض.

يشير هذا النهج إلى الابتعاد عن نماذج الحكم التقليدية التي تعتمد على الخبرة والمؤسسات القائمة والدقة الواقعية في صنع السياسات.

إعلان

تُعزى الفوضى جزئيًا إلى الصراعات الداخلية في الحزب الجمهوري بشأن السياسة الخارجية، بما في ذلك وجهات النظر المختلفة بشأن روسيا وإيران وإسرائيل.

إنّ المعيّنين والمرشحين للتعيين يحملون آراء أكثر تدخلية ومؤيدة بشدة لإسرائيل، وهو ما قد يتعارض مع رغبة الرئيس المعلنة في الانسحاب من المنطقة. هذه الديناميكيّة الداخلية تخلق نتائج سياسية غير متوقّعة.

باختصار، ترتكز رؤية إدارة ترامب للشرق الأوسط على إطار واقعي يُعطي الأولوية للمصالح الوطنية الأميركية في عصرٍ يشهد تنافسًا بين القوى العظمى، مُعتبرةً المنطقة ذات أهمية إستراتيجية، لكنها قد تكون ثانوية مقارنةً باحتواء الصين.
يتضمّن هذا النهج تقليص الالتزامات التقليدية، مع استخدام الضغط والنفوذ بشكل انتقائي للسعي إلى إبرام صفقات، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ونفوذها الإقليمي، والتعامل مع علاقات معقدة مع شركاء مثل إسرائيل.
بيدَ أن السياسات الداخلية وغياب المشاركة متعددة الأطراف، وقلة استخدام الموارد الدبلوماسية والمدنية قد يُعيق الفاعلية الأميركية في المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • «ميتا» تطلق تطبيقها المستقل للذكاء الاصطناعي التوليدي
  • لأول مرة في السعودية| تعاون إستراتيجي بين شركة رياضة المحركات السعودية وجميل لرياضة المحركات لاستضافة بطولة الشرق الأوسط للراليات وبطولة العالم للراليات
  • مؤتمر يستعرض ابتكارات الشباب في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني
  • تعاون استراتيجي بين شركة رياضة المحركات السعودية وجميل لرياضة المحركات لاستضافة بطولة الشرق الأوسط للراليات وبطولة العالم للراليات
  • ضمن بطولة الشرق الأوسط| “رالي السعودية 2025” ينطلق غداً في جدة
  • العراق بالمقدمة.. ترجيحات متفائلة بزيادة إنتاج الشرق الأوسط من النفط
  • قريباً.. مؤتمر للذكاء الاصطناعي في 5 مدن لبنانية
  • ترامب يتغيّر بعد 100 يوم… فما نصيب الشرق الأوسط من ذلك؟
  • ذكاء اصطناعي بلا ضوابط.. أثار جدلاً أخلاقياً وقلقاً دولياً:»نيويورك تايمز«: إسرائيل حوّلت حرب غزة إلى مختبر للذكاء الاصطناعي
  • دوبيزل يطلق ميزة “البيع بالذكاء الاصطناعي” خلال أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة نشر الإعلانات