الجزيرة:
2025-03-03@16:38:57 GMT

السودان.. التدخل الأجنبي ينذر بإطالة أمد الحرب

تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT

السودان.. التدخل الأجنبي ينذر بإطالة أمد الحرب

الخرطوم- مع اقتراب إكمال الحرب في السودان عامها الأول، يخشى مراقبون أن يؤدي استمرار الحضور الأجنبي وتدفق الدعم العسكري لأطراف النزاع إلى إطالة أمد الصراع وتعقيد الأوضاع، وانهيار الدولة أو تحولها إلى دويلات معزولة وظهور أمراء حرب.

وكشف آخر تقرير أعده خبراء للأمم المتحدة حول السودان، تفاصيل الإمداد العسكري من الخارج لقوات الدعم السريع، وقال التقرير إنه منذ أغسطس/آب 2023، استخدمت القوات أسلحة ثقيلة ومتطورة لم تكن تستخدمها هناك من قبل.

وحدد فريق الأمم المتحدة 3 طرق رئيسية -لا تزال نشطة حتى الآن- لإمدادات قوات الدعم السريع، أولها عبر مطار أم جرس شرقي تشاد، حيث تهبط طائرات شحن قادمة من مطار أبوظبي الدولي قبل توقفها في دول مثل أوغندا وكينيا ورواندا، كما يتدفق دعم عسكري من شرق أفريقيا الوسطى، بالإضافة لخطوط إمداد عبر جنوب السودان وجنوب ليبيا.

قوات الدعم السريع استعانت بخبرات أجنبية لسد النقص الذي تعاني منه في جوانب مختلفة (الفرنسية) مرتزقة عبر الحدود

وفي كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، قال رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان إن "السودان يواجه حربا مدمرة شنتها عليه قوات الدعم السريع، بالتحالف مع مليشيات قبلية، وأخرى إقليمية ودولية، ومرتزقة من مختلف أنحاء العالم".

وفي السياق ذاته، قال عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش ياسر العطا لدى مخاطبته مراسم تخريج دفعة من مقاتلي حركة العدل والمساواة، في مدينة كسلا في شرق السودان الأسبوع الماضي إن "قوات الدعم السريع لا تزال تستجلب مرتزقة من عدة دول، آخرهم 600 من المرتزقة الأفارقة، عبروا الحدود عبر دارفور في أوائل مارس/آذار الجاري، واستطاع الجيش رصد تحركهم، وتعامل معهم الطيران الحربي قبل وصولهم إلى أم درمان".

وقال مستشار سابق في وزارة الدفاع إن "قوات الدعم السريع استجلبت أكثر من 40 ألف مرتزق أجنبي للقتال في صفوفها عبر مجموعات مختلفة، من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر وجنوب السودان واليمن وإثيوبيا".

وفي حديث للجزيرة يوضح المستشار -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن "بعض القوات التي جلبها الدعم السريع كانت لسد النقص الذي يعاني منه في جوانب مختلفة، حيث إن المقاتلين من ليبيا وإثيوبيا غالبيتهم قناصة ويتقنون تشغيل المسيّرات، أما المقاتلون من جنوب السودان فهم يعرفون استخدام المدفعية الموجهة".

ويضيف أن "الجيش أعاد تدريب عناصر جديدة في الجوانب التكتيكية والفنية وعلى استخدام أسلحة نوعية، واستحدث أسلوب المقاومة الشعبية، مما أتاح له تحقيق تقدم مع تراجع قوات الدعم السريع، التي استنزفت قواتها المدربة ودمرت أسلتحها الثقيلة، وهو ما دفعها إلى جلب المزيد من المرتزقة الأفارقة لسد النقص في صفوفها، واستجلاب السلاح لتعويض ما خسرته".

نفي واتهام

من جهته، نفى الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، بشدة أن تكون قواتهم تستعين بمرتزقة أجانب، واعتبر هذه الاتهامات "حديثا للاستهلاك السياسي وتشويه صورة الدعم السريع".

وفي حديثه للجزيرة نت يرى طبيق أن "مساندي الجيش وعناصر الحركة الإسلامية التي تقاتل إلى جانبه تحاول إيجاد مشروعية لكسب ولاء الشعب السوداني بادعاء أنهم يقاتلون أجانب".

ويضيف أن "هناك مرتزقة أجانب من أوكرانيا يقاتلون في صفوف الجيش، وأكدت ذلك تقارير صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، كما شاركت قوات خاصة أوكرانية من قوات النخبة في عملية تهريب البرهان من مقر قيادة الجيش".

ويقول طبيق إن لديهم معلومات مؤكدة أن "الجيش جلب عناصر من الحرس الثوري الإيراني، ومتطرفين من جماعة بوكو حرام، إضافة لكتائب النصرة والبراء، وحركات مسلحة أخرى في دارفور".

إمدادات للجيش

في المقابل، تحدثت تقارير صحفية غربية عن أن قوات خاصة أوكرانية شاركت إلى جانب الجيش السوداني، في إطار إستراتيجية تهدف إلى تقويض العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأن عبد الفتاح البرهان، تواصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طالبا المساعدة بعد أن قام السودان بتزويد أوكرانيا سرا بالأسلحة في عام 2022.

كما نقلت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير لها عن مسؤولين غربيين، أن إيران زوّدت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع "مهاجر 6" مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات.

غير أن مستشار وزارة الدفاع السوداني نفى هذه المعلومات، وأوضح أن "منظومة الصناعات الدفاعية السودانية لديها شراكات مع عدة دول قبل الحرب، مما ساهم في تحقيق اكتفاء للجيش، وصارت المنظومة تصدر أسلحة ومعدات عسكرية إلى دول أفريقية وعربية، واشترت الحكومة السودانية أسلحة من دول مؤخرا، وهو أمر مشروع، لكنها لم تتلق دعما عسكريا من أي دولة".

السودان كان لديه تعاون في مجال التصنيع العسكري مع عدة دول من بينها أوكرانيا وإيران قبل الحرب (الأناضول) أمراء حرب

ويرى أمين إسماعيل مجذوب اللواء المتقاعد والخبير في إدارة الأزمات والتفاوض أن "قوات الدعم السريع استعانت بخبراء أجانب مدربين، وآخرين قناصة بخبرات متقدمة، وكان لديهم دور مؤثر في المرحلة الثانية من الحرب، بعد فشل الدعم السريع في السيطرة على مقر قيادة الجيش، وحاليا يخططون للتعامل مع الأوضاع العسكرية، كما يحدث الآن في ولاية الجزيرة".

ويرى مجذوب، في تصريح للجزيرة نت، أن "من حق السودان كدولة الحصول على الأسلحة بالطرق المشروعة"، مشيرا إلى أن السودان كان لديه تعاون في مجال التصنيع العسكري مع عدة دول، من بينها أوكرانيا وإيران قبل الحرب، ولا يزال هذا التعاون مستمرا.

ويعتقد الخبير العسكري أن أي إمداد للأطراف المتقاتلة في السودان سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب، سواء كان من الاحتياجات اللوجستية أو القوة البشرية أو الإسناد الإعلامي، داعيا الدول التي تتوسط لإنهاء الحرب إلى الضغط لقطع الإمداد الخارجي، حتى تهدأ الأوضاع ويتهيأ مناخ أفضل لمفاوضات وقف إطلاق النار ومعالجة جذور الأزمة.

بدوره، يرى الباحث السياسي في جامعة الخرطوم سليمان عبد العزيز أن الدعم العسكري أسهم في استمرار الحرب في البلاد نحو عام، ويمكن أن يستمر أعواما أخرى، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن، ما لم يتوقف تدفق السلاح والمقاتلين الأجانب.

ويقول للجزيرة نت إن ثمة مخاطر عدة إذا لم يتم احتواء تدخل الأصابع الأجنبية في الأزمة السودانية. ولم يستبعد انقسام قوات الدعم السريع إلى عدة فصائل في حال اختفاء قيادتها الحالية.

ويرجح الباحث أن يؤدي استمرار القتال إلى ظهور أمراء حرب، وتقسيم البلاد إلى "كنتونات"، ويساعد ذلك حالة السيولة الأمنية، وخروج ولايات ومناطق واسعة من سلطة الدولة، ومجاورة السودان دولا هشة مثل أفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد وجنوب السودان، مما يساهم في انتشار السلاح وانتقال المقاتلين عبر الحدود المفتوحة مع هذه الدول.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات قوات الدعم السریع عدة دول

إقرأ أيضاً:

لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟

استضافت كينيا الأسبوع الماضي اجتماعات متتالية للاتفاق على ميثاق (مانفستو) تؤسس عليه حكومة الدعم السريع التي تنوي إقامتها افتراضيًا أو مكانيًا (بحسب تمدد العمليات العسكرية الجارية حاليًا في مختلف مناطق السودان)، ونحاول هنا أن نراجع خط الزمن من بدايته لنعرف السياق الذي ألجأ المجتمعين هناك إلى اتخاذ تلك الخطوة.

الخطة الأساسية للهجوم الذي ابتدأته قوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان 2023، هي الانقضاض على الحكومة السودانية والقبض على قائد الجيش أو قتله، كما صرح بذلك علنًا قائد الدعم السريع قبل اختفائه هو، وخروج قائد الجيش إلى بورتسودان.

تمدد الدعم السريع بعد مجزرة الجنينة في مايو/ أيار 2023، ليمضي لتنفيذ جرائم مشهودة قتلًا واغتصابًا وتدميرًا وسرقة، وثقتها المنظمات الأممية، ويهجر ملايين السودانيين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق، ليحل في منازلهم وأعيانهم بديلًا عنهم من أتى بهم الدعم السريع من عرب الشتات من مختلف الدول.

امتصّ الجيش السوداني الصدمة، وأعاد ترتيب صفوفه التي انضم إليها الآلاف من عموم السودانيين، منهم المجاهدون السابقون والمستنفرون الحاليون ومجموعات الحركات المسلحة التي ذاقت الأمرّين من الجنجويد منذ عام 2005.

إعلان

عاد الجيش السوداني متمكنًا من أم درمان ومستعيدًا مواقعه ومحررًا لولايتَي سنار، والجزيرة ومناطق واسعة في الخرطوم، هُزمت فيها مجموعات الدعم السريع هزائم مريرة، أوضحت قوة الجيش السوداني المهنية وصحة ترتيباته وخططه العسكرية.

وقتها علت أصوات كانت خافتة من داخل الحاضنة السياسية للدعم السريع، تتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة موازية تنطلق من دارفور حيث ينتشر الدعم السريع ووسط حاضنته الاجتماعية. صدى هذه الأصوات انتهى لخروج جزء من الحاضنة السياسية وانشطار "قحت/ تقدم" إلى مجموعات مضى جزء منها مواليًا وداعمًا ومشاركًا في تأسيس منطلقات الحكومة الموازية.

الانتقال إلى الخطة (ب)

هكذا انتقلت ترتيبات المخطط للخيار (ب) بتشكيل حكومة موازية تضمن استمرار الحرب ووجود لافتة الدعم السريع التي تراجعت تمامًا وانهزمت عسكريًا في كل المعارك، وفي غالب الولايات عدا دارفور. ذلك سيضمن مكاسب عند التسوية السياسية بنهاية الحرب.

لتنفيذ ذلك، عمد المخططون إلى محاصرة الحكومة السودانية خارجيًا بتأثير مباشر على دول الجوار، كينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، إضافة إلى تشاد التي غدت مركزًا رئيسيًا للإمداد بالعتاد والسلاح الخارجي للدعم السريع.

يضمن ذلك تمدد التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، ولربما مضت إلى أجندة ومصالح أجنبية تمضي إلى فصل دارفور، وكردفان عن بقية السودان، وما انفصال الجنوب ببعيد بعد أن تمددت الأيادي والمنابر الخارجية لتنال من وحدة السودان وأهله.

تكررت ذات المشاهد وفتحت كينيا أبوابها ومنابرها لمخطط مماثل يمضي على ذات منوال ليبيا، واليمن. قبلت كينيا أن تقوم بالدور وتفتح أراضيها للمؤامرة، وهي الدولة التي تعرضت أواخر عام 2007 لذات النزاعات السياسية والقبلية عقب الانتخابات، وقتها سقط آلاف الأبرياء من القتلى والنازحين في مدنها المختلفة، وقتها رفضت كينيا كل أشكال ومبررات التدخل الخارجي.

إعلان

واليوم لا تسعف الذاكرة كينيا وهي تجسد دور التدخل الخارجي وتمهد الطريق لتقسيم السودان وتمزيق وحدته وتقدم المنصة الدعم المطلوب لذلك.

جمع المخططون الشتاتَ والتناقضَ من هنا وهناك مع الدعم السريع، للإيهام بأن من يقف وراء الخطة قوم معتبرون سياسيًا واجتماعيًا من مختلف مناطق السودان، وأنفقت الأموال بلا حساب لتنفيذ المخطط، كما أكد عدد من المشاركين أنفسهم.

نتج عن جمع التناقضات تأخير التوقيع لمرتين وإلغاء المؤتمر الصحفي الذي أُعلن عنه في نيروبي، هذا علاوة عن تصريحات مشككة وضعيفة من بعض المشاركين حول ماهية تفاصيل الوثيقة والميثاق وما يتبعها من خطوات، وإلى أين ستمضي؟ ومن سيقودها ويشكل حكومتها؟ ومن يمولها؟ وأين سيكون مقر هذه الحكومة؟ وغيرها من الأسئلة.

وقبل أن نخوض في قراءة الميثاق الذي من المفترض أن تؤسس عليه حكومة الدعم السريع الموازية للحكومة السودانية القائمة، يجدر أن نجيب عن سؤالي المدخل لهذا الحدث:

السؤال الأول: لماذا انعقد اللقاء في نيروبي؟

اللقاء في نيروبي انعقد تأسيسًا على ما يجمع قائد الدعم السريع والرئيس الكيني من علاقة قديمة بدأت منذ كان الثاني نائبًا للرئيس الكيني، توثقت بشراكة اقتصادية بينهما في استخراج الذهب من عدة مناطق بالسودان، وربطت الرجلين تفاصيل المخطط الخارجي الذي يرمي إلى استغلال موارد السودان والتحكم في ثرواته وإدارة موارده وسلطته.

هكذا أصبح روتو منحازًا، بل ومتبنيًا لسردية الجنجويد منذ أول تدخل له في النزاع المسلح في السودان عام 2023، ومحاولته قيادة لجنة الإيغاد (IGAD) التي لم يكن ابتداءً طرفًا فيها. من تلك البداية وحتى البيان الأخير الذي صدر عن الحكومة الكينية الأسبوع الماضي، تأكد بوضوح الموقف الكيني المنحاز للدعم السريع.

أولى وأهم نقاط البيان الكيني، هي غياب الإشارة المباشرة إلى وحدة أراضي السودان، وهو أمر متعارف عليه دبلوماسيًا، ما يعني دعم كينيا لتقسيم السودان بإقامة حكومة أخرى تحكم أجزاء منه، وعمليًا تقسيم البلاد، وذلك ما ورد في الميثاق التأسيسي الموقع في نيروبي.

إعلان

لتأكيد ذلك، ذكر البيان "حق الشعب السوداني في تقرير مصيره"، وهو تعبير واضح يفتح الباب إلى إعادة تقرير مصير أجزاء من السودان وخروجها من الحكومة المركزية، وهو اعتراف ضمني بدور قوات الدعم السريع كفاعل سياسي يمثل مجموعات من الشعب السوداني تختار دولتها كما ترى وترغب، مما يخرج كينيا تمامًا عن الحياد، ويؤكد التزامها بمسار المخطط وما تقوم به قوات الدعم السريع. استضافة قوات الدعم السريع في نيروبي لا تأتي في سياق وساطة، وإنما كجزء من موقف كيني في التعامل مع الأزمة السودانية.

لا يمكن مقارنة هذا الموقف الكيني بمحادثات مشاكوس/ نيفاشا 2002، التي كانت نتاج عملية تفاوضية تحت إشراف الإيغاد (IGAD) وبمشاركة طرفي النزاع: (الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان).

اللقاء الأخير في نيروبي جمع فقط مجموعات الدعم السريع ومناصريهم، وهدف إلى تشكيل حكومة موازية دون حضور الطرف الآخر (حكومة السودان أو حتى القوات المسلحة). غياب الطرف الآخر يفقد الحدث صفة الوساطة أو المفاوضات أو المحادثات.

انعقاد المؤتمر بقرار كيني منفرد يضعف مصداقية الرئيس روتو كوسيط، ويعزز الشكوك حول حياده، ويؤكد انطباع السودانيين أن كينيا منحازة للدعم السريع.

يجمع بين حميدتي وروتو أيضًا النزعة العرقية التي يقوم عليها كلٌّ منهما، ففي الانتخابات الكينية عام 2007، اندلعت احتجاجات عنيفة في البلاد بدعوى تزوير الانتخابات، وأخذت الاحتجاجات طابعًا عرقيًا، وشاركت فيها عرقية الكالينجين (قبيلة روتو) وغيرها، الأمر الذي أصدرت على إثره المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، قائمة بالمسؤولين عن التحريض على العنف، من بينهم الرئيس روتو، واتهمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبتنظيم وتنسيق لهجمات دموية مسلحة استهدفت مجموعات عرقية.

كينيا، التي تتدخل الآن في الشأن السوداني، لا تنفك عنها الأزمات منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، فمن دوامة الاقتتال إثر انتخابات 2007، التي خلفت المئات من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، مرورًا بأحداث القتل في 2013 إثر الانتخابات التي جمعت بين أهورو كينياتا ورفيقه وليام روتو، وهما من بين أربعة أشخاص وجهت إليهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بشأن حمام الدم الذي وقع في الانتخابات السابقة، ثم التدخل الكيني في الصومال، الذي تبعه رد فعل صومالي مماثل في كينيا أودى بحياة المئات، ثم أعمال العنف التي صاحبت انتخابات عام 2022، والتي اتُهم روتو بتزويرها لصالحه ليصبح رئيسًا بعد ستة أيام من صمت لجنة الانتخابات.

إعلان

لم تستقر الأوضاع الاقتصادية في كينيا، وتكررت الاحتجاجات العنيفة مع استمرار التضخم الاقتصادي في الارتفاع، مع تراجع مقدرات الكينيين الشرائية، ما دعا الحكومة الكينية إلى سنّ قوانين مالية جديدة تفرض زيادات ضريبية كبيرة على المواد الأساسية.

اندلعت التظاهرات وتحولت إلى تعبير شعبي عن السخط إزاء طبقة سياسية يُنظر إليها على أنها فاسدة، وسقط العشرات قتلى في التظاهرات، وانتقدت الأمم المتحدة الحكومة الكينية لاستخدامها "القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين"، واتهمتها "بالفشل في حماية مواطنيها أثناء ممارسة حقوقهم الديمقراطية"، ما دعا الرئيس الكيني إلى التراجع عنها. أوشكت حكومة روتو على السقوط، وضحّى بإقالة غالب وزرائه.

الوضع الاقتصادي المتردي فتح الباب للمخطط الخارجي لابتزاز الرئيس الكيني بالدعم الاقتصادي، ما فتح الباب لأطراف إقليمية تملك الأموال لإغراء كينيا لدعم أجندة الدعم السريع مقابل وعود بمئات الملايين من الدولارات.

هكذا انضمت كينيا إلى مخطط تدمير وحدة السودان وتقسيمه، وأقيم المؤتمر التأسيسي لذلك في 19 فبراير/ شباط 2025، لتقديم مليشيات الدعم السريع بواجهة سياسية وغطاء مدني من بعض الموالين قبليًا ومناطقيًا، وبعض من أغراهم الدعم المالي.

في المقابل، استنكر مسؤولون كينيون هذه الخطوة، التي تشكل دعمًا ضمنيًا لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الحكومة السودانية، ومنهم برلمانيون ووسائل إعلام أكدوا أن هذا التصعيد يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم ونيروبي، في وقت حساس تمر فيه كينيا بتحديات داخلية وخارجية.

توقع عدد من القيادات السياسية الكينية ألا يقبل الأفارقة بالدور المنحاز الذي تلعبه حكومتهم ضد الحكومة السودانية، وذلك ما حدث بالفعل في أول محفل أفريقي جامع، إذ سقط المرشح الكيني (رئيس الوزراء السابق) في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي أمام مرشح جيبوتي (وزير خارجيتها)، ما عُدّ انتكاسة كبرى للسياسة الكينية ووزنها الأفريقي.

إعلان

كذلك، يتوقع الكينيون ردات فعل سياسية واقتصادية من الحكومة السودانية تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، وربما تقود إلى تعقيدات حادة في عدة مجالات ومحاور ضارة بكينيا.

السؤال الثاني: من الحاضرون؟ ومن يمثلون؟

بعد فشل مشروعها الأساسي بهزيمة الجيش السوداني وتدميره والاستيلاء على الحكم بكامل البلاد، لجأت المؤامرة الخارجية للخطة (ب) بالإعلان عبر مجموعات الدعم السريع عن ميثاق تأسيسي يمضي لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.

المجموعات التي انضمت للدعوة لا تعدو كونها انشطارات صورية عن أحزاب تقليدية معروفة بموقفها من الدعم السريع منذ تأسيسه إبان حكم الإنقاذ.

من وقع عن حزب الأمة لم يستذكر موقف الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله، من الجنجويد، وجهره بكلمة الحق منتصف عام 2014، والتي أكد فيها "ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب لممتلكات المواطنين، وضم عناصر غير سودانية إلى صفوفها، والعمل خارج نطاق القوات النظامية".

موقف الحزب ممن وقع باسمه كان سريعًا وحاسمًا بإقالته من رئاسة الحزب. كذا كان نفس الموقف لمن وقع باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي. أما بقية من وقع من المدنيين والواجهات واللافتات التي حُشدت في نيروبي، فلا يقف وراءها مد جماهيري ولا بعد سياسي.

ما تبقى من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا ولم تنحز للجيش السوداني، فتلك أيضًا تعاني من تعقيدات قبلية ومناطقية أفقدتها عددًا كبيرًا من مقاتليها، وأصبحت مرتهنة بيد الدعم السريع ماليًا وسياسيًا.

حضر لقاء الميثاق رئيس "الحركة الشعبية – شمال"، السيد عبدالعزيز الحلو، المعروف عنه رفضه أي اتفاق أو توافق مع أي حكومة مرت على البلاد طوال الحقب السابقة وحتى حكومة الثورة.

فرض الحلو على الميثاق بنوده وشروطه التي ظل يرددها دون معنى وبلا تبرير، وعلى رأسها العلمانية وفصل الدين عن السياسة. أيضًا انتهت مجموعته إلى التشتت، واستقال عدد من كوادر الحركة وانتقدوا مواقفه بشدة.

إعلان

بهذا التناقض جاء التأسيس لخطة التقسيم، لافتات مدنية ضعيفة تلتف حول الدعم السريع لتقدم الغطاء المطلوب، تمامًا كما حدث في ليبيا مع حفتر ونموذج المجلس الانتقالي في اليمن.

ظهر الدعم السريع متسيدًا للمشهد، مقدمًا المشاركين كمتحالفين معه وداعمين له. صورة انقسام وتشظي الأحزاب التقليدية تعزز مخطط الانقسام الجهوي والجغرافي المطلوب لفرض المخطط الخارجي وتقسيم البلاد.

تسارعت الخطى لانعقاد لقاء الميثاق، والواضح أن التقدم العسكري للجيش السوداني، الذي يتوسع يومًا بعد يوم، هو الدافع الرئيسي لذلك، قبل أن يفقد الدعم السريع ما يحتله حاليًا من مناطق يمكن أن تنطلق منها، ولو شكليًا، ما سموه بحكومة السلام المدنية.

المخطط يتطلع للتشبث بمناطق دارفور، التي تتوفر فيها مطارات تستقبل الدعم الخارجي، خاصة الدعم العسكري الثقيل، الذي يمكن أن يوقف تقدم الجيش وانتصاراته. ظهرت أهداف اللقاء قبل أن تقدم ورقة الميثاق، حينما أكد أفراده أن الدعم الخارجي بانتظار اجتماعهم وتشكيل حكومتهم الموعودة.

هكذا تتسارع الخطى من جانبين:

القوات المسلحة، التي يقف خلفها الشعب السوداني مستنفرين وداعمين، متطلعين للعودة إلى منازلهم ودورهم لإعادة حياتهم الطبيعية بعد قتل ونهب وسرقة مليشيات الدعم السريع لممتلكاتهم. مخطط الخارج، عبر مليشيات الدعم السريع وداعميه، لتثبيت أقدامهم في نيالا، والجنينة، والضعين، وكاودا، ليكون للمخطط مساحة جغرافية يوهم بحكمها، وتهبط فيها طائرات الحرب تحمل الدمار للسودان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية تندد بالمساعي الكينية لاحتضان حكومة موازية بقيادة “الدعم السريع”
  • ثالث دولة عربية تعلن رفضها دعوات تشكيل حكومة موازية فى السودان للدعم السريع
  • لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
  • ثاني دولة عربية تعلن رفضها تشكيل حكومة سودانية موازية بقيادة الدعم السريع
  • في بيان رسمي.. مصر تعلن رفضها لحكومة سودانية موازية
  • الجيش: سيطرنا على منظومة تشويش تابعة لقوات الدعم السريع على سطح منزل في شرق النيل – فيديو
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم وشمالي الأبيّض
  • قوات الدعم السريع تسعى للحصول على الشرعية الدبلوماسية والأسلحة من خلال حكومة موازية
  • طائرات مسيّرة للدعم السريع استهدفت مواقع مهمة بمدينة مروي شمال السودان