معضلة تواجه إيران والولايات المتحدة في ظل الحرب على غزة.. ما هي؟
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لجوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية حول "معضلة الراعي" التي تواجه الولايات المتحدة وإيران في قطاع غزة.
وقال هيلترمان في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن "إسرائيل فوجئت بهجمات حماس التي لم تكن جاهزة لها، وكذا الولايات المتحدة الحليفة لها.
وأضاف أنه "رغم غضب إيران وجماعاتها من قرار حماس إلا أنها لم تكن لتترك حماس تكافح وحيدة أمام الحملة العسكرية الإسرائيلية والدمار الذي أحدثته على غزة. لكن الرعاة الإيرانيين كانوا قلقين من اندلاع حرب واسعة يتورطون فيها. ولهذا تبنت إيران وحلفاؤها فيما يعرف بمحور المقاومة، بمن فيها حزب الله والحوثيين في اليمن والميليشيات في سوريا والعراق خطا حذرا ما بين التحرك الذي يرضي المطالب الشعبية بالرد وذلك الذي يمنع توسع الحرب وخروجها عن السيطرة. وفي الجوهر، فقد خلقت حماس التي تحركت بدون تنسيق مع راعيتها، أزمة خطيرة هددت بتوريط طهران أيضا".
وأردف أنه "بعد أكثر من خمسة أشهر، تواجه الولايات المتحدة نفس المعضلة، فقد دعمت وبقوة إسرائيل وإصرارها على تدمير حماس، إلا أن الحكومة الإسرائيلية واصلت تحديها للمطالب الأمريكية بضبط حربها التي تسببت بكارثة إنسانية قتل (استشهد) فيها أكثر من 32,000 شخصا. ويهدد قادة إسرائيل الآن بعملية جديدة في رفح التي فر إليها أكثر من مليون مدنيا، حتى مع تحذيرات إدارة بايدن ومعارضتها للعملية".
ويعلق هيلترمان أن عدم استماع إسرائيل للنصيحة الأمريكية، يهدد بتقويض موقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتعريض إدارة بايدن لتهمة ازدواجية المعايير في وقت تريد فيه حشد الدعم الدولي للحرب في أوكرانيا.
وربما قاد العناد الإسرائيلي لجر الولايات المتحدة لحرب واسعة في المنطقة. وكان الصدع في المواقف الأمريكية- الإسرائيلية كبيرا بدرجة اتخذت واشنطن القرار غير العادي وامتنعت عن التصويت في 25 آذار /مارس الجاري لصالح قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار.
ولفت الكاتب إلى أنهرغم علاقة البلدين مع غزة والمتقاتلين فيها مختلفة، إلا أن كلا الحالتين تلخصان ما يطلق عليه "معضلة الراعي"، فعلى مدى العقود الماضية حاولت الولايات المتحدة وروسيا إلى السعودية وإيران البحث عن حلفاء دوليين ومحليين لتوسيع التأثير في الشرق الأوسط.
وأضاف أنه "من الناحية النظرية فعلاقة الراعي- الوكيل تقدم حاجزا بين القوى الكبرى وتعطيها مجالا للإنكار عن عمليات قد تؤدي إلى التصعيد. ولكن من خلال تسليح ودعم تابعين لها في المنطقة، فإن الرعاة منحوا الوكلاء مساحة للتحرك والتصرف بناء على قراراتهمم. إلا أن نزاعا كما في غزة حاليا، يهدد بحدوث حوادث قد تضر بمصالح الرعاة وربما أدت إلى جرهم عمليا إلى النزاع".
ولعل أكثر شركات الرعاية تعقيدا في الشرق الأوسط هي التي بين إيران وعدد من الجماعات المحلية. وبالنسبة لإيران فدعم عدد من الجماعات الإقليمية هو جزء من استراتيجية متقدمة للدفاع ضد إسرائيل. وتقوم هذه على منح إيران القدرة للرد على أي تهديد وفي عدة محاور بدون مشاركة القوات الإيرانية.
فحقيقة امتلاك حزب الله ترسانة كبيرة من الصواريخ هو بمثابة تأمين، مع أن نجاح هذه الإستراتيجية يعتمد على الوقت والمكان الذي تقرر فيه إيران تفعيل وكلائها. وفي الوقت الذي تركز فيه إيران هدفها على إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، لكنه هدف بعيد المدى ويتحقق على مراحل، كجعل ظروف بقاء القوات الأمريكية بالمنطقة مستحيلة أو جعل البقاء غير شعبي. ومن هنا فأي تحرك متسرع من حلفائها سيحبط هذه الخطط، كما فعلت حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حسب المقال.
ويذرك هيلترمان أن "من بين الجماعات المقربة من إيران، هو حزب الله الذي تحتاجه طهران في استراتيجية الدفاع المتقدمة ضد إسرائيل، وبالمقابل يحتاج حزب الله التمويل والأسلحة للحفاظ على هيمنته السياسية في لبنان. ونتيجة لهذا فمن غير المرجح أن يقوم الحزب بعملية ضد إسرائيل دون تنسيق مع إيران. وتعتبر علاقة الحزب مع إيران، وخلافا لحماس، تكافلية. ومع ذلك فلن يقدم الحزب ولاء مطلقا لإيران يمنعه من التصرف في سياقه اللبناني، السياسي والعسكري".
وفي ما يتعلق بجماعة أنصار الله اليمنية، يقول الكاتب إن "علاقة الحوثيين مع إيران تبدو أكثر مرونة، وظلوا على مدى السنوات التي كانوا فيها خارجين على المجال السياسي اليمني يتطلعون نحو الدعم الإيراني. وفي أكثر من مرة تجاهلوا النصيحة الإيرانية الإستراتيجية، ففي عام 2015 وبعد سيطرتهم على صنعاء نصحتهم طهران بعدم التعجل والتقدم جنوبا نحو عدن، ولم يستمعوا للنصيحة حيث أجبروا بعد ذلك على الانسحاب".
ونقل الكاتب ما قاله طارق صالح، قائد القوات اليمنية في البحر الأحمر، حيث أخبر زميلا له في مقر قيادته بمخا إن "إيران استراتيجية وتتحرك خطوة خطوة، أما الحوثيون فهم متعجلون ويريدون التحرك الآن" وهذا التهور يتسبب بمشاكل لإيران.
ومع ذلك، يرى الكاتب أن تعجل الحوثيين كان سببا في حصولهم على دعم إيران التي زدوتهم بأسلحة للدفاع عن أنفسهم ضد التحالف السعودي- الإماراتي، كما أن تشرذم التحالف ضدهم والداعم للحملة السعودية – الإماراتية منح طهران فكرة أن الحوثيين قادرون على مواصلة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، بشكل يمنحها فرصة للحصول على تأثير".
ومع استمرار الحرب اليمنية، زاد الدعم الإيراني للحوثيين بحيث أصبحوا قادرين على استهداف السعودية والإمارات، ما أعطى إيران نقاط ضغط على منافسيها في المنطقة. وبعد التقارب السعودي-الإيراني خفت التوترات الإقليمية، ثم جاءت غزة التي منحت الحوثيين الفرصة لزيادة تأثيرهم المحلي، وهذه المرة من خلال استهداف السفن التي تعبر البحر الأحمر وخليج عدن، وفقا للمقال.
وبالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يذكر الكاتب أن "علاقتها مع طهران كانت فضفاضة، وبعد خروج حماس من دمشق على خلفية الحرب الأهلية، تراجعت العلاقة قليلا ولم تصلح إلا قبل سنوات من هجمات تشرين الأول/أكتوبر عندما هيمنت قيادة حماس في غزة على القرار وأعادت العلاقات مع طهران التي بدأت تمولهم وتزودهم بالسلاح والتدريب. ومنحت العلاقة مع حماس، إيران نقطة ضغط جديدة على إسرائيل التي ستجبر من الناحية النظرية للقتال على جبهتين، لبنان وغزة".
ويستدرك: "لكن التفاهم الإيراني مع حماس قام على استمرار الحركة مواجهة إسرائيل من خلال الحروب المحدودة كما فعلت منذ سيطرتها على غزة عام 2007. إلا أن حماس خرقت التفاهم مع محور المقاومة، ووضعت إيران ووكلاءها، وبخاصة حزب الله في وضع حساس. فمن جهة كان على الحزب إظهار التضامن معها في غزة، وإبعاد نفسه عنها حتى يتجنب التصعيد من جهة أخرى".
ويزعم الكاتب أن "حرب غزة، كشف أن على الرعاة التأكد من أن الوكلاء، سواء كانوا دولا مثل إسرائيل أم غير دول مثل حماس تحت السيطرة".
وتابع "خذ مثلا الهجوم الذي شنته ميليشيا موالية لإيران على موقع عسكري أمريكي في الأردن. وبما كان الهجوم متعمدا أم غير ذلك إلا أن حقيقة قتل 3 أمريكيين وجرح أخرين دفع بالولايات المتحدة للرد وضرب منشآت تابعة لميليشيات في العراق وسوريا واستهداف قيادي في الحشد الشعبي".
وأردف أن إيران والجماعات الموالية لها فهمت أن "خطا أحمر قد اخترق بقتل أمريكيين. ومن هنا سافر قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد حالا ومن أجل الضغط على الجماعات الموالية لإيران وقف الهجمات ضد أمريكا، حيث أعلنت كتائب حزب الله سريعا وقفها العمليات إلى جانب الجماعات المشابهة لها. وكان تصرف قاآني بمثابة رسالة إلى أمريكا أن إيران لا تريد التصعيد، وربما أرسلت طهران نفس الرسالة إلى الأمريكيين عبر السعودية ومن خلال أطراف أخرى".
وليست هذه هي المرة الأولى التي اضطرت فيها إيران تحذير ميليشياتها، ففي عام 2019 قتلت كتائب حزب الله متعهدا أمريكيا في غارة على قاعدة عسكرية أمريكية. فردت أمريكا باستهداف كتائب حزب الله وقتلت 40 عنصرا منها. وبالمقابل، حاول الحزب الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد، ولكنه لم ينجح، مع أن الهجوم أقنع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020.
ويعتقد الكاتب أن "إيران تستطيع إلى جانب التعنيف ولوم جماعاتها تعليق الدعم العسكري لها. لكن الجماعات تعرف الخط الأحمر، ففي حالة الحوثيين كانوا حريصين على عدم قتل جنود امريكيين. ومن الواضح أن غارات أمريكا وبريطانيا لم تردع الحوثيين بل ما ردعهم هي أوامر إيرانية".
و"في حالة حماس، فقد ذهبت أبعد من أي جماعة أخرى، ولهذا أعربت إيران وحزب الله عن غضبهما، لعدم إخبارها لهم بالهجوم. وهو موقف زاد من الطريقة التي أساءت فيها حماس تقدير الرد الإسرائيلي"، حسب الكاتب.
ومن جانبهم، يقول الكاتب إن " قادة حماس عبروا عن خيبة أمل من غياب الدعم الإيراني أو محور المقاومة. وذهبوا أبعد لكي يقترحوا أن إيران ليست مهتمة بتغيير حقيقي للفلسطينيين".
ونقل الكاتب عن قيادي في حماس بالدوحة، قوله إن "إيران تدعم الفلسطينيين أخلاقيا وروحيا وليس بناء على تطلعات الفلسطينيين" و "هو ما يؤكد فكرة أن على الفلسطينيين الإعتماد على أنفسهم".
ويرى الكاتب أنه في المحصلة، فقد "خلقت طهران معضلة لنفسها بنفسها، فمن خلال تسليح حماس بدرجة جعلتها قادرة على شن هجوم قوي على إسرائيل، فإنها فقدت السيطرة على الجماعة التي أرادتها رصيدا في استراتيجية الدفاع المتقدمة لها بالمنطقة. ولا أحد يعرف نتائج الحرب في غزة، وربما لن تنتهي بوقف دائم للنار، كما ولم تتراجع مخاطر حرب واسعة، في وقت زادت فيه الكارثة الإنسانية".
ويشير إلى أن "نفس الأمر مع القوة العظمى أمريكا، التي اتفقت مع إسرائيل على هدف تدمير حماس، لكن زيادة الضحايا والدمار وتهجير كامل سكان القطاع، دفع الرئيس جو بايدن للقول إنه وصل إلى لحظة تعال يسوع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد حكمه على دعم المتطرفين، وواصل تحديه الإدارة الأمريكية".
ويقول هيلترمان إن "خطة الهجوم على رفح ومعارضة بايدن لها، ربما كانت لحظته لضبط وكيل له. لكن العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية معقدة كما يرى. فالصدع الواضح في العلاقات بين البلدين طرح سؤالا حول ما تحتاجه الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها لضبط وكيلتها الإسرائيلية؟ والجواب نابع من الطريقة التي يؤثر فيها دعم بايدن حرب غزة على حظوظه الانتخابية في نهاية العام".
وبعيدا عن هذه النقطة، يذكر الكاتب أنه "عدم قدرة أمريكا وحلفائها الأوروبيين للتأثير على إسرائيل أضر بالموقف العالمي لهم. ووجد الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون، مثلا، الأبواب تغلق أمامهم في مجال التجارة والتنمية مثلا. كما واستغلت روسيا والصين ما تراها معايير أمريكية مزدوجة في أوكرانيا وغزة لجذب عالم الجنوب ودول آسيا. ومن هنا فربما أدت أحداث غزة لتسريع تدهور القوة الأمريكية، وبسبب رفض القوة الوكيلة الاستماع لنصائحها ومواصلة الحل العسكري كطريق لتحقيق الأمن الدائم. ولا يعرف كيف ستتوصل إسرائيل إلى هذا الهدف وبعد 76 عاما من الفشل المستمر وبدون التفاوض على تسوية سلمية مع الفلسطينيين".
وبالنسبة للراعيان، الأمريكي والإيراني، فقد أكدا أنهما "لا يريدان مواجهة بسبب غزة، وهذا مطمئن، لكن لا يوجد هناك أي شيء مؤكد ويحصن من التصعيد او الأخطاء وسوء التقدير من جانب الوكلاء"، وفقا للمقال.
وفي الوقت الذي يجب على هؤلاء التصرف بناء على واقعهم السياسي، لكن يجب أن يعوا نتائج أي تصرف يؤدي إلى خسائر فادحة، بشكل يجبر قادة إسرائيل على الرد بقوة أكبر من الآن. ومن هنا فالوعي بالمخاطر يكشف عن جهود واشنطن وطهران الابتعاد قليلا عن وكلائهم ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ويستدرك الكاتب بالتأكيد أن "العلاقة لم تتغير بين الراعي والوكيل، وهذا واضح في الموقف الأمريكي الذي أطلق الخطابات الشاجبة والمتذمرة من الأفعال الإسرائيلية في غزة دونما أن يحدث أي تغيير في السياسة، كما بدا من امتناع واشنطن عن التصويت في مجلس الأمن. ويعتقد الكاتب أن كلا الدولتين لديهما أدوات لخفض التوتر وضبط الوكلاء، لكن يجب عليهما استخدام الأدوات بطريقة تكتيكية وبدون خسارة ماء الوجه، ومن الأفضل لو تم الضغط على الوكلاء من خلال القنوات الخلفية. فمن مصلحة إيران مثلا، دعم الجهود القطرية لوقف إطلاق النار. ولا يوجد ما يدل أنها تقف في وجه هذه الجهود".
ويرى الكاتب أنه "في حالة نجاح الجهود، يجب على حلفاء إيران وقف هجماتهم، حزب الله ضد إسرائيل والحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر".
ومن جانب آخر، يشدد على أن "وقف إطلاق النار يشكل حلا لمعضلة أمريكا كدولة راعية. ومن أجل إقناع إسرائيل فعليها استخدام مفاصل ضغط أقوى ومطالبة إسرائيل بخطة وتنسيق في العمليات العسكرية. ولعل أهم مفصل ضغط هو اشتراط استمرار الدعم العسكري بالتقدم نحو وقف الحرب".
ويختتم مقاله بالقول إنه "من مفارقات الحرب الحالية أن الولايات المتحدة وإيران لديهما قواسم مشتركة باعتبارهما راعيتين لوكلاء ضالين. وكلاهما ستنتفع من وقف إطلاق النار الذي سيحد من مخاطر حرب إقليمية. كما أن كلاهما سينسب الفضل لنفسه في وقفها، هذا إن توقفت. ولكن على خلاف القوى الخارجية الأخرى فلديهما أدوات للتأثير، ولم لم تبدءا باستخدامها فستكتشفان أن الحرب في غزة هي مقدمة لحرب خطيرة وواسعة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة إيران الفلسطينيين إيران امريكا فلسطين غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول أکتوبر الولایات المتحدة وقف إطلاق النار الشرق الأوسط ضد إسرائیل الکاتب أن حزب الله ومن هنا من خلال فی غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
من وجهة نظر دبلوماسي إسرائيلي.. 4 تحديات تواجه حركة حماس
في الوقت الذي ما زال فيه الاسرائيليون يرصدون آثار وتبعات هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وبعد أكثر من عام على العدوان الجاري على غزة، اجتهدت العديد من المحافل الإسرائيلية في رصد ما تعتبره تحديات تواجه الحركة في المرحلة الحالية والمستقبلية في ضوء استمرار سيطرتها على غزة، رغم الضربات القوية التي تلقتها خلال الحرب الجارية.
ويزعم مايكل هراري السفير والدبلوماسي السابق أن "حرب "السيوف الحديدية" التي شنتها قوات الاحتلال على غزة تضع حماس في واحدة من أصعب أوقاتها، إن لم تكن الأصعب على الإطلاق، فهي تقف على مفترق طرق استراتيجي سيحدد مسارها ومستقبلها للسنوات القادمة، وباتت تواجه أربعة تحديات رئيسية".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، وترجمته "عربي21" أن "التحدي الأول الذي يواجه حماس بعد أكثر من عام على الحرب الإسرائيلية عليها يتعلق باليوم التالي في غزة، فقد استنفد هذا المفهوم خلال العام الماضي، ولكن سيتعين على إسرائيل في نهاية المطاف أن يقرر طبيعة السيطرة على القطاع، على افتراض، غير مؤكد حتى الآن، أنه لن يفرض حكماً عسكرياً، ولن يشارك بشكل مباشر في الإدارة من القطاع".
وأوضح أن "هناك أفكارا كثيرة تتطاير في الهواء، ليس بينها أن يأتي طرف خارجي، عربي أو دولي، ليتولى المهمة في غزة، وبالتالي فإن الصيغة التي سيتم الحصول عليها في النهاية ستحدد الخطوط العريضة التي ستكون عليها إسرائيل بطريقة أو بأخرى قادرة على الهضم، تحت مظلة السلطة الفلسطينية، مع أن حماس ستكون قادرة على التعايش مع عودة السلطة للسيطرة المدنية على القطاع، على أمل أن تتمكن بمرور الوقت من تعزيز سيطرتها، والحركة، على غرار حزب الله، تدرك جيداً أنه يتعين عليها أن تدفع ثمناً يتعلق بالحكم في غزة في الإطار الزمني القريب، على أمل أيام أفضل، من وجهة نظرها".
وأشار إلى أن "التحدي الثاني الذي تواجهه حماس يتعلق بالعلاقة بين الداخل والخارج فيها، التي شهدت تغيرات كثيرة، لكن مركز القوة انتقل في السنوات الأخيرة إلى الداخل من خلال وجود يحيى السنوار وقيادته للذراع العسكري في الميدان، حيث ركز الكثير من القوة في أيديهم، وتجلت بشكل درامي في السابع من أكتوبر، لكن مقتله، والضربة العسكرية للحركة، أجبرتها على نقل المركز خارج الأراضي الفلسطينية، وسيُظهر الزمن مدى نجاح خالد مشعل ورفاقه باستعادة القيادة، مع أنه من الواضح تماما أن ميزان القوى سيميل الآن لصالحهم".
وأكد أن "التحدي الثالث للحركة يتعلق بتوجهها المستقبلي، فقد بذلت دائما جهدا كبيرا لتجنب "الرعاية الخارجية" التي من شأنها أن تلحق ضررا أساسيا بحرية عملها، ولذلك باتت العلاقة مع إيران، عبر حزب الله، وثيقة جداً في السنوات الأخيرة، ونتائجها معروفة، والآن يطرح السؤال عن أي طريق ستختاره الحركة، علما بأن هوية البلد المضيف لقيادتها سيساهم في اتجاهها الجديد".
وأضاف أن "ذلك لا يعني بالطبع قطع حماس لعلاقاتها مع إيران، لكن سيتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستعود للارتباط الأيديولوجي مع جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما إن وصلت ضيافتها إلى تركيا أو الجزائر أو بقيت في قطر، وكل ذلك سيؤثر على مسار الحركة".
وختم بالقول أن "التحدي الرابع الذي يواجه حماس في المستقبل القريب يتعلق بالضفة الغربية، فالدعم الواسع الذي تتلقاه في الساحة الفلسطينية لم يتلاش رغم الحرب الدائرة، ولكن يبقى أن نرى العواقب المترتبة على ذلك، لكن الواضح أن الحركة ستسعى للحفاظ على قوتها بالضفة، بل وربما تقويتها، وسيعتمد الكثير على شكل العلاقات التي ستنشأ مع السلطة الفلسطينية".
ويرى هراري أن "إسرائيل ستكون اللاعب الرئيسي في مدى تحقق هذا التحدي الأخير، لأن مخطط السيطرة في القطاع سيؤثر على الكيفية التي ستحاول بها حماس استعادة قوتها، ويجب أن نتذكر أن إسرائيل بذلت قصارى جهدها في السنوات الأخيرة لمنع أي تقدم نحو حل الدولتين، من خلال استمرار الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة، صحيح أنه غير متوقع تغير الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، لكن إدارة ترامب الثانية تدرس الآن خياراتها، ولذلك ما زال من الصعب، ومن السابق لأوانه تقييم مدى تأثير الأمور على مكانة حماس، واحتمالات تعافيها".