السودان.. التدخل الأجنبي ينذر بإطالة أمد الحرب
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
الخرطوم- مع اقتراب إكمال الحرب في السودان عامها الأول، يخشى مراقبون أن يؤدي استمرار الحضور الأجنبي وتدفق الدعم العسكري لأطراف النزاع إلى إطالة أمد الصراع وتعقيد الأوضاع، وانهيار الدولة أو تحولها إلى دويلات معزولة وظهور أمراء حرب.
وكشف آخر تقرير أعده خبراء للأمم المتحدة حول السودان، تفاصيل الإمداد العسكري من الخارج لقوات الدعم السريع، وقال التقرير إنه منذ أغسطس/آب 2023، استخدمت القوات أسلحة ثقيلة ومتطورة لم تكن تستخدمها هناك من قبل.
وحدد فريق الأمم المتحدة 3 طرق رئيسية -لا تزال نشطة حتى الآن- لإمدادات قوات الدعم السريع، أولها عبر مطار أم جرس شرقي تشاد، حيث تهبط طائرات شحن قادمة من مطار أبوظبي الدولي قبل توقفها في دول مثل أوغندا وكينيا ورواندا، كما يتدفق دعم عسكري من شرق أفريقيا الوسطى، بالإضافة لخطوط إمداد عبر جنوب السودان وجنوب ليبيا.
قوات الدعم السريع استعانت بخبرات أجنبية لسد النقص الذي تعاني منه في جوانب مختلفة (الفرنسية) مرتزقة عبر الحدودوفي كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، قال رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان إن "السودان يواجه حربا مدمرة شنتها عليه قوات الدعم السريع، بالتحالف مع مليشيات قبلية، وأخرى إقليمية ودولية، ومرتزقة من مختلف أنحاء العالم".
وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش ياسر العطا لدى مخاطبته مراسم تخريج دفعة من مقاتلي حركة العدل والمساواة، في مدينة كسلا في شرق السودان الأسبوع الماضي إن "قوات الدعم السريع لا تزال تستجلب مرتزقة من عدة دول، آخرهم 600 من المرتزقة الأفارقة، عبروا الحدود عبر دارفور في أوائل مارس/آذار الجاري، واستطاع الجيش رصد تحركهم، وتعامل معهم الطيران الحربي قبل وصولهم إلى أم درمان".
وقال مستشار سابق في وزارة الدفاع إن "قوات الدعم السريع استجلبت أكثر من 40 ألف مرتزق أجنبي للقتال في صفوفها عبر مجموعات مختلفة، من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر وجنوب السودان واليمن وإثيوبيا".
وفي حديث للجزيرة يوضح المستشار -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن "بعض القوات التي جلبها الدعم السريع كانت لسد النقص الذي يعاني منه في جوانب مختلفة، حيث إن المقاتلين من ليبيا وإثيوبيا غالبيتهم قناصة ويتقنون تشغيل المسيّرات، أما المقاتلون من جنوب السودان فهم يعرفون استخدام المدفعية الموجهة".
ويضيف أن "الجيش أعاد تدريب عناصر جديدة في الجوانب التكتيكية والفنية وعلى استخدام أسلحة نوعية، واستحدث أسلوب المقاومة الشعبية، مما أتاح له تحقيق تقدم مع تراجع قوات الدعم السريع، التي استنزفت قواتها المدربة ودمرت أسلتحها الثقيلة، وهو ما دفعها إلى جلب المزيد من المرتزقة الأفارقة لسد النقص في صفوفها، واستجلاب السلاح لتعويض ما خسرته".
نفي واتهاممن جهته، نفى الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، بشدة أن تكون قواتهم تستعين بمرتزقة أجانب، واعتبر هذه الاتهامات "حديثا للاستهلاك السياسي وتشويه صورة الدعم السريع".
وفي حديثه للجزيرة نت يرى طبيق أن "مساندي الجيش وعناصر الحركة الإسلامية التي تقاتل إلى جانبه تحاول إيجاد مشروعية لكسب ولاء الشعب السوداني بادعاء أنهم يقاتلون أجانب".
ويضيف أن "هناك مرتزقة أجانب من أوكرانيا يقاتلون في صفوف الجيش، وأكدت ذلك تقارير صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، كما شاركت قوات خاصة أوكرانية من قوات النخبة في عملية تهريب البرهان من مقر قيادة الجيش".
ويقول طبيق إن لديهم معلومات مؤكدة أن "الجيش جلب عناصر من الحرس الثوري الإيراني، ومتطرفين من جماعة بوكو حرام، إضافة لكتائب النصرة والبراء، وحركات مسلحة أخرى في دارفور".
إمدادات للجيشفي المقابل، تحدثت تقارير صحفية غربية عن أن قوات خاصة أوكرانية شاركت إلى جانب الجيش السوداني، في إطار إستراتيجية تهدف إلى تقويض العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج.
وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأن عبد الفتاح البرهان، تواصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طالبا المساعدة بعد أن قام السودان بتزويد أوكرانيا سرا بالأسلحة في عام 2022.
كما نقلت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير لها عن مسؤولين غربيين، أن إيران زوّدت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع "مهاجر 6" مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات.
غير أن مستشار وزارة الدفاع السوداني نفى هذه المعلومات، وأوضح أن "منظومة الصناعات الدفاعية السودانية لديها شراكات مع عدة دول قبل الحرب، مما ساهم في تحقيق اكتفاء للجيش، وصارت المنظومة تصدر أسلحة ومعدات عسكرية إلى دول أفريقية وعربية، واشترت الحكومة السودانية أسلحة من دول مؤخرا، وهو أمر مشروع، لكنها لم تتلق دعما عسكريا من أي دولة".
السودان كان لديه تعاون في مجال التصنيع العسكري مع عدة دول من بينها أوكرانيا وإيران قبل الحرب (الأناضول) أمراء حربويرى أمين إسماعيل مجذوب اللواء المتقاعد والخبير في إدارة الأزمات والتفاوض أن "قوات الدعم السريع استعانت بخبراء أجانب مدربين، وآخرين قناصة بخبرات متقدمة، وكان لديهم دور مؤثر في المرحلة الثانية من الحرب، بعد فشل الدعم السريع في السيطرة على مقر قيادة الجيش، وحاليا يخططون للتعامل مع الأوضاع العسكرية، كما يحدث الآن في ولاية الجزيرة".
ويرى مجذوب، في تصريح للجزيرة نت، أن "من حق السودان كدولة الحصول على الأسلحة بالطرق المشروعة"، مشيرا إلى أن السودان كان لديه تعاون في مجال التصنيع العسكري مع عدة دول، من بينها أوكرانيا وإيران قبل الحرب، ولا يزال هذا التعاون مستمرا.
ويعتقد الخبير العسكري أن أي إمداد للأطراف المتقاتلة في السودان سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب، سواء كان من الاحتياجات اللوجستية أو القوة البشرية أو الإسناد الإعلامي، داعيا الدول التي تتوسط لإنهاء الحرب إلى الضغط لقطع الإمداد الخارجي، حتى تهدأ الأوضاع ويتهيأ مناخ أفضل لمفاوضات وقف إطلاق النار ومعالجة جذور الأزمة.
بدوره، يرى الباحث السياسي في جامعة الخرطوم سليمان عبد العزيز أن الدعم العسكري أسهم في استمرار الحرب في البلاد نحو عام، ويمكن أن يستمر أعواما أخرى، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن، ما لم يتوقف تدفق السلاح والمقاتلين الأجانب.
ويقول للجزيرة نت إن ثمة مخاطر عدة إذا لم يتم احتواء تدخل الأصابع الأجنبية في الأزمة السودانية. ولم يستبعد انقسام قوات الدعم السريع إلى عدة فصائل في حال اختفاء قيادتها الحالية.
ويرجح الباحث أن يؤدي استمرار القتال إلى ظهور أمراء حرب، وتقسيم البلاد إلى "كنتونات"، ويساعد ذلك حالة السيولة الأمنية، وخروج ولايات ومناطق واسعة من سلطة الدولة، ومجاورة السودان دولا هشة مثل أفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد وجنوب السودان، مما يساهم في انتشار السلاح وانتقال المقاتلين عبر الحدود المفتوحة مع هذه الدول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات قوات الدعم السریع عدة دول
إقرأ أيضاً:
معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟ محللون يعدّونها عمليات «كرّ وفرّ» لن توقف الحرب
دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة، حقق خلالها الجيش السوداني انتصارات كبيرة و«سريعة» في وسط البلاد، بينما يتراجع «الدعم السريع» بوتيرة متسارعة، بدأت بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم عمليات العاصمة الخرطوم التي استعاد خلالها الجيش مقر قيادته العامة، ومناطق «حاكمة»، خصوصاً في أم درمان والخرطوم بحري.
وأثارت «انسحابات الدعم السريع» المتسارعة أسئلة عدة؛ من بينها: هل «قواته» دخلت «مرحلة الانهيار»، أم إن ما حدث كان نتيجة «اتفاق غير معلن» يهيئ طاولة التفاوض عبر «السماح» بتحسن «موقف الجيش التفاوضي»، أم هل اختارت قيادة «الدعم» التراجع عن الانتشار الواسع «تكتيكياً» لتقليل خسائرها أمام الجيش الذي عزز قواته وجدد تسليحه؟
بدأت عمليات الجيش لاسترداد مناطق استراتيجية وسط البلاد، باستعادة منطقة جبل موية الحاكمة لـ3 ولايات: النيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد ذلك، استجمع مع حلفائه قوتهم، ووجهوها نحو مدينة ود مدني، واستعادوها في 11 يناير (كانون الأول) الحالي «دون قتال يُذكر»، وقالت «قوات الدعم السريع» إنها «انسحبت»، بينما قال الجيش إنه دخل المدينة «عنوة»، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة «الدعم» على المدينة الاستراتيجية «دون قتال» أيضاً.
ومهدت عملية استعادة ود مدني لعمليات الخرطوم بحري، ووصول جيوش أم درمان وشمال الخرطوم بحري، إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة الواقعة تحت حصار «الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
بدأت العملية في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي بعبور القوات الآتية من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وسرّعت عملياتها بعد استرداد مدينة ود مدني.
وفوجئ الناس السبت الماضي بالجيش يعلن عبور جسر النيل الأزرق ويصل إلى مقر «القيادة العامة»، وبالقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يخاطب جنوده «المحاصرين» داخل «القيادة العامة»، معلناً فك الحصار عنها وعن مقر «قيادة قوات سلاح الإشارة»، وقرب «تحرير» الخرطوم من قبضة «الدعم السريع».
بث الجيش مقاطع فيديو من داخل «القيادة العامة» و«قيادة قوات سلاح الإشارة»، ومع ذلك نفت «قوات الدعم» بشدة «فك الحصار» عن «القيادة العامة»، وعدّت فيديوهات الجيش دعايةً حربيةً، معلنة أن قوات محدودة «تسللت»، وأنه ليس هناك «التحام» للجيوش، ونشرت، الاثنين، مقاطع فيديو من على جسر «المك نمر» باتجاه الخرطوم، ومن جسر «كوبر» باتجاه الخرطوم بحري، ومن جسر «توتي» قرب النيل الأزرق، وقالت إنها لا تزال تسيطر على مواقعها، وإن «إمداداً» كبيراً وصل إليها لتشديد الحصار على المناطق المذكورة.
كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ«قوات الدعم» من مناطق جديدة في الخرطوم، وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه «قوات الدعم» بإصرار، بينما تتضارب المعلومات الصادرة عن الطرفين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.
وفي تحليله أوضاع ما بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة «انهيار الدعم السريع»، وعدّ، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأمر «مجرد عمليات كرّ وفرّ»، وأضاف: «سيطرة أي من الطرفين ستكون وقتية، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة».
وأكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تنتهي إلا بـ«التفاوض» الذي يوقف إطلاق النار، ويؤدي إلى الفصل بين القوات، وأضاف: «السلاح منتشر في كل جهات البلاد بيد الأفراد والميليشيات. ومع وجود مجموعات تسعى إلى الانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، فلن تنتهي الحرب»، وتابع: «وجود السلاح بيد الناس خارج القانون ووجود نيات انتقامية، يصعبان عودة الناس إلى مناطقهم. لذلك؛ فلن تقف الحرب إلا بإرادة قوية، وليس بأمنيات».
ودعا اللواء المتقاعد طرفَي الحرب إلى العودة للتفاوض «والذهاب إلى جدة (بالسعودية) لمناقشة الإشكالات المترتبة على الحرب». كما دعا القوى السياسية المدنية إلى الاجتماع من أجل وقف «الشقاق» الوطني «الذي تعيشه البلاد، ويهدد وجودها»، وأضاف: «ما لم تتوحد القوى السياسية، فلن يكون هناك سلام».
وأرجع تراجع «الدعم السريع» إلى ما سماه «إنهاك طرفَي الحرب»، وقال إن نتيجته هي «عمليات الكرّ والفرّ» التي أشار إليها سابقاً، وأضاف: «الجيش والميليشيات الموالية له، حتى لو استردوا الخرطوم، فهذا لا يعني السلام. والحرب قد تمتد لأكثر من 20 عاماً، ولا يمكن حسمها عسكرياً».
واستبعد المحلل السياسي، محمد لطيف، افتراض «انهيار (قوات الدعم السريع)»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوصف الدقيق أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره غير دقيق، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك؛ من الصعب الحديث عن بداية انهيار».
وفي سياق الاحتمالات التي حددها لطيف لتفسير الأوضاع، أشار إلى «أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين... والتحول السريع في طبيعة السيطرة من دون مواجهات عسكرية، يعزز من فرضية الاتفاق».
لطيف قال إن «انسحابات (الدعم السريع)» جاءت «منظمة» دون أن يتعرض لمطاردات أو ملاحقات؛ مما يعزز فرضية «الاتفاق غير المعلن»، وتابع: «أيضاً غابت الحملات الإعلامية المعتادة حال سيطرة طرف على مناطق جديدة بعرض فيديوهات الضحايا والأسرى والغنائم؛ مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو التفوق العسكري للجيش».
ورجح لطيف أن تكون «انسحابات (الدعم) تكتيكية يريد عبرها إعادة تموضعه في مناطق محددة تكفيه شر الانتشار الواسع والمسؤولية المترتبة على قدراته وحركته».
كمبالا: الشرق الأوسط: أحمد يونس