منير أديب يكتب: "الحشاشين".. عندما يحضر الفن في مواجهة التطرف
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
حالة الجدل التي صنعها مسلسل "الحشاشين" هو علامة على نجاحه؛ فكل الانتقادات التي وجهت إلى العمل علامة على متابعة الجمهور العريض له وتفاعله مع كل أحداثه؛ صحيح هناك تشابه بين طائفة "الحشاشين" االشيعية وجماعات العنف والتطرف السنية؛ ولكن متابعة المشاهدين ترجع في الأساس إلى قوة العمل دراميًا، من حيث القصة والتصوير وأداء الممثلين، وغيرها من مقومات نجاح أي عمل.
لا يعنيني أنّ يقدم العمل بلغة عربية فصحى من عدمه، وإنّ كنت من عشاقها ومحبيها، ولكن من الظلم أنّ نحصر العمل الدرامي الذي استغرق عامين على إنتاجه في زاوية صغيرة، سواء كانت هذه الملاحظة أو غيرها، فالمسلسل الدرامي استطاع أنّ يقدم التاريخ برؤية درامية ممتعة ومفيدة ومثيرة للتساؤل في نفس الوقت.
لا توجد رواية تاريخية واحدة يمكن أنّ نستند إليها في كتابة المسلسل، وهو ما أرهق الكاتب، عبد الرحيم كمال، وكل فريق العمل؛ فمطلوب ترجيح الرواية الأقرب إلى الصحة وأنّ تتناغم مع العمل ورسالته؛ وهو ما يستلزم حالة من العمل الجماعي بين الكاتب والمخرج العبقري، بيتر ميمي، وكل فريق العمل وعلى رأسهم الفنان كريم عبد العزيز.
بحكم تخصصي البحثي في قراءة التنظيمات المتطرفة قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وما أمتلكه من قدرات في فهم البعد النفسي والفكري لكل جماعات العنف والتطرف سواء السنية أو الشيعية، فأستطيع القول، إن الكاتب والمخرج ومدير التصوير والإضاءة والديكور مع فريق العمل، استطاعوا جميعًا أنّ يعبروا على روح هذه الجماعة المتطرفة سواء من الناحية الفكرية أو السيكولوجية أو من قبل التنظيمية.
وأنا ما زلت أصر أنّ حالة الجدل الدائر حاليًا ليس دليل نجاح للمسلسل فقط ولكن للشركة المنتجة أيضًا، المتحدة للخدمات الإعلامية؛ فهي تمتلك رؤية إنتاجية ضخمة تجمع مقومات الوعي والإمتاع في نفس الوقت؛ وهي بذلك أضافت إلى رصيد مصر من الإنتاج الفني والتأثير، ولعلها تضع يدها دائمًا على كل ما يحتاجه المشاهد المصري والعربي.
مسلسل "الحشاشين" وجه إليه انتقادات من أغلب جماعات العنف والتطرف وكل من يتبنى وجهة نظرهم؛ ولعل هؤلاء نجحوا في أنّ يخلقوا حالة التطابق التي لاحظها المشاهد بين هذه الجماعة المتطرفة وبين الإخوان المسلمين على وجه الخصوص؛ من الطبيعي ألا تستوعب الجماعات المتطرفة الفن فهي لا تؤمن به ولا بدورة، ولذلك تقيمها وتقديرها كان متطرفًا مثل أشياء كثيرة تتبناها.
نجحت المتحدة للخدمات الإعلامية في مواجهة الجماعات المتطرفة ولكن عبر الثقافة والفنون؛ وتلك حيلة ذكية في المواجهة، فأهمية الفنون ليس فقط في زرع الوعي ولكن أيضًا في تهذيب المشاعر وهنا لا يمكن الاستغناء عن دورها المؤثر، وهذه مشكلة هذه التنظيمات المتطرفة مع "الحشاشين" ليست المشكلة مع الإسقاطات السياسية كما يعتقدون أو يُبشرون بذلك ولكن في ديناميكية التأثير.
لا أحد يُنكر الترابط الفكري والتنظيمي بين نشأة كلا الجماعتين "الإخوان" و"الحشاشين" وكثير من جماعات العنف والتطرف، ولكن يبقى في النهاية دور الفن في المواجهة على اعتباره أهم القوى الناعمة وأكثرها تأثيرًا وهذه مشكلة هجوم لجان الإخوان والمحسبين عليهم.
المسلسل تحفة درامية تواجه كل من يتبنون الفكر الباطني المتطرف؛ وطبيعي أنّ يواجه هؤلاء الذين ما زالوا يتبنون هذا الفكر، فالحشاشين لم ينتهوا فكريًا، فهناك من مازال يؤمن بمعتقداتهم أو على الأقل يُروج لها أو يُدافع عن أصحابهم، فالسهام التي وجهت للمسلسل والمدافعين عنه دليل صائب على تطرف هؤلاء المنتقدين الذين تماهوا مع امتداد أفكارهم رغم مرور مئات السنين عليها.
ما زلنا نتابع حلقات المسلسل وسوف نواصل الكتابة عنه في نقاط التماس بينه وبين جماعات العنف والتطرف والتي نجح العمل في إثارتها، فأمتعنا كثيرًا وأثار فضولنا نحو المعرفة في نفس الوقت؛ فرسالة المسلسل ليست مباشرة ولكنها رسالة تحمل اهتمامًا بالتاريخ الذي يُكرر نفسه دائمًا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحشاشين الاخوان مسلسل الحشاشين حسن الصباح عبد الرحيم كمال الفنان كريم عبد العزيز الارهاب التطرف
إقرأ أيضاً:
FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إن المسألة لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تخترق حقائق الوضع في سوريا الروايات الأخيرة، التي اتسمت في معظمها بالأمل والتفاؤل، حول انتقال البلاد من سلالة الأسد.
في 7 آذار/ مارس، اندلعت انتفاضةٌ ضد النظام السوري الجديد الذي أسسه أحمد الشرع، واشتبكت مع السلطات في اللاذقية وطرطوس وجبلة. بعد أن حقق الأسديون بعض النجاح الأولي، حشدت القوات الموالية للشرع قواتها وقمعت الانتفاضة.
تفاصيل هذه الأحداث غامضة نوعا ما نظرا لسيل الشائعات والمعلومات المضللة التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن ندرة الصحفيين الفعليين في المنطقة.
بحسب من اختار المراقبون تصديقه، كانت هناك إما مجازر بحق العلويين والأكراد والمسيحيين السوريين، أو لم تكن.
كان الشرع على علم بهذه المجازر، أو لم يكن. أما الرئيس السوري، فهو إما جهادي غير متجدد، أو أنه انفصل عن ماضيه ويحاول بناء سوريا جديدة بعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.
تشير التقارير الموثوقة إلى أن القوات الحكومية والقوات الموالية للشرع سحقت الموالين للأسد بشراسة صادمة خلّفت نحو ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.
تفاصيل الانتفاضة - كما هي، وإلى الحد الذي يستطيع المحللون فيه استنباط ما حدث - أقل تعقيدا من التحديات والعقبات التي تعترض بناء مجتمع يتفق فيه الجميع على معنى أن يكون المرء "سوريا".
لا شك أن الغالبية العظمى من السوريين سيقولون إن جميع سكان البلاد - العلويون والأكراد والدروز والمسلمين والإسماعيليون والمسيحيون والقلة المتبقية من اليهود - سوريون. هذا شعور إيجابي، لكنه شعور هش. وكما رأينا للتو، ففي أوقات الأزمات، يُمكن بسهولة وبعنف الطعن في هذه الفكرة التعددية. وهذا لا يُبشر بالخير لمستقبل البلاد القريب.
تُتيح الظروف الحالية في سوريا فرصة شبه مثالية لأصحاب المشاريع السياسية والقوى الخارجية العازمة على تقويض الشرع وجماعته التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام. عندما كانت فرنسا قوة استعمارية في بلاد الشام، رسّخت مكانة الطائفتين العلوية والدرزية كأقليات مُفضّلة، بل ذهبت إلى حدّ إنشاء دويلات لكليهما.
وتمّ في النهاية ضمّ هذه الدويلات إلى سوريا، لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للدولة المسيحية التي اقتطعها الفرنسيون مما أسماه القوميون ذوو الرؤية التوسعية لبلادهم "سوريا الطبيعية" لإنشاء دولة ذات هيمنة مارونية تُدعى لبنان. تمّ كل هذا على حساب السكان السنة، الذين كانوا كثيرين وغير مُرتاحين عموما للمشروع الأوروبي في المنطقة.
لقد خلق التلاعب الاستعماري بالطوائف والجماعات العرقية مجموعة من التبعيات المسارية التي ثبت أنه من الصعب على السوريين التخلص منها على مدى المائة عام الماضية.
كان حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، عضوا في حزب البعث - وهو حزب قومي عربي بامتياز. لقد حافظ، مثل الأحزاب والفصائل القومية العربية في جميع أنحاء المنطقة، على وهم أن الشرق الأوسط عربي بامتياز، مما أدى إلى محو التشكيلة الغنية من الجماعات العرقية والدينية التي كانت من السكان الأصليين للمنطقة.
لم يكن التزام حافظ بالبعث مهما كثيرا من الناحية العملية أو السياسية. ربما كان الرجل القوي في سوريا لفترة طويلة، لكنه لم يستطع أبدا التخلص من حقيقة أنه كان علويا - عضوا في مجتمع فقير تقليديا يمارس دينا غير تقليدي وتعاون قادته مع السلطات الاستعمارية الفرنسية.
وعلى الرغم من وجود سوريين من خلفيات متنوعة في هيكل السلطة السورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الطويلة، فإنه اعتمد على العلويين كقاعدة لسلطته، مما أدى إلى إعادة خلق وتعزيز الاختلافات الطائفية والعرقية بين السوريين.
خلال فترة حكمه، قيل إن المسيحيين كانوا محميين، والأكراد كانوا يتعرضون للقمع ما لم يُستخدموا ضد الأتراك، وكان العديد من السنة مستائين. تمرد البعض - وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها - وأشهرها في حماة عام ١٩٨٢. من جانبهم، مارس الدروز التقية.
هذه تعميمات بالطبع. لم يدعم كل علوي نظام الأسد، ولم يعارض كل سني النظام. كان هناك مسيحيون فعلوا ذلك، وكان هناك دروز وطنيون سوريون. أراد معظم السوريين ما يريده الجميع في كل مكان: عيش حياة كريمة ورؤية أطفالهم يكبرون ويزدهرون. مع ذلك، لا تقلل هذه الفروق الدقيقة من البعد الطائفي للسياسة السورية، وهو قابل للاستغلال.
ليس من المستحيل على السوريين التغلب على المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تقسمهم وتصنفهم حسب الطائفة والعرق، لكن الأمر سيكون في غاية الصعوبة.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السياسة الجديدة في سوريا ستقوض هذه الأنماط، التي ترسخت في سياسة البلاد ومجتمعها على مدى القرن الماضي، أم ستعززها.
تُفسر هذه السمة "المتأصلة" لماذا، بمجرد أن أقدم الأسديون، الذين تدور مظالمهم ظاهريا حول السلطة والسياسة، على التحرك، بدا أن العنف الذي أعقب ذلك قد اتخذ طابعا طائفيا وعرقيا. ذلك لأن السلطة والسياسة في سوريا متشابكتان بشدة مع هذه الاختلافات.
لا شك أن أشخاصا وجماعات ودولا - إيران؟ روسيا؟ إسرائيل؟ - داخل سوريا وخارجها، سعت إلى تضخيم هذه الاختلافات وتعزيز فكرة أن ما كان يحدث هو هجوم جهادي شامل على الأقليات السورية.
يبدو - من التقارير غير الدقيقة التي ظهرت من غرب سوريا - أن هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات. لا يمكن إنكار حقيقة أن أتباع الشرع قتلوا أعدادا كبيرة من العلويين (مع ذهاب البعض خارج البلاد إلى حد التلميح إلى أنهم يستحقون ذلك). رفض ناشطون وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهامات الموجهة إلى مؤيدي النظام الجديد بقتل المسيحيين، ولكن يبدو أنهم كانوا مستهدفين. وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُفاجئ أحدا. فالمتطرفون الإسلاميون يهددون رجال الدين المسيحيين وكنائسهم منذ سقوط الأسد.
هذا ليس دفاعا عن الأسديين. فقد كانت سوريا بلدا قمعيا ودمويا للغاية خلال العقود الممتدة بين صعود حافظ الأسد عام ١٩٧١ وسقوط بشار الأسد أواخر عام ٢٠٢٤. وكان تصميم الابن على استخدام القتل كوسيلة للخروج من الانتفاضة ضد حكمه عام ٢٠١١ هو الدرس الذي تعلمه من والده، الذي قتل عشرات الآلاف ردا على انتفاضة حماة عام ١٩٨٢.
بل إن وجهة نظري هي أن السوريين، مثل جيرانهم في لبنان والعراق، من المرجح أن يواجهوا صعوبات في التكيف مع الهياكل الاجتماعية التي أورثهم إياها التاريخ. هناك نماذج قليلة يمكن للسوريين اتباعها. يُسهم النظام السياسي الطائفي في لبنان في التشرذم، بينما يُسهم النظام العراقي في دوامة من الغنائم والاختلال الوظيفي. لقد قال الشرع كلاما صائبا عن كون سوريا لجميع السوريين.
إنها رؤية إيجابية لمستقبل سوريا، يتفق عليها بلا شك الكثير من مواطنيه. ولكن، وبعيدا عن التعبير عن المشاعر، لم يُقدم الرئيس السوري طريقا حقيقيا للمضي قدما. في الوقت الحالي، يحق للسوريين أن يتساءلوا: "إلى أي سوريين يشير؟".