حالة الجدل التي صنعها مسلسل "الحشاشين" هو علامة على نجاحه؛ فكل الانتقادات التي وجهت إلى العمل علامة على متابعة الجمهور العريض له وتفاعله مع كل أحداثه؛ صحيح هناك تشابه بين طائفة "الحشاشين" االشيعية وجماعات العنف والتطرف السنية؛ ولكن متابعة المشاهدين ترجع في الأساس إلى قوة العمل دراميًا، من حيث القصة والتصوير وأداء الممثلين، وغيرها من مقومات نجاح أي عمل.

لا يعنيني أنّ يقدم العمل بلغة عربية فصحى من عدمه، وإنّ كنت من عشاقها ومحبيها، ولكن من الظلم أنّ نحصر العمل الدرامي الذي استغرق عامين على إنتاجه في زاوية صغيرة، سواء كانت هذه الملاحظة أو غيرها، فالمسلسل الدرامي استطاع أنّ يقدم التاريخ برؤية درامية ممتعة ومفيدة ومثيرة للتساؤل في نفس الوقت.

لا توجد رواية تاريخية واحدة يمكن أنّ نستند إليها في كتابة المسلسل، وهو ما أرهق الكاتب، عبد الرحيم كمال، وكل فريق العمل؛ فمطلوب ترجيح الرواية الأقرب إلى الصحة وأنّ تتناغم مع العمل ورسالته؛ وهو ما يستلزم حالة من العمل الجماعي بين الكاتب والمخرج العبقري، بيتر ميمي، وكل فريق العمل وعلى رأسهم الفنان كريم عبد العزيز.

بحكم تخصصي البحثي في قراءة التنظيمات المتطرفة قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وما أمتلكه من قدرات في فهم البعد النفسي والفكري لكل جماعات العنف والتطرف سواء السنية أو الشيعية، فأستطيع القول، إن الكاتب والمخرج ومدير التصوير والإضاءة والديكور مع فريق العمل، استطاعوا جميعًا أنّ يعبروا على روح هذه الجماعة المتطرفة سواء من الناحية الفكرية أو السيكولوجية أو من قبل التنظيمية.

وأنا ما زلت أصر أنّ حالة الجدل الدائر حاليًا ليس دليل نجاح للمسلسل فقط ولكن للشركة المنتجة أيضًا، المتحدة للخدمات الإعلامية؛ فهي تمتلك رؤية إنتاجية ضخمة تجمع مقومات الوعي والإمتاع في نفس الوقت؛ وهي بذلك أضافت إلى رصيد مصر من الإنتاج الفني والتأثير، ولعلها تضع يدها دائمًا على كل ما يحتاجه المشاهد المصري والعربي.

مسلسل "الحشاشين" وجه إليه انتقادات من أغلب جماعات العنف والتطرف وكل من يتبنى وجهة نظرهم؛ ولعل هؤلاء نجحوا في أنّ يخلقوا حالة التطابق التي لاحظها المشاهد بين هذه الجماعة المتطرفة وبين الإخوان المسلمين على وجه الخصوص؛ من الطبيعي ألا تستوعب الجماعات المتطرفة الفن فهي لا تؤمن به ولا بدورة، ولذلك تقيمها وتقديرها كان متطرفًا مثل أشياء كثيرة تتبناها.

نجحت المتحدة للخدمات الإعلامية في مواجهة الجماعات المتطرفة ولكن عبر الثقافة والفنون؛ وتلك حيلة ذكية في المواجهة، فأهمية الفنون ليس فقط في زرع الوعي ولكن أيضًا في تهذيب المشاعر وهنا لا يمكن الاستغناء عن دورها المؤثر، وهذه مشكلة هذه التنظيمات المتطرفة مع "الحشاشين" ليست المشكلة مع الإسقاطات السياسية كما يعتقدون أو يُبشرون بذلك ولكن في ديناميكية التأثير.

لا أحد يُنكر الترابط الفكري والتنظيمي بين نشأة كلا الجماعتين "الإخوان" و"الحشاشين" وكثير من جماعات العنف والتطرف، ولكن يبقى في النهاية دور الفن في المواجهة على اعتباره أهم القوى الناعمة وأكثرها تأثيرًا وهذه مشكلة هجوم لجان الإخوان والمحسبين عليهم.

المسلسل تحفة درامية تواجه كل من يتبنون الفكر الباطني المتطرف؛ وطبيعي أنّ يواجه هؤلاء الذين ما زالوا يتبنون هذا الفكر، فالحشاشين لم ينتهوا فكريًا، فهناك من مازال يؤمن بمعتقداتهم أو على الأقل يُروج لها أو يُدافع عن أصحابهم، فالسهام التي وجهت للمسلسل والمدافعين عنه دليل صائب على تطرف هؤلاء المنتقدين الذين تماهوا مع امتداد أفكارهم رغم مرور مئات السنين عليها.

ما زلنا نتابع حلقات المسلسل وسوف نواصل الكتابة عنه في نقاط التماس بينه وبين جماعات العنف والتطرف والتي نجح العمل في إثارتها، فأمتعنا كثيرًا وأثار فضولنا نحو المعرفة في نفس الوقت؛ فرسالة المسلسل ليست مباشرة ولكنها رسالة تحمل اهتمامًا بالتاريخ الذي يُكرر نفسه دائمًا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الحشاشين الاخوان مسلسل الحشاشين حسن الصباح عبد الرحيم كمال الفنان كريم عبد العزيز الارهاب التطرف

إقرأ أيضاً:

تلفزيون سلطنة عمان يواصل تصوير مسلسل «المديونير»

يواصل تلفزيون سلطنة عمان تصوير المسلسل الكوميدي العماني الجديد «المديونير» والمؤمل عرضه فـي شهر رمضان المبارك ضمن خارطة البرامج الرمضانية لهذا العام، والمسلسل من تأليف الكاتب طالب الدوس، وإخراج عارف الطويل، ويشارك فـي تمثيله نجوم الدراما العمانية، صالح زعل، وفخرية خميس، ومحمد نور، وأمينة عبدالرسول، وعبدالسلام التميمي، وعبدالله مرعي، وزهى قادر، وأشرف المشيخي، وعادل الجساسي، وغالية السيابية، وفـيصل العامري، وشيماء البريكية، ومحمد السيابي، وسلطان البلوشي، ولينا خالد، وأسماء العوفـية، ومجموعة من الفنانين الآخرين.

وعن هذا العمل والتحديات، تحدث مخرج العمل عارف الطويل قائلًا: ما يميز هذا المسلسل عن غيره من باقي الأعمال هو «الحكاية» ذاتها، ووجود نماذج وشخصيات منتقاة من المجتمع، متباينة ومتناقضة، حيث تمثل شرائح من مختلف الأعمار، كبارًا وصغارًا، وهذه النماذج بعلاقاتها المتنوعة تشكل لوحة واقعية للمجتمع، وتسلط الضوء على بعض الأحلام الزائفة، فعلى سبيل المثال هناك فتاة من طبقة متوسطة تحاول بشتى الوسائل أن تجمع المال أو تتزوج رجلًا غنيًا لتعيش الحياة الفارهة، بينما هناك شاب طموح ينتمي إلى عائلة ميسورة الحال، لكنه يسعى لإيجاد طريقه الخاص بعيدًا عن إمكانيات والده المادية الكبيرة، كما أن هناك شخصيات تعكس جوانب مختلفة من الحياة اليومية، مثل مشجعين لكرة القدم أو نساء يصنعن البخور ويتنافسن فـي التجارة، كل هذه التناقضات يسلط المسلسل عليها الضوء من زوايا مختلفة ومتعددة.

وأضاف المخرج عارف الطويل: المسلسل الذي يندرج ضمن التصنيف الكوميدي، يطرح قضايا اجتماعية مهمة ويقدم رسالة إيجابية تسلط الضوء على المجتمع العماني، من خلال انتقاد بعض السلبيات فـي طريقة تفكير الشخصيات، ويعرض المسلسل كيفـية تناول الأفراد لمتطلبات الحياة فـي المجتمع، وبالطبع، يقدم كل ذلك فـي قالب فكاهي مليء بالابتسامة، فالمسلسل موجه إلى الأسرة ككل، ويحمل فـي طياته رسائل قيمية تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية والإيجابية بين أفراد المجتمع.

وفـيما يتعلق بالعناصر الفنية التي تميز هذا العمل، أشار عارف الطويل إلى أن من أبرز مزايا المسلسل هو جمعه بين مجموعة من النجوم الشباب وبين المخضرمين والنجوم المعروفـين فـي سلطنة عمان، وهذه التوليفة تعد فرصة رائعة للنجوم الشباب لاكتساب الخبرة من خلال التعاون مع النجوم الكبار، مما يسهم فـي تشكيل جيل شاب متميز بالأداء المبدع والقدرة على التألق على مستوى سلطنة عمان والخليج العربي بشكل عام.

وبجانب ذلك، أضاف «الطويل»: تفاعل الممثلين مع القصة كان إيجابيًا للغاية، حيث أحب كل من قرأ النص شخصياته وتفاعل معها بشكل مميز، وكل ممثل تبنى شخصيته وقدمها بطريقة احترافـية، مما أسهم فـي إيجاد جو إيجابي بين جميع أعضاء الفريق خلف الكواليس، فرأي الممثلين إيجابي تجاه الحكاية، وهم جزء من المجتمع العماني، وبالتالي تعكس آراءهم ملامح قبول العمل من شريحة أوسع من الجمهور، وهذه الآراء الإيجابية من جميع المشاركين، سواء من الممثلين أو الفنيين أو فريق الإنتاج فـي التلفزيون، تشير إلى أن العمل سيجد قبولًا جماهيريًا جيدًا، وهو ما نأمل أن ينعكس على متابعة المشاهدين للعمل فـي شهر رمضان المبارك.

وحول التحديات، يقول المخرج عارف الطويل: إن التحدي الآخر كان يتمثل فـي الجدول الزمني الضيق، حيث بدأ التصوير قبل شهرين من شهر رمضان، وهو ما يعني ساعات عمل طويلة تتجاوز فـي بعض الأحيان 15 ساعة يوميًا؛ لضمان أن يكون المسلسل جاهزًا للعرض فـي الموعد المحدد، فجهة الإنتاج فـي تلفزيون سلطنة عمان، والفنانون والفنيون كلهم مدركون لتحدي الوقت، والكل يبذل جهدًا مضاعفًا من التعب والسهر، ولكن -الحمدلله- الأجواء بين المجموعة الكاملة إيجابية، ويسودها المحبة والاحترام والعلاقات الطيبة، وهذا ما يخفف عنا وطأة ساعات العمل الطويلة.

ورغم هذا التفاؤل، اعترف الطويل أن ثمة تحديات واجهها فريق العمل، أبرزها عدم اكتمال كتابة النص قبل بدء التصوير خاصة الحلقات الأخيرة، ولكننا تجاوزنا ذلك بفضل التعاون المستمر بين جميع الأطراف.

وحول الدراما العمانية وتجربته فـيها، قال المخرج عارف الطويل: سبق وقلت عن الدراما المحلية العمانية إنها تحتاج إلى إنتاج أعمال أكثر، يتم تصويرها على أراضي سلطنة عمان الواسعة، وفـي مختلف مناطقها التي تتميز بجمالها وتنوعها، أما إذا اقتصرنا على عمل واحد أو عملين فقط فـي السنة، فإن ذلك سيحد من تجربة النجوم والنجمات فـي سلطنة عمان، وعندما يكون هناك عمل واحد فقط فـي السنة يواجه المخرج صعوبة فـي اختيار الممثلين والممثلات، حيث إن العمل الواحد لا يكفـي لاستيعاب كل الطاقات والمواهب الموجودة فـي سلطنة عمان، لذا، أتمنى مضاعفة الإنتاج وأن يتبنى القطاع الخاص إنتاج الأعمال بشكل مستمر واحترافـي.

ويختتم المخرج عارف الطويل حديثه قائلًا: العمل التلفزيوني رغم أنه رسالة اجتماعية، فهو أيضًا رسالة وطنية، فعندما أصور فـي سلطنة عمان وأشاهد هذا التنوع وهذه الجغرافـيا المميزة من خلال التصوير والحكاية، فالمشاهدون سواء فـي الخليج أو فـي الوطن العربي، عندما يتابعون هذا العمل سيعجبون بالتنوع والحكايات، والأزياء الشعبية، وهناك الكثير من تراث عمان، مثل الآثار الجميلة، والقلاع، والحصون، حيث نستطيع من خلال عمل درامي أن نسلط الضوء على ما يميز سلطنة عمان من جمال وتراث وأصالة.

مقالات مشابهة

  • منير أديب يكتب: مخطط محكم.. خريطة الشرق الأوسط الجديد ودور التنظيمات الإسلاموية في رسمها
  • «كهنة التكفير» و«الحشاشين» و«انظروا إلينا نرقص».. مؤلفات تفضح الجماعات المتطرفة بمعرض الكتاب
  • القومي للبحوث الجنائية: بعض الجرائم التي ترتكب في المجتمع مرتبطة بالأسرة وثقافة الترند
  • الفن.. والتحريض على القتل!
  • جينيفر لوبيز تحتفل باللحظة التي كانت تنتظرها طوال حياتها
  • عندما كشف المستور.. محاولة يهودية متطرفة لتفجير المسجد الأقصى
  • أخبار الفن| منة شلبي ترد على شائعات زواجها.. وتطورات حالة صالح العويل
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: العنف المجتمعي .. مقترحات العلاج
  • تلفزيون سلطنة عمان يواصل تصوير مسلسل «المديونير»
  • د.حماد عبدالله يكتب: سمة هذا الوطن "الحــــــب"!!