الثقافة السعودية في رمضان.. مشاهد حية تتناقلها مشاعر المقيمين إلى فضاءات بلدانهم
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
في رسالة تتناقلها مشاعر المقيمين بأرض المملكة إلى فضاءات بلدانهم؛ للثقافة السعودية الأصيلة، في عادات شهر رمضان، مستحضرين فيها بكل ما يربطهم بأرض المملكة وأرضهم الأم، سواء في المأكل والمشرب أو التهاني أو اللقاءات والتجمعات، حتى امتزجت ثقافة المقيم مع الثقافة السعودية؛ رغم اختلاف حياة عامتهم، معربين عن دهشتهم من بزوغ نجم العادات السعودية وطبائعها دون غيرها.
ويدون المقيم أو الزائر والسائح الأجنبي حين يغادر أرض السعودية بفيض مشاعره وكتاباته؛ رؤى حفظت لهم صورة العادات الاجتماعية السعودية المتأصلة؛ التي يجدها الكثير منهم نابضة بالحياة، وغلبت عليها الدقة وطرافة الوصف بعين مشاهد المقيم الناقلة للخبر عن المجتمع السعودي باختلاف مراحله العمرية؛ والذي يجدون فيه التمسك بهذه العادات والتقاليد الرصينة وخصوصًا خلال شهر رمضان المبارك؛ حتى أصبحت هذه العادات بمثابة مدرسة للأجيال لغرس مفهوم التلاحم والتراحم وهو ما دأبت عليه العائلة السعودية منذ أمد بعيد، لتحمل في ذاكرة المقيم الكثير والكثير من طابع الدهشة وصورة مغايرة تحمل في جوفها أسمى السياقات الإسلامية، حتى درجت المملكة منذ أمد بعيد على خلق مجتمع حيوي وبيئة عامرة، وضعت ضمن أولوياتها سعادة المواطن والمقيم وتوفير البيئة اللازمة لهم و لأبنائهم في كافة المراحل، وذلك لبناء جيل ينعم أفراده بنمط حياة علمية واجتماعية متطور، ومحيط يتيح للفرد العيش فيه وفق بيئة إيجابية جاذبة.
ووثقت عدسة واس، التفرد في موروثات رمضان وعاداته، لدى العديد من المقيمين في موائد الإفطار الرمضاني العامر بأطيب الطعام؛ حيث لا تختلف عن غيرها من البلدان العربية والإسلامية في عادات وطرق الاحتفال بشهر رمضان، انطلاقًا من اليوم الأول لهذا الشهر حتى آخر أيامه؛ والتي يمزج بها المقيم صورًا جميلة وطيبة حملها عن المجتمع السعودي من صور التكافل والتضامن الاجتماعي الذي حرصت عليه الشريعة الإسلامية الغراء؛ ناقلين ما يرونه من مشاهدات تحرص فيه العائلات السعودية على استضافة العديد من عابري السبيل لموائد إفطارهم، واستمرار هذا العمل الخيري طوال الشهر الفضيل، في عدد من المساجد والأماكن المخصصة، لإفطار الصائم في كل مدن المملكة، حيث توزع الأيدي السعودية ألذ الأطعمة و المأكولات والمشروبات يتبرع بها أهل الخير ، وهو ما يعكس صفة الكرم التي تعد تاج العادات والتقاليد السعودية الأصيلة.
وأكدت المقيمة من الجنسية السودانية الدكتورة ثريا محمد أحمد بخيت، إن المملكة العربية بلد أمن وأمان واستقرار؛ ولسنا غرباء بين أهالينا، وأخوتنا، حيث بدأت قصة انتقالنا من جمهورية السودان بعد تخرجي مباشرة من الجامعة في منتصف الثمانينات، مشيرة إلى أن زوجها كان يعمل حينها مدرساً في ضواحي الطائف، وبالضبط في منطقة حريزة التابعة لمركز بني سعد، وكانت أول رحلة إلى السعودية جويًا أقلعنا من الخرطوم إلى جدة وبعدها رحلة برية إلى مكة ثم إلى جنوب الطائف، وما لفت نظري في شريط ذكرياتي خلال مسيرنا في ذلك الوقت طريق الهدا المتعرج، والجبال التي كانت تكسو الطائف باللون الأخضر، وفي مخيلتي رأيتها أشبه ما تكون بالريف البريطاني.
وأضافت الدكتورة ثريا أنه من الأمور التي تشتهر بها غالبية مناطق المملكة تلك المجالس الرمضانية العائلية التي يعقدها المواطنون، ويتحدثون فيها في مختلف الأمور الثقافية والأدبية والاجتماعية ، كما يلجؤون إلى أوقات من السمر يسلو فيها أطفالنا من أبناء الجاليات مع أطفالهم، حيث تبدأ هذه الأمسيات الرمضانية بعد صلاة التراويح التي يحرص على أدائها الغالبية العظمي من الشباب والكبار على حد سواء؛ حتى أصبحت غالبية الجاليات في السعودية مليئة بالنشاط والحيوية لما اكتسبته من الثقافة السعودية، فضلاً عن الأمسيات الشعرية التي نجدها ملاذاً ثقافيًا آخر، نلتقي فيها سويًا مع الأدباء والشعراء، ونروي فيها العديد من القصص القصيرة المحملة بأبيات الشعر، التي يتولاها آخرون بالنقد والتحليل من الناحية الفنية؛ إضافةً إلى ما يمارسه الشباب والأطفال بألواناً عديدة من الرياضة مثل كرة القدم والسلة والطائرة ، وسباق الجري، وغيرها التي نجدها نحن وعوائلنا محل أنس وترويح عن النفس.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: المعتمرين المقيمين الثقافة السعودية
إقرأ أيضاً:
الأدباء والعيد.. طقوس وذكريات وإبداع
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
أخبار ذات صلةللعيد لحظات تسكن في وجدان الفرد، تؤثر عليه، ربما تكون هذه اللحظات هي إضافة للمبدع لأن يقوم بإنتاج عمل أدبي مميز يسكن الذاكرة الإنسانية، العيد ما بين الطقوس والذكريات والإبداع، تتجلى اللحظات بأسمى مراحلها، وأعلى مراتبها لأن تكون مشاعر الإنسانية جياشة في العطاء، فياضة في السخاء، وتشكل هذه المناسبة للكُتَّاب والأدباء والمبدعين هالة من الوعي، وحالة من الغوص في الذاكرة الزمانية لاستلهام ما يُعد جزءاً من هذه الأيام الفضيلة التي تسكن النفس وتروي الذكريات.
طقوس وبهجة
بدايةً، قالت فاطمة سلطان المزروعي، كاتب وباحثة: «علاقة الأدباء بالعيد موضوع غني وذو أبعاد متعددة، حيث يجمع بين الطقوس والذكريات والإبداع، فالعيد ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو لحظة تعكس مشاعر الفرح والحنين، وتعيد إلى الأذهان ذكريات الطفولة والأوقات الجميلة التي قضيناها مع الأهل والأصدقاء، فإن طقوس العيد تختلف من ثقافة لأخرى، ولكنها غالباً ما تتضمن التجمعات الأسرية، إعداد الأطعمة التقليدية، وتبادل التهاني والهدايا، وهذه الطقوس تعزز الروابط الاجتماعية، وتخلق شعوراً بالانتماء بين أفراد الأسرة».
وتلفت المزروعي إلى أن ضحكات العيد الطفولية لا تزال تتمازج مع العيدية لتصنع فرحاً لا ينتهي ويتجدد طوال أيام العيد، حيث الملابس الجديدة ونقوش الحناء ورائحة البخور والعطور الزكيّة التي تعطر منازلنا، وعودة الرجال والأطفال من صلاة العيد وتكبيرات العيد تتردد في صدورهم، وتبادل التهاني والفرح ولقاءات الأسر الإماراتية في تجمعات تملأها عبارات البهجة التي تدور فيها فناجين القهوة المختلطة بالهيل والزعفران، وتتصاعد معها دعوات الأمهات بقلوبهن الطيبة، وتتوزع على مائدة العيد الكثير من الأكلات الشعبية التي تستثير الحنين في قلوبنا للماضي، وتجعلنا نستعيد ذكريات طفولتنا في هذا اليوم.
مصدر إلهام
وتابعت المزروعي: «العيد يحمل في طياته ذكريات جميلة، كالألعاب التي كنا نلعبها كأطفال، أو اللحظات التي قضيناها مع الأجداد، وهذه الذكريات تشكل جزءاً من هويتنا وتساعدنا على التواصل مع ماضينا، وبالنسبة للأدباء، قد يكون العيد مصدر إلهام، يمكن أن يتحول الشعور بالفرح والحنين إلى نصوص شعرية أو قصص تعبر عن تجاربهم الشخصية، فالعيد يوفر فرصة لاستكشاف مشاعر الفرح، الوحدة، أو حتى الفقد، مما يثري الإبداع الأدبي.
ذكريات راسخة
وأضاف الكاتب والإعلامي، وليد المرزوقي، أن العيد هو لحظة انتشاء روحية تعانق مشاعر الآخرين لتستنتج خلاصة واقع يعيشه الفرد، سواء كان في لوحة فنية أو أبيات شعرية أو نصوص سردية أو أي عمل آخر يلامس وجدانية الآخرين، فلحظات العيد هي من اللحظات التي تسكن بداخلنا بالفطرة، وتؤثر علينا وتجعلنا أكثر وهجاً وانتشاءً وحضوراً لما لديها من سمو في الرفعة والمكانة الوجدانية، وفي جعبة الذكريات الراسخة في ذهن الفرد، باعتباره من الأيام المميزة، وهناك الكثير من الأعمال الأدبية، سواء كانت روائية أو قصصية أو سردية جاءت في هذه اللحظة، بما تحمله في طياتها من وجدانية ومشاعر وألفة. واختتم أن لحظات العيد من اللحظات المهمة لدى الشخص، لأنها أيام الوصل والتواصل، وانتشاء المشاعر بفرحة غامرة تجعل الفرد يقترب من نفسه ومشاعره، ويرى نفسه من خلال إبداعاته التي تحضر في مثل هذه الأيام الجليلة، المكللة بالإنتاجات الإبداعية الفذة.
تواصل أخلاقي
فيما أوضحت الكاتبة د. مريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية، أن العيد وارتباطه الإنساني كنمط ديني واجتماعي يحقق العديد من المنافع على المستوى الذاتي والمجتمعي، وفي الدراسات الإنسانية تعددت المفاهيم حول التواصل، وتباينت بتباين مرجعياتها، وإن أرقى أوجه الحضارات الإنسانية هي تلك التي اعتمدت على التواصل الإنساني الفعال في تواصلها المجتمعي، وتواصل العيد هو تواصل أخلاقي وقيمي يضفي الحياة والأمل في كثير من الذوات، وهو ما نجده في تبريكات العيد وتهانيه، والدعاء بفضل ختام الصيام.
دهشة طفولية
وأشارت الكاتبة الهاشمي إلى أن جمال القيم الربانية يكمن في المناسبات كالأعياد، خاصة في مرحلة الطفولة المشكّلة للذاكرة، فأكثر ما يشكّل عوالم الذاكرة هي في مرحلة الطفولة، لذا فإن العيد دائماً مرتبط بتلك الدهشة الطفولية، والعطاء الذي حمل قيمة عالية في نفوسنا، ما يجعلنا نسعى لزرعها في نفوس الصغار، فالعيد توارث إنساني عالي القيمة والمعنى، موضحة أن قيمة العطاء التي تتشربها الذات في فترة عمرية صغيرة هي ما تجعله يستخدم القيم التواصلية الأخرى، بل وهي أساس القيم الإنسانية، وحينها تدرك أن العطاء هو أساس التواصل الحضاري، ومبدأ قيام المجتمعات المتحضّرة، وهو ما ينجم عنه عطاء في الوقت وفي الفكر والمشاعر والتعاطف، وغيرها من القيم، كل ذلك تحققه مناسبة سعيدة كالعيد.