تصعيد اسرائيل قد يوصل للانفجار.. ماذا يحصل في الجنوب؟
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
في الايام الاخيرة بدأ الاعلام الاسرائيلي التسويق لفكرة ان المعركة البرية في رفح، وفي حال حصولها ستمهد لحرب برية في الشمال ضدّ "حزب الله" لإعطاء الامان للمستوطنين لكي يعودوا الى المستوطنات الحدودية مع لبنان بعد ان هجروها بسبب الحرب القائمة. هذه التسريبات قد لا تخرج عن اطار التهويل العام الذي يعتمده الجيش الاسرائيلي ضدّ الحزب وبيئته الحاضنة، الا انه هذه المرة يتم مواكبته مع تطورات ميدانية تصعيدية.
في الساعات الماضية كان التصعيد الاسرائيلي غير مسبوق لجهة استهداف المدنيين والمسعفين، اذ تقصد سلاح الجو استهداف المسعفين بعد وصولهم إلى مكان غارة سابقة، ثم استهدف مدنيين في مقهى في الناقورة بشكل مباشر، وهذا يوحي بأن اسرائيل تريد احراج "حزب الله" ودفعه إلى الرد بشكل كبير لفتح باب المعركة الواسعة، اقله لتوسيع نطاق الضربات الجوية لتشمل مناطق في العمق اللبناني لا تستطيع تل ابيب اليوم استهدافها.
لدى اسرائيل هدف اساسي من توسيع الحرب هو تخفيف الضغوط الاميركية ضدها والتي وصلت الى مستوى غير مسبوق في الايام الماضية حيث امتنعت واشنطن عن استخدام الفيتو لصالح تل ابيب، من هنا يصبح توسيع الحرب الذي يرتب اعباء ومخاطر كبرى على اسرائيل دافعاً اساسياً للاميركيين للالتفاف مجدداً حولها ودعمها، وهذا ما يعطي رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو هامشاً اكبر في المناورة السياسية والميدانية وحتى عامل الوقت يصبح لمصلحته.
كما ان اسرائيل تستفيد من اي عملية عسكرية واسعة في لبنان من خلال تمكنها من استهداف قدرات عسكرية للحزب في مناطق هي خارج دائرة المعركة اليوم، وهذا ما يمكن اعتباره استراتيجية اسرائيلية قديمة، اذ كانت تل ابيب تسعى بإستمرار الى دراسة خيار المعركة بين الحروب من اجل اعادة "حزب الله" من حيث القدرات النوعية سنوات الى الوراء وانهاء الخطر الاستراتيجي الذي يشكله عليها، لذلك فإن حرب سريعة وشاملة اليوم قد تلبي هذا الهدف.
من الواضح أن "حزب الله" تمكّن حتى اليوم من احتواء التصعيد الاسرائيلي، اذ يقوم بردود موجهة للجانب العسكري وليس للمستوطنين وهذا ما يجعل من ردة الفعل الاسرائيلية محدودة وبالتالي فإن تل ابيب لا تحصل على شرعية كافية لفتح جبهة كبرى مع لبنان، لكن الاكيد ان ما يحصل من استهداف المدنيين في الجنوب بات يأتي في إطار المسار الشامل للمعركة وليس حدثاً منفصلاً وعليه فإن استمرار هذه الاستهدافات المؤلمة قد يشكل تحولاً جدياً في التطورات.
لذلك فإن عدم ردّ الحزب بشكل رادع ربما لن يطول في حال حصول ضربة غير محسوبة او شكلت تخطيا للخطوط الحمر، وهذا سيخرج المنطقة عن الستاتيكو الحالي المضبوط الى مرحلة المخاطرة الكبرى التي ستوصل الولايات المتحدة الاميركية الى حافة الهاوية في المنطقة وخصوصا ان تأثير ما يحصل في غزة على الانتخابات الرئاسية الاميركية كبير جدا، ولا احد في الادارة الحالية يريد استمرار المعركة وتوسعها..
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله تل ابیب
إقرأ أيضاً:
لذا لزم التنويه: عن المعركة الأخيرة (3-8)
يبدو الحديث عن المعتقل وما فيه هيّنٌ قياسا بالحاصل للأهل في فلسطين، لزمني وقتٌّ لأستطيع الكتابة هذه المرّة، الحياة كلّها بمن عليها وما عليها لا تزنُ جناح بعوضة أمام جسد يتبخّر، ويخالط الهواء والتراب، من يأمن -خاصّة جيران السوء- أنّه تنفّس شيئا من جسد شهيد تطاير؟ لكنّها الحياةُ والإنسان، في المعتقل كما في القطاع، لا شيء يشبه الإبادة مهما بشعَ، لكنّ روحا واحدة أُزهقت ظلما تستحقّ أن يتوقّف لها العالم كلّه.
الذين يسقطون فجأة، كان السقوط ينخر أساسهم شيئا فشيئا، قبل أن ينهاروا دفعة واحدة، لم يحدث شيء فجأة؛ هم فقط لم ينتبهوا حين تخلّوا عن تلك المعركة الصغيرة التي وجب عليهم خوضها؛ أنهم انزلقوا حتى وصلوا لهذا المصير.
المعركة في حقيقتها ليست ضدّ السجّان وحده، إنّما مراده منك ومن الجميع: الاعتياد الذي سيتسرب إلى نفسك ويترسّب فيها حتى تتبلّد، فلا تثور لإهانة ولا تقاوم اعتداء.
تظنّ في المبتدأ باعتقالك أنّك ستتجنّب أخيرا زوّار الفجر، وبعض الظنّ إثم كما نعلم، إذ أنهم مبرمجون على ذلك، سيقتحمون زنزانتك كما يقتحمون بيتك، وستشعر بما تشعر به في هذه وتلك، مزيجٌ من الغضب والانتهاك، هناك إهانة صامتة يوجّهها لك فتح عينيك على بيادات تملأ كلّ فراغٍ حولك.
دخلوا في حملةٍ صباحيّةٍ، تسبق موجة صقيعٍ ضربت السجن -لا أعلم لو ضربت البلاد معه- وقاموا بتجريدِ الزنزانة من كلّ ما فيها، خاصة الملابس الشتويّة.. هكذا بكلّ بسَاطَة!
وقفتُ أنظرُ لهم كأنّ الأمرّ لا يعنيني.. تمادوا لاستفزازي بتخريبٍ، وأنا صامتٌ تماما، حتى سألوني: "هو أنت مش هتتخانق؟".
لم يصدّقوا سكوتي.. لم يعتادوه. كانَ غريبا عليهم وعليّ..
لم أُخبرهم: تسارعَ نبضي، وضاقَ صدري، اختنقتُ، وباغتتني نوبةُ هلعٍ، كادت تُسقطني.. كدتُ أبكي.. وكلّ احتمالِ طاقةٍ فيَّ حشدتُه لأبقى واقفا، ولو بحجّة الصبر وطولِ البال. كنتُ أفكّرَ: كم أنا وحيد! لكن يجب ألا أسقط
كانوا يفكّرون: هذه فرصتنا للتمادي؛ وقد فعلوا، إذ مزّقوا الملابس التي صادروها -حتى لا أستطيع استعادتها بالشكوى أو العراك- وسكبوا زيتا وبقايا طعام وقمامة على الفراش وما تبقّى من الملابس، وأفسدوا كلّ ما لم يصادروه، بما في ذلك الأدوية.
كانت ربّما هذه مرّة وحيدة لم أخض فيها المعركة حين وجب أن أفعل، بطول سنوات اعتقالي العشر، وكانت المرّة الوحيدة التي تعرّضتُ فيها لهذا القدر الذي تعرّضتُ له، قد يتساقط عن ذهني الكثير من النجاحات صغيرها وكبيرها، لكني لن أنسى هذه المرّة التي أفلتُّ فيها يدا، فخسرتُ ما لزمني سنين لأستعيده.
قضيتُ نحو عامين أو يزيد في معتقل طرة تحقيق (سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيّّا) أخوض معارك يوميّة على كل واقعة تعذيب، كل صفعة، كل شتمة أو إهانة لأي مسجون، لأي شخص ولو عسكري من ضابط أو ضابط صغير من قيادته، استنزفني ذلك تماما، وما زلتُ لم أستعد نفسي أو أرمم ما هدّمته منها صرخات المعذّبين أو طرقعات الفلقة أو صفق الصفعات على أجسادهم، لكنّ نتيجة باقية تحققت من ذلك: أصبحت صفعة أو لكمة تزلزل السجن بمن فيه (سجّانين وسجناء)، الكلّ تصيبه الخضّة وينتظر التبعة، وكان التجنّب سبيلهم الوحيد تجنّب الجريمة لتجنّب المعركة.
لا يبدو الأمرُ مستحقّا، سينقضي السجن حين ينقضي، والنجاة في تجنّب الصدام، الاختباء حتى تنتهي المأساة، فـ"كلّ رأسٍ بارزٍ سيقطع" كما قيل لي هناك، ويقال لي في كلّ وقت.
لكن فات القائلين والمصدّقين أنه لا يُدفن رأسه إلا ميّت، ولا أحد يعرف تحديدا النقطة التي سيبدأ فيها الانزلاق، فقط سيدرك -متأخّرا- وهو يسقط، أن خطوة ما سبقت أوصلته لهذا القاع، كانت تنازلا فاعتيادا، ثم سقوطا.
والتجنّب لا يجدي ولا يحمي، بل يجعلك أنت الضحيّة القادمة، ولو أوقفت الجريمة قبل أن تصل لغيرك لندر أن تصل إليك.
يشبه الأمر منطق "القُطريين" في استيعاب أمنهم القومي (داخل حدود كلّ قُطر)، والنتيجة معروفة للجميع، ويمكن مشاهدتها على الهواء وفي الواقع: أنت التالي؛ إذ لا طريقة للدفاع عن حقوقك لا يسبقها النضال من أجل الآخرين وحقوقهم، يستوي في هذا حقوقك السجنيّة، كما علاقتك مع الاحتلال.
ولولا اعتياد الانتهاكات، واعتياد الخنوع، واعتياد "كامب ديڤيد" واعتياد الوساطة الكذابة، واعتياد التنسيق الأمني، واعتياد حصار الأهل، واعتياد تمرير الشحنات الحربية كما المواد الغذائية للعدو، واعتياد شراء الغاز الفلسطيني من سارقه، واعتياد القروض وشروط البنك الدولي وصندوق النقد، واعتياد القمع والحبس والتقتيل داخلا.. لولا هذه السلسلة من الاعتيادات، لو خاض الكلّ معركته الأخيرة/الوحيدة في انزلاقتنا الأولى، لما حصلت الإبادة ربّما، ولما كان الحال هو الحال.
أن تخوض كلّ معركة كأنّها الأخيرة، لا يعني أن تنتصر، ولا أن تفتعل البطولة، بل فقط أن تترك أثرا فيك يشهد أنّك لم تنزل دون إرادتك.
أحيانا تكون المعركة في أن تقول لا، وأحيانا، في أن تقف على قدميك وأنت ترتجف.
لا أدّعي أنني كنت شجاعا في تلك الليلة، ولا أظنّ أنني كنت جبانا.. كنت فقط، في المنتصف الموحش بينهما. وهذا هو أخطر الأماكن: أن تظنّ أنك ما زلت واقفا، بينما كلّ شيء فيك يتهاوى في صمت.