الحماية الأمريكية لإسرائيل… والافتراء على القانون الدولي
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
وأخيرا اعتمد مجلس الأمن الدولي صباح الإثنين 25 مارس القرار 2728 (2024) المختصر، الذي تضمن الكلمة السحرية «وقف إطلاق النار فورا» والذي تأخر أكثر من خمسة أشهر، بسبب الموقف الصلف من الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت الفيتو ثلاث مرات ضد مشاريع قرارات تدعو لوقف إطلاق النار، ومرتين ضد تعديلات على مشاريع القرارات لإدخال بند يتعلق بوقف إطلاق النار بما فيها هذا القرار.
القرار الذي اعتمد ضعيف وفيه مثالب كثيرة، لكن هدف الجزائر، ممثلة للمجموعة العربية، والدول المنتخبة الست، التي وقفت معها في البداية قبل انضمام حلفاء الولايات المتحدة الثلاثة: إكوادور واليابان وكوريا الجنوبية، أن تكسر حاجز الإصرار الأمريكي على عدم استخدام وقف إطلاق النار فورا، والالتفاف عليها لتعطي فرصة أطول للكيان الصهيوني للاستمرا في مجازره، لتحقيق ما أعلنه من أهداف باجتثاث حركة حماس وإطلاق الرهائن.
كان الكيان يحلم بأنه سيحقق ذلك خلال أسبوعين، في ظل التعاطف الغربي المطلق وتدفق الأسلحة والعتاد والمتطوعين، ووصول البوارج الحربية وحاملات الطائرات. ظلت الولايات المتحدة تماطل وترفض إدخال بند لإطلاق النار شهرا وراء شهر. وأكثر ما سمحت به «هدن إنسانية»، تجسدت في قرارين للمجلس 2712 بتاريخ 15 نوفمبر والقرار 2720 بتاريخ 23 ديسمبر 2023. كان لا بد من الضغط باتجاه اتخاذ قرار يدعو صراحة لوقف إطلاق النار، وهذه النقطة الجوهرية في القرار.
والعيب الأساسي الثاني في القرار هو الوقف الفوري خلال رمضان، أي فيما تبقى من أيام لا تزيد عن الأسبوعين، ولنفرض أن الكيان الصهيوني يريد أن يلعب سياسة ويعلن أنه سيتوقف تماما عن إطلاق أي رصاصة من لحظة صدور القرار لغاية نهاية رمضان، ويطبق ذلك فعلا، إذن سيأتي بعد ذلك تنفيذ الجزء المرتبط عضويا بالفقرة الأولى، الذي ينص على: «ويطالب كذلك بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن»، أي أن الكرة ستنتقل فورا إلى ملعب المقاومة وسيكون العالم ينتظر إطلاق جميع الرهائن، عسكريين ومدنيين ومجندين وقاصرين، من جهة، ومن جهة أخرى يكون الإفراج فوريا.
ولنتابع السيناريو، يتم وقف إطلاق النار فعلا، ويتم إطلاق جميع الرهائن فورا. وتستمر حالة التهدئة بتطبيق البندين معا، ويتم تسهيل وصول المساعدات الإنسانية المرتبطة بالبندين السابقين، فترتيب الخطوات العملية حسب القرار هكذا: وقف إطلاق نار، إفراج فوري عن جميع الرهائن، تدفق مساعدات إنسانية، ولكن لآخر يوم في رمضان. ما الذي سيحصل بعد ذلك؟ الرهائن عادوا إلى ذويهم وأطلق سراح مئات الفلسطينيين المعتقلين والأطفال والنساء. ستشعر بعدها قيادة حرب الإبادة، أن لا شيء يكبل أياديها وسيكون أول من يطالب باستئناف حرب الإبادة هم أهالي الأسرى والأسرى أنفسهم. فإذا لم تكن هناك دول ضامنة واتفاقيات موقعة بأن بعد رمضان يستمر وقف إطلاق النار للتفاوض على بقية القضايا الشائكة، خاصة قضية الانسحاب وسلطة تسيير الأمور في غزة، والاتفاق على نقاط تتعلق بالإعمار، فما الذي يمنع الكيان أن يضاعف عشر مرات أو أكثر من هجوماته الشاملة، بعدما ضمن أن الأسرى قد عادوا إلى بيوتهم. هذه نقاط ضعف القرار، التي لا تقلل من أهميته وتوقيته وشبه الإجماع الذي حظي به، خاصة الاصطفاف الكامل للدول العشر المنتخبة، التي تمثل المجموعات الجغرافية جميعها. وكان لانضمام كوريا الجنوبية واليابان وإكوادور رسالة قوية للولايات المتحدة مفادها، أن هناك إجماعا دوليا حول ضرورة المطالبة بوقف إطلاق النار، وأن الوقت لم يعد يحتمل التردد والمراوغة والصياغات الملتوية. حقيقة كانت الولايات المتحدة وحيدة لا يساندها أحد، ولو أنها استخدمت الفيتو ستكون صفعة لكل دول العالم إلا للكيان الصهيوني، لكن الولايات المتحدة تمكنت من خلال هؤلاء الحلفاء أن تنزل باللغة وتبقي على الثغرتين السابقتين.
اضافة-اعلان-كورونا
بعد رد الفعل الإسرائيلي الغاضب وإلغاء زيارة الوفد العسكري، الذي كان سيتجه إلى واشنطن لمناقشة بدائل عسكرية عن خطة اقتحام رفح، سارعت المندوبة الأمريكية، ليندا توماس غرينفيلد، لتعلن بكل ثقة، وكأنها ملكت نواصي القانون الدولي من جميع أطرافه، بأن القرار غير ملزم. تبعت ذلك تصريحات من الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر، تؤكد النقطة نفسها، ثم لحق بالاثنين جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض. فهل هذا الموقف صحيح؟ في عام 1993 وبعد وصول الأمين العام الأسبق بطرس بطرس غالي، بأيام معدودة عُقد مؤتمر صحافي في مقر المنظمة الدولية، وسئل عن القرار 242 (1967) الذي يطالب بالانسحاب من الأراضي التي احتلت في حرب الأيام الستة، فقال إن القرار غير ملزم. وقامت عليه الدنيا يومها، وهاجمته الصحافة المصرية والعربية، واتهم يومها بأنه يسدد فواتير انتخابه للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لأنه أيد مسيرة السادات ورافقه في رحلته إلى القدس المحتله في نوفمبر 1977، لكن بطرس غالي سرعان ما اكتشف خطأه بسرعة، وأصدر بيانا يوضح أنه لم يقصد أنه غير ملزم، ولكنه كان يقصد أنه غير واجب الإنفاذ، وأنه اختار كلمة خاطئة باللغة الإنكليزية وهي (not binding) بدل كلمة (not enforceable) والفرق واضح بين المصطلحين. فكل قرارات مجلس الأمن ملزمة دون استثناء، حسب نص البند 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على: «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق». إذن القانون الدولي واضح في هذه المسألة ولا يجوز التأويل أو الفذلكة، كما تقول القاعدة الشرعية «لا اجتهاد مع النص». وقد صدف للكيان الصهيوني أن أعلن مرتين أنه نفذ قرارات مجلس الأمن ولكن بتثاقل طويل. القرار 425 (1978) الذي طالب الكيان بالانسحاب من جنوب لبنان. وعندما أجبر الكيان على الانسحاب عام 2000 مذموما مدحورا ادعى أنه نفذ القرار. وعندما اعتمد مجلس الأمن القرار 799 (1992) لإعادة المرحلين إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، وبالفعل أعيد إلى البلاد من اختار العودة خلال العام الذي تلا القرار. فالقرارات التي لا تعتمد تحت الفصل السابع، يفترض ضمنا أنها اعتمدت تحت الفصل السادس دون التصريح بذلك، وهذه القرارات هي الغالبية الساحقة من قرارات مجلس الأمن. ولأن الفصل السادس يتعلق بحل النزاعات بالطرق السلمية، إذن يترك الموضوع للأطراف المتنازعة لإيجاد الطرق الأسلم لتنفيذ القرار، كالوساطة والمفاوضات والتحكيم واستخدام مكتب الأمين العام، وإرسال مبعوث خاص، أو اللجوء للمحاكم الدولية.
أما القرارات التي تعتمد تحت الفصل السابع فهي ليست فقط ملزمة، ولكنها واجبة الإنفاذ عبر سلسلة من الخطوات تتدرج في القوة من التحذير إلى قطع العلاقات إلى العقوبات الاقتصادية الجزئية، إلى العقوبات الشاملة وصولا إلى استخدام القوة. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وحليفتيها الأساسيتيين بريطانيا وفرنسا لن تسمح مجتمعة لمجلس الأمن حتى بالتفكير باعتماد قرار عقوبات ضد الكيان تحت الفصل السابع. إضافة إلى التفسير غير المنطقي، وغير المقبول الذي قدمته الولايات المتحدة حول القرار الأخير، وعدم إلزامه فقد زادت في غيها وشططها الأرعنين عندما قالت إنها لا تعتقد أن «إسرائيل تستخدم التجويع ومنع الغذاء بشكل متعمد»، وأنها غير مقتنعة أن هناك خطرا محدقا بوقوع مجاعة مع نهاية شهر مايو، وهو ما يدحضه تقرير التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (ICP) الصادر يوم 19 مارس، أن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد للمجاعة قد تم تجاوزه بشكل كبير في شمال غزة، وأن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة.
أما المسألة الأخرى التي ما زالت الولايات المتحدة تقف فريدة في موقفها وهي، عدم قناعتها بأن ما يجري في غزة إبادة جماعية، ولا نعرف هل العالم يصدق تصريحات الولايات المتحدة، أم محكمة العدل الدولية، أم تقرير مقررة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، التي نشرت تقريرا في 25 صفحة يوم 25 مارس تثبت دون شك أن ما يجري في غزة، حرب إبادة جماعية كاملة الأركان.
إنها غطرسة القوة وأيديولوجية الرأسمالية المتوحشة وعقيدة تفوق العنصر الأبيض الغربي، لكن الأرض بدأت تميد من تحت أقدام ما يسمى الحضارة الغربية ونهاية هيمنتها باتت لا شك قريبة.
للاطلاع إل ا
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة غزة الأمم المتحدة الأمم المتحدة الولايات المتحدة غزة اليمن مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قرارات مجلس الأمن الولایات المتحدة وقف إطلاق النار جمیع الرهائن تحت الفصل
إقرأ أيضاً:
لبنان يقدّم أسماء المفقودين في «السجون السورية» وشكوى ضد إسرائيل بمجلس الأمن
أعلن وزير العدل اللبناني أنه سلم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أسماء المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، وأعلنت وزارة الخارجية والمغتربين تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهر.
وقال هنري خوري بعد اجتماعه برئيس الحكومة إن “ميقاتي سيقوم بدوره بكل ما هو مطلوب من أجل متابعة هذا الملف ونأمل أن يصل من خلال الاتصالات التي سيقوم بها إلى نتائج إيجابية”، مبينا أنه “في الوقت الحالي هناك اجتماعات لهيئة الطوارئ التي تشكلت من خلال قرار صادر عن مجلس الوزراء وهي تقوم بدورها ونأمل أن تكون النهاية إيجابية لصالح أهالي المفقودين وبظهور المفقودين الذين لا يزالون في سوريا”.
وأضاف: “من الواضح أن كل السجون في سوريا قد حررت من جميع المساجين والجميع ينتظر إذا ما كان هناك سجون سرية لا زال سجنائها غير محررين”، معربا عن أمله بأن “يتم إيجاد لبنانيين مفقودين كانوا اعتقلوا أو تم إيقافهم من قبل السلطات السورية ونأمل أن تعطي الأمور نتائج إيجابية”.
وفي سياق متصل، قدم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهر.
وفي التفاصيل، قدمت وزارة الخارجية والمغتربين بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتضمن احتجاجا شديدا على الخروقات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل لـ”إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بترتيبات الأمن المعززة تجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 والتي بلغت أكثر من 816 اعتداء بريا وجويا بين 27 نوفمبر و 22 ديسمبر 2024″.
وأشار لبنان في الشكوى بحسب وزارة الخارجية أن الخروقات الإسرائيلية “من قصف للقرى الحدودية اللبنانية تفخيخ للمنازل تدمير للأحياء السكنية وقطع للطرقات تقوض مساعي التهدئة وتجنب التصعيد العسكري، وتمثل تهديدا خطيرا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنها تعقد جهود لبنان في تنفيذ بنود القرار 1701 وتضع العراقيل أمام انتشار الجيش اللبناني في الجنوب”.
وإذ جدد لبنان التزامه بالقرارات الدولية وتطبيق ترتيبات وقف الأعمال العدائية وأكد أنه تجاوب بشكل كامل مع الدعوات الدولية لتهدئة الوضع وما زال يظهر أقصى درجات ضبط النفس والتعاون في سبيل تجنب الوقوع مجددا في جحيم الحرب ودعا مجلس الأمن لا سيما الدول الراعية لهذه الترتيبات إلى إتخاذ موقف حازم وواضح إزاء خروقات إسرائيل والعمل على إلزامها باحترام التزاماتها بموجب إعلان وقف الأعمال العدائيّة والقرارات الدولية ذات الصلة” وفق وزارة الخارجية.
وطالب لبنان بتعزيز الدعم لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني لضمان حماية سيادته وتوفير الظروف الأمنية التي تتيح له استعادة استقراره وعودة الحياة الطبيعية إلى جنوبه”.
وأمس الاثنين، أفادت صحيفة “الأخبار” بأن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي استدعى اللجنة الخماسية المكلفة بمتابعة اتفاق وقف إطلاق النار لبحث خروقات الجيش الإسرائيلي، وأنه طلب للمرة الأولى الاجتماع باللجنة “للتأكيد على أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي في الجنوب من خروقات يسبب إحراجا للدولة اللبنانية التي وقعت قرار وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية”.
وأفادت مصادر مطلعة بأن “ميقاتي سيطلب من الجانبين الأمريكي والفرنسي الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لأن استمرارها يعني انفجار الوضع في أي لحظة وسقوط الهدنة”.
وفي 27 نوفمبر الماضي تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين “حزب الل”ه اللبناني وإسرائيل بعد أكثر من عام على تبادل الهجمات على الحدود.
في حين يواصل الجيش الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث فجر وجرف عددا من المنازل والبساتين والممتلكات في عدة قرى وبلدات بجنوب لبنان.
إجتمع رئيس الحكومة #نجيب_ميقاتي مع وزير العدل هنري خوري في السرايا اليوم.
وقال وزير العدل في تصريح:سلّمت دولة الرئيس ميقاتي اسماء المفقودين اللبنانيين في السجون السورية، كانت هذه الاسماء بحوذة لجنة المفقودين الذي يرأيها مدعي عام بيروت .وسيقوم دولة الرئيس بدوره بكل ما هو مطلوب من… pic.twitter.com/DlhEcCIRux